الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اللغة والحط من شأن الأنثى والأنوثة والأنثوي في الثقافة المعاصرة

عائشة خليل

2012 / 4 / 12
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات


نشأنا على صور ثقافية (عبارات، ومواقف، وتشبيهات .. إلخ) تفرق بين الذكوري والأنثوي، تعلي من قيمة الأول على حساب الآخر، وتسربت إلينا تلك الأفكار ببطء حتى أصبحت من دعائم وركائز تفكيرنا وحديثنا، وغدونا نحن الإناث أكثر الناس إيمانًا بتلك الصور. فإذا أردنا أن نزكي فعل شخص ما قلنا بالعامية المصرية: "راجل" أي رجل، حتى أننا أصبحنا نقول: "لا، راجل يابت" بمعنى أحسنتِ التصرف فكنت كرجل فيما أقدمت عليه!
والصور التي تعلى من شأن الذكوري -وتحط من شأن الأنثوي - أكثر من أن يحصيها إنسان، فمخرجات الثقافة (من الأغاني، والأفلام، والإعلانات، إلخ) زاخرة بها، وسوف أتناول هنا مثالين فقط للتدليل على الفكرة. فبعد الثورة المصرية بدا للعيان التجريف السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي قام به النظام البائد بأسلوب ممنهج على مدى عقود. وتمثلت نتائج ذلك سياسيًا في غياب قيادات فاعلة يمكن أن تقود المرحلة الانتقالية، فلجأ المجلس العسكري إلي أحد رؤساء وزراء المخلوع ليأتي به على رأس السلطة التنفيذية بحجة أنه كان مغضوبًا عليه فيما قبل. كما تمثل في الأسماء المطروحة لرئاسة الجمهورية، حيث قامت الثورة وترشح للانتخابات الرئاسية الأولى بعدها من ضمن من ترشح: نائب المخلوع، ورئيس وزرائه، ووزير خارجيته، وكأنما الثورة لم تقم !! وهكذا جرى البحث عن قائد - حيث لم تفرز الثورة قيادات تذكر - واتسعت دائرة البحث حتى نادى بها أحد المغنين قائلا: "مطلوب دكر!" هكذا ببساطة، فهو بالطبع لن يغني "مطلوب أنثى" لأن من المتعارف عليه أنهما ليسا سواء، بل أن أحدهما يفوق الآخر بسنين ضوئية.
وحتى إن قامت إحدى السيدات بعمل "محمود" ينسب هذا العمل للذكورة، وإن اقترن بعمل "مشين" قام به أحد من الرجال أو عدد منهم. كما في الصورة التي انتشرت على موقع الفيسبوك للتواصل الاجتماعي والتي تقارن بين فعل سيدة محجبة من حي العباسية قدمت الماء والغذاء لزوار البابا حين وفاته الشهر الماضي، وبين نواب في البرلمان رفضوا الوقوف دقيقة حداد على روحه. فبغض النظر عن الجدل السياسي، والديني حول هذه القضية والمواقف التي تفرعت منها، أَنظر إلى التعليق على الصورة وأَري كم يحط من شأن الأنثى، والأنوثة، والأنثوي في ثقافتنا ويعلي من شأن الذكر، والذكورة، والمذكر. فماذا كتب المعلق؟ تحت صورة السيدة كتب: "فيه عندنا ستات وقت الجد وقفت وقفة رجالة" وهو تعبير يوحي بندرة تلك السيدات اللواتي يقمن بأعمال غير اعتيادية وظهورهن في الأوقات الحرجة فقط. كما أنه يصرح بأن تصرفاتهن جديرة بالرجال، فالشهامة والكرم هي من شيم الرجال. وتحت صورة نواب البرلمان كتب:"وفي عندنا رجالة وقت الجد قعدوا قعدة ستات". أي كان عليهم أن يتصرفوا كرجال، ولكنهم لم يفعلوا.
ومن الواضح أن المعلق كان يهدف إلى الاستهزاء بهؤلاء الرجال، فزج بالنساء في ذلك الحديث. فالثقافة الشائعة إذا أرادت أن تهين الرجال شبهتهم بالنساء، وإذا أرادت أن تهين النساء شبهتهن بالنساء أيضًا وذلك باستخدام الألفاظ البذيئة. فكما نوه عالم الاجتماع الفرنسي بيار بوردوا في كتابه "الهيمنة الذكورية" تنقسم مفردات اللغة إلى شطرين متقابلين: الأرض والسماء، السيئ والجيد، الداخل والخارج، والرجل والمرأة. ولقد انفرد الذكور من بين تلك الأزواج من المتقابلات بالمفردات الحسنة، وتركوا للإناث ما هو أدنى مكانة وأقل شأنًا. فكيف لنا أن نفكك الارتباط الكائن في صلب اللغة؟ في الواقع انتشرت مثل تلك الصور انتشارًا بتنا لا نلتفت معه إلى البدائل الممكنة: فماذا عن تشبيه فعل المرأة بالفعل "الإنساني" ونفي تلك الصفة عن الفعل الآخر؟ لماذا يجب على النساء أن يتحملن تبعات الأفعال السيئة؟ ولماذا لا نبحث عن تعبيرات أقل إهانة للنساء، وأكثر احترامًا لهن؟ فإذًا كنا بحق نسعى إلى مساواة كاملة وحقيقية للمرأة في جميع المجالات فعلينا أن نلتفت إلى الألفاظ والتعبيرات الشائعة التي تحط من قدر المرأة وشأنها، ونعمل على تحليلها، وتبيان خطئها وخطورتها على ما نحن بصدده. ثم علينا العمل على نشر ثقافة مضادة تعلي من شأن الأنثى والأنوثة والأنثوي.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لوحةرأس امرأة


.. الهرب من الزواج.. ينتشر بقوة.. وقد يستدعي تدخل طبيب!




.. 16 امرأة يتهمن الساحر الشهير ديفيد كوبرفيلد باعتداءات جنسية


.. لا تشكو المهر وغلاء الأسعار قد تكون مصابا بفوبيا الزواج | #ا




.. مصر.. سائق يحاول اغتصاب فتاة في القاهرة • فرانس 24 / FRANCE