الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل الدين علم؟!..

وديع العبيدي

2012 / 4 / 23
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


وديع العبيدي
هل الدين علم؟!..
منذ البدء.. في نقطة موغلة في القدم، اعتمد المرء اتجاهين أو أكثر في تصريف أمور حياته، منها..
- اتجاه تجريبي يعتمد التجربة والاختبار الشخصي لاستكشاف الشيء وتداوله.
- اتجاه تسليمي (سلبي) يأخذ بالشيء دون تمحيص أو مراجعة.
واضح.. ان الفارق بين الأثنين هو العقل، أو مستوى استخدام العقل ونوعيته.
الاتجاه التجريبي هو الذي قاد مسيرة الاستكشافات الحضارية عبر مسيرة التاريخ ورسم ملامح ما ندعوه اليوم بالحضارة والمدنية والنظام والقانون والادارة والاقتصاد وما يدخل في باب العلوم ومؤسساتها التعليمية والبحثية. وكلّ هذا مما اكتشفه المرء بالبحث والتجربة والمران والدربة، فهو معطى بشري، صنعه المرء بفكره ويده.
الاتجاه التسليمي هو الآخر قديم، ولا يقل قدما عن الاتجاه التجريبي، ولكنه اتجه لاتخاذ ظواهر الطبيعة مسلّمات يقينية لها دور فاعل في قيادة وتوجيه حياة البشر، ربما جراء ملاحظة تعاقب الليل والنهار والمدّ والجزر وما إلى ذلك. ولكنه ينسب ارثه الديني إلى الغيب المطلق ويغلّفها بقشرة مقدسة.
الانسان التسليمي هو الذي قامت حياته على الالتقاط والصيد واقتناص هبات الطبيعة أو ما تضعه في طريقه ويده. بينما الانسان العامل المزارع اعتاد الاعتماد على نفسه في استخراج الأشياء وتعلّمها وزراعتها أو تصنيعها.*
ويمكن ملاحظة البشر حتى اليوم من خلال طريقة حياتهم، واسلوب معيشتهم، فمنهم من يمارس حياة تكرارية (طفيلية) متوارثة، ويصدر عن قناعات وعقيدة تسليمية دون أي هاجس للتغيير أو التمحيص أو دور للعقل الفردي في التوجيه. بينما يسعى آخرون للبحث والتجديد واكتساب علوم ومهارات جديدة لتطوير حياتهم.
ان الانسان الذي يعيش حياة سمتها عقيدة التسليم والتكرار هو امتداد للانسان الذي بدأ بالالتقاط والاستسهال والجهوزية في معيشته، معتبرا أنّ كلّ ما يرد في طريقه أو يصل إلى يديه هو هبة من الربّ، بغض النظر عن الطريقة والتفاصيل. ويمكن اعتبار طريقة ارتزاق رجال الدين ومن على سجيتهم في هذا السياق.
لقد رسم العرّاف/ رجل الدين السومري القديم نظاما مناسبا للكهنوت ومراسيم العبادة التي تضمنت التبرع المالي والمادي (خراف وثيران). وتدخل هذه في صندوق المعبد الذي يشرف عليه الكاهن، ومنه يحصل على تخصيصاته المالية والمعيشية. وفي الغرار.. تقضي كلّ من اليهودية والمسيحية بتقديم عشور مداخيلهم وممتلكاتهم للمعبد، كجزء من واجبات العبادة الطقسية، وتعادلها نسبة الخمس في الاسلام. وتدخل تحت بند (العطاء*، الزكوة).
وتظهر هذه الفكرة بجلاء لدى العبرانيين. وبين أبناء يعقوب (المدعوّ اسرائيل) الأثني عشر، ابن اسمه (لاوي) وهو يمثل (سبط كهنة) – أي أن سلك الكهانة وخدمة المعبد محصورة فيه لا تتعدّاه- بحسب الشريعة. وعند توزيع –أرض الموعد- على الأسباط ، لم يحصل سبط لاوي على نصيب في الأرض، لأن كلّ الأسباط البقية يدفعون له عشور أرضهم وممتلكاتهم.
ان العمل الأساس الوحيد الذي يقوم به الكاهن هو خدمة المعبد وقيادة مراسيم العبادة. ويطلق عليه البعض اليوم (القيادة الروحية) في مسعى للمبالغة في أهمية هذه الفئة الطفيلية في المجتمع.
*
ان السؤال المعلق في العنوان.. بعد هذا الاستعراض السريع لمرجعية (الدين) ورجاله.. هو ما علاقة الدين بالعلم، في ضوء تقاطعه الجوهري مع العقل، وتأكيده على (الايمان) الذي يوعزه كثيرون إلى (القلب) أو (النفس). ويمثل الدين جملة معتقدات منظومة ثابتة ومتوارثة عبر الأجيال، مما يدعى بالشريعة لدى العبرانيين والمسلمين، ولاهوت المسيح لدى أتباعه. وتتمتع هذه بالقداسة التي لا يشوبها (شكّ) ناهيك عن دعوى مصدرها الالهي المطلق، فوق البشري.
حرفة (تقليد) الكهانة كانت تسري داخل العائلة أو بين خدّام المعبد من خلال التقليد. وليس في هذا التقليد/ التعليم مكان للاضافة أو التطوير جوهريا.
ولكن التطور العلماني الكبير الذي شمل مجالات الحياة مع بواكير عصر النهضة وانتشار دور العلم والجامعات، استتبع ظهور جامعات دينية – هي في الأساس مدارس أو كليات خاصة بالتعليم الديني. ولا مثلبة في اعتماد المدارس أو الكليات وحتى الجامعات لتوجيه التعليم الديني، ولكن تقليد المدارس الدينية للمدارس العلمانية في منح الشهادات وبنفس التسمية والدرجة.. هو ما يقتضي المراجعة والتدقيق. فالعالم يعجّ اليوم بحملة البكالوريوس والماجستير والدكتوراه ودرجة الاستاذية في مجالات اللاهوت والدين. (ومنهم (دكاترة) يفتون بإرضاع الكببر، أو العلاج ببول البعير).
كون الدّرجات العلمية علميّة، أنها مشتقة من طبيعة العلم العقلي التجريبي الخاضع للبحث والمناقشة والشك والتحقيق والتغير والتطور. وهذا يتعارض مع طبيعة الفكر/ المعتقد الديني المتوارث الذي يفسّر الماء بعد الجهد بالماء. ولا يرى بدّا عن تصنيف الناس إلى مؤمنين وكفرة (وثنيين) مع اعتبار نفسه ومعتقده وأتباعه ممثلين للدين الحقّ (الصحيح) أو الحقّ (الله).
بابا الفاتيكان لديه أكثر من درجة دكتوراه. ورئيس جامعة الأزهر دكتور أو أستاذ دكتور. وكانت الأزهر تمنح درجة (عالم) –عارف بأمور دينه- للمتخرجين فيها. هذا الوضع أفسد ناصية العلم، وأفرغ الدرجة/ اللقب العلمي من محتواه ومعناه. ففرويد دكتور والبابا دكتور والشيخ الداعية دكتور.
ولدى حاملي هذا اللقب، فالغالب أنه يطغى حتى على أسمائهم أو أية صفة أخرى عند التخاطب –وهذه عادة اجتماعية سيّئة -، مما يجعل الأمور خبط عشواء، سيما ونحن نعيش في زمن لا تنقصه الفوضى والتزوير وصداع المدّعين.
أعتقد أن هذه الفكرة جديرة بالاهتمام والمراجعة، -سيما للجّهات المعنيّة-، بنفس القدر الذي تشيع فيه اليوم الشهادات والألقاب المزوّة – عن طريق الشراء-، ولا بدّ لدائرة الأمم المتحدة الخاصة بالتربية والعلوم ووزارات التربية والتعلم العالي في البلدان من اهتمام بالموضوع ، لفرز الحقائق العلمية من العقائد اليقينية، والتوصية باعتماد ألقاب دينية واضحة لا تختلط بالفكر العلمي العلماني، الذي يمثل أهل الدين أكبر مناوئيه، ويضعونه على نفس المستوى مع الوثنية والالحاد!..
بل أن أصحاب المدارس الدينية وخريجيها هم أولى بالتنصل من القاب أهل الكفر والالحاد.. أم ماذا؟..
22 ابريل 2012
وديع العبيدي
لندن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
• ثمة اشكالية فكرية في علاقة الزراعة بالفكر الديني وكون المجتمع الزراعي أكثر تبعية للخرافة والإفكار الغيبية، وهو موضوع يحتاج قراءة مفصّلة. مع إشارة إلى أن رجل الدين لا يزرع ولكنه يمثل دور الاقطاعي الذي يشارك الفلاح في محصوله ومدخوله الصافي، ناهيك عن ظاهرة الوجاهة الاجتماعية والقيادة والصّدارة في كلّ شيء.
• يقول الجامعة سليمان ابن داود: مع كثرة الفهم تأتي كثرة الاحباط. وكلما زاد علم الانسان، زاد حزنه أيضا!. (سفر الجامعة 1: 18).
• يقول بولس الرسول في غلاطية (1: 11): أريدكم أن تعرفوا أنّ البشارة التي بشّرتكم بها ليست من مصدر بشري. فأنا لم أخذها من انسان. ويقول بطرس في رسالته الثانية (1: 21): لأنه لم تعطَ نبوّة قطّ بمشيئة انسان، بل انقاد رجال الله بالرّوح القدس فنطقوا بكلام الله.
• يقول بولس في كورنثوس الأولى (1: 27): انّ الله اختار ما هو أحمق في العالم، لكي يخزي الحكماء، واختار ما هو ضعيف، لكي يخزي ما هو قويّ.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - العلم قال الله وقال رسوله
عبد الله اغونان ( 2012 / 4 / 23 - 20:13 )
لااختلف مع اليهودي والمسيحي والبودي..في الفيزياء والكيمياء والماديات كلها
هذا علم الطبيعة متفق عليه
لكن ما يتعلق بالخصوصية والنفس والمجتمع والهوية والعالم الاخر فهذا علم خاص بالله ورسوله


2 - موضة خلط المفاهيم مقصودة أم عدم فهم
رمضان عيسى ( 2012 / 4 / 23 - 22:48 )
كم هي المعاناة من خلط المفاهيم,فمن يعرف له كلمتين يسمى للأسف - عالم - , والسؤال عالم في ماذا ؟ وذاك يطلق عليه اسم - عالم فقه - **** ان هذا خلط في المفاهيم ومعانيها .فالعلم هو العلم التجريبي وكل استنتاجاته تأتي من اتباع المنهج العلمي في الملاحظة والتجربة .أما الكتب الدينية من توراة وأناجيل وقرآن فهي ليست موسوعات علمية , انها تشرح أن من يتبعها سينال الحظوة والجنة في السماء بعد الموت .وهي تشرح كيف ترضى عنا السماء , لا كيف تسير السماء والمجرات
بسبب انتشار الفهم الخاطىء لمفاهيم مثل - التطور - و المنهج العلمي , والتفغير والتقدم , انظر ماهو حال العرب والمسلمين العرب , انهم في ذيل العالم المتحضر ومسخرة العالم , انهم استهلاكيون , بل وعالة على الآخرين .
كما ان مشكلة عدم فهم المفاهيم جعل العرب لايستطيعون فهم العلوم والنظريات العلمية ولا العلوم الانسانية . والورطة الكبرى التي وقع العرب فيها الغاء تدريس الفلسفة ونظرية داروين , وهذا يعني أن الأجيال القادمة ستعاني من عزلة حضارية , ان لم يكن صدمة حضارية , وستكون لهم أجسام البغال وأحلام العصافير .


3 - نعم علم بالله
شاهر الشرقاوى ( 2012 / 4 / 24 - 01:37 )
الدين علم بالله وبصفاته وبمراده وبمنهاجه وقوانينه وشعائره للارتقاء ببنى الانسان ..وتعليمهم فن ادارةالحياة بالحق والعدل والمساوة ..كى يعيشوا فى الجنة .معنى ومبنى
اذا هوشأن انسانى ومنطقى ادارى وعلاجى وتربوى للنفس البشرية ..وايضا اجتماعى وتنظيمى للجماعات والامم
واى علوم طبيعية واى ارتقاء حضارى مادى مهما بلغت قوته وتطوره وهيمنته فانه يكون معرض للزوال وللانتهاء اذا لم تطبق فيه هذه الاسس وبالذات الحق والعدل والمساواة
العلم بالله اذا هواهم العلوم على اطلاقها
لذا قيل
ما ترك من العلم شيئا ...العالم بالله
وما ترك من الحهل شيئا... الجاهل بالله


4 - خطأ
خالد المرسي ( 2012 / 4 / 25 - 00:34 )
أستاذ وديع اقرأ كتاب الدين للدكتور محمد دراز وهذا رابطه
http://al-maktabeh.com/ar/play.php?catsmktba=596
ودين الاسلام غير الدين المسيحي الموجود في اوروبا في عصورها الوسطى، باعتراف شيخ العقلانيين العرب فؤاد زكريا - انظر ص 62 كتاب التفكير العلمي-


5 - الدين هو الدين في أساسه
وديع العبيدي ( 2012 / 4 / 25 - 14:51 )
اتوجه بالشكر لجميع الأخوة والزملاء على تعليقاتهم القيمة مع رجاء البقاء في اطار المقال ومناقشته. كما أشكر السيد خالد المرسي على إشارته وإحالته الكتابية، ملاحظا أنني لم اخصص ديانة معينة بالنقد دون سواها، وما أعنيه هو قاعدة المعتقد الديني عبر الزمن والتي تتقاطع مع منطق العقل ولغة العلم, مع رجاء تجنب التسلط على الكاتب وأرائه تحت أية طائلة أو غائلة، مع احترامي للجميع


6 - نعم لم تخصص
خالد المرسي ( 2012 / 4 / 26 - 01:59 )
عليك حين تتكلم عن فكرة أن تذكر مواطن عمومها ثم مواطن خصوصها إن وجدت، وهذا هو التحليل. فإذا عممت كلامك عن الأديان فكلامك صحيح، لكن يبقى التخصيص وهو دين الاسلام كما سبق في تعليقي

اخر الافلام

.. -اليهود مش هينسوهم-..تفاصيل لأول مرة عن قادة حرب أكتوبر


.. تغطية خاصة | المقاومة الإسلامية.. الكلمة الفصل للميدان | 202




.. تغطية خاصة | المقاومة الإسلامية: تماسك في الميدان في مواجهة


.. تغطية خاصة | المقاومة الإسلامية في لبنان تستهدف مدينة صفد ال




.. تغطية خاصة | عمليات المقاومة الإسلامية ضد الاحتلال مستمرة |