الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ظل الله في الأرض؟؟؟

إبراهيم رمزي

2012 / 4 / 12
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


استعمل عتبة [بن أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس] رجلاً من آله على الطائف، فظلم رجلاً من الأزد من شنؤة، فأتى الأزدي عتبة فمثل بين يديه فقال " من البسيط " :
أمرت من كان مظلوماً ليأتيكم ... فقد أتاك غريبُ الدار مظلوم
ثمّ ذكر ظلامته، فقال عتبة: إني أراك أعرابياً جافياً، والله ما أحسبك تدري كم تصلي في كل يوم وليلةٍ. فقال: أرايت إن أنبأتك ذا، أتعجل لي عليك مسألة؟ قال: نعم. قال الأعرابي " من الرجز " :
إن الصلاة أربعٌ وأربعُ ... ثمّ ثلاثٌ بعدهن أربع
ثمّ صلاة الفجر لاتضَيَّعُ
قال: صدقت، فسل! قال: كم فقارُ ظهرك؟ قال: لا أدري. قال: أفتحكم بين الناس وأنت تجهل هذا من نفسك؟! فقال: رُدُّوا عليه غُنيمته!
المصدر: نور القبس - المرزباني

لنعتبر هذا الخبر بمثابة إرهاص لمناظرة تم ضغطها وتقليصها في سطور، وهي رغم قِدَمها، ما تزال صالحة لكل زمان ومكان، ولكن لن يكتب لها - أبدا - الرواج على منابر القنوات الفضائية اللاهوتية، لأن المقص سيكون لها بالمرصاد، وسيتصدى لها - أولئك الأحفوريون، وفرائصهم ترتعد من انتشارها بين الناس - بالحَجْب (الحِجاب هنا أيضا) والتغييب والاسترخاص والازدراء.
الخبر يقدم شخصين على طرفي نقيض: حاكم، ومواطن.
الحاكم سليل الأرستقراطية البدوية القرشية. فخور بنفسه إلى درجة النرجسية. يخاطب واحدا من الرعية - بكبرياء ممقوت، وبتوكيد لا يتطرق إليه الشك -: "إني أراك أعرابيا جافيا". حاكم يظن أنه يملك مفاتيح العلوم. ورغم سطحية ما يعرف، يبادر - بغباء - لنصب محكمة تفتيش دينية للأعرابي، للإيقاع به، وحرمانه من حقه، وتبرير سبل إذلاله وإيذائه.
ولاستكمال "أكسيسوارات" المشهد: علينا أن نتخيل اللحية الطويلة التي "يداعبها" بيديه "الكريمتين"، وابتسامة السخرية التي يرسمها على شفتيه، ونظرات الزهو التي يوزعها على مَن حوله، وكأنه يقول لهم: سأبدّد سأَمَكم وروتينية أيّامكم بالضحك على هذا "الضحية" الذي ساقته قدماه إلينا. أما الأتباعُ والجلساء فيهزّون الرؤوس، وبعضُهم يتخيلون "عطاياه السخية" التي سيُسبغها عليهم - في نهاية المشهد -، عندما يُلقون على مسامعه كلمات الإطراء بِوقْدة ذكائه، والتنويه بحكمته السديدة، وعبقريته الفذة، وعلو كعبه في "العلوم".
أما المواطن، فمِن تجبُّر الحكام وتكالُب الزمان عليه، ما هو - حسب الظاهر - إلا "أعرابيُّ جافٍ"، مرَّتيْن:
المرة الأولى: حينما لا يجد ما يغير به منظر بؤسه الذي يُزري به في العيون.
والمرة الثانية: حينما - "تجرأ وتطاول"- وجاء ليَعرِض شكواه من قريبِ الحاكم الذي ظلمه.
وها هو يصاب "بصعقة صادمة" عندما ينحرف الحاكم عن مسؤوليته - في استثباب السلم المدني، وانصياع الرعايا - عن طواعية - للقانون الوضعي لأنه يضمن حقوقهم ويحدد واجباتهم - ويتحول إلى خصم لم يكن في الحسبان. يسعى لتحريف القضية عن مجراها الطبيعي عساه ينصر ذا رحِمِه الظالم.
ثم تصيبه صعقة أخرى حينما ينحرف الحاكم عن رد الحق لصاحبه وردْع المعتدي، بتحاشي جوهر القضية (البثّ في الظلامة حسب القانون) إلى "استنطاقه" حول تديُّنه (وقد نَعيب عليه نسيانه أن يسأله عن الجهات الخارجية الأجنبية التي تموِّله، والتنظيم السري الذي يعمل لصالحه).
هل هناك إسفاف وبشاعة أكثر من خبث هذه المقايضة الحقيرة: سنهضم حقك إن فشلت - في الاختبار الذي فرضناه عليك -، وقد نرده لك إن نجحت. صفة "مواطن" لا تخوِّل لك حقَّك. أنت تحتاج إلى "يافطة" دينية حتى ولو كان الحق الذي تطالب به لا علاقة له بالدين. وبالتالي يصبح الظلم باسم الدين شرعيا.
نسأل الحاكم لماذا رد عنيزات الأعرابي: هل كان بسبب الوازع الديني؟ أم من منطلق إحقاق الحق؟ أم تجنبا لمزيد من الانخذال المر، والانكسار المذِلّ - أمام أتباعه - على يد "أعرابي جاف" فضح جهله بالعلوم الدقيقة، ومرّغ كبرياءه وتجبره في مرجة آسنة؟
لا ننتظر جوابا، لأن الجواب يؤلم اللاهوتيين، ويُضربون عنه صفحا، لأنه يكشف تطفلهم، وخلطهم، واختلاقهم، ومتاجرتهم بالدين.
من لُعَب الأطفال المرحة: تخيّلُ الطفلِ أنه يَسُوق دراجة نارية أو سيارة - حين اعتلائه وسادة أو علبة "كرطون" أو غيرهما -، ثم يقلد صوت المحرك: عَنّْ ... عَنّْ ... عن ن ن ن ن ... فهنيئا لكم يا أطفالي بلعبتكم التي تنضح بالفرح وتشعّ بالحياة وترسم الآمال، غير أني أخاف عليكم من "عنعنة" آخرين لا همّ لهم إلا التيْئيس وقتل الحياة، وتجذير الطائفية والأحقاد بين البشر، وتنغيص حياة الناس بما يفصّلون من الأوهام.
فهل كل مهذار متشدق - يلبس قناع الإلمام بـ "الدين" - يستحق الحاكمية والتحكم في رقاب الناس، و"فضيلة" توزيع اللعنات على سلوكياتهم؟ ثم يُغتفَر له نَزوُه على صفة "ظل الله في الأرض"؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مقتل مسؤولَين من «الجماعة الإسلامية» بضربة إسرائيلية في شرق


.. يهود متطرفون يتجولون حول بقايا صاروخ إيراني في مدينة عراد با




.. كاهن الأبرشية الكاثوليكية الوحيد في قطاع غزة يدعو إلى وقف إط


.. الجماعة الإسلامية في لبنان: استشهاد اثنين من قادة الجناح الع




.. شاهد: الأقلية المسلمة تنتقد ازدواج معايير الشرطة الأسترالية