الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدولة المدنية في الإسلام

عبد الكريم بدرخان

2012 / 4 / 22
المجتمع المدني


هل كانت دولة الإسلام دولة دينية أم دولة مدنية؟.. إن كلتا الإجابتين غيرُ دقيقتين، وذلك لاختلاف طبيعة الدولة ووظائفها في ذاك الزمن عن زمننا الحالي، ولكنني ارتأيتُ إلى أنّ الطابع المدني هو الطابعُ الغالب على دولة الإسلام ومجتمعه، ولسوف أقوم بجمع أجزاء الدولة المدنية من الفقه والتاريخ الإسلاميين، مثلما قامت (إيزيس) بجمع أجزاء (أوزيريس)، وبما أن مصطلح المدنية مصطلح متغيّر زمانياً ومكانياً، بل متغيّر من قارئ لآخر، فإن ما أعنيه بالمدنية في هذا المقال: هو فصل الدين عن الدولة، والمساواة بين جميع المواطنين في الحقوق والواجبات على اختلاف أديانهم وأعراقهم ومذاهبهم الفكرية، أي ما ندعوه اليوم بالمواطنة.

الدولة المدنية في الفقه الإسلامي:
--------------------------------

جاء الإسلام ثورةً على السلطة الدينية، فأزالها من أساسها، وأقام مكانها دولة تكون فيها علاقة الإنسان مع الخالق علاقةً مباشرة دون وساطة من أحد، وقد فصل الإسلام بين الديني والدنيوي، الأول اشترط فيه النظر العقلي لتحصيل الإيمان، واشترط فيه تقديم العقل على ظاهر الشرع عند التعارض، أما الأمور الدنيوية فهي متروكة للناس على هواهم وفق نصّ الحديث: (الناس أدرى بشؤون دنياهم)، ولم تكن للرسول سلطة دينية على المسلمين سوى الهداية والإرشاد، فهو كما ذكرت الآية الكريمة: { فذكّرْ أنت مذكّر، لست عليهم بمسيطر}، ولم تكن للخليفة أيضاً أية سلطة دينية، فهو ليس حاكماً ثيوقراطياً يتلقى وحياً من السماء ويطبّقه على الأرض، ولم يكن من حقه تفسير القرآن أو السنة كما يشاء، وهو لا يرتفع عن باقي المسلمين بأية درجة دينية، وقد رويَ أنّ الإمام مالك أنزل الخليفة هارون الرشيد عن منصّته، وأجلسهُ مع سائر التلاميذ أثناء إلقاء الدرس، ولو كان للخليفة سلطة دينية لما جلس في موضع التلميذ، وكذلك كانت سلطة القاضي والمفتي سلطةً مدنية، فلا يحق لأحد أن ينازع الآخر في طريق نظره، وكان القاضي (كما كان الرسول أيضاً) يحكم بين المسلمين بالقرآن، وبين المسيحيين بالإنجيل، وبين اليهود بالتوراة.

أثناء الحرب والسلم .. كان الإسلام يكتفي بإدخال الأرض الجديدة تحت سلطانه ويترك الناس على أديانهم ومعتقداتهم، وكان لهم حق المحافظة على أمنهم في ديارهم ومعابدهم، وحرية ممارسة الشعائر الدينية، وفق الحديث: ( لهم مالنا وعليهم ما علينا).
ومن أراد التوسع في هذا الموضوع .. فلْيرجعْ إلى كتاب (الإسلام بين العلم والمدنية) للمفكّر محمد عبده، من صفحة 113 إلى صفحة 138.

الدولة المدنية في صدر الإسلام:
-------------------------------

في عهد الرسول والخلفاء الراشدين .. لم تكن الدولة قائمةً على تعاليم الدين من حيث نظام الحكم، فالخلفاء كان يتم اختيارهم، أو يتم خلعهم، أو تتم الصراعات بينهم، جميع ذلك لأسباب لا علاقة للدين بها، بل هي أسباب سياسية وصراع مصالح. وقد أخذ الخلفاء بأنظمة الحكم القائمة في دول الجوار ولم يقيموا نظام حكم إسلامي، فأنشؤوا الدواوين (الوزارات) على غرار الأنظمة الإدارية الفارسية، وكانت الدواوين تكتب باللغة الفارسية لأن معظم العاملين فيها من الفرس، وكان يتم اختيار المناصب على أساس الكفاءة لا على أساس الدين، ولذلك شغل الكثيرون من الفرس واليهود والمسيحيين مناصبَ عليا في الدولة.

عندما هاجر الرسول إلى المدينة .. تشكّلتْ دولة جديدة متنوعة الأديان والأعراق، فكانت تضمّ المهاجرين والأنصار والمشركين واليهود، وعندها نشأت (وثيقة المدينة) التي يعتبرها البعض أقدم دستور مدني مكتوب في العالم، وهي بالحقيقة لا يمكن اعتبارها دستوراً، لأن الدستور يعبّر عن الدولة باعتبارها صاحبة السيادة والسلطان على إقليمها، أما وثيقة المدينة فهي أشبه بعقد اجتماعي توافقي ينظم السياسة الداخلية للمدينة، وينظم علاقة كل مواطن مع الآخر المختلِف عنه دينياً، وهي ليست عقداً اجتماعياً كالذي نادى به (روسّو) لأن العقد الاجتماعي يكون بين الحاكم والمحكوم، أي هو عقد عمودي، أما وثيقة المدينة فهي عقد بين أطياف المجتمع أي هي عقد أفقي، وبالتالي فهي وثيقة مواطنة وهي عقدٌ لمجتمع مدني.

كانت وثيقة المدينة مشروعاً اجتماعياً جماعياً ينظم أطياف المجتمع على أساس الحرية والمساواة، ولم تكن إملاءً من فئة إلى أخرى، بل توافقاً بين جميع الفئات الدينية، كل منها على أساس خصوصيتها الثقافية والاجتماعية وحقوقها في التشريع والعمل والتجارة.

الدولة المدنية في العصر العباسي:
---------------------------------

من حسن حظّنا أنْ وصلنا الكثير من كتب وأخبار العصر العباسي، وكلها تشير إلى أن الدولة العباسية كانت دولة مدنية بامتياز، والمجتمعَ العباسي كان مجتمعاً مدنياً بامتيازٍ أيضاً، ففي بغداد كانت تنتشر المساجد إلى جانب الكنائس إلى جانب المعابد اليهودية إلى جانب الحانات ومجالس السمر والأدب والغناء، دون أن يتدخل أحد في حرية الآخر، وكان الخلفاء يحتفلون بالأعياد المسيحية كعيد الميلاد، وقد قام الخليفة المنصور ببناء كاتدرائيتين في بغداد أثناء تشييدها بالإضافة إلى مدرسة يهودية، وكان حاخام بغداد رأساً للطائفة اليهودية في العالم، وما علينا سوى القيام بجولة قصيرة في الشعر العباسي حتى نشاهد كل ذلك.

إن أهم صفات العصر العباسي .. هي الجدالات الدينية - الفلسفية، وقد وقعتْ فيه حادثةٌ نادرة، إذ غالباً ما تقوم السلطاتُ بحبس الفلاسفة والمفكرين الذين يخالفون المعتقد الديني السائد، لكن ما حصل في العصر العباسي هو النقيض من ذلك، إذ قام الخليفة المأمون بحبس الإمام أحمد بن حنبل لأنه خالف رأي المعتزلة في مسألة خلق القرآن، وكانت تلك حادثةً تاريخية نادرة يُسجَن فيها رجلُ دينٍ إعلاءً للعقل والفلسفة.

فالإسلام هو دين وروح وثقافة، وليس دنيا ومادّة وسياسة، ولذلك أردُّ على من يدّعي بأنّ (الديمقراطية بدعة) وأنّ (الدولة المدنية بدعة)، أردُّ بأنّ الدولة الإسلامية هي البدعة، لأن دولة الإسلام كانت – عبر تاريخها – دولةً مدنية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الدولة المدنية الكاذبة
ابو فراس ( 2012 / 4 / 22 - 19:19 )
لم يقوم الاسلام بثورة ضد السلطة الدنية في مكة لانها لم تكن فبها دولة وليس لها سلطة مركزية ولم يكن فيها دين سماوي الذي تستمد سلطتها منة وانما كانت مركز للاوثان وكانت مركز تجاري بالدرجة الاولى وكانت قبيلة قريش مسيطر على تجارة مكة وتحكمها بالاعراف القبيلة كان الحج تحج فية القبائل مع اختلاف عقائدها والهتها وكانت هنالك تعددية والاسلام لم يبني اي دولة مدنية لانة في تعارض وتناقض مع الدولة المدنية الدولة الاسلامية مرجعيتها وقوانيها مستمدة من اللة والدولة المدنية قوانينها وضعية والاختلاف بينها واسع وكبير لكنك حاولت ان تفبرك القضية ماهذا الاسفاف والتلاعب بالكلمت الخلفاء الراشدين كانت دولتهم دينية وليس مدنية الدولة المدنية يجب تكون بها معارضة فهل توجد في دولة الخلفاء معارضة كلا ابو بكر الصديق حارب الذين عارضوا الاسلام وحارب الذين لايدفعون الجزية اما وثيقة المدينة فكانت اتفاق قبلي مكتوب حسب الاعراف القبلية آخا فية الرسول بين الانصار والمهاجرين واليهود وفي النهاية صفى اليهود وقتلهم واصبحت يثرب ذو لون واحد وعقيدة واحدة لماذا تحاول ان تنزع عمامة الاسلام وجبتة وتلبسة السروال وربطة العنق


2 - الدولة الدينية بين الاسلام والمسيحية
ابراهيم المصرى ( 2012 / 4 / 23 - 00:26 )
صباح النور سيد بدرخان جيد انك تحفظت فى بداية مقالك على شكل الدولة وتطورها حين بدايات محمدواقامتة لمجتمعة ولكى نعاين نوعية الدولة او السلطة ان شئت الدقة فى الاسلام علينا مراجعة النصوص المؤسسة لذلك او النافية ايضا فالاعتماد على التسجيل التاريخى ليس داءما صحيح لاننا نقارن عقيدة ودين وكما قلت ان الاسلام لم ؤسس لكهنوت او ان القران المجيد وهو النص المؤسس والوحيد للاسلام ليس فية دعوة لاحتكار العلم الدينى او تحريم او تحليل لامر حتى ان القران وبخ محمد رسول الله ولامة انة استخدم السلاطات الالهية اللتى هى حكر على الاله وحدة فى التحريم والتحليل فهنا مربط الفرص ومنامة سيدى لاسلطة دينية ابدا فى يد احد وهنا فقط عزيزى الناس تحت سماء الاله متساون لاميزة لاحد على غيرة الا بالعمل فلااعتماد على منصب او حسب او درجة فى الكنيسة وهنا المفارقة الفاصلة فالاسلام ليس فية متكلمون باسم الاله بعكس مافى المسيحية فممثلى الاله هم المؤتمنون على كنيستة فهم ظل الاله على الارض مايحلونة ومايعقدونة على الارض مربوط ومحلول فى السماء وهنا فقط عزيزى نشات الدولة الدينية اللتى هى نتاج النص المقدس المسيحى لتكتوى اوربا بها لقرون


3 - الاعلام المشترى باموال الكنائس
ابراهيم المصرى ( 2012 / 4 / 23 - 00:34 )
سيد بدرخان أظنك الان فقط عرفت التأسيس للدولة الدينية لان النص المقدس انجيليا دشنها وهو مالايجرؤ الاعلام المصرى ان يكشفة خوفا من ضغوطات الكنيسة وانتظارا لبركتها واموالها فالاف الكتب والمقالات واللقاءات التلفزيونية اللتى تناولت الدولة الدينية لم يجرؤ احد للتطرق لاس الداء وبؤرة الخطر ومكمنة الا وهو النص الانجيلى اللذى منح لانسان ان يحرم انسان اخر والحرم عزيزى معناه انك لن تدخل الملكوت فانت مقطوع من جماعة الرب اى من كنيستة مارسة رالكهنوت الرسمى يهوديا ومسيحيا لوجود النصوص الداعية والمنظمة له فى الكتاب المقدس سعدت بوجودك وقراءتك سيد بدرخان لك محبة وتقدير

اخر الافلام

.. Thailand: How online violence and Pegasus spyware is used to


.. مداخلة القائم بأعمال مدير مكتب إعلام الأونروا في غزة حول تطو




.. العربية ترصد الاحتجاجات أمام جامعة السوربون بعد فض اعتصام مع


.. إسرائيليون يتظاهرون أمام منزل بيني غانتس لإتمام صفقة تبادل ا




.. معاناة النازحين في رفح تستمر وسط استمرار القصف على المنطقة