الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الآخر بين سارتر وميرلوبونتي

عبدالنور شرقي
كاتب وباحث

2012 / 4 / 7
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


تتشكل العلاقات الانسانية من مجموعة ذوات، فلا يمكن أن نتصور حياة معزولة عن الآخرين، وهذا ما عبر عنه علماء الاجتماع من أمثال اميل دوركايم Emile Durkheim (1858-1917) بقولهم "أن الانسان اجتماعي بطبعه يهدف إلى صنع المجتمع من خلال تعامله مع غيره من الناس". هذه الفكرة تناولها معظ الوجوديين نجد هيدغر يتطرق في حديثه عن العلاقة التي تربط الآنية Dasein بغيرها من الذوات من ثم يفرق بين الوجود الأصيل والوجود الزائف.
اما سارتر فإنه يرى في الآخر سلبا للحرية فالإنسان ينتابه هذا الشعور كلما أحس بنظرات الغير تقصده او تراقب أفعاله وتصرفاته لهذا ليس غريبا أن يعلن أن > حيث نجد أن الآخر يفرض على الانسان الوجود الذي يرضيه ويتماشى مع طموحاته وأفكاره وهذا من شانه أن يعيق كل ابداعات والسمات التي هي ميزة الانسان في حد ذاته، لهذا يرى سارتر أن الحب مشروع لا يمكن تحقيقه وما هو إلا محاولة للسيطرة على الآخر، ونفس الشيء عندما يحبني الآخر فإنني بالنسبة اليه موضوع، باستطاعتي أن أؤثر في حرية الآخر بطريقة تجعلني أمتلكه كما امتلك شيئا آخر وهذا ما قصده سارتر في قوله >، إنه يريد امتلاك حرية بما هي حرية .
الآخر بهذا المعنى يمثل الوجود السابق للوجود الانساني وللوقوف في وجهه لابد حسب سارتر اني أستمر في ان أنكر على نفسي بانني الغير، وأخيرا فإن مشروع التوحيد هو مصدر نزاع باعتبار ان وجود الآخرين الذي يحتلون وجودنا يؤدي إلى معاناتنا فهم يخلقون لنا وجود غير وجودنا <<فالآخر لا يكشف لي الحالة التي لايكون عليها فحسب وانما يجعل مني كائنا جديدا يحمل أوصافا جديدة>> .
في مقابل ذلك نجد أن ميرلوبونتي يولي أهمية لمسألة الآخر وهذا ما نلمسه في تحليله الفينومينولوجي للجسد، << فالآخر ضروري بالنسبة لي لانني لا أستطيع أن أكون حرا بمفردي، ولا اكون واعيا بمفردي ولا أكون انسانا بمفردي >> فإذا ما تساءلت فإنني أجد هذا الشخص الآخر الذي يعتبر ثان بالنسبة لي حيث أعرفه منذ البداية لانه جسمه الحي له نفس بنية جسمي.
يعتبر جسم الآخر بمثابة موضوع يشكل مع جسمي كلا واحدا فهو امتداد لجسمي تماما مثلما تعمل العينان بالعمل المشترك، في نقل صورة واحدة، لذلك فإنني أشعر حسب ميرلوبونتي بان الآخر جسمه خاصا مماثلا في تكوينه الجسمي، وقد أهيب بالآخر أن يأتي لمساعدتي هلى القيام بعمل مشترك وفي هذه الحالة يكون جسم الاخر قد اتضاف إلى جسمي مكونا كلا واحدا.
وبمجرد حديثي مع الآخر يكون اتصال حقيقي به وهو ضرب من المشاركة الفعلية تلتقي فيها الذات بالآخر<< إننا ندرك الغير عن طريق التواجد معا>> ولا يكاد أحدنا ان يشرع في القيام بعمل مشترك مع الآخر حتى ينشأ بيننا ضرب من الاتصال >> حيث يوجد حضور دائم للآخر ولا يمكن تهميشه أو تغييبه << ... والحاجز بيننا وبين الغير دقيق جدا إذا كان هناك قطيعة فليست بيني وبين الآخر...>> فالغير وجسمي يولدان معا إلى الوجود الأصلي .
إذا كان الآخر يمثل سلبا للحرية بالنسبة لسارتر فهذا راجع إلى اعتقاده ان الانسان يتمتع بالحرية المطلقة التي لا تحدها حدود وهذا ما جعله يثور على الآخر ويؤكد على تحطيم وجوده من أجل اثبات هذه الحرية غير أنه ما برح ان تنازل عن هذا الطرح وأصبح أقل دعوة للحرية المطلقة وهذا ما يظهر في مؤلفاته المتأخرة "نقد العقل الجدلي" و "الوجودية نزعة انسانية" ليصبح بذلك الالتزام والاحترام شرطا ضروريا للحرية، حيث يقول << إن الغير هو أمر ضروري لا غنى عنه لوجودي>> كما يقول أيضا <<إن تحركات جسد الغير يأتي لتؤلف كلا استخلاصيا مع اضطراب جسمنا>> .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الاخرانا وانت وكل الناس
جواد الصالح ( 2012 / 4 / 7 - 15:04 )
قبل السؤال عن الاخر ومدى الاهميه التي تترتب على وجوده بالنسبة لنا ,لابد من تأشير بان ذواتنا هي نتاج الاخر ولولاه ماكان للوجود ان يتربع على هذه المعموره0الاخر هو امتداد لنا او نحن مجموعة اخرين 0ان اسراف سارتر في تحرير الوجود من كل قيد دفعت اوربا ثمنه غاليا حينما امتلات شوارعها بالعاطلين من الشباب والذين توهموا فجأة وبوحي من فلسفة سارتر ان كل شيء يفرض على الفرد بعضا من القيود هو بالنتيجه يسلبه حريته اي وجوده وهكذا سدرت ازقة اوربا بالالاف من المتسكعين يعيشون حالة مزريه يعتبرون كل دواعي الحياة هي منغصات تصدم وجودهم حتى الاخر كان لهم مشكله يجب ان يرموها بعيدا عن صفحات ادراكهم 0تنبه السيد سارتر الى هذه المعضله وبشر اتباعه بان العمل في حد ذاته قيمه عليا تضيف الى الوجود معنى وتلهمه مزيدا من النماء وبهذه استعادت الجموع بعضا من وعيها وعادت تمارس الحياة مع الاخر تعيد النظر بقيمة العمل والكثير غيره ممن ارتأت الوجوديه ان تسلبها سطوتها بحجة الحريه0الاخر كان سارتر وميرلوبونتي وكل الخلق وبدونه لايمكن للوجود ان يستمر
0شكرا للاستاذ عبدالنور شرقي على هذه الاناره الفكريه

اخر الافلام

.. تحفظ عربي على تصورات واشنطن بشأن قطاع غزة| #غرفة_الأخبار


.. الهجوم الإسرائيلي في 19 أبريل أظهر ضعف الدفاعات الجوية الإير




.. الصين... حماس وفتح -احرزتا تقدما مشجعا- في محادثات بكين| #غر


.. حزب الله: استهدفنا مبنيين يتحصن فيهما جنود الاحتلال في مستوط




.. مصطفى البرغوثي: نتنياهو يتلاعب ويريد أن يطيل أمد الحرب