الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كم يدفعون لك؟

عمر دخان

2012 / 4 / 13
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


هذا السؤال يتم توجيهه لي في كل مرة أناقش فيها أحد العرب و أختلف معه في الرأي، حيث يفترض دائما لمجرد أنني أملك رأيي الشخصي و أرفض أن أكون مجرد نعجة في القطيع كما يفعل هو، يفترض أن هناك من يدفع لي لتكون لي آراء شخصية و مباديء مستقلة قد تتفق و قد لا تتفق مع التيار العام من الآراء السائدة في المجتمعات العربية.
هذا الإتهام، كما هي الإتهامات الجاهزة أخرى، يستخدم غالباً كوسيلة لمحاولة إخراس الطرف الآخر أو الإنقاص من شأنه و من قيمة رأيه على أساس أنه مدفوع له ليتحدث ذلك الحديث و ليس رأيه الشخصي، أو على الأقل لا يؤمن تماما بما يقول، و هو في حقيقة الحال أصبح إتهاماً مضحكاً في الفترة الآخيرة و ذلك لإهترائه من كثرة الإستعمال، مثله مثل تهمة "العميل" و "الزنديق" و غيرها من التهم التي تعبر عن ضحالة تفكير صاحبها دون أن يكون لها أي ضرر حقيقي أو معنوي للطرف الآخر.
هذا السؤال يدل في حقيقة الأمر على شخصية السائل، فهذا الإنسان الذي يعتقد أن الإنسان يجب أن يُدفع له من أجل أن يكون له صوت أو رأي مستقل هو في الحقيقة إنسان يحمل ضميراً قابلاً للبيع مقابل المادة، و لذلك فهو يفترض في داخله أن الجميع مثله، و لا يمكنه إستيعاب أم هضم فكرة أن هذا الإنسان توصل إلى هذا الرأي بعد إطلاع و مجهود شخصي كبيرين، بل هو يفترض ما يراه في نفسه من قابلية للبيع و الشراء، و لعله يسأل هذا السؤال لأنه فعلا يريد معرفة أسعار الضمائر الجاهزة للبيع لأنه يبحث عن سوق مناسبة يبيع فيها ضميرة الرخيص الثمن و القيمة.
معظم من يطرحون هذا السؤال يقومون بذلك أيضاً ليتهربوا به من الإجابة على أسئلة ما أفحموا بها، أو لمجرد أنهم لا يملكون الشجاعة الكافية لطرح الأفكار الجريئة التي طرحها الشخص الذي يقومون بإلقاء تلك "التهمة" عليه، و لذلك فهم يحاولون النيل من شخصه لأنه لا قدرة حقيقية لهم على مجابهة الأفكار التي يقوم بطرحها، و لا يملكون من الحجة شيئا، فيلجأون إلى التجريح في شخص المتحدث لا أفكاره، و هو أمر أراه بكثرة في العالم العربي، حيث يتركز النقاش حول شخصية المتحدث أكثر مما هو متركز حول أفكاره و طبيعتها.
للأسف مثل هذه التهم الجاهزة هي أحد الأدلة على أن ثقافة الحوار و تقبل الآخر في العالم العربي لا زالت بعيدة كل البعد عن أي نوع من أنواع التقدم الحضاري و الرقي الفكري و الذي يسمح للإنسان بتقبل الآخرين و أفكارهم دون أن يتهمهم في شخصهم أو في مصدر دخلهم، بل يكون الشيء المهم بالنسبة له هو أن يحترم أفكارهم كما يحترمون هم أفكاره و توجهاته.
بالطبع، الوصول إلى هذا الرقي الفكري و هذه الدرجة من إحترام الرأي المقابل سيكون صعبا على الكثيرين، و على وجه الخصوص الإسلامويين و أتباع الإسلام السياسي الذين هم أكثر من يستخدم مثل هذه التهم، على الرغم من أنه لا أحد يملك مصادر دخل مشبوهة أكثر من الجماعات الإسلاموية حول العالم، و التي لا تزال مصادر تمويل الكثير منها مجهولة إلى يومنا هذا، و كل من حاول التحقيق فيها سُل في وجهه سيف " ماذا رأيتم من الله حتى تكرهوا شريعته؟" تلك العبارة الغبية التي يستخدمونها في كل مكان و زمان، بمناسبة و بدون مناسبة لإخراس كل من إقترب من كشف حقيقتهم و حقيقة شريعة الغاب التي تُسير أطماعهم، تلك الأطماع التي لا سقف لها و لا قاع، و التي يعتقدون أنها موجودة أيضا في كل من يقف ضد شرورهم، و هذا ما يعيدنا إلى سبب إكثارهم في طرح ذلك السؤال الإتهامي "كم يدفعون لك؟" و لعل سؤالي لهم سيكون "من يدفع لكم؟" لأننا نعرف حقيقة المبالغ الخيالية التي يتحصلون عليها مقابل ضمائرهم و لكننا لا نعرف على وجه التحديد من أي دار أيتام سرقت أو من أي تبرعات مسجد نهبت!
العلمانية و الليبرالية التي بنيت على أسس العمل الجاد و حرية الفكر و إعمال العقل لا تسمح لمن يؤمن بها حقا أن يجعل من ضميره قابلاً للبيع، و ذلك لأنه لا سيطرة لها على عقول أتباعها أو من يحملون فكرها، بل هي تشجع العقل على أن يكون حراً بشكل مطلق، حرا من قيود المجتمع و الدين و الأهم من ذلك حراً من التبعية للمادة، و لهذا ترى المفكرين الليبراليين في العالم العربي لا يحققون الكثير من وراء نشاطهم – هذا إن حققوا شيئاً – و مع ذلك يستمرون في الكفاح من أجل تنوير العقل العربي، بينما على الجهة المقابلة، الإسلامويون و من ساندهم من المحافظين صباحاً – الليبراليين آخر الليل – يقمعون الفكر الحر في الإنسان منذ صغره، و ينشأ على ثقافة المقابل في كل شيء، فهو لا يقوم بشيء إلا بمقابل، سواء في الدنيا أو في الآخرة، كما أن المحافظين هم من أكثر الناس حرصا على إكتناز الأموال و السعي من أجل تحقيقها بأي وسيلة أو سبيل، و يكفيهم عاراً أنهم أفرغوا الدين من روحانيته و جعلوه سلعة تباع و تشترى، ذلك الدين الذي يدعون الحرص عليه، بينما هم في الحقيقة يرونه كنزاً لا يفنى من الدولارات و اليوروهات.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - مال ثم مال ليس الا
عدنان عباس ( 2012 / 4 / 13 - 07:20 )
الاسلاميين لادين لهم سوى المال!!!حبهم للمال والسلطه لايشاركهما فيه ثالث بتاتا
والخديعه والكذب منهاج لحياتهم السياسيه يستخدمونهما في كل الاوقات مع الناس البسطاء والعموم المصدقين للتقوى والجبين الناصع الذي تلفحه الارض عند الصلاة
عندما تعييهم الحيله يتناولون الكلمات الجوفاء الحاضره دائما في جيوبهم عن الكفر والشريعه والتقوى


2 - ---
حسين عمر ( 2012 / 4 / 13 - 21:53 )
أعتقد أنه سؤال وجيه (في بعض الحالات) و أعترض على طرحه لإنهاء النقاش. لكن عندما يكون بعض الكتاب مرتبطا بشخصيات يمينية متطرفة تستخدم البروباغندا الممنهجة ضد المسلمين و قضاياهم, و يترئسون مؤسسات مدنية و مراكز للدراسات تمول الإسلاموفوبيا (التي ستنكر وجودها بالتأكيد) , يحق للبعض أن يتسائل خاصة أن الأسلوب المتبع هو واحد و بالإمكان تمييزه عن الكتابات النقدية البناءة لكتاب آخرين.

http://www.change.org/petitions/zuhdi-jasser-and-robert-george-do-not-belong-on-the-uscirf

اخر الافلام

.. الـLBCI ترافقكم في قداس أحد الشعانين لدى المسيحيين الذين يتب


.. الفوضى التي نراها فعلا هي موجودة لأن حمل الفتوى أو حمل الإفت




.. مقتل مسؤولَين من «الجماعة الإسلامية» بضربة إسرائيلية في شرق


.. يهود متطرفون يتجولون حول بقايا صاروخ إيراني في مدينة عراد با




.. كاهن الأبرشية الكاثوليكية الوحيد في قطاع غزة يدعو إلى وقف إط