الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المهزلة الإنتخابية

عمر دخان

2012 / 4 / 20
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


ما يجري على الساحة السياسية الجزائرية هذه الأيام هو مهزلة حقيقية و من الطراز الرفيع، و أعنى هنا الحملة الإنتخابية التي تجري حالياً و التي تسابق من أجل الترشح فيها أقل أفراد المجتمع فهماً، خبرة، حنكة و حكمة، و بإستثناء حالات قليلة تعد على الأصابع، البقية جميعاً غير ناجحون في إدارة حياتهم الشخصية و تمثيل أنفسهم، فمابالك بتمثيل المواطن الجزائري في قاعة البرلمان.
عشرات الأحزاب الجديدة – بأسماء سخيفة و شعارات أسخف - ظهرت فجأة و بدأت في الإنتشار و التكاثر كالفطريات، أحزاب تحمل أهدافاً مثيرة للسخرية و ليس لديها أي برامج سياسية أو إنتخابية حقيقية، و معظمها تدار من قبل رجال أعمال قاموا بشراءها من المؤسسين الحقيقيين لها كنوع من الإستثمار يجلب لصاحبة السلطة و الحصانة البرلمانية و الإمتيازات المادية، كما يفتح له أبواباً جديدة لإستغلال السلطة و سحق المواطن البسيط المسحوق أساساً.
في الصف الدراسي الذي أدرس به في الجامعة، فوجئت بأن هناك طالبين "مرشحين" في الإنتخابات المقبلة. أولهما فتاة تم إنتخابها كرئيسة للقسم في بداية العام فكانت مثالاً للغائب الحاضر و لم يكن لها أي نشاط يذكر كرئيس للقسم، و هو ما يعني أن هاته الفتاة الصغيرة في السن نسبياً و التي لا تجيد حتى إدارة قسم دراسي يتكون من 20 طالبا، تريد أن تكون جزءاً من صناعة القرار – و لو شكلياً – في النظام السياسي الجزائري، و تريد أن تمثل مئات المواطنين و هي التي لا تحسن تمثيل 20 طالباً مدرسيا. بالطبع، كونها إمرأه يمكن أن يكون السبب الوحيد في قبول ترشيحها، و ذلك لأن الأحزاب السياسية تم إلزامها هذه المرة بنصاب معين من النساء بغض النظر عن كفائتهن أو مدى نشاطهن على المستوى السياسي، أي أن كل ما يهم هو عدد النساء و ليس نوعيتهن أو مدى ثقافتهن السياسية أو كفائتهن لشغل المنصب.
أما "المترشح" الآخر فهو شخص في مرحلة متقدمة من العمر إلتحق بصفوف الدراسة من أجل الحصول على شهادة جامعية، و هو من أكثر الأشخاص الذين قابلتهم في حياتي إنغلاقاً فكرياً و تطرفاً عقائديا و فراغا عاطفياً، يحمل أجندات إسلاموية متطرفة و رأسه ممتليء بنظريات المؤامرة و الخرافة و العداء للولايات المتحدة و العالم الغربي ككل. هذا الشخص الذي يمضى جُل وقته يطارد فتيات في عمر بناته في أنحاء الجامعة يريد أن يصبح ممثلاً للشعب الجزائري في البرلمان، و يريد أن يصبح صانعاً للقرار – ولو شكلياً – و ذلك ليزيد مناهجنا الدراسية نظريات مؤامرة خرافية و تطرفاً فكرياً و عقائدياً و رفضاً للآخر، و يملأها أيضا بالمزيد من فكر النفاق البواح المبنى على "محافظون صباحاً، ليبراليون آخر الليل، أو أينما وجدت أنثى".
هاتان العينتان هما لا شيء عند مقارنتهما بعينات أشد سوءاً في "المترشحين"، فتجد راعي الأبقار الذي إشترى مكانه في قائمة الإنتخاب لمجرد أنه يملك المال، بينما هو لا يجيد سوى الخوار و لا يحسن كتابة إسمه بشكل صحيح، و بائع البطاطس الذي رأى أن خبرة سنة كبائع بطاطس متجول تؤهله لأن يكون نائباً من الدرجة الأولى، هذا دون الحديث عن الممثلين و الفكاهيين الذي يريدون الإنتقال من التهريج و الإستهبال من أجل إضحاك الناس إلى دوائر صناعة القرار، و طبعاً لا أنسى التجار الذي جعلوا الترشح سوقاً ذو أسهم و ساهموا في إغراقه بالأموال و "المكافآت".
كل ما سبق يقودنا إلى أن نستنتج أن البرلمان الجزائري المقبل سيكون عبارة عن سيرك بكل ما تحمله الكلمة من معانٍ. سيرك يضم أسوأ نماذج المجتمع و التي ستكون صاحبة القرار في إقرار المشاريع الهامة و الحساسة و الدفاع عن حق المواطن و تمثيله، و لعل هذه من المرات القليلة التي أحمد الله فيها أن هذا البرلمان السخيف لن يكون له أي سلطة حقيقية في صنع القرار في بلد نظامه رئاسي بالدرجة الأولى، و إلا لكان أودى بنا إلى كارثة حقيقية، و هو الشيء الذي لا تحتاج الجزائر المزيد منه.
الإسلامويون طبعاً مشاركون في هذا الكرنفال الساخر، بخطاباتهم الجوفاء التي لم تتغير منذ مئات السنين و التي لم تخرج عن نطاق الخطاب الديني الضيق و اللعب على العواطف و المشاعر، و لعل الشيء الوحيد الذي تغير هنا هو الشعب الذي أدرك أنهم أسوأ من كافة الأطراف السياسية الأخرى، و أنهم أناس جُبلوا على الكذب و النفاق حتى أصبح جزءاً من شخصياتهم، و تكاد لا تجد إسلاموياً واحدا لا يمارس الكذب السياسي بشتى أنواعه، من مبدأ "الكذب الحلال لخدمة المشروع الإسلاموي"، ذلك المشروع المقيت الذي ولد ميتاً و مع ذلك لا زالوا يلوحون به في وجوهنا غير عابئين برائحة الموت و التحلل التي تنبعث منه.
مشاركتهم في هذه الإنتخابات جاءت بمتغيرات و سيكون لها مفاجآت، و لعل أبرز المفاجآت ستكون إكتشافهم و إكتشاف المراقبين لحقيقة كذبة "الشعب مع الإسلامويين" و التي لا يكفون عن ترديدها صبح مساء على الرغم من إدراكم بأنه لا أحد معهم سوى المستفيدين منهم من حاشيتهم و أتباعهم و ما ملكت أيمانهم. أحد المتغيرات أيضا سيكون أن عبارة "قرن في بيوتكن" أصبح لها ترجمة جديدة من الإسلامويين الذين أرادوا فرضها على نساء الشعب الجزائري، فهي الآن تشمل نساء المواطنين فقط و لكن ليس "الأخوات المناضلات" اللاتي أصبحن يتعاركن من أجل الحصول على مكان في القائمة الإنتخابية بعد فرض حصة إجبارية من المترشحات في كل قائمة، و هو ما جعل "الإخونجية" يدفعون بكافة نسائهم إلى معترك السياسة و هم الذين كانوا يحرمون على نساء الآخرين مجرد الخروج من البيت.
بالطبع، الإسلامويون يحبون دائما إضافة النكهة الزهدية الخرافية لأي نشاط يمارسونه، فكما كان الأمر مع رجالهم في إنتخابات سابقة، حين نشروا إشاعات بأن أحد المرشحين قام بالبكاء و كاد يغمى عليه من الحزن عندما سمع خبر فوزه بالمقعد و ذلك خشية من المسؤولية أمام الله – بكاءه طبعاً كان وداعاً للفقر لا خوفاً من المسؤولية، ولكن لزوم الشغل حتمت فبركة القصة – و أقسم أن يتبرع براتبه الشهري الضخم كنائب للفقراء و المساكين – وهو ما لم يحدث طبعاً – و أن يسعى في خدمة المواطن، و هذا هو نفس الشخص الذي أصبح من حينها يتفادى هذا المواطن بأي ثمن. تلك الإشاعات تم إستخدامها أيضاً مع نسائهم، عفواً، أقصد "الأخوات المناضلات" و ذلك حين تم إطلاق إشاعات حول أن أكثر من واحدة منهن قمن بالإنسحاب من القوائم و قامت "أخواتهن" بإجبارهن على العودة إلى القوائم لما سيكون لهن من أجر عظيم في الآخرة. أعتقد أن 300 ألف دينار جزائري شهرياً تساوي الكثير، سواء في بورصة الدنيا أو بورصة الآخرة.
الإسلامويون خائفون جداً من نتائج الإنتخابات المقبلة – على الرغم من إدعائهم غير ذلك – و يظهر ذلك جلياً في محاولتهم توحيد جميع طوائفهم المبعثرة و فرقهم المختلفة تحت قائمة إنتخابية واحدة من أجل الحصول على أكبر قدر ممكن من الدعم، كما يظهر ذلك الخوف أيضا في محاولتهم التودد لمناصري حزب الجبهة الإسلامية للإنقاذ المحظور الذي إنقلبوا عليه من قبل، و بدءهم مسيرة النفاق المكشوف المعتادة في الشوارع و الطرقات، حيث بدأ الناس يلحظون وجوهاً لم يروها منذ الإنتخابات السابقة، وجوه تحمل ملامح الطمع في المزيد تسير في الطرقات تسلم على الجميع، و تتظاهر بطيبة زائدة عن اللزوم، و أحد تلك الوجوه رأيته اليوم فقط في مطعم للوجبات السريعة، و هو وجه لم يظهر له أثر في مدينتنا منذ حصوله على منصبه "الرفيع"، و لكن هاهو يعود اليوم مع هبوب ريح الإنتخابات، متظاهراً بالبله و معتقداً أن سكان المدينة مصابون بالزهايمر.
أطماع المترشحين تتركز في مجملها حول أمور أساسية عدة، أولها الحصانة التي تمنح لهم دون وجه حق، فكيف لبرلماني من المفترض أن يكون خادماً للشعب أن يحمل حصانة تحميه من المتابعة القانونية إن هو أخطأ في حق ذلك الشعب؟ و الأمر الثاني هو المبلغ المالي المغري الممنوح كراتب و الذي يتجاوز بكثير راتب أستاذ جامعي أفنى حياته في الدراسة و التعليم، و يضاف إلى ذلك المبلغ المالي الإمتيازات المالية المكتسبة بطرق أخرى عن طريق "قضاء الحاجات" و "حل المشاكل". الأمر الثالث هو الإستفادات المادية التي تتبع نهاية فترة العمل كنائب في البرلمان، و بعضها يستمر إلى حين وفاة الشخص. الأمر الرابع هو سهولة العمل و الذي لا يتطلب أي عمل جاد أو تحضير حقيقي، و يمكن فيه الغياب بسهولة دون أي عقوبات رادعة حقيقية تمنع النائب من الغياب عن جلسة عمل لن يقدم فيها شيئا أساساً، اللهم إلا رفع الأيادي و خفضها للموافقة على القوانين، و كنوع من الرياضة البدنية للحفاظ على جسده يقظاً من أجل السهرات و الولائم. هذه طبعا ليست كل الأشياء التي يطمع فيها هؤلاء "المترشحون" و لكنها تمثل أهمها، و كما نرى لا وجود لإنشغالات المواطن أو تقديم أي شيء حقيقي أو إيجابي للبلد في هذه القائمة، و ذلك لأن النائب مشغول بنفسه إلى الحد الذي ينسى معه سبب وجوده في ذلك المجلس، و من أوصله إليه.
الكثير من الجزائريين يعتزم مقاطعة الإنتخابات و عدم التصويت – و الكثير هنا تعني الأغلبية الساحقة - غير مدرك أنه بمثل هذا التصرف سيمنح أعداء الجزائر من الإسلامويين و حلفائهم خارج الجزائر الفرصة السانحة للتصويت لصالح مرشحيهم و محاولة السيطرة على الجزائر من جديد بعد المحاولة الفاشلة في التسعينيات. الأمل الوحيد للإسلامويين هو أن لا يصوت الشعب و بالتالي يتاح لهم حشد أقاربهم و المستفيدين منهم للتصويت لهم، أما لو صوت الشعب الجزائري فعلاً – و هو ما يجب عليه القيام به إن هو فعلاً يخشى على مستقبل البلد – فلن يحصل الإسلامويون على أي نسبة تذكر و سيعودون إلى المراكز الخلفية المظلمة التي خُلقوا من أجلها و لايمكنهم العيش خارجها.
رسالتي إلى الشعب الجزائري: لا إختلاف في أن المرشحين هذه المرة يمثلون أسوأ ما في المجتمع الجزائري، و لكن هذا لا يعني العزوف عن التصويت لأن ذلك سيخدم أعداء البلد من الإسلامويين و حلفائهم، و هو ما قد يعني نهاية النظام الشبه علماني القائم في الجزائر و قيام دولة ثيوقراطية بشعة في الجزائر ستجر على البلد الويلات و الكوارث منذ أيامها الأولى. أنا شخصياً لست من المؤمنين بنزاهة النظام السياسي الجزائري الحالي، و لكنني أؤمن يقيناً بأنه بالرغم من كل مساوئه يبقى حائط الصد و الحماية للبلد و الشعب من الإسلامويين و أطماعهم اللامحدودة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - b
طاهر جاووت ( 2012 / 4 / 21 - 03:52 )
مرحبا المبدع عمر ، اتمنى تطلع على مقالاتك فانا اعيد نشرها في منتدى الشروق

تحياتي لك و في انتظار جديدك


2 - هدا هو الواقع المر
نور الحرية ( 2012 / 4 / 21 - 12:53 )
بعد التحية اعتقد بان العلمانيون في الجزائر حشروا حشرا في صف هذا النظام البائس على حد القول الماثور مكره اخاك لا بطل وذلك لانعدام واجهة علمانية حقيقية متنورة في الجزائر حتى الاحزاب المنسوبة على العلمانية كالافافاس والارسيدي لا تصرح علنا بانها علمانية وتحاول ان تظهر بمظهر المنافحة على الاسلام وانما بشكل متسامح فالمشكلة اذن في شعبنا المنغلق وياللاسف الشديد

اخر الافلام

.. كاهن الأبرشية الكاثوليكية الوحيد في قطاع غزة يدعو إلى وقف إط


.. الجماعة الإسلامية في لبنان: استشهاد اثنين من قادة الجناح الع




.. شاهد: الأقلية المسلمة تنتقد ازدواج معايير الشرطة الأسترالية


.. منظمات إسلامية ترفض -ازدواجية الشرطة الأسترالية-




.. صابرين الروح.. وفاة الرضيعة التي خطفت أنظار العالم بإخراجها