الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حكايتى مع النظام 3 (عبد الناصر)

فاروق عطية

2012 / 4 / 22
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


إسمه بالكامل جمال عبد الناصر حسين سلطان على عبد النبي. ولد فى 15 يناير 1918 فى شارع قنوات بحى باكوس الإسكندرية, لأب صعيدى مولود بقرية بني مر في صعيد مصر لأسرة تعمل بالفلاحة, ولكنه حصل على قدر من التعليم سمح له بأن يلتحق بوظيفة بوسطجى بمصلحة بريد الإسكندرية, وكان مرتبه يكفى بصعوبة لسداد ضرورات الحياة. وناصر هو ثاني رؤساء مصر, تولى السلطة عام 1954. وهو أحد قادة حركة 23 يوليو 1952, والتى كان من أهم نتائجها خلع الملك فاروق عن الحكم, وبدء عهد النظام الجملوكى, والاهتمام بالقومية العربية التي تضمنت فترة قصيرة من الوحدة بين مصر وسوريا ما بين سنتي 1958 و 1961, وفيها أُلغى إسم مصر ولقبت بالإقليم الجنوبى للجمهورية العربية المتحدة. كما أنه شجع عدد من الثورات في أقطار الوطن العربي وعدد من الدول الأخرى في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية. كما كان له دور بارز في تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية 1964 وحركة عدم الانحياز الدولية. أصبح ناصر من أهم الشخصيات السياسية في الوطن العربي والعالم النامي للقرن العشرين. عرف عنه انتماؤه للوطن العربي والقومية العربية, وأصبحت أفكاره مذهبا سياسيا سمي تيمنا باسمه "الفكر الناصري" والذي اكتسب الكثير من المؤيدين في الوطن العربي خلال خمسينيات وستينيات القرن الماضى. ولكن صورته كقائد قد اهتزت بعد نكسة 67 إلا أنه ما زال يحظى بشعبية وتأييد بين كثير من مؤيديه الذين يعتبرونه "رمزا للكرامة والحرية العربية ضد استبداد الاستعمار وطغيان الاحتلال".

تُوفيت أمه في ( 2 أبريل 1926) وكان فى الثامنة من عمره, وهي تضع مولودها الرابع "شوقي" بعد أخوته الليثي وعز العرب, وكان عمه "خليل" الذي كان يعمل موظفا بالأوقاف في القاهرة متزوجاً منذ فترة, ولم يرزق بأبناء فوجد في أبناء أخيه أبوته المفتقدة فأخذهم معه إلى القاهرة ليقيموا معه حيث يوفر لهم الرعاية والاستقرار بعد وفاة أمهم. تزوج من تحية محمد كاظم فى 29 يونيو 1944– ابنة تاجر من رعايا إيران – كان قد تعرف على عائلتها عن طريق عمه خليل حسين ( بناء على قانون الرياسة الحالى لا يحق له أن يتبوأ منصب رئيس الجمهورية), وقد أنجب ابنتيه هدى ومنى وثلاثة أبناء هم خالد وعبد الحكيم وعبد الحميد. لعبت تحية دوراً هاماً في حياته خاصة في مرحلة الإعداد للحركة واستكمال خلايا تنظيم الضباط الأحرار, فقد تحملت أعباء أسرته الصغيرة - هدى ومنى - عندما كان في حرب فلسطين 1948, كما ساعدته في إخفاء السلاح حين كان يدرب الفدائيين المصريين للعمل ضد القاعدة البريطانية في قناة السويس في 1951, 1952.
حصل على شهادة الثانوية من مدرسة النهضة المصرية بالقاهرة (عام 1937). إلتحق بكلية الحقوق وبعد أن قضى بها بضعة أشهر قرر دخول الكلية الحربية, وكان عدد طلاب الكلية لا يتجاوزن 90 طالبا. وبعد تخرجه (عام 1938) التحق بالكتيبة الثالثة بنادق, وتم نقله إلى "منقباد" بأسيوط, حيث التقى بأنور السادات وزكريا محيي الدين. ثم نُقل إلى الإسكندرية عام 1939، وهناك تعرف على عبد الحكيم عامر الذي كان قد تخرج في الدفعة التالية له, وفي عام 1942 نقل إلى معسكر العلمين, وما لبث أن نُقل إلى السودان ومعه عامر. وعندما عاد من السودان تم تعيينه مدرسا بالكلية الحربية, والتحق بكلية أركان الحرب حيث التقى خلال دراسته بزملائه الذين أسس معهم تنظيم الضباط الأحرار. وفي صيف 1949 تشكلت لجنة تأسيسية ضمت في بدايتها خمسة أعضاء فقط هم: جمال عبد الناصر وكمال الدين حسين وحسن إبراهيم وخالد محيي الدين وعبد المنعم عبد الرءوف, ثم زيدت بعد ذلك إلى عشرة، بعد أن انضم إليها كل من: أنور السادات, وعبد الحكيم عامر, وعبد اللطيف البغدادي, وزكريا محيي الدين, وجمال سالم. وظل خارج اللجنة كل من: ثروت عكاشة، وعلي صبري، ويوسف منصور صديق. وفي ذلك الوقت تم تعيين جمال عبد الناصر مدرسا في كلية أركان الحرب, ومنحه رتبة بكباشي (مقدم) بعد حصوله على دبلوم أركان الحرب العام 1951 في أعقاب عودته من حرب فلسطين, وكان قد حوصر هو ومجموعة من رفاقه في "الفالوجة" أكثر من أربعة أشهر. عاد بعد أن رأى بعينه الموت يحصد أرواح جنوده وزملائه، الذين رفضوا الاستسلام للإسرائيليين, وقاوموا برغم الحصار العنيف والإمكانات المحدودة وقاتلوا بفدائية نادرة وبطولة فريدة حتى تم رفع الحصار في مارس 1949. و في 23 يوليو 1952 حدث الانقلاب العسكرى دون مقاومة تذكر, ولم يسقط في تلك الليلة سوى ضحيتين فقط هما الجنديان اللذان قتلا عند اقتحام مبنى القيادة العامة, وكان اللواء محمد نجيب رئيسا للحركة. نشأ صراع شديد على السلطة بين ناصر ونجيب, أنهاه عبد الناصر لصالحه في (14 نوفمبر 1954) واعتُقل محمد نجيب، وحُددت إقامته في منزل زينب الوكيل بالمرج وانفرد ناصربالسلطة حتى توفاه الله فى 28 سبتمبر 1970.
عاصرت ناصر فى فترات الصبا والشباب, وبهرت به كما بهر به معظم شباب ذلك العصر كما اكتويت بناره كما اكتوى كل من عاش عصره. قال إرفع رأسك يا أخى, فرفعناها عاليا حتى كادت رؤوسنا أن تُقتلَع من عنف رفعها, ثم خفضناها خجلا وذلا بعد النكسة حتى كادت رؤوسنا أن تسقط على الأرض من فرط خفضها. ذكريات تلك الحقبة لا تنسى, وأول هذه الذكريات كانت بعد نشوب الخلاف بين نجيب وعبد الناصر على السلطة واعتقال نجيب وتحديد إقامته فى بيت زينب الوكيل وتولى ناصر السلطة منفردا. قمنا بتظاهرة كبيرة (طلبة وموظفى وعمال وفلاحى مدينة طهطا) مطالبين بعودة نجيب وتنحية عبد الناصر, وصدرت أوامر صريحة من القيادة بالقاهرة بتفرقة المتظاهرين ولو أدى الأمر إلى استخدام الرصاص الحى. ولما كان بيننا أبناء الضباط والعسكر طلاب بالمدارس, استخدمت فى ملاحقتنا خيالة البوليس ضاربين إيانا بالكرابيج السودانى بدلا من الرصاص, وما زال إحساسى بعلامة الكرباج على ظهرى حتى اليوم.
وفى عام 1955 حدث خلاف بين أبو الوفا دنقل صاحب شركة أتوبيس الصعيد ومحمد عبد التواب ناظر محطة الأوتوبيس بطهطا وحكمت المحكمة لعبد التواب بتعويض مادى كبير. استطاع أبو الوفا دنقل أن يتخذ عبد الناصر حسين (والد جمال) شريكا له. وذات يوم أحضر معه عبد الناصر كوسيط لحل الخلاف بينه وبين عبد التواب, فما كان من الأخير إلا أن طاح فيهما ضربا بمفتاح انجليزى كبير. ولما كان ليس هناك تليفونات قريبة من محطة الأوتوبيس إلا بمدرسة طهطا الثانوية, حضرا إلى المدرسة وكان عبد الناصر يلبس طربوشا تحته منديل محلاوى والدماء تسيل من تحته على جبهته, طلبا من ناظر الدرسة (عارف بك عسكر) أن يستخدما تليفون المدرسة لإخبار جمال عبد الناصر بما حدث لوالده. كان عارف بك عسكر مستاءً من جمال عبد الناصر لإلغاء الباكوية فطردهما من المدرسة لاعنا أبويهما, وللحقيقة لم يتخذ جمال أى موقف انتقامى فى هذا الأمر.
فى أحد أيام عام 1964 كنت بميدان التحرير أنتظر أتوبيس رقم 10 ليقلنى إلى الجيزة, وتصادف مرور موكب جمال عبد الناصر فتحلق الناس مهللين ومصفقين, ولما كنت لا أحب النفاق فلم أنضم لهذا الحشد ولم أصفق فشعرت بسونكى بندقية يلامس خاصرتى وصوت يأمرنى قائلا: صفق يا ابن الـ...., فاضطررت للتصفيق مكرها.
فى يوم من أيام 1966 وكنت وقتها رئيس قسم معامل التشغيل بشركة النصر للأسمدة بالسويس, وكنت أتحدث مع بعض الأصدقاء وجاء فى الحديث ما نخشاه من تكميم الأفواه والديكتاتورية التى حتما ستؤدى لكارثة, بعدها جاءنى أحد العاملين الذين يقومون بالتحاليل (مُختَبر) كنت أعطف عليه وأساعده لنشاطه وإخلاصه فى العمل وقال لى: أنت يا دكتور تعرف كم أحبك وأحترمك وأشيل جمايلك على رأسى, لكن أرجوك لا تتحدث عن النظام أمامى أو أمام زميلك الكميائى أفلاطون جليل, لأننا كشباب الثورة قد أقسمنا اليمين أن نبلغ القيادة بكل من يتحدث ضد السلطة, وأنا لا أريد أن أفعل ذلك معك بالذات واكون لك من الشاكرين.
فى الخامس من يونيو 1967 كنا نحن من نعيش فى السويس وخاصة بمدينة شركة النصر للأسمدة أول من شعر بالهزيمة المُرة رغم ترديد أحمد سعيد بالإذاعة أكاذيبه بإسقاط معظم طائرات العدو الصهيونى, فكنا نرى الطائرات الإسرائيلية تحلق فى سماء السويس بل وتهبط قريبة من الأرض لتصوير الدمار دون مقاومة, كما كنا نرى عشرات بل مئات الجنود الجرحى الذين يرسلون لمستشفى الشركة للعلاج ولكننا لم نكن نستطيع البوح بما نرى ونشعر. وفى العاشر من يونيو بعد إعلان ناصر للهزيمة وتنحيه من السلطة تظاهر شعب السويس وحطم أقواس النصر المقامة لتمجيد ناصر وخلع صوره من على الجدران وضربوها بالأحذية مطالبين بمحاكمته كمتسبب للهزيمة. وفى اليوم التالى نشط الشباب الناصرى بالترغيب والتهديد وأُجبرت الشركة بإخراج عشرات الأوتوبيسات محملة بالعمال للذهاب للقاهرة وفى يد كل منهم عشرون جنيها ووجبة من الكباب لتأييد ناصر ومطالبته بعدم التنحى.
وفى مساء يوم 28 سبتمبر 1970 وكنت بالأوتوبيس فى طريقى لمصنع الأسمدة الأزوتية التابع لشركة الكوك بحلوان, حيث كنت وفريق من تخصصات مختلفة معارين من شركتنا المتوقفة عن العمل بسبب التدمير إلى شركة الكوك للإشراف على تشغيل مصنعها الجديد, وكانت الإذاعة طوال الطريق تذيع أيات من القرآن, وأخيرا أعلنت وفاة عبد الناصر. شعرنا بالخوف من المجهول لأن ناصر ترك البلد وليس بها سياسى واحد يعوّل عليه خاصة والبلد فى هزيمة مروعة. أُعلن فى الإذاعة الحداد على موت ناصر لمدة ثلاثة أيام, كان نتيجتها وخاصة أن المصنع حديث والعاملين به حديثى العهد بالصناعة, انقطع حضور العاملين إلى المصنع تنفيذا للحداد, فبقيت والمجموعة العاملة معى ثلاثة أيام كاملة نعمل 24 ساعة فى اليوم. قسمت فريق العمل ( 3 كيميائي و6 محللين ) إلى مجموعات ثلاث كل مجموعة مكونة من كيميائى و2 محلل, يعمل فريق ويستريح الآخرين على أن ويستبدل النظام كل أربع ساعات, وأنا لم أستطع النوم مما جعلنى فى غاية التعب والإرهاق. وبعد انتهاء الحداد وعودة نظام العمل طلبت سيارة لتوصيلى لمنزلى بشارع الهرم, وفى الطريق طلبت من السائق أن يعرج بى إلى مصر الجديدة, وعندما مررنا بضريح عبد الناصر قاومت رغبتى فى البصق عليه وأنا أتمتم: روح ربنا يسامحك لما سببته لى من متاعب فى حياتك وشقاء فى مماتك. ضحك السائق وعاد بى إلى شارع الهرم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - لم لاتذكر تامره على العراق
شكر البابلي ( 2012 / 4 / 23 - 19:16 )
اليس من الحق ان تذكر كيف تامر هذا جمال على بعض الدول العربية في تلك الفترة القومجية وخصوصاً على العراق و كيف اجهض ثورة العراق الفتية ومنذ ذلك الانقلاب الاسود في عام 1963 لم يشهد العراق اي استقرار هذا ما فعله جمال الريئس الفاشل بكل المقايس والقومجي الغير واعي الى الاحداث التى كانت تتطلب قائد واع ومثقف يعرف واقع شعوب المنطقة دون اقحام الناس بمفهوم القومجية والبطجية التى خلفت لنا صدام الذى اواه الريئس جمال في القاهرة بعد مشاركت صدام بمحاولة الاختيال الفاشلة ضد القائد البار والزعيم بحق عبد الكريم قاسم

شكر البابلي


2 - الترد على تعليق الصديق العزيز/ شكر البابلى
فاروق عطية ( 2012 / 4 / 24 - 04:12 )
عزيزى شكر: أشكرك على قراءة المقال ومشاركتك الرأى بالتعليق الممتع. يا عزيزى أنا لست مؤرخا ولن أكون, ما أكتبه فى سلسلة مقالات (حكايتى مع النظام) مجرد انطباعات شخصية لفترة الصبا والشباب التى عشتها بحلوها ومرها. أذكر بكل أمانة ما حدث لى أو ما شاهدته بعينى من أحداث وتأثرت شخصيا بها. وأنا أتفق معك بأن حكم العسكر فى مصر أو فى العراق أو أى بلد عربى آخر كان سببا للكوارث والتخلف الذى أخرنا مئات السنين حتى أصبحنا مضحكة لكل الأمم التى كانت أقل منا وأصبحت الآن نمورا. وأتفق معك أن خرافة القومية العربية سبب مباشر لهذا التخلف, لآن لكل شعب من الشعوب الناطقة بالعربية قوميتها وتاريخها وحضارتها التى تعتز بها ولا ترضى بقومية وهمية لها بديلا.


3 - الترد على تعليق الصديق العزيز/ شكر البابلى
فاروق عطية ( 2012 / 4 / 24 - 04:12 )
عزيزى شكر: أشكرك على قراءة المقال ومشاركتك الرأى بالتعليق الممتع. يا عزيزى أنا لست مؤرخا ولن أكون, ما أكتبه فى سلسلة مقالات (حكايتى مع النظام) مجرد انطباعات شخصية لفترة الصبا والشباب التى عشتها بحلوها ومرها. أذكر بكل أمانة ما حدث لى أو ما شاهدته بعينى من أحداث وتأثرت شخصيا بها. وأنا أتفق معك بأن حكم العسكر فى مصر أو فى العراق أو أى بلد عربى آخر كان سببا للكوارث والتخلف الذى أخرنا مئات السنين حتى أصبحنا مضحكة لكل الأمم التى كانت أقل منا وأصبحت الآن نمورا. وأتفق معك أن خرافة القومية العربية سبب مباشر لهذا التخلف, لآن لكل شعب من الشعوب الناطقة بالعربية قوميتها وتاريخها وحضارتها التى تعتز بها ولا ترضى بقومية وهمية لها بديلا.


4 - إنطباعات لكنها تكشف حقائق
جرازيلدا العراقى ( 2012 / 4 / 25 - 18:15 )
يقول الكاتب المبدع أنه ليس مؤرخا ولكنه يكتب إنطباعاته. إنها إنطباعات ولكنها تكشف حقائق مأساة حكم العسكر ومنها ما تعرض له من وضع سونكى فى خاصرته لأنه لم يصفق للموكب الرياسى أى أن التصفيق كان بالأمر والإجبار. الشباب الناصرى كان يتجسس على كل من حوله ليبلغ القيادة ووصل الأمر لتجسس المرؤسين على رؤسائهم والزوجة على زوجها والإبن على أبيه منتهى القذارة..!! بعد النكسة ظهر معدن المصريين وحطموا أقواس النصر ومزقوا صور الزعيم بل ضربوها بالصرم.. ولكن أمام جبروت الحزب والرشاوى المالية والكباب إنصاع العمال مجبرين على التظاهر .. إحا أحا.. لا تتنحى.. وعجبى

اخر الافلام

.. في هذا الموعد.. اجتماع بين بايدن ونتنياهو في واشنطن


.. مسؤولون سابقون: تواطؤ أميركي لا يمكن إنكاره مع إسرائيل بغزة




.. نائب الأمين العام لحزب الله: لإسرائيل أن تقرر ما تريد لكن يج


.. لماذا تشكل العبوات الناسفة بالضفة خطرًا على جيش الاحتلال؟




.. شبان يعيدون ترميم منازلهم المدمرة في غزة