الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تعليم الأمازيغية بين الشعار والممارسة

أحمد عصيد

2012 / 4 / 13
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


تعليم الأمازيغية بين الشعار والممارسة
تحرك أخيرا وزير التربية الوطنية الإستقلالي، بعد أن قررت أطراف عديدة اللجوء إلى رئيس الحكومة، وإلى دقّ مختلف أبواب الحكام والمسؤولين، بعد أن أغلق الوزير بابه وآذانه دون كلّ المراسلات التي وُجّهت إليه، ودون الشكايات التي جاءته من عدة أطراف، بل إنه لم ينس في كل حوار صحفي أو تصريح له في لقاء أو اجتماع أو ندوة يقيمها، أن يؤكد على أهمية إنجاح تدريس اللغة العربية واللغات الأجنبية، دون أية إشارة إلى الأمازيغة وكأنها لا توجد ضمن المواد الدراسية في بلادنا، بل إنه فعل نفس الشيء داخل لجنة بالبرلمان وهو بصدد مناقشة قانون المالية للسنة الحالية، متناسيا بشكل كلي اللغة الأمازيغية الرسمية، حيث لم يذكرها إلا عندما طرحت عليه أسئلة في الموضوع، وهو نفس النهج الذي صار عليه وزير التربية السابق السيد اخشيشن منذ توليه منصب الوزارة سنة 2007، حيث حكم بالجمود على ملف تعليم الأمازيغية إلى أن غادر منصبه دون أن يُحدث أي تغيير، حيث تمّ ربط مصير الأمازيغية بما ستسفر عنه النقاشات داخل المجلس الأعلى للتعليم في ما يتعلق بوضعية اللغات، ولم يتمخض عن المجلس أي شيء، غير أن الفارق بين مرحلة الوزير السابق والوزير الحالي هي أن الأمازيغية قد أصبحت لغة رسمية للبلاد بمقتضى الدستور، مما يجعل صعبا التعامل مع ملف تعليمها بنفس الإستخفاف السابق، إلا إذا كان الوزير مستعدا لأسوإ المواجهات.

يعود قرار إدراج الأمازيغية في التعليم العمومي لأول مرّة إلى سنة 2003، حيث تمّ توقيع اتفاقية شراكة وتعاون بين وزارة التربية الوطنية والمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، اللذين أرسيا معا مجموعة من المبادئ و التوجهات السياسية العامة التي تقوم عليها عملية إدراج الأمازيغية في التعليم، التي انطلقت في السنة الأولى ابتدائي في عدد محدود من المدارس في البداية، على أساس أن يتم التعميم التدريجي الذي وضعت له أجندة تمتد من 2003 إلى سنة 2011، حيث ينبغي أن يشمل خريطة المدارس في كافة التراب الوطني.

و تتمثل المبادئ والتوجهات السياسية لتعليم اللغة الأمازيغية فيما يلي:

1) أن اللغة الأمازيغية لغة وطنية لكل المغاربة، و ينبغي أن تدرس لجميع التلاميذ سواء من الناطقين بالأمازيغية أو بالعربية في جميع مناطق المغرب.

2) أن تعليم الأمازيغية ينبغي أن يكون معمما على كافة أسلاك التعليم من التعليم الأولي إلى الباكالوريا، و ذلك خلال الفترة الممتدّة ما بين 2003 و 2011، و بحصة 3 ساعات في الأسبوع.

3) أن اللغة الأمازيغية ينبغي أن توحّد بشكل تدريجي وعلى قواعد علمية حتى يتمّ الإنتقال بها من التنوع اللهجي إلى اللغة المعيار، وهو ما يستوجب تنميط و تقعيد حرف كتابتها العريق تيفيناغ والتوحيد التدريجي لقواعد إملائيتها وصرفها ونحوها ومعجمها.

4) أن اللغة الأمازيغية ينبغي أن تدرّس بالجامعة وفي مراكز تكوين الأساتذة حتى يتمكن هؤلاء من الحصول على التكوين الذي يؤهلهم لتدريس هذه المادّة.

و قد تمّ توزيع المهام بين الوزارة الوصية والمعهد الملكي حسب الصلاحيات المخوّلة قانونيا لكلّ منهما، وتحدّدت مهام المعهد في وضع تصورات وبرامج الدورات التكوينية للمدرسين والمفتشين والمكوّنين وإنجاز التكوين ميدانيا وإعداد الأدوات الديداكتيكية من كتب مدرسية وحوامل بيداغوجية، وتحدّد دور وزارة التربية الوطنية في وضع الخريطة المدرسية وجدولة الإدماج التدريجي للأمازيغية في التعليم وتوفير الشروط اللوجستيكية لدورات التكوين وإصدار المذكرات الإدارية الخاصة بتعليم الأمازيغية وطبع و توزيع الكتاب المدرسي الأمازيغي على كافة التراب الوطني.

وإذا كان هذا هو ما تقرر على المستوى النظري، فإن واقع تعليم الأمازيغية يعرف منذ 2003 مشاكل ومعيقات لا حصر لها، مما جعل السنوات الماضية بالنسبة لهذه اللغة سنوات بيضاء، المبرر الرئيسي الذي تعلنه الوزارة هو قلة الأطر والموارد البشرية التي يحتاج إليها تعميم الأمازيغية، غير أنه إذا كان هذا هو وصف الداء، فإن الوزارة لم تقدم أي علاج للمشكل، بل تركت الأمر على ما هو عليه حتى الآن، بل أصبحنا نلاحظ ظواهر غريبة مثل ما وقع بالدار البيضاء عندما قرّر مندوب الوزارة في "اجتهاد" غريب منه حذف تعليم الأمازيغية في نيابة البرنوصي وتكليف مدرسيها بتعليم العربية والفرنسية، ومثل تخرج أفواج من الطلبة حاملي شواهد الماستر والمسالك الأمازيغية من الجامعة، دون أن يجدوا عملا رغم الخصاص الموجود، حيث يبدو أن الحكومة ما زالت تجد صعوبة كبيرة في تخصيص مناصب مالية للأمازيغة، عكس اللغات الأخرى جميعها التي تحظى بعطف المسؤولين، دون ذكر مدراء المدارس الذين لا يسمحون بأن يتعدّى تدريس الأمازيغية في مؤسساتهم السنة الأولى أو الثانية، أما الذين رفضوا بشكل علني فقد امتنعوا عن إرسال مدرسين من مدارسهم إلى دورات التكوين، كما جعلوا من حصص الأمازيغية المقررة رسميا ضمن استعمال الزمن حصصا للتقوية في اللغة العربية والمواد الأخرى. كما أن ثمة مفتشون طالبوا بعض المدرسين بتقليص عدد الساعات المقررة للأمازيغية من 3 إلى أقل من ذلك بحجة أن الأمر "غير واضح" رغم وجود المذكرات 108 و 90 و 130 و133 التي لا يعتريها أي لبس. وأصبح الكثير من المدرسين يتساءلون عن جدوى التكوين الذي تلقوه إذا كانت ظروف العمل منعدمة تماما داخل مؤسساتهم.

إنها مظاهر من التمييز الواضح الذي لا غبار عليه، فنحن أمام عملية التفاف على قراررسمي اتخذ على أعلى مستوى ليتم إفشاله على الأرض بسبب شيوع الذهنية الإقصائية القديمة.

فبماذا يتعلّق الأمر إذن، هل بانعدام الإرادة السياسية للحاكمين أم بوجود تباعد بين قرار سياسي متقدّم ـ جاء نتيجة ضغوط كبيرة ـ وبين الإيديولوجيا الحزبية التي تتصف بالجمود ؟ أم يتعلق الأمر بذهنية سائدة في المجتمع صنعتها السياسة المتبعة منذ عقود، مما جعلها تجد صعوبة كبيرة في هضم فكرة التعدد الهوياتي واللغوي والثقافي ؟ أم بعنصرية شخصية يمارسها هذا المسؤول أو ذاك جاعلا من المؤسسة التي يرأسها إقطاعية خاصة به في غياب أية محاسبة أو متابعة ميدانية؟

لقد آن الأوان بعد مرور ثماني سنوات أن يتم الحسم في بعض الأمور، وأن تقوم الحكومة الحالية بتنزيل الدستور والوفاء بتعهداتها في التصريح الحكومي عبر تخصيص وحدة خاصة داخل وزارة التربية الوطنية لتدبير شأن الأمازيغية في التعليم وتدارك الصعوبات الميدانية الكثيرة ومتابعة تنفيذ مقتضيات القرارات السابقة، كما على الوزارة العمل على تنظيم ندوة وطنية يشارك فيها رؤساء الأكاديميات والمندوبون والعاملون بالمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية إضافة إلى ممثلين عن هيئة التدريس وجمعيات المجتمع المدني لكي يتم تعميق نقاش شفاف و شامل حول عملية إدماج الأمازيغية في التعليم. كما على الوزارة محاسبة بعض مسؤوليها الذين لا يمتثلون لقرارات الوزارة فيما يخصّ تعليم الأمازيغية وتنظيم دورات التكوين، وذلك حتى يكون بالإمكان تنفيذ خطّة تعميم تدريس الأمازيغية أفقيا وعموديا. وعلى الحركة الأمازيغية بكل مكوناتها أن تتعبأ لمواجهة المراحل القادمة بالضغط المدني القوي وعدم السماح بتكرار ما جرى خلال السنوات الماضية.

إن تعليم الأمازيغية كان دائما وما يزال لا ينفصل عن المشروع الحداثي الديمقراطي الشامل، ومن تمّ فمستقبل المغرب رهين بنجاح أبنائه في وضع الأسس التربوية الفكرية والثقافية لهذا المشروع، عبر تقوية الشعور بالإنتماء إلى الأرض المغربية وما عليها من خيرات مادية ورمزية في تنوعها الخلاق والمنفتح، وهو ما يستوجب إعادة تأسيس مفهوم الهوية الوطنية في الأذهان على قاعدة النسبية والإختلاف عوض النظرة الأحادية القديمة، والتي مازالت تحاول الإستمرار في الوجود رغم تجاوزها بحكم إكراهات السياق الراهن. إن هذا من أهم ما يمكن للأمازيغية أن تقدّمه من داخل المنظومة التربوية في خدمة المغرب الجديد الذي نتوق إليه، المغرب الوفي لجذوره والمنفتح على العالم و على المكاسب الكونية الإنسانية.
أحمد عصيد








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - عود على بدء ....
محمد بودواهي ( 2012 / 4 / 13 - 13:02 )
ليس هناك حل للقضية الأمازيغية مادام هناك نشطاء أمازيغيين يتجاهلون ويستبعدون بل ويحاربون الطرح السياسي للقضية ومن بينهم كاتب المقال نفسه ...لقد خاضت الحركة الأمازيغية نقاشا واسعا لأكثر من عقد من الزمان حول الآليات والطرق والإطارات التي من خلالها يمكن الاشتغال للتصدي لأعداء الأمازيغية من قومجيين عروبيين وإسلامويين رجعيين ومتياسرين إقصائيين ودولة مخزنية لا تنفك تعمل وفق السياسة الموريسكية العنصرية في إقصاء ومحاربة كل ما هو أمازيغي وأصيل فوق هده الأرض ، هدا النقاش الدي استطاع دوي الميولات الثقافوية من أمثال الأستاد عصيد الحسم فيه برفض كل الطروحات دات التوجهات السياسية وهو ما نرى عواقبه وتأثيراته السلبية تفعل فعلها الآن ....
إن القضية الأمازيغية لا يمكن أن تجد لها حلا شاملا وجدريا وعلى جميع المستويات دون دخول الحركة الأمازيغية ، وبكل أطيافها وتلاوينها المختلفة ، الحقل السياسي المباشر عبر تكوين أحزاب سياسة تتماشى في توجهاتها العامة مع الطبيعة اليسارية التقدمية للأمازيغ كما يشهد بدلك تاريخهم العريق وصيرورتهم الثقافية والفكرية
فهل هناك مجال للقول بضرورة عود على بدء ؟؟؟
مع كامل التقدير


2 - فشل بنيوي
عبد الله اغونان ( 2012 / 4 / 13 - 16:38 )
المشكلة الكبيرة هي عدم اقتناع كثير من الامازيغ الطبيعيين بهذه اللغة المزعومة لعدة اسباب
منها
ارتباط دعاتها بحركات عرقية معادية للهوية العامة خاصة الدين والعربية
ارتباط دعاتها بمؤسسة رسمية في اطار تبادل مصالخ سياسية وبراغماتية
عجز جل النشطاء الامازيغيين عن اقناع الناس بهذه الهوية ومدى فائدتها ماديا وحضاريا
عزلة المعهد عن الاهتمام الشعبي والمطالب الاقتصادية للامازيغ التي لاتنفصل عن عموم المطالب لدى العرب
بؤس الثقافة والاعلام الامازيغي الذي يبقى في اطار الفلكلور والرقص والافلام التافهة
كلهم يكتبون فقط بالعربية او الفرنسية ويعجزون عن التواصل بلغتهم المزعومة


3 - المخزن يتكلم ....
محمد بودواهي ( 2012 / 4 / 14 - 13:07 )
في التعليق رقم 2 المخزن يتكلم ( أو عميله بشكل أدق ) ... والمخزن عند المغاربة معروف بالعدوانية والإقصاء والفساد ونهب خيرات الشعب والعمالة والتبعية للغرب على المستوى الاقتصادي والسياسي والعمالة والتبعية للشرق العربي المتخلف على المستوى الثقافي والفكري ....وكم هم كثيرون من هم صورة طبق الأصل لهكدا نمودج ...


4 - بودواهي.كل مكاسبكم مخزنية
عبد الله اغونان ( 2012 / 9 / 15 - 11:42 )
كل مكاسب الوبي النخبة الامازيغية مخزنية وبقرار مخزني
-الاعتراف بالامازيغة وحروفها
-انشاء المعهد الملكي للثقافة الامازيغية

تدريس الامازيغية الغير الطبيعية للقاصرين
انشاء قناة االامازيغية المعيارية
دسترة الامازيغية
وكلها امور شكلية تبين ازمة وفشل فرض امازيغية غير طبيعية

اخر الافلام

.. عبد الباسط حمودة: ثورة 30 يونيو هدية من الله للخلاص من كابوس


.. اليهود المتشددون يشعلون إسرائيل ونتنياهو يهرب للجبهة الشمالي




.. بعد قرار المحكمة العليا تجنيد الحريديم .. يهودي متشدد: إذا س


.. غانتس يشيد بقرار المحكمة العليا بتجنيد طلاب المدارس الدينية




.. 131-An-Nisa