الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الصحوة الدينية- في ضل الحصار الاقتصادي

سمير نوري
كاتب

(Samir Noory)

2001 / 12 / 9
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني




إن الأبعاد المأساوية و الخطرة لحرب "عاصفة الصحراء" و فرض "النظام العالمي الجديد" على العالم ككل والمنطقة خاصة ، لم تقتصر على القتل الجماعي لجماهير العراق. فبالإضافة لقتل أكثر من 150 آلف من الجنود الجائعين والمهزومين ، وقصف المدن و القصبات و رمى مئات الأطنان من القنابل على رؤوس المدنيين في بيوتهم ومخابئهم ومدارس أطفالهم, و تحطيم كل المعامل المنتجة وتخريب البنية التحتية وكل مظاهر المدنية في المجتمع العراقي. فقد أدت الحرب إلى تسريح مئات الآلاف من العمال من أعمالهم ونزوح ملايين من المواطنين في جنوب وشمال العراق. ولم تكتف تلك الحرب باستعمال أحدث أنواع الأسلحة الفتاكة في حرب غير متوازنة, وفرض الحصار الاقتصادي و منع وصول الأدوية و الحليب و الكتب والضروريات الحياتية إلى اكثر من22 مليون إنسان, بل أدت و بعد كل هذا إلى ظهور الرجعية السياسية والمد اليميني واليمين المتطرف. لقد ظهر ذلك على الصعيد العالمي ككل حيث تقوت الشوفينية والتعصب الوطني والديني والإرهاب الدولي وشاعت الصحافة العميلة والمنحازة إلى الغرب والدول الرجعية. إن ذلك بمجمله يشكل نتائج تلك الحرب البربرية و يعد من خصوصيات النظام العالمي الجديد. إن النتائج الأيديولوجية لحرب الخليج و أبعادها المشئومة كانت متوقعة في أيامها الأولى من قبل الأحزاب الشيوعية - العمالية. واليوم و بعد مرور اكثر من عشر سنوات على انتهاء الحرب لم يعد أحدا يذكر المفاهيم المروجة حينذاك من قبل الصحافة العميلة والمنحازة إلى الغرب وأمريكا حول "انتهاء عصر الدكتاتوريات " و"حقوق الإنسان" و"الديموقراطية"و "الحياة المليئة بالصلح والأمان". لقد دفنت تلك المفاهيم مع الجنود العراقيين في الصحراء. وظهرت المفاهيم الواقعية المعبرة عن نتائج الحرب والحصار ؛ الرجعية الإسلامية والتقاليد العشائرية وغيرها من الأيدلوجيات البالية، تحت عنوان ما يسمى "الصحوة الدينية". فمع انقطاع الكهرباء و اضطرار السكان لشرب مياه الأنهر بدلا من المياه النقية وتفشي الأمراض وعدم وجود الأدوية اللازمة وغيرها من ضروريات الحياة, تم إرجاع القوانين الإسلامية إلى اغلب مجالات الحياة العامة في العراق. لقد جاء ذلك نكسة للنضال الثوري الذي خاضه الشعب العراقي في الخمسينات والستينات من القرن المنصرم مثبتاً بنضاله القوانين المدنية بحق النساء و العمال. فلم يكن من الممكن إرجاع الخرافة الدينية إلا في ظل الحصار الاقتصادي الجائر ودوره في إحباط الإنسان حيث التشبث بالأوهام والتشاؤم والقدرات الخارجة عن إرادة الإنسان وتسلميه للقدر الإلهي أمر بديهي و معروف في ظروف كهذا . ولان العراق بلد متمدن وله تاريخ طويل في النضال ضد الرجعية السياسية والدينية ، فإن التصورات العفوية لا يمكن لها أن تفسر ظهور التقاليد الإسلامية بهذه الوقاحة والسهولة.

إن"الصحوة الدينية" هي مفهوم مبرمج من قبل الدولة تشارك فيه كل الأطراف و القوى الرجعية سواء من كان منهم في دست الحكم أم في المعارضة. فالكل ينعم بخيرات الحصار الاقتصادي لتسير هذه الصحوة الذائعة الصيت قدماَ. إن الدلائل على ذلك لكثيرة؛ فهناك تعزيز التدريس الديني في المدارس والجامعات، إجبار الأطفال على حفظ آيات طويلة ومعقدة، فرض الحجاب على الفتيات الصغيرات و النساء وارتداء الزي المدرسي الطويل و فرض اللباس المحتشم. وهناك أيضا التغييرات التي أحدثت في قوانين الأحوال الشخصية وحولتها من رجعية إلى اشد رجعية حيث تم إفساح المجال للزواج من امرأتين أو ثلاث أو أربعة في آن واحد. وكذلك إصدار القرار رقم 111 المشين حول غسل العار و تشجيع قتل النساء بمحاباة من يقترف الجريمة, كل ذلك ليؤكد على صحة كلامنا. وحسب التقارير الصحفية آلاتية من العراق فإن نسبة بناء المساجد تفوق(50 ) من مجموع المشاريع القائمة في العراق وكذلك تصرف الأموال الطائلة لأعادة طلاء قباب أضرحة الأئمة بالذهب. فحسب كلام إمام ضريح "الإمام العباس" منح صدام حسين قبل اشهر (50) كيلو غراما من الذهب( من أموال الجياع في العراق), لإعادة ترميم ضريحي "الإمام الحسين"و" الإمام علي".!!

وفي نفس الوقت قام جلال الطالباني ببناء اكبر حسينية في مركز مدينة السليمانية إلى جانب قراره بترميم و بناء أي مدرسة في كردستان عن طريق ما يسمى بالمنظمات الخيرية التي تبنى مساجدا فخمة تكلف اكثر بكثير من المدارس البائسة المجاورة.

وفي وقت قلة الكتب العلمية و الأدبية والدراسية و بعد قيام ريتشارد بتلر بحرق عدد كبير من الكتب العلمية للجامعة المستنصرية، تقوم الحكومة العراقية بطبع آلاف النسخ من القرآن و فتح المدارس الدينية في نطاق ما يسمى بالحملة الإيمانية ، وكأن القوميين العرب والكرد وريتشارد بتلر متفقين جميعهم على إطفاء كل ضوء وفرض الظلام الدامس على العراق. إن جريمة قطع رؤوس النساء "بائعات الجسد"مؤخراَ و التي راح ضحيتها اكثر من 200 امرأة مستمرة لحد ألان من قبل عصابات صدام حسين. وان تأييد "محمد باقر الحكيم" ضمنا لهذه الجريمة البشعة، يبين جلياً كيف يشكل الحصار تربة غنية لظهور الإسلام والتقاليد البالية والهمجية.

فعن طريق انتهاجها "الصحوة الإسلامية", تبغي الحكومة العراقية ضرب عصفورين بحجر واحد. فمن جهة تود سحب َبساط الإسلام من تحت أقدام التيار الديني, و قمع النساء وسلب حقوقهن عن طريق حجرهن في البيوت. إن ذلك مرتبط بإبقاء جيوش العاطلات عن العمل حبيسات المنازل، للتخلص من مطالبهن كعاملات ولبث الفرقة بين العمال و العاملات و التي طالما شكلت عائقا جديا أمام نمو النضال الطبقي للطبقة العاملة وتوحيد صفوفها. ومن جانب آخر, تحاول تسخير الأوهام الدينية والفئات الرجعية وتعبئة قواها لقمع المرأة والسيطرة عليها لبسط السبيل لسيطرتها على كل المجتمع عن هذا الطريق.

الصحوة الدينية لم تكن ممكنة لولا وجود الحصار الاقتصادي وتدمير معنويات 22 مليون إنسان ،وإيقافهم أسرى أمام رحمة الموت البطيء والمجاعة والبطالة وعدم الأمان والقصف المستمر للطائرات الأمريكية والاستبداد السياسي والصراعات القومية والدينية. الحصار الاقتصادي يشكل عقدة تركز كل هذه المصائب.

بإنهاء الحصار سيفتح المجال جدياَ لحل كل المشاكل المفرزة من الحرب والحصار؛ الجوع و المرض و الصحوة الإسلامية وقتل النساء والحجاب الإجباري والتدريس الديني وستواجه هذه القضايا لأول مرة مواجهة جدية في المجتمع العراقي. الحصار الاقتصادي ظلم على الشعب العراقي لابد أن يرفع ، وبرفعه يصبح بإمكان العامل والمرأة وكل المحرومين والشرفاء رفع قامتهم ومواجهة كل المظالم, والتوجه نحو أفق أنساني أفضل؛ نحو عالم أفضل.











التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الأردن في مرمى تهديدات إيران وحماس والإخوان | #التاسعة


.. د. جمال شقرة أستاذ التاريخ المعاصر والحديث:كانت هناك مقترحات




.. الأردن في مواجهة الخطر الإيراني الذي يهدد سيادته عبر-الإخوان


.. مخططات إيرانية لتهريب السلاح إلى تنظيم الإخوان في الأردن| #ا




.. 138-Al-Baqarah