الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حول طروحات عبدالله حميد الدين

محمد باسل الطائي

2012 / 4 / 20
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


إن المطَّلع على أحاديث السيد عبدالله حميدالدين المطروحة تحت عنوان "الكينونة المتناغمة" ليجد أن فيه حقا مختلط بالباطل ويجد جهلا بيناً ببعض الأمور، ويجد خلطا في الكلام وتضمينا مفتعلا أحياناً لأسماء فلاسفة أو اصلاحات لا ضرورة لها كالحداثة وما بعد الحداثة، أو أسماء فنانين غربيين يستشهد بهم رغبة في ترصين الحديث. والأمر كله مشكوك في دوافعه وأهدافه، ففيه كلام حق يراد به باطل، وهذا ما تكشف عنه الأفكار المتواصلة والعبارات التي يقولها حميدالدين.
ومن أبرز الدعاوى التي يلجأ اليها عبدالله حميدالدين قوله إن الله غني عن العالمين وهذا كلام حق. أما الباطل الذي يجرنا اليه فقوله: ولذلك فإن الله ليس إلا حاجة في نفوسنا وهو ذي قيمة عندنا بقدر خدمته لنا. وبالتالي فإن لم نكن نحن بحاجة اليه وهو ليس بحاجة إلينا فعندئذ الكل مستغن عن الكل ولا ضرر هنا ولا ضرار.
إن الاعتراض على الإله الشخصاني أمر فيه نظر، وهو مسألة عميقة الغور لا ينبغي لحميد الدين أن يطرحها على هذه الشاكلة لو أنه فهمها حق قدرها. لكنه بذات الوقت ينبغي أن يُبحث في اطار الايمان إن كان المدَّعي مؤمنا وفي إطار الفكر والمنطق إن كان المدَّعي غير ذلك. وحميدالدين يدَّعي الإيمان لكنه يرفض بحث صفات الله وقدرته وإرادته وفعله في العالم من داخل الخيمة الإيمانية بل يريده من خارجها. وهذا متاح له إن كان هادفا مناجزة غير المسلمين. أما وهو يطرح أفكاره للمسلمين ويدعي الإيمان فعليه جدالهم من داخل النص القرآني. وهذه مسألة مهمة إذ أن تصريحه بالإيمان يعفيه من الكفر شرعا ومقابل ذلك يكون عليه النقاش من داخل الحزمة الإيمانية. من جانب آخر فإن هذا الأمر، أعني شخصانية الله وتأويل القول بالصفات، أمر فيه نظر كما قلت، ويمكن أن يبحث في المستوى النقلي والمستوى العقلي ويمكن أن يجادل فيه العاقل على مستويات مختلفة ويُقبل فيه التأويل بجواز أن الصفات الإلهية يمكن أن تؤخذ على المجاز. وفي النص القرآني متسع للعبارة وفيه وضوح القصد إذ يفهم النص العربي المبين. علماً أن المتكلمين الأوائل خاضوا في هذا خوضا بعيد المنال وجاسوا في الفكر حتى أنتهوا إلى شناعات كثيرة وشحناء بين بعضهم بعضا مؤلمة. فمن أراد الخوض في الأمر فليخض فيه على سوية جديدة ومنطق جديد وليكن ذلك بتؤدة لأن الأمر خطير والمنزلق سهل.
أما تفريقه بين القرآن والله وقوله أن معرفة الله تسبق معرفة القرآن فحكم باطل وذوق ضعيف، إذ كيف تم له ذلك والقرآن يهدي إلى صراط العزيز الحميد؟ أليس من أهداف القرآن أصلا الاستدلال إلى الله تعالى والتنبيه إلى وحدانيته وقدرته وحكمته ورحمته وسائر صفاته التي يتجلى بها في أسمائه الحسنى. كيف له أن يجادل بغير علم ولا هدى وكتاب منير؟ أما إذا أراد حميد الدين أن يعرض عن القرآن جملة ويتعامل معنا بالعقل والمنطق فشأنه في هذا شأن الفلاسفة الذين ناجزهم أبو حامد الغزالي في كتاب تهافت الفلاسفة ولم يحتج عليهم بآية ولا حديث. ونحن قادرون على المناجزة معه دون إرهاب ولا ترويع.
إن حميدالدين إذ يعزل القرآن عن الله فإنما يريد من خلاله على ما يظهر لنا أن يجعل إلهه هواه ليرسم الإله الذي يشتهيه، ثم يقابل هذا الإله مع القرآن ليجده متناقضا معه، أي مع صورة الإله اللاشخصاني الذي يتمتع بالصفات التي يرغبها حميدالدين! ولما كان الإله أسمى وأسبق من القرآن على شروطه هو، فإنه بالتالي سيحاول أن يؤول ذلك. ولن يجد إلا أن يقول ساعتها أن القرآن من وضع النبي محمد. وهذه غاية غير مشروعة بل هي سبيل عاطل.
إن جميع ما يطرحه عبدالله حميدالدين قابل للنقاش، ولكن ليس على شروطه هو فشروطه غير مقبولة بأي عُرف كان. وإذا ما كان طرحه قد وصف في أجهزة الإعلام بأنه تجديف فلأنه يفتقد الأرضية الفكرية للطرح المقبول منطقيا كما ذكرت. فأنت إما أن تدعي أنك مؤمن فتناقش تحت هذه الخيمة وإما أن تعلن أنك لست مؤمنا وتناقش تحت خيمة المنطق والعقل. ولعل من يقول إن المؤمن لا يستبعد أن يطرح تساؤلات عميقة وجدية في العقيدة وتساؤلاته مشروعة لكونه يسعى إلى الإيمان. وهذا صحيح لكن حين نقول مؤمن فبماذا هو مؤمن؟ أ بالله؟ أم بالرسول؟ أم بالقرآن؟ أم بكل هذا؟ عند هذا تتحدد أسس الحوار وقواعده وتنبني مسلماته وفروضه. أما أن تكون المسألة عائمة وغامضة بل تطرح كجملة تساؤلات وهي أشبه بالإحتجاجات فإنها لن ترقى عندئذ أن تكون شيئا نافعاً، بل زبدا يذهب جفاء. ولعل في هذا ما يفسر هلامية الطرح الذي يسميه تنويري، وهو ليس كذلك بل أرقى ما يناله أن يكون أرهاصات جهل قد يقود إلى علم وقد يقود إلى ضلالة. ومن هذا المنطلق يمكن أن نرى جانبا ايجابيا في مثل هذه الطروحات إذ أنها ولا بد ستستفزنا إلى فتح الحوار التنويري الصحيح والنقاش البنّاء الذي سيستبدل الجمود بالتجديد ويستبدل الصنمية بالتجريد وينزع إلى فتح الآفاق على هدى حقيقي بنهج عقلي راق ينطلق في مدارج العلم ليرقي إلى معارج الإيمان.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مسيحيو مصر يحتفلون بعيد القيامة في أجواء عائلية ودينية


.. نبض فرنسا: مسلمون يغادرون البلاد، ظاهرة عابرة أو واقع جديد؟




.. محاضر في الشؤؤون المسيحية: لا أحد يملك حصرية الفكرة


.. مؤسسة حياة كريمة تشارك الأقباط فرحتهم بعيد القيامة في الغربي




.. التحالف الوطني يشارك الأقباط احتفالاتهم بعيد القيامة في كنائ