الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عن الألم (2)

أحمد الحادقة

2012 / 4 / 12
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


هذه خاطرة ذاتية وغير موضوعية وغير ممنهجة عن الألم، تعّبر عن حالتي وشعوري الراهن.

أمر الآن بتلك المراحل الشيقة، المرهقة والطاردة لبعضها البعض.
مرحلة "الرفض" التي تمثّل بالنسبة لي عتبة بوابات الواقع. فالرفض هو بمثابة مخدّر يبقيني اطول فترة ممكنة في الاتصال مع الواقع الخارجي. بعكس ما يراه الجميع بأن المخدّر يفصلنا عن العالم، فأنا أراه وسيلتنا الوحيدة للواقعية المفتعلة، بل للوجود الموضوعي ذاته الذي لا نملك إلا أن نقنع أنفسنا بحقيقيته دائما!

ولذلك، فأنا الآن علي أعتاب باب الرفض وبسرعة يهدأ مفعول المخدّر، وأقترب طوعا وكرها من أعتاب الإنفصال.
الإنفصال عن العالم الخارجي الذي يبدو واقعيا، لكي أعاود السقوط في وحل الذات – الحقيقة الوحيدة، التي هي بالنسبة للجميع، بل بالنسبة لي في أوقات تخديري بالواقع، لا تعتبر إلا أسطورة وخرافة مضحكة.

يظن الكثير ان للعقل وجودا مستقلا او انه ما يقوم بالإدارة المنطقية الأعلي والأحكم لحيواتنا بجميع العقد المركبة التي تكوّنها. لكني علي العكس تماما، أري ان العقل بهذا المفهوم السائد، وجوده يكاد يكون لحظي ومراهق أحيانا. وهو غير منطقي علي الإطلاق. بل أري ان الوظيفة الحقيقية للعقل هي التضليل! إنه يوهمنا دائما بمنطقية وعقلانية إختياراته ورؤاه وقراراته. لكنه ليس إلا مضلّل، ذلك المخدر الذي يبعد عنا، بل ويحمينا من المخاطر الخارجية والداخلية التي هي منبع شعورنا بالألم، وذلك كما قلت، حتي يبقينا أطول فترة ممكنة في إتصالنا بالعالم الذي نظنه خارجيا ويفصلنا عن حقيقتنا الشعورية. فهو يحرّف الكلم عن موضعه. يبذل جميع قواه لكي لا نري شيئا من العالم الخارجي. بل فقط نري ما نريد ان نراه بداخلنا.
فهو أداتنا الأمثل لتخفيف وتخدير الألم علي المستوي الفيزيقي والميتافيزيقي. هذا المخدّر يغذّي ويدعم قوات الدفاع عن الألم بداخلنا حتي تأتي لحظة السقوط في اعماق ذواتنا التي هي المخلّص والقامع معا!

فالصليب الحقيقي هو الذات. ولن تصل لهذا الخلاص إلا بالصدق الكامل والإتساق المطلق مع الذات. لحظة الإنفصال عن الخارج، بل التسليم المطلق بحقيقة عدم وجود الخارج. لحظة الحلول وتجسد الناسوت في الناسوت ذاته. أي لحظة إنتحار الأنا وتجليها في أبهي وأطلق الصور. لحظة العفوية "الحلّاجية": أنا الحق، والإنفجار "النفّري": أنا حجاب ذاتي!
هذه العملية تستلزم وجود فنّي شعوري وغير عقلي ينبذ ويتخلص من كل ما لا ضرورة له خارجيا وداخليا ليجرّده من شكله ليصل إلي الجوهر والروح. أي ان اخلق عالمي بالفراغ، فقط الفراغ! الفراغ برائحته وخريطة ألوانه الغريزية والوجودية.

الفراغ هو الحدّ الفاصل بين حقيقتنا وبين الفن. فالفن ليس إلا ما ينقصنا، كما يري "ريتشارد سيرا".
فما ينقصنا من الجانب الآخر لهذا السور الفراغي، هو أبسط الأشكال او الألوان او حتي الفراغ نفسه الذي يخلّصنا من تعقيدات موروثنا الجيني الواقعي الطاغي، إلي التقليلية، ليس فقط فنيا، بل فكريا وشعوريا ايضا.

فـ"هي" كانت ذلك المخلًص والصليب التقليلي من شوائبي الجينية والفكرية والعقلية والواقعية منذ ذلك الإنفجار الوجودي الأول ليّ، مشوّها ذاتي بعيدا عن الأشكال والصور والألوان والروائح القابلة للإحتواء او حتي المزيد من التشويه. "هي" الصليب الذي سيجرّدني من تشوهاتي ويضعني في شكل وهيئة ثابتة ومألوفة معلّق علي خشبتين متداخلتين، مع اللون الأحمر الأكثر شيوعا في التاريخ بمؤامراته وخياناته وجنونه، وقليل من رائحة العبث الجذابة لأبسط الفنانين والسياسيين والكهنة والكذبة والأنبياء.
تلك هي لوحتي التي أردت ان ترسمها "هي" لي. وجودي المغاير. وجودي الآخر.

هنا مكمن صراعي، بين الشعور الغريزي لصلب الغريزة نفسها، أو صلب الروح. الصراع بين حملي للصليب أو حمل الصليب ليّ.

أخشي ان تكون قبلة يهوذا هي الحل.. أن أصلب مخلّصي!
ربما ...


قد يتبع ...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. البيت الأبيض: واشنطن لم تتسلم خطة إسرائيلية شاملة تتعلق بعمل


.. اتفاق الرياض وواشنطن يواجه تعنتا إسرائيليا




.. إسرائيل وحماس تتبادلان الاتهامات بشأن تعطيل التوصل إلى اتفاق


.. خطة نتياهو لتحالف عربي يدير القطاع




.. عناصر من القسام يخوضون اشتباكات في منزل محاصر بدير الغصون في