الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رد على تعليق ألأخ جمشيد إبراهيم

ماجد جمال الدين

2012 / 4 / 22
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


هذا الرد كتبته جوابا على تعليق ألأخ جمشيد في موضوعتي الرياضيات والفلسفة 6 المنشورة اليوم ، ولكنني لطوله إضطررت أن أنشره بهيئة مقال .

نص ألتعليق :
((( عزيزي ماجد
اولا اليس من الاجدر تسمية مقالتك كالاتي:
اللغة - الرياضيات - الفلسفة بالتسلل لان اللغة الطبيعية قاعدة العلوم اذا اخذنا بنظر الاعتبار العلاقة المتبادلة بين اللغة و الفكر و انت هنا تستعين بها كموسيلة لعرضك

ثانيا التجريد هو من الاستعارة و المجاوز اي نستطيع ان نقول بالتسلسل
اللغة الحرفية - الاستعارة - التجريد و اقصد بالاستعارة
metaphaor

ثالثا الغموض مقابل الدقة
ambiguity
و لكني لا استطيع ان اجادلك في موضوع الغموض في الرياضيات و لكن اليست اللغة الغامضة اقوى من اللغات الرياضية الدقيقة لانها تفتح مجال لمعاني تتجاوز الحرفية و الدقة
تحياتي القلبية و شكرا لفكرك النير المتواضع )))


ألأخ جمشيد ابراهيم
أطيب التحية
ثق ياعزيزي أنني دائما أتابع مقالاتك الجميلة ، الغنية والمختصرة .. ولو أنني لا أعلق عليها ، كما أتوانى عن التعليق على مقالات بديعة أيضا لكتاب آخرين .
عزيزي جمشيد
أنت تطرقت لموضوعة ليست لطيفة وحسب بل وهامة جدا ، وضمنا لفهم ما اريد قوله في أجزاء لاحقة .. ولذا سأسترسل هنا في الرد لِأستخدم ذلك في توضيحاتي مستقبلا ,, قبل أن أجيبك بشكل أوضح على سؤالك المباشر .

في لغاتنا البشرية الطبيعية النطقية ، عشرات الكلمات ومئات العبارات ألمتنوعة قد نستخدمها للتعبير عن معنى معين .. وفي نفس ألوقت مئات ألمعاني والمقاصد المتعارضة أحيانا قد تعطينا كلمة أو عبارة واحدة ، حسب مكان وطريقة إستخدامها .. وأحيانا نتقصد هذا بغرض التمويه والمشاغلة .. ( وهذا يعتبر أحيانا من جماليات اللغة والبيان ، كما في قول الشاعر ـ دع المكارم لا ترحل لبغيتها ، وألأمثلة كثيرة جدا ) .

هذا في علم الرياضيات يسمى فائض المعلوماتية ، وقد أشرت إليه سابقا .. وهنالك علم خاص يسمى ضغط المعلومات للتخلص من هذا الفائض لأنه مثلا يجبرنا على بث إشارات زائدة عن الحاجة تستغل قنوات ألإتصالات الراديوية والفضائية الحديثة منها بشكل يجعلها غير إقتصادية ، أي مكلفة جدا .. لتوضيح فكرة ضغط المعلومات بأبسط صورة يمكن مثلا أن تنزل من ألإنترنت كتابا ما وترى أن حجمه 10 ميغا بايت .. ثم تستعمل أحد برامج الضغط من مثل arch او zip أو winrar وغيرها فيقل حجمه إلى نصف ميغا بايت أو أقل حتى ( أي تضغط بقرابة عشرين ضعفا ) . ولذا ترى أنه في عمليات التنزيل عادة تستعمل مواد مضغوطة أصلا من المصدر . البرامج أعلاه تستعمل بالعادة الغاريتمات بسيطة تستند للإحصاء ألرياضي والتماثل correlation بين ألإشارات .. ولكن حين تتكلم بالهاتف الموبايل ، أو تستمع وتشاهد الراديو والتلفزيون ( أي حين تكون المعلومات نطقية أو صوتية عامة أو صور وفيديوهات ) الذي يأتيك عبر الأقمار الصناعية ، وهذه تستعمل أنظمة رقمية .. فهنالك ضغط المعلومات يختلف بشكل جدي لأنه لا يعتمد فقط على أساليب الحساب الإحصائي والطرق التحليلية الرياضية ( البسيطة !؟ ) ألأخرى ، بل يستند إلى نمذجة وتحليل رياضي للعملية البسيخوفيزيولوجية في إستقبال ومعالجة وإستيعاب هذه المعلومات في الجملة العصبية والدماغ البشري ,
على سبيل المثال عند التسجيل الرقمي للصوت (ألأغنية أو السيمفونية ) على مستوى HiFi وستيريو بالشكل القديم .wav في ألإسطوانات المدمجة CD نحتاج إلى 1ـ 2 ميغابيت ، مليوني بت لكل ثانية .. بينما كما نعلم من دراستنا لعمل الدماغ والجملة العصبية فإن مجمل سعة المنظومة السمعية للإنسان منذ إستقبل الصوت في الأذن الخارجية و إإلداخلية ونقله عبر ألعصاب إلى الدماغ وفلترته ألإضافية هنالك وتحليله ومن ثم إدراكه وحفظه بالذاكرة أو الإستمتاع به ـ كل سعة هذه المظومة قد لا تزيد عن 5000 بت للثانية .. ( ألإشارات في المنظومة العصبية بطيئة جدا والدماغ ليس أفضل معالج ( بروتسيسور ) للمعلومات من ناحية السرعة والكفاءة كما يعتقد الناس ) ..
أي أننا نستطيع أن نضغط المعلومات الصوتية بقرابة 200 ـ 400 ضعف ، والمعلومات النطقية الكلامية في الموبايل بقرابة ألف ضعف ، ثم نستعيد إراسالها بحيث لا يشعر المتلقي تماما بأي تغيير في نبرة المتكلم معه أو بأي فرق حين سماعه لسيمفونيات هايدن وباغانيني وموتسارت وباخ كما سمعها الموجودن في المسرح آنذاك أو المعالجة بمثل هذا الضغط المعلوماتي والمستعادة لاحقا بعد حذف وتشذيب الزوائد ألتي لا يميزها الدماغ البشري .
وهكذا يجري ألأمر بالنسبة للمعلومات الصورية التي تتلقاها العين .

نرجع للغة الطبيعية . اللغات البشرية النطقية تطورت لعشرات ومئات ألاف السنين وبشكل شبه عشوائي ، وضمنا نتيجة الإختلاط بين ألاقوام والأعراق المختلفة .. فلا يمكن لأي لغة الثبات في نفس المكان حتى لبضع عقود وليس لقرون ، ومعدل أعمارها مع إهمال حساب التغيرات غير ألأساسية لا يتجاوز بضع آلاف سنة تموت بعدها أو تندمج كجزء من لغة أكبر إستعمالا .
هذا النوع من التطور خلق فائض معلوماتية هائل .. وهائل ألأثر ، بما يخلقه من غموض وعدم الدقة وتناقض أيضا ، وهو ما تسأل عنه .
فللنظر للموضوع من عدة جوانب :
1. علميا ، يعني رياضيا فائض المعلوماتية له فوائد عديدة مهمة جدا ، مثلا نستعمله في عملية تشفير المعلومات لإيصالها بدون أخطاء رغم كل أنواع ألتشويش ( ومحاولات سرقة المعلومات ) على ألإشارة .. ومثل هذا يحدث أيضا بشكل عفوي بإستعمالاتنا للغات البشرية .
2. فائض ألمعلوماتية يخلق بعض التناقضات في النظام بحيث يؤدي إلى التطور من جهة وزيادة الدقة من جهة أخرى .. مثلا في بعض ألحاسبات ألمستخدمة لأبحاث سرية وعلمية تخصصية هامة ( إي ليس في الحواسيب العادية و ألتي تباع في ألأسواق ) لا يستخدم النظام الثنائي لتمثيل ألأعداد الذي يخلو عادة من فائض المعلوماتية ( إلا من خلال بعض البتات الإضافية ألتي تدرج مع العدد في طريقه إلى ألذاكرة ومنها لتفادي ألأخطاء الممكنة ) بل نوع من ألنظام العددي الذي يستند إلى أعداد فيبوناتشي ، وفي هذا النظام كل عدد يمكن تمثيله بأشكال رقمية مختلفة .. ألنظام يضمن سرعة إجراء العمليات الحسابية ، وأيضا قلة ألأخطاء وتأثيرها ..
في لغاتنا البشرية وجود فائض المعلوماتية يمنحنا إمكانية سرعة التواصل وإيصال المعلومات ( إذا نسينا كلمة فلا بأس من إستعمال مرادفاتها ) ، وأيضا توسع إمكانية التعبير يخلق تناقضات ومقولات بارودوكسية يحلها الدماغ البشري وتؤدي إلى تطور إمكاناته .. عن هذا كتبت سابقا أن السفسطات المثالية ساهمت بشكل كبير في تطوير قوانا العقلية .

3. حاول ألآن بلغتك الطبيعية أن تتحدث مع روبوت .. ( تعليم الروبوت فهم الكلام الطبيعي كان معضلة صعبة واجهت مشاريع العقل الصناعي بالضبط لفائض المعلوماتية الهائل في اللغات البشرية وكيفية تخطي ذلك
. في البدء كان ألأمر لا يتجاوز إعطاء ألأوامر الكتابية والشفوية بنبرة صوت محددة ) وألان حلت الكثير من المشاكل .. ربما ستسألني هل تريد أن نحول الإنسان إلى روبوت .. لا بالتأكيد .. ولكن الروبوت تطور وألإنسان كذلك بدأ يفهم لغته بشكل أفضل . لا حظ أنك حين تتكلم مع طفل عليك أن تعيد نفس العبارة لعدة مرات حتى يستطيع إستيعابها ، وحين تعطيه أيضا عبارات مختلفة وبنفس ألمعنى المراد عليك أن تكرر ذلك عدة مرات والطفل يجهد عقله ليفهم ذلك .. الطفل الوليد قبل أن يتلفظ كلمة ماما بعد قرابة سنتين يكون سمع هذه الكلمة عشرات آلاف المرات .
هنالك جوانب أخرى ولكن ألإسهاب مضر بالصحة كالإسهال.
ألمهم
كيف نستطيع أن نوائم بين فائض المعلوماتية الكافي والمفيد وبين فائض المعلوماتية التي تجلب الضرر من حيث إجهاد الدماغ غير المبرر للوصول إلى تثبيت معلوماتنا ونتاج تجاربنا و علومنا المفيدة في الذاكرة .. هذا هو السؤال . اللغات الرمزية التجريدية تخلصنا من الكثير من الفوائض ولكنها ( على ألأقل حاليا ) لا تستطيع أن تغطي كل ما يريد عن يعبر عنه الإنسان ولا يمكننا عمليا جعل دماغنا يتخلى عن طرائقه اللغوية المتوارثة وأساليب حفظها بالذاكرة كصور ذهنية مفهرسة بترابطاتها ويمكن إستخراجها ولو بشكل بطيء .

هنالك قصة قديمة لروبرت هينلاين جميلة جدا ، وهو كان يكتب روايات خيال علمي ولكن أيضا قصص قصيرة . في هذا القصة أُخذوا البطل إلى كوكب آخر فيه حضارة متقدمة ، وكان ( الناس ) هنالك يتحدثون معه بلغته الإنجليزية ، ولكنهم حين كانوا يتحدثون فيما بينهم كان يسمع فقط نوتات موسيقية بمقاطع نغمية قصيرة جدا ومعقدة .. وكانت هذه العبارات الموسيقية تستمر لثواني معدودة والحديث و التواصل بين الطرفين لا يستغرق اكثر من نصف دقيقة .. ( لا أدري هل سمعت يوما كيف يتحدث الفيتناميون .. هو بالطبع ليس بهذه الروعة ولكنه يبدو لآذاننا العربية كالزقزقة ) . فطلب منهم أن يعلموه لغتهم كي لا يقضي سنواته هباء , فلما تعلمها عرف أن أي مقطع أو عبارة موسيقية مما كانوا يتلفظون به يمكن ترجمته بعدة صفحات من اللغة الإنجليزية على ألأقل .

ما رأيك هل يمكننا نحن ( أي أحفادنا بعد عشرة أجيال ) أن نجعل الحواسيب القادمة في القرن الثاني والعشرين تعلمنا لغة جديدة هينلاينية وتدرب عليها ألأحبال ألصوتية بحناجر أطفالنا منذ زمن الرضاعة ؟ وتكون هذه اللغة الكيبرنيتيكية مجمعا لمعارفنا البشرية وطريقتنا للتواصل بألإضافة إلى طرق أخرى كالتواصل العقلي المباشر مثلا ..

لا أدري إن كان جوابي وافيا أو فيه تقصير .
تحياتي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - احسنت
مالوم ابو رغيف ( 2012 / 4 / 22 - 19:14 )
مقال رائع احسنت واجدت
ليس لي تعليق عدا الثناء على الرد، لكن ما ورد في المقال حول ضغط التعابير ومدلولات الكلمات دعاني افكر بأن االكثير من الاحداث والوقائع تضغطها اللغات وتشير لها بكلمة واحدة قد تكون مركبة لكنها تحمل في داخلها اكثر مما يحمله الجمل فوق ظهره، بعض قصائد الشعراء الاجانب المحملة بالرموز، قد لا يفهما القارئ ذو الثقافة المتوسطة او القاريء غير المطلع فهي تستلزم فك الضغط السريع عن تلك الكملة لفهم جماليات التعبير فعندما تقرأ شكسبير باللغة الانجليزية قد لا يفهم الواحد منا قصائدة دون الرجوع الى الهوامش التي تشرح مدلولات الكلمة وكذلك هو الامر مع دانتي وجحيمه
تعريب الكلمات يذهب بالكثير من المعنى او المقصود من المصطلح، الا تجد كيف يختلف السياسيون العراقيون في تفسير الدستور المكتوب بـ لغة بسيط غير معقدة خالية من المصطلحات الاجنبية فما بالك لو اشتملت على تلك الكلمات المضغوطة التي قد تعني احداثا ووقائع كثيرة ومدلولات تستلزم ادمغة سليمة لا يملكها ساستنا

لربما لم تعد اللغة العربية بان تكون لغة سياسة او لغة قانون او لغة علم لاضمحلال التطور العلمي والسياسي ولرواج التخلف الاسلامي
تحياتي ،


2 - ملاحظات لغوية
جمشيد ابراهيم ( 2012 / 4 / 22 - 19:45 )
ملاحظات لغوية
هذه بعض الملاحظات اللغوية بخصوص موضوع الاستاذ ماجد جمال الدين – الرياضيات و الفلسفة
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=304516

عزيزي استاذ ماجد
حاولت ان ارسل هذه الملاحظات كتعليق و لكن الكلمات الانجليزية طفرت من مكانها


3 - ملاحظات لغوية
جمشيد ابراهيم ( 2012 / 4 / 22 - 20:49 )
عفوا هذا هو الرابط و سوف اتبعها بملاحظات لغوية 2
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=304551

اخر الافلام

.. ما شكل المقاربة الأمريكية للدفع باتفاق سياسي لإنهاء الحرب في


.. خلافات معلنة بين بايدن ونتنياهو.. ما تأثيرها على الانتخابات




.. واحات جنوب المغرب -الساحرة- مهددة بالزوال!! • فرانس 24 / FRA


.. السفينة الأميركية -ساغامور- تحمل أولى شحنات المساعدات من قبر




.. #متداول.. مستوطنون يقطعون الطريق بالحجارة أمام شاحنات المساع