الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خاتمة كتاب (تأملات في الأديان السياسية)

محمد لفته محل

2012 / 4 / 6
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


هذا الكتاب هو تأملات نقدية وتحليل للأديان السياسة،(1) ولأن نقد هذه الأديان ممنوع، فهذا المنع دليل على حاجتها للنقد، هذه الأديان التي قامت من البداية وقبل كل شيء على تحصين نفسها من كل شك ونقد ومعارضة بتكفير معارضيها وخصومها ومحاوريها لأنها ديانات سياسية جاءت لتفرض نفسها على الناس وليس ليختارها الناس، أو تخضع للتجربة والممارسة بحجة أنها ربانية! وما على الإنسان سوى الطاعة والخضوع والشكر والخوف من خطر الخروج عنها أو عدم طاعتها أو الشك بها! لان الجحيم الدنيوي والأسطوري مصيره، والفردوس مكافئة لالتزامه وخضوعه، هذه الأديان التي سمت نفسها بالتوحيدية و السماوية وهذه التسميات جزء من استراتيجيها السياسية لإخفاء أصلها السياسي ليقدسها الناس ويخضعون لها مطلقا ولتكفير معارضيهم وقتلهم بحجة خروجهم عن الدين السماوي!! هذه الأديان هي في حقيقتها نظريات سياسية شمولية قائمة على عبادة الحاكم أو المختار أو المجيد أو الرسول المطلق بعد أن أدعى أنه مختار من الله!(2)، ولقد بينت نظرية الأصل الإلهي في الأديان السياسية من خلال تقسيم الحاكم شخصيته لنصفين لكل نصف له أسم، الأول الدنيوي الواقعي باسم (الحاكم، أو المختار)، والثاني السماوي المثالي باسم (الله، أو الرب)، مدعيا أن الأخير مستقل والأول تابع له كالظل أو كالمرآة، وأنه الممثل والناطق والصدى له، وأن الثاني هو السلطة التشريعية والقضائية، والأول السلطة التنفيذية له، الثاني يأمر والأول مطيع ومأمور ليس إلا؟ فالرب هنا هو الحاكم وقد تعالى في السماء بعد أن أضاف لصفاته البشرية صفات مطلقة! فوحدانية الله هي وحدانية الحاكم حتى يتفرد وحده بالسلطة بدون معارضة أو منافسة مدعيا انه انعكاس لوحدانية الله! الذي يسمى صراحة بالملك والسلطان وله عرش يجلس عليه! لهذا ُتأكد هذه الأديان على وحدانية الرب بدون شريك وتكفير كل مخالفيها دائما لأنها تمس السلطان، أن صورة الله المفارقة حصيلة عملية تاريخية إذ كان الملك في الماضي يعلن صراحة أنه الله، ثم أصبح أبنه أو من سلالته فيما بعد، ثم ظله ومختاره ورسوله، وفي الأزمنة الحديثة صار السائر على نهجه وشريعته! وفي النهاية هي اللعبة السياسية ذاتها. وجميع العبادات والأدعية والتراتيل والآيات التي تمجد الرب وتتغزل به وتحقر الإنسان كعبد عاجز وضعيف ومتملق ليس له إرادة إلا بوجوده ومساعدته له، هي في حقيقتها الأساليب التي ينتهجها السلطان مع حاشيته وشعبه من مدح وثناء وإطراء من الشعراء والمقربين والمتملقين والمنتفعين مقابل التعالي والسمو والتأليه له والتصغير والاستعباد والاستضعاف لكل ما دونه، للتبعية التامة له، وهي لاشك صورة مهينة لربهم بدل أن تكون مبجلة ومحترمة له، وأنماط العبادة هي محاكاة لأدب الوقوف أمام السلطان، كالانحناء أو الركوع أو الوقوف وانحناء الرأس احتراما، التي نراها واضحة في الصلاة. أن عدم تجسيد الحاكم أو تشبيهه وإضفاء المعجزات عليه, وجميع أسمائه وألقابه وقداسته وعدم جواز لفظ اسمه إلا مصحوب بصفة إيجابية مثل (المجيد، المرسل، المستنير)، يتم ترحيلها إلى النصف المثالي منه المسمى بالرب، مع تضخيمها لهذا نرى رفض تجسيد الرب أو تشبيهه في الأديان السياسية، وامتلاكه أسماء وألقاب كثيرة، ويجعل من اسمه مصحوب بعبارة ملازمة له تبجله من(سبحانه تعالى) (جل جلاله).
انتهجت الأديان السياسية قانون التماهي المعكوس، أي كما يخلق الإنسان التمثال ثم يقول هو الذي خلقني فيعبده، كذلك يخلق مؤسس هذه الأديان الرب ويفصله وفق سياسته ثم يقول هو الذي خلقني وأمرني لأعبده وأبلغ رسالته، أي تقلب نفسها من خالقة إلى مخلوقة له لتمرير سياستها التسلطية على الإنسان.
إن قانون الإغراء بالنعيم للمطيعين والجحيم للمخالفين، وهذا القانون يتعارض مع أي شكل من أشكال الحوار والإقناع ولا يصلح إلا للطفل! لهذا عملت هذه الأديان السياسية على تثبيت الإنسان على رغباته الطفولية ليتسنى لها السيطرة علية كما بينت. ففرضية الفردوس أو الجنة بعد الموت هي تجسيد للرغبات الطفولية الغير مشبعة، من حيث تركيزها على الإشباع الجنسي والطعام والشراب بدون وجود القوانين والتحريمات، وهي من جهة أخرى تأجيل لحق الفقراء الطبيعي بالفردوس الواقعي التي يرفل به أقرانهم الأغنياء لوحدهم في الأرض؟ بعد أن أوهموا الفقراء أن مال الأغنياء غالبا ما يكون حرام وأن مقياس المال الحلال يقاس بالكد والتعب الجسدي! لهذا فأن الفقراء يضمنون الجنة بشقائهم! والحقيقة إن هذه الحلول الطفولية التي تكرسها وتغذيها السلطة القائمة، تجد عند عامة الناس راحة وطمأنينة وتكيف َمرضي مع الواقع المفترض لأنها أصبحت عصاب جماعي ذو طبيعة نكوصية، لذلك فالناس تساهم في تجذير هذه الممارسات السياسية أصلا، بحيث تصبح عادات متوارثة تقف في وجه أي تغيير لها وفي وجه أي نظام سياسي يحاول اقتلاعها، إن فلسفة تقدير وتعليم الإنسان كل شيء في حياته وتفكيره ومعيشته وأخلاقه وكل قضاياه العامة والخاصة من خلال الإغراء بالمكافئة، والتلويح بالعقاب لا تصلح إلا للطفل في مراحل حياته الأولى، فالدين يستخدم العقل في تبرير سياساته ألتظليله للجماهير، لكنه ينتهج تنحية العقل العلمي والعملي في تقبل المعتقد الديني! وأن ظهور الأنظمة العلمانية كان بسبب الأديان السياسية وما فعلته بالناس من ظلم واستبداد وقمع، وأول ظهور للعلمانية كان ضد هيمنة الكنيسة على الحياة السياسية.
عملت الأديان السياسية على ابتكار (القضاء الموازي المستتر) لإلهاء الناس وتخديرهم عن قضائهم الفاسد الذي شرعوه، هذا القضاء الموازي يتكفل بتحقيق العدالة الغير متحققة في القضاء الرسمي، الذي يعتمد مبدأ ثأري انتقامي كالعين بالعين، مثل (بشر القاتل بالقتل، أو بشر الزاني بالزنا) وأن الظالم يسلط الله عليه ظالم أقوى، وان المال الحرام تكون عقابه ابتلاء عائلة الفاسد ويكون سريع التبذير، أو أصابته بمرض عضال، وإن الفقراء يدخلون الجنة، وان مصائب المؤمن اختبار من الله، أو ينتهج العقوبة الجماعية كما يحدث من زلازل وفيضانات في الأمم الكافرة الظالمة (وهو تشريع علني بقتل الأبرياء مع الجناة المفترضين) إن هذا القضاء يعاقب الجرم حتى لو عوقب بالقضاء الواقعي الرسمي، هذا عدا القضاء الموعود بعد الموت كما تدعي أساطير هذه الأديان، أي أنه يعاقب الجرم بعقوبتان، عدا العقوبة الواقعية، لتكون في النهاية ثلاث عقوبات لجرم واحد! مع الإشارة إلى أن العقوبة (وهي التعذيب!) التي تتحقق بعد الموت هي عقوبة خالدة تتجاوز حتى عمر الإنسان نفسه! وهذا أقصى إجحاف بحق الإنسان؟ الم يكن من العدل أن تتضمن الأسطورة سجن الذين لم يعاقبوا بالقانون أثناء حياتهم في سجون خالية من التعذيب والتنكيل كما في الأسطورة تتناسب مع جرمه ثم يتم إطلاق سراحهم للفردوس؟ ثم يقولوا إن الرب يغفر الذنوب كلها لو تاب الإنسان؟ دون أي اعتبار للمجني عليه أن يوافق على مسامحة الجاني أو القصاص منه باعتباره المتضرر؟ الجواب واضح لأن الأسطورة هي انعكاس وتبرير لمنهجية السلطة تجاه معارضيها في السجون. هذا القضاء الموازي البائس هو أفضل عزاء وهمي للناس وأفضل لعبة من السلطة.
لقد أدرك مؤسسي الأديان السياسية، أن قوة أديانهم العاطفية أو مرجعيتها الربانية غير كافية لترسيخ أديانهم اجتماعيا، فعملوا على جعل عادات وتقاليد المجتمع الغير متعارضة مع مصالحهم مقدسة ولها شرعية ربانية أي جزء من دينهم، وهذا ما يجعل الأديان السياسية قوية اجتماعيا لأنها صارت جزء من ثقافة تلك المجتمعات. ف(محمد عبد الله) لم يلغ قيم البداوة كالعين بالعين، وإنتقاص المرأة بعقلها وميراثها وشهادتها ودينها وحريتها، بل قام بجعلها قيم ربانية.
لهذا فإن الله ليس ذاته في الأديان السياسية؟ كما يتصور البعض، لأن كل اله (الحاكم) ُيفضّل أتباعه على غيرهم ويعتبرهم الأمة الأسمى والخاتمة للتاريخ! ويخصهم بفردوسه بعد الموت ويقدم لهم العون والمساعدة في الحياة! ويسن لهم قوانين وطقوس ومحرمات تميزهم، أما الباقي فكلهم للجحيم أن اختلفوا مع رأيه!.
يقوم الدين السياسي بأستوجاد واقع افتراضي ُمسيّس موازي للواقع الفعلي يناقضه أو يزاحمه فيخلق ازدواجية في التعامل مع ذات الأشياء ما بين مجالها الدنيوي العملي، وبين مجالها الديني النظري، فتنشأ ثنائية الواقع والمعتقد؟ وعموما تقوم كل الأديان بأستوجاد واقع موازي كما يسميها (دوركهايم) تقسيم الأشياء إلى (مقدس ودنيوي) مثله مثل العلم حين يقوم بأستوجاد قوانين افتراضية للواقع، لكن مع فارق واضح ومهم، أن افتراضات الدين قائمة على أسس نفسية وعقلية وهمية في حين أن العلم قائم على أسس تجريبية موضوعية، وربما كان الدين هو الصورة البدائية للعلم، أو هو أب العلم.
ــــــــــــــــ
1ـ تعتبر المقالتان (موجز الدراسات المنهجية للظاهرة الدينية، و حضر علم الاجتماع الديني في الجامعات العربية) بمثابة مدخل للموضوع، في حين أن المقالات (العلم وفرضية الله، الانتماء الديني بين الواقع العملي والواقع الافتراضي، الكونية في الأديان السياسية)، هي لب الموضوع، أما المقالتان الأخيرة (الرغبة والعبادة، ملاحظات حول الصراع بين مذهب السلطة ومذهب الانقلاب، ملاحظات أخرى) هي ذيل الموضوع.
2ـ إدعى(موسى بن عمران) بأنه كليم الله!، وأدعى (عيسى أبن مريم) بأنه أبن الله!، وأدعى (محمد عبد الله) بأنه حبيب ألله!، وهؤلاء الثلاثة كانوا لا يأتون ذكرا على آبائهم وكأنهم ولدُ ذاتيا، فكلهم تذكر أسمائهم وحدها في كتبهم وفي طقوسهم وكأنهم استولدُ ذاتيا؟ وربما هذا وراء إصرارهم على أن الله ليس له خالق أي ليس له أب؟.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. استهداف المقاومة الإسلامية بمسيّرة موقع بياض بليدا التابع لل


.. 52-An-Nisa




.. 53-An-Nisa


.. 54-An-Nisa




.. 56-An-Nisa