الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سايكولوجية الفنان و سوسيولوجية الفن

سلمان مجيد

2012 / 4 / 25
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


من خصائص الانسان ككائن حي ليس فقط الافعال الغريزية ، بل الافعال الارادية المتمثلة ، بالحب و المعتقد و العمل و الحركة ، والتي يتمخض عنها النتائج التي ستنعكس حتما على الانسان و المجتمع كنتيجة حتمية لعلاقة الانسان مع محيطه الاجتماعي ، وقد يكون ذلك اما ايجابا او سلبا ، الا انه و بالرغم من ذلك الترابط لابد ان تكون لاحد طرفي المعادلة ( الانسان ، المجتمع ) و في ظروف معينة ــ الغلبة لطرف على الاخر ــ و الذي اعنيه بالطرف الاول هو الانسان المتمثل بالتفاعلات ( السايكولوجية ) داخل هذا الانسان و امكانية تفاعلها مع محيطها ( السوسيولوجي ) من عدمه ، مما قد ينتج عنه اما : اولا / التماهي مع المحيط ( السوسيولوجي ) للفرد ، والذي سينتج عنه حالة من الطمآنينة و
السلام ، ولكن دون علامة مميزة لذلك الفرد ( الانسان ) و هذه القاعدة العامة التي تتسم بها غالبية المجتمعات الانسانية حيث الاستقرار و الركود .
اما ثانيا / الانفرادية ( السايكولوجية ) للفرد عن المحيط ( السوسيولوجي ) مما قد يتمخض عنه التناقض او التصادم بين الانسان ( الفرد ) و المجتمع ، وهذا ــ باعتقادي ــ ليس
بسبب العزلة بين هذا الانسان و محيطه بل يرجع الى سببين هما :
الاول /يختص ( بالانسان الفرد ) والذي يحمل ما لا يحمله الاخرون من استعدادات وخصائص ــ حتما ــ قد اكتسبها من محيطه ( السسيولوجي ) .
ثانيا / اما السبب الاخر ، فانه يعود الى المحيط ( السوسيولوجي ) الذي قد تهالك من الركود وبدات رائحة التعفن تنبعث من بين جنباته مما يتطلب الى فعل خلاق غير اعتيادي
لزحزحة المجتمع ونقله الى عتبة جديدة ، و اول من يستجيب لهذا الدور هو ذلك الانسان المتفرد بخصائص معينة ، او المتمردون على واقع الاخرين ( افراد المجتمع ) قبل ان
يكون تمردا على واقعه هو ، لانه قد تجاوز هذه المرحلة في كينونته ( السايكولوجية ) الاولى ، والتي كما اشرت سابقا هي حصيلة تفاعله مع محيطه ( السوسيولوجي )، و هذه
الموائمة بين ( الانسان الفرد و محيطه الاجتماعي ) لا تعني التوافق بينهما على ارض الواقع ، بل التصادم بينهما هو الارجح ــ حتما ــ وحتى يكون هذا الامر متجسدا في الواقع
، اشير الى نموذجين يصلحان لتلمس الحقيقة في حتمية هذه العلاقة بين الانسان و محيطه ( السوسيولوجي ) .
النموذج الاول / الذي يتمثل بالسياسي الثوري ، الذي لم يلق مراسيه على ضفاف الواقع ، بل يبقى يتدفق عنفوانا لمقاومة العواصف في سبيل الوصول بسفينته الى ضفاف ذلك
الواقع الجديد ، لتستمر دورة الحياة من جديد الى ما شاء الله ، و هذا النموذج قد اتي عليه في موضوع لاحق قديكون بعنوان ( الذين لم يلقوا مراسيهم على ضفاف الحياة ) او
قد يكون شيئا اخر .
النموذج الثاني / الذي اريد ان اتحدث عنه و لو بشكل بسيط هو ( الفنان و سايكولوجيته / الفن و سوسيولوجيته ) اخص على وجه التحديد بعض الفنانين التشكيلين ، لان مفهوم الفن واسع ، واني اخترت هذا النوع من الفن لتاثره ( بسايكولوجية الفنان ) و اعتمادا على اسلوبه الذي يعتبر (( جزء متكامل منسق تاريخيا و مستقر من نسق خيالي
و وسائل و مناهج التعبير الفني ، والتي تؤكدها مماثلة المضمون الجمالي و الاجتماعي )) اضافة الى مبرر اخر دعاني الى تناول هذا الفن ، هو انه (( يعكس ..... الظروف
الاقتصادية الاجتماعية لمجتمع ما ، وكذلك الخصائص المميزة و التقاليد الخاصة بالامة المعنية )) وهنا اود ان اشير باني لست بصدد نقدا فنيا ــ لاني لست بناقد ــ ولكن
الامر هو مجرد تداعيات خطرت لي بعد اطلاعي على كتاب ( وسادة الملاك ) للفنان التشكيلي ( غسان غائب ) و الناقد ( فاروق يوسف ) و بصدد هذا الامر فان النظرة الشاملة للاعمال الفنية للفنان ( غسان غائب ) لاتنم عن ذلك التفاعل بين سايكولوجيته و واقعه السوسيولوجي الذي عاشه ، والذي لم يتوضح من خلال رآي الناقد ( فاروق
يوسف ) الا بقدر تامله للوحات الفنان و التي اكثر ما تعبر عنه هو شئ من الغربة التي عاشها الفنان ( غسان غائب ) ولا زال ، ولكنه بدا يعمل على تحرير (( يديه من غربتها
فصار العالم اكثر سعة )) امامه بعد المرحلة التشائمية التي عاشها مع جيله بسبب الحروب التي مرت على العراق في الثمانينات و ما تلاها ، ولقد عبر الناقد عن هذا التحول
للفنان من خلال تخيله بان (( غسان غائب يعمل وفق تعريف للرسم ، مفاده : ان الرسم هو محاولة لتنظيم الفوضى )) ولكن اية فوضى ، هل فوضى الاشياء ام فوضى الحياة ،
ان كانت فوضى الحياة ، يحق لنا ان نذهب الى ان الفنان و فنه تفاعلا لينتجا لنا فنا ضروريا للحياة ، ولكن اين ذلك من انتقائية الاشياء لاجل انتاج لوحة بشراء غطاء رآس
لامراة ليغلف به جزآ من اللوحة ، باعتقادي ان الناقد ( فاروق يوسف ) نجح في توصيف الحالة النفسية للفنان من خلال بعد (( انا الرسام وبين ما يمكن ان يتحقق من خلال الرسم )) و ذلك حسب قوله في ان (( اسلوب الفنان تصنعه ارادة غامضة تقيم في المستقبل )) لذلك لم يتوضح ــ لي على اقل تقدير ــ فيما سبق ذلك التفاعل المطلوب بين
( سايكولوجية الفنان و سوسيولوجية فنه )) بل وجدت نوعا من الانتقائية التي لا تمس البيئة السوسيولوجية الا مسا خفيفا من خلال الجانب الثقافي ، و المتمثل ببعض المجسمات التي وردت في اعمال الفنان ( غسان غائب ) ، اذا كان هذا يخص نموذجا محليا و معاصرا ، الا ان الاوضح في موضوع العلاقة بين ( سايكولوجية الفنان و
سسوسيولوجية الفن ) نجده بكل وضوح في نموذجين عالميين اطبقت شهرتهما الافاق وهما : السيريالي ( سلفادور دالي ) الاسباني ، و الفنان الهولندي ( فينسنت فان كوخ )
، فالاول وهو ( سلفادور دالي ) حيث كانت حياته الشخصية المتصفة بالاضطراب النفسي ، فكان يخلط الجنون بالعبقرية ، فانه مصاب بجنون العظمة و نرجسية شديدة ،
مما انعكس على سلوكه الطائش ، ومن حالات هذا الطيش هو دفعه لاحد اصدقائه عن حافة مرتفع كادت ان تودي بحياته وكان شديد العدوانية اتجاه الحيوانات الاليفة فيعمل
على تعذيبها حتى الموت ، هذه التصرفات و السلوكيات تمثل له متعة عالية ، حتى تلك الحركات الغريبة التي كان يقوم بها كالتدحرج من اعلى السلالم ، ولم تقتصر انعكاس
سلوكياته على هذه الحالات بل ان من اعراض حالاته النفسية المضطربة الهلاوس السمعية و حالات الشك المرضي و نوبات من العنف و الضحك الغير مبرر ، والملاحظ
ان مثل هذه الحالات لو حدثت لغيره لما سمع احد بذلك ( الاحد ) وكان نسيا منسيا ولكن بالنسبة لهذا الفنان ، ان حالاته تلك لم تصل الى الحالة المرضية بل بالعكس ـ باعتقادي ـ انه استثمر ــ عن وعي ــ تلك لخدمة موهبته الفنية ، لابل قد اوصلته الى قمة المجد ، و الدليل على ذلك انه قال ذات مرة عن حالته هذه (( ان الفرق بيني وبين المجنون ، اني
لست مجنونا )) ، فعلا انه ليس مجنونا لانه كان على درجة عالية من الوعي لاسلوب عمله الذي كان يرى بانه ( فوق الطبيعة ) حتى ان كثيرا من موضوعاته كان يستلهمها
من احلامه سواء كانت احلام يقظة ام احلام منام ، ومن اشهر موضوعاته التي استلهم الجزآ ( الصادم للمشاهد منها ) في لوحته ( اصرار الذاكرة ) التي تصور عددا من الساعات المعلقة و المتدلية بشكل مائع ، ومن الاحداث التي كان لها انعكاس على حالة ( دالي ) النفسية و اثرها في فنه ، هو انه قد ولد بعد ثلاث سنوات لاخ له قد توفي سمته
العائلة نفس الاسم ( سلفادور ) وهذه الحادثة شبيه بحادثة ولادة الفنان الهولندي ( فينسنت فان كوخ ) ، وكان يقول ( سلفادور دالي ) عن هذه الحادثة (( لقد كنت بنظر والدي
نصف شخص او بديل )) وحتما حالة من هذا النوع سيكون لها الاثر البارز في الحالة النفسية لاي شخص كان ، اذن كيف سيكون هذا الامر بالنسبة لفنانعبقري مرهف الحس و الوجدان ( كسلفادور دالي ) ومن الاحداث التي حققت التوازن النفسي و الاجتماعي لهذا الفنان ــ وكان اثره واضحا في اعماله الفنية ــ هو زواجه من فتاة روسية اسمها (جالا) حيث لعبت دورا مهما في عدم تحول تخيلاته المتطرفة في الفن و الحياة الى حالة مرضية ، ولكن بالرغم من كل ذلك ان وضعه النفسي دفعه غخيرا الى احتراقه في غرفتة عام 1984 ــ وربما كانت محاولة انتحار ــ الا انه عاش خمس سنوات بعد هذه الحادثة و مات بعدها عام 1989 .
اما بالنسبة للفنان ( فينسنت فان كوخ ) ينطبق عليه الامر المتعلق باثر الاحداث و الحالات النفسية على مجمل سلوكه وعمله الفني ، فاول تلك الاحداث التي كان لها اثر في حياته النفسية و السلوكية هي ولادتة ، حيث ولد ( فان كوخ ) بعد سنة واحدة من ولادة امه طفلا ميتا اسمته ايضا ( فينسنت ) و كان هذا االاسم قد سبب له اضطرابات نفسية
تجسدت بالصدمات النفسية و انعكاساتها على حياته العملية التي اصبحت غير مستقرة ، فقد عمل تاجرا فنيا ونجح في ذلك ، الا انه لم يستمر فاشتغل في مجال التعليم ثم كرس
نفسه للدراسة الدينية ، ولكنه لم ياخذ الامر بالجدية المطلوبة لانه كان قليل البراعة في ذلك ، حتى الدراسة الرسمية للفن كان يرى فيها البديل السئ للعمل ، لذلك اتجه للعمل في منطقة للتنقيب عن الفحم في بلجيكا ، فارتبط بعاطفة قوية نحو عمال المناجم ، ومن الاحداث التي كان لها الاثر في حياته النفسية ، هي المتعلقة باول حب في حياته لابنة عمه
حيث تحطمت شاعره حينما رفضته ، مما دفعه هذا الى وضع يده على مصباح زيتي ليحرق نفسه متعمدا وبعد هذا الياس تعرف على امراة تدعى ( سين ) فرسم لها لوحة
( سين جالسة على سلة مع فتاة ) وبالرغم من الحياة العائلية ( لفان كوخ ) التي كان يسودها الياس و الاضطراب الا انه صورها بمهارة عالية ، وتعبيرا عن هذه الصلات المضطربة و حالة الياس فقد اوجد البديل برسم العديد من اللوحات ، منها ( اكلي البطاطا ) عبر من خلالها عن صلته بالفلاحين المحلين ، التي كانت على درجة عالية باهتماماته وصلته القوية نحوهم ، ولكن مع كل ذلك كانت تنتابه نوبات عقلية بين الحين و الاخر ، و واحدة منها كان قطعه للجزآ الاسفل من اذنه اليسرى ، واخر واخطر هذه
الاضطرابات النفسية تلك التي اخذ بها مسدسا و اطلق رصاصة على صدره ليموت في 29 تموز 1890 ، ولكن الشئ الذي لم يمت فيه هو لوحاته التي عبر من خلالها عن الصلة ( السايكولوجية ) مع محيطه ( السوسيولوجي ) ، حيث لازالت هذه الصلة تنبض بالحياة على جدران المتاحف و الصالات الفنية و لقد تنبآ بهذا الامر ، حين قال ذات مرة ( لن يتحدث عنا سوى لوحاتنا ) واخيرا وبما تقدم قد انعقدت الصلة بين الخصائص النفسية ( السايكولوجية ) للفنان اي فنان كان رساما او شاعرا او قاصا ..... وبين
البيئة الاجتماعية ( السوسيولوجية ) للفن ،الذي هو ابن بيئته مهما كان للعناصر الشخصية من دور في انتاج العمل الفني ، لذلك نجد ان اهم ما يجسد الانسانية في التعبير عن ذاتها هي تلك الاثار الفنية العظيمة التي تركتها البشرية على مر العصور لتثنت ديمومة الصلة بين الفرد و المحتمع .


المصادر /

1ــ الموسوعة الفلسفية / ترجمة : سمير كرم ، دار الطليعة ــ بيروت

2ــ وسادة الملاك / غسان غائب
/ فاروق يوسف ، مطابع دار الاديب ، عمان ــ الاردن

3 ــ ويكيبيديا ، الموسوعة الحرة








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - Comprar Cialis Farmacia Sin Receta
Justeximi ( 2017 / 5 / 5 - 23:56 )
Zentel Helmidazole No Doctors Consult Amoxil 250 Mg Where Can I Buy Mirtazapine Cheap Generic Viagra Accepts Echeck Buy Celexa Overnight How To Use Kamagra Tablets viagra Cialis 33 Anni

اخر الافلام

.. الرئيس الإيراني السابق أحمدي نجاد يعلن ترشحة للرئاسيات في إي


.. شركة لوريال تبتكر جلدا اصطناعيا يمكنه أن يَسمَرّ عند التعرض




.. ماهو الميثاق الأوروبي للهجرة والجوء الذي تمت المصادقة عليه ؟


.. هل يغيّر استخدام أوكرانيا أسلحة أمريكية داخل أراضي روسيا الم




.. مسؤول أوكراني: قتيل وأضرار في عدة مباني إثر هجوم صاروخي روسي