الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نماذج من الفهم الخاطيء للإسلام

مصطفى ملو

2012 / 4 / 18
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


"إلى روح الدكتور المتنور الشهيد فرج فودة الذي قال في أحد إهداءته ما معناه:
أهدي هذا العمل إلى الأطفال الذين منعهم آباؤهم من حضور عيد ميلاد ابني,الذي قالوا عنه إنه ابن كافر,إلى هؤلاء الأطفال الذين سيفهمون يوما ما أقول"
هذه نماذج من واقع الحال لست أنا من ابتكرها أو اخترعها من تلقاء نفسي,إنما هي نماذج حية تتحدث عن نفسها بنفسها,أما مهمتي أنا فلا تتعدى نقلها للقاريء كما هي مع تعليق طفيف,أمثلة صارخة لما نعانيه من تخلف و تقهقر على مختلف الأصعدة,تخلف ليس مرده إلى الدين في حد ذاته,بل إلى الفهم الخاطيء لهذا الدين الذي أنزله الله رحمة للعالمين ورأفة بالإنسان وليس دعوة للتنافس والتطاول في البنيان.
* النموذج الأول:مسجد فخم بالجبس والرخام وقرية منكوبة,عطشانة,سكناها أكواخ من طين.
هذا النموذج الصارخ من قرية بالجنوب الشرقي,حيث أقدم واحد ممن يسمونهم بالمحسنين ببناء مسجد فخم,استثمر فيه أموالا طائلة و زينه بمختلف أنواع الزليج و القرميد و الجبس و الرخام و توجه بصومعة تتراءى على بعد كيلومترات,إلى هنا ليس في "الطجين ما يحترق",لكن المشكلة تبدأ عندما تولي وجهك قبل المشرق أو المغرب وعلى بعد أمتار من "المسجد الفاخر",فثمة الكارثة.
أكواخ مهترئة,متآكلة آيلة للسقوط و الوقوع على رؤوس أصحابها في أي لحظة,ملاكها فقراء,معدمون,بؤساء,يحمدون الله ويشكرون هذا "المحسن" ليس لأنه بنى لهم مسجدا بالمواصفات التي سبق ذكرها,فهم وأجدادهم ظلوا لعقود يؤدون صلواتهم في مسجد بسيط,وبالتالي فهم لا يرون ضرورة لكل هذا التبذير والإسراف-الذي ما أنزل الله به من سلطان-,لبناء "المسجد العظمة",ولكنهم مع ذلك يشكرون "المحسن" لأنه شيد لهم مأوى يأوون إليه في حالة وقوع فيضانات طوفانية غالبا ما تجرف معها كل شيء,وغالبا ما تدمر أكواخهم البئيسة,لذلك فهم يرون في المسجد الجديد مأوى آمنا في حالة الخطر أكثر منه مكانا للتعبد,لأن هاجسهم الأول و شغلهم الشاغل هو الفيضانات المدمرة و ليس المكان الذي يقيمون فيه الصلاة.
القرية لا يتعدى تعداد سكانها 200 فرد,منازلها لا تفوق الثلاثين,المسجد لا يقصده إلا عشرة شيوخ على الأكثر هم آخر من بقي بالقرية,أما الشباب فهجرهم التهميش والإقصاء,في يوم الجمعة قد يرتفع عدد المصلين إلى 15 أو 20 مصليا لا أكثر,لماذا إذن هذا التبذير وهذا الإسراف في بناء هذا المسجد مع أن هناك مشاريع أكثر أهمية من شأنها أن تعيد الحياة والأمل لهذه القرية الفقيرة,التي كانت ذات زمان جنة خلد تنبعث من حقولها رائحة الكامون والحناء,رائحة تخترق أنوف الزوار والسياح والعائدين من السوق على بعد كيلومترات,نخيلها يشق السماء و يحجب بكثافاته كل القرية,أم اليوم,أما اليوم,فأرض جرداء,جدباء,قاحلة,لا تسمن ولا تغني من جوع,لا يستقبلك فيها سوى المئذنة التي تبدو أنها لن تعوض تلك النخلة العملاقة التي عمرت لسنين و التي تعتبر رمز القرية,فأين وضع هذا المحسن عقله؟
البؤس سقط أو أسقط في غرام مع هذه القرية ومع غيرها الكثير,ومع ذلك ف"المحسنون" المتنافسون في بناء المساجد التي أصبحت موضة بهذه المناطق المعدمة,أعميت أبصارهم وغشيت عقولهم ضبابة العنتريات والتنافس غير المجدي و التطاول في بنيان المساجد معتقدين أن ذلك هو جوهر الدين,أغلب هؤلاء المحسنين من العاملين بأوربا المهجرين إليها منذ أمد بعيد,وعوض أن يشيدوا مشاريع من شأنها أن تجنب شباب هذه القرى نفس المصير الذي تعرضوا له من تهجير و تغريب,لم يجدوا أفضل من بناء المساجد التي لن تحل أبسط مشاكل هؤلاء الشباب و حتى الشيوخ.
في فصل الصيف سكان قريتنا يعانون الأمرين للحصول على شربة ماء,ويضطرون في سبيل ذلك للتنقل لكيلومترات,يحصل ذلك مع مياه الشرب التي كثيرا ما يتحول لونها إلى أشبه بمشروب غازي,فما بالك بمن أراد الاغتسال من الجنابة ثم التوجه إلى المسجد الفاخر للصلاة,أنى له أن يحصل على كمية الماء الكافية لذلك؟
سؤال لم يضعه صديقنا المحسن في الحسبان,إذ رأى أن كل ما ينقص القرية هو مسجد بالرخام والثرايا والزرابي من صنع تركي,ذاك ما أوصله إليه عقله و تفكيره,أما نحن فلنا بديل آخر نرى أنه الأولى والأهم,فما هو هذا البديل؟
*البديل:هذا بديل واحد وليس كل البدائل التي يوجد منها العشرات.
كان على صاحبنا المحسن عوض الإقدام على بناء مسجد بالمواصفات التي سبق سردها,والذي لم تكن هذه القرية المعوزة في حاجة إليه,حيث تتوفر على مسجد صلت فيه أجيال وأجيال وبإمكانه الصمود لأجيال و أجيال أخرى,كان عليه بدل ذلك إصلاح بئر القبيلة الذي لا يحتاج سوى لمضخة كهربائية لا يتعدى ثمنها 5000 درهم على الأكثر,وبناء صهريج لتجميع المياه وإصلاح خطارة القرية, أو إنشاء سد تحويلي (أكوي) لتحويل مياه الفيض التي تضع سدى لسقي حقول القرية,وبذلك يكون قد أسدى خدمة جليلة لهذه القرية وأهلها وبهيمتها ونخلها,يعيد لهم الحياة جميعا,وبملغ مالي لن يتجاوز200000 درهم كأكبر تقدير,عكس "المسجد التحفة" الذي "استثمرت" فيه ملايين الدراهم,رغم أنه لن يروي عطش العطشى ولن يشبع جوع الجياع و لن ينتج لفتا و لا جزرا,كان بالإمكان تشييد حجرات دراسية لفائدة تلامذة القرية الذين يتهددهم الموت في كل آن و حين تحت حجرات مدرسية أو الأصح أكواخ لا تصلح حتى لتكون زريبة للأغنام,وتزويد هؤلاء التلاميذ الفقراء باللوازم المدرسية و لا أبالغ إذا قلت إن المبلغ الموظف في بناء المسجد يكفي لإعالة و التكفل بأطفال هذه القرية إلى حين بلوغهم الجامعة,ولذلك يكونوا قد سلموا من مخالب الجهل و الأمية التي سقط فيها "محسننا الكريم".
فيا محسنين ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء,وقبل أن تتسارعوا وتتصارعوا في بناء الجمادات وتزيينها والتفاخر بذلك,سارعوا وتنافسوا على بناء مخلوقات الله الحساسة من إنسان وحيوان وزرع,واعلموا أن الله سبحانه وتعالى لم يشترط لقبول الصلاة أن تتم في مسجد فاخر بالقرميد و الجبس والرخام,فلما كل هذا الإسراف والتبذير والتعسير وهذه الهلوسة والمرض الذي أصبح يغزو هذه المناطق الفلاة وهذه الفيافي التي يعاني فيها عبيد الله كل صنوف العذاب للحصول على جرعة ماء في رحلة الشتاء والصيف؟ثم تقدمون أنتم على التعالي في بناء المآذن,كأن كل ما ينقص كل هؤلاء الفقراء البؤساء هي المآذن الشاهقة؟
والحق يقال,أن هؤلاء في أمس الحاجة إلى الآبار الغارقة لجلب مياه يسدون بها عطشهم,فهل من فاهم و متفهم مجيب؟
الشيء الوحيد ربما الذي يمكن أن يشفع لهذا" المحسن" وأمثاله,فهمهم الخاطيء للدين,أو لنقل فهمهم للإسلام بهذه الطريقة,باعتبار أنهم لا يعتبرون فهمهم ذاك خاطئا,هو أن أغلبهم لم تطأ قدامه المدرسة,ومع ذلك فاستخدام العقل واجب على كل مسلم ومسلمة,وبالعقل نتمكن من تمييز الأولويات.
لكن الإشكال هنا هو عندما يصبح هذا الفهم الخاطيء أو الأصح الاستخدام الخاطيء والمتعمد للدين هو التوجه الأساسي للنسق السياسي الحاكم برمته,فكلنا نعلم أن أول ما تم القيام به في مناطق منكوبة كأنفكو هو بناء المسجد,وكأن المسجد هو ما سيحل معضلة وفيات الأطفال والحوامل والشيوخ بسبب البرد القارس,في حين أن الحل يكمن في بناء المستشفيات وتعبيد الطرقات وتوفير سيارات الإسعاف,وغيرها من الإجراءات التي من شأنها تمكين الإنسان من أن يعيش حياته الدنيوية في ظل الكرامة التي نص عليها الله سبحانه وتعالى ورسوله(ص) في أكثر من موضع,في حين يعمل الفاهمون للدين خطأ أو الأصح المتعمدون للفهم الخاطيء تخدير الناس بأمور أخروية حتى ينسون أمورهم الدنيوية,لينفردوا هم أي أولئك المفتين بالخيرات والثروات,في حين ينشغل البؤساء بالعالم الآخر,منتظرين,منتظرين,منتظرين...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - المسلم
zaki yousf ( 2012 / 4 / 18 - 22:26 )
المسلم لايفكر بموت الاطفال والنساء والشيوخ والمرض والجوع والفقر والجهل يفكر فقط كيف يمجد دينه حتى لو كلفه ذلك حياته


2 - التجاره شطاره...
سلام صادق ( 2012 / 4 / 19 - 01:27 )
سيدي العزيز مصطفى ملو المحترم ان المحسن الذي قام ببناء المسجد الفاخر ليس بالغباء الذي تتصوره او انه بناه لوجه الله...ففي الوقت الذي صرف ملايين الدراهم لبناء الجامع فانه جنى ضعف الملايين التي صرفها..ففي العراق مثلا الرجل الذي يتبرع لبناء جامع سواء كان ضروري او غير ضروري فان الدوله تصرح له باستيراد متطلبات انشاء المسجد دون ضرائب وبدون تحديد الكميات..فيقوم المحسن لله باستيراد الرخام الايطالي وغيره باعداد مضاعفه ومضاعفه لما يحتاجه المسجد..فيقوم المحسن لله ببيع هذه الزياده ويجني ارباحا خياليه تحت ستار في سبيل الله والاسلام...فيا سيدي ان بناء المساجد هي تجاره مربحه دون رقابه...اليست التجاره شطاره....تحياتي


3 - إلى أستاذي الفاضل سلام صادق
مصطفى ملو ( 2012 / 4 / 21 - 11:42 )
أولا و قبل كل شيء أشكرك على تعليقك التنويري,وهذه ليست مجاملة أو محاباة,فأنا أتابع باهتمام تعليقاتك على مواضيع مختلفة,فشكرا مرة أخرى.ما أود قوله أستاذي الفاضل هو أن هذا -المحسن- ليس بالذكاء الذي تتصوره,فإذا كان الوضع عندكم في العراق كما تفضلتم,فالأمر يختلف عندنا في المغرب,فلو أن هذا -المحسن- استثمر هذه الأموال الطائلة لجني الأرباح كما يفعلون عندكم في العراق لما كتبت هذا المقال,لكن أؤكد لك أنه لم يتسلم قرشا واحدا من الدولة و السلطات,بل كل ما قام به أنه أهدر أموالا طائلة سدى دون فائدة,كان بالإمكان أن يستفيد منها الفقراء في مشاريع تنموية حقيقية,و أخبرك أنه عندنا في المغرب فالبؤساء في هذه المناطق هم الذين يدفعون أجور الفقهاء,فالوضع يختلف تماما عما عندكم في العراق.مع تحياتي


4 - إلى أستاذي الفاضل سلام صادق
مصطفى ملو ( 2012 / 4 / 21 - 11:43 )
أولا و قبل كل شيء أشكرك على تعليقك التنويري,وهذه ليست مجاملة أو محاباة,فأنا أتابع باهتمام تعليقاتك على مواضيع مختلفة,فشكرا مرة أخرى.ما أود قوله أستاذي الفاضل هو أن هذا -المحسن- ليس بالذكاء الذي تتصوره,فإذا كان الوضع عندكم في العراق كما تفضلتم,فالأمر يختلف عندنا في المغرب,فلو أن هذا -المحسن- استثمر هذه الأموال الطائلة لجني الأرباح كما يفعلون عندكم في العراق لما كتبت هذا المقال,لكن أؤكد لك أنه لم يتسلم قرشا واحدا من الدولة و السلطات,بل كل ما قام به أنه أهدر أموالا طائلة سدى دون فائدة,كان بالإمكان أن يستفيد منها الفقراء في مشاريع تنموية حقيقية,و أخبرك أنه عندنا في المغرب فالبؤساء في هذه المناطق هم الذين يدفعون أجور الفقهاء,فالوضع يختلف تماما عما عندكم في العراق.مع تحياتي

اخر الافلام

.. 102-Al-Baqarah


.. 103-Al-Baqarah




.. 104-Al-Baqarah


.. وحدة 8200 الإسرائيلية تجند العملاء وتزرع الفتنة الطائفية في




.. رفع علم حركة -حباد- اليهودية أثناء الهجوم على المعتصمين في ج