الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الجاهلية بين الماضي والحاضر

ياسر كاظم المعموري

2012 / 4 / 25
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


الجاهلية عنوان عريض لأنواع من الدمامل التي تصيب المجتمعات بأشكال العبودية المتوارثة في ترابط حميم مابين الاجيال من حيث المبدأ العقائدي الفاسد أو النضج الفكري الواضح في معاندة شرائع السماء والغاية القصوى منه اشباع الرغبات .
الصراع موجود منذ اول الخلق مابين نقيضين متضادين في الافكار والاطر المتوفرة لفتح ساحة المناقشات على مصرعيها في تقبل صريح وعناد ظاهري مطروح امام الانظار .
الازدواجية كانت ولازالت موجودة عند الاقوام السالفة والحاضرة في التعامل مع المباديء عند اكثر من ستة اضعاف المليار من البشر لأن التوجه الحقيقي لديهم يرفض عنوان الوحدانية للاله ، واذا كان الرفض للمبدأ مبني على اساس فكرة فقد تنتفي الحاجة الى الالتزام في الفروع مهما كانت تدر عليهم من فوائد اجتماعية ، وتتحول الغاية من معناها العقائدي الى معنى ومصطلح جديد للعنوان تحت عدة مسميات كلها تدل على العصيان الفكري وتفتح الخيال الوهمي في ابعاد تخفي خلف استارها افكار ومتاهات مادية ليس لها عنوان في عالم الحقيقة .
من هنا تبدأ الازدواجية السير في عدة منحنيات بدرجات عالية من التقوس تصل حد الانكسار والتقاطع المباشر لتحصل مرحلة الكفر والشرك العلني واعلان رفض كل المعاجز والدلالات الواضحة للاعتقاد بوجود قوة احادية خفية تدير ابعاد الملكوت في شؤونه على اساس العدل .
ان كل هذا الاصرار والعناد الغاية منه تكسير مبدأ العدالة في تحصيل الموارد من كل اتجاهاتها سواء كانت عقائدية أو مادية وتحصين هؤلاء المنكرين انفسهم بأسيجة فكرية وهمية وعقبات مادية من عدم وضوح الصورة امام العقل في عملية غش واختفاء خلف الذات الوهنة لأجتيازها مرحلة الاختبار وسلوكها الطرق الهزيلة التي لاتصمد كثيرا أمام تفشي الحقيقة مما يلجئها الى استخدام القوة كوسيلة لقهر الفكر الواعي ، وهؤلاء المعاندين تخفى عنهم حقيقة ان العقيدة اذا تجذرت ورسخت فليس هناك أي قوة قادرة على انتزاعها مهما بلغت هذه القوة درجات في العتو والطغيان علما ان عامل الخوف يختفي بوجود الحقيقة الدالة على العاقبة الصريحة والموثوقة بدرجة اليقين .
والمجتمع الاسلامي الحديث لديه ازدواجية جديدة تختلف عن سابقتها حيث ان هذه الازدواجية ثنائية الجهل والملاحظ بشكل مباشر الجهل في الدين والجهل في الحياة ومع قياس الازدواجية للحضارات السابقة والحاضرة نجد ان هناك تباين واضح في الخطوط العريضة في منهجية كل واحدة على حدة وتبرز صورة امام المقياس فالمطلع على سير الحياة في المجتمعات الغربية المدعية للديمقراطية والتي تُقرأ في منهجية الاسلام بكونها انحلال خلقي لااكثر ، الا ان هناك عدة عوامل اساسية مقتبسة من الاسلام مثلا دراسة الاقتصاد الحديث التي قدمها علماء الاسلام الاجلاء هي السبب وراء نجاح هذه المجتمعات في المساواة وتحقيق اجزاء كبيرة العدالة في الاوساط الفقيرة والمتوسطة مع سهولة التعامل وانسيابية ملموسة في استحصال الحقوق مع ضمانها من قبل القائمين عليها سواء كانوا دول اشتراكية أو دول رأسمالية لوجود قوانين تحمي هذه الاستحقاقات بل وجود الضمان الاجتماعي للفرد أو الأسرة وللمجتمع بشكل منظم مع عدم وجود حقيقه على اتباعهم أو ممارستهم العقيدة الصحيحة ومع ذلك هناك اهتمام واضح بالانسان في منحه الحرية المطلقة والعيش الرغيد مع ممارسة عقائدهم شرط ان لايكون فيها ضرر تجاه مجتمعاتهم وبالمقارنة مع المجتمعات الاسلامية أو المستسلمة للامر الواقع نجد ان الفرق جلي للمستقريء حالة التعايش في هذه المجتمعات وفق السياقات التالية :-
1-الجهل في الاسلام – حيث ان نسب عالية من المتعايشين في هذا المجتمع يجهلون حقيقة التشريع الاسلامي مع تصدع صارخ في اخلاقية الانسان وانغماسه في حب الذات وتفضيل نفسه على مفردات الرسالة بكل معانيها وعدم الالتزام بالتشريعات وهذا الانفلات نابع عن عقيدة مزعزعة وفروع مذبذبة مابين الرياء والتكاسل في التعاطي مع الواقع الاسلامي هذا من جانب ومن جانب آخر تُصور كحالة استسلام ورضوخ للامر الواقع لان الانسان تكون اسلاميته من باب عدم الشذوذ داخل المجتمع ، والمجتمعات العربية محكومة بقبلية متجذرة في النفوس منذ الزمن القديم ،والمجتمع القبلي له طبائع تتنافى مع مباديء التشريع السماوي ولكن الطابع العام انها اسلامية بالمسمى وليس بالفكر حتى لايطلق عليها المجتمع المشرك انما يصح ان يطلق عليها المجتمع المنافق ، والنفاقية لاتقتصر على القبلية انما تشمل اغلب مفردات المجتمع الاسلامي من بعد وفاة الرسول الكريم(ص) بل وحتى اثناء الدعوة الاسلامية وهذا النفاق يدخل حيز جديد من المعاني يتطابق وصفه بالشرك الخفي وتكون حالة الاستسلام مفضوحة في واقعهِ بقوله تعالى (قالت الاعراب آمنا لاتقولوا آمنا بل قولوا اسلمنا ولمّا يدخل الايمان في قلوبكم ) وفي هذه الاطروحة الالهية نجد ان الله سبحانه وتعالى يفضح وبشكل مباشر ادعاءات المدعين بأنهم مؤمنين فالحالة كما يستوضحها العقل ان هناك اسلام شكلي واسلام أيماني نابع عن علم ومعرفة فالفرق شاسع جدا في المعنى والجوهر هذا بالاضافة الى تتابع الاجيال وحملهم الافكار الموروثة وتداولهم الاسلام بحسب ماوصفهم القرآن ( هذا ماوجدنا عليه آبائنا من قبل ) فالحال يبدو وكأن المسألة اخذت طابع الوراثة اكبر انها دراسة مستفيضة بعلم للادلة والشواهد العيانية للمتفكر بها بل اكثر من ذلك لتشمل ممن يطلقوا على انفسهم ضمن محيطاتهم لقب عالم الا انهم مع الاصرار على المتوارث فأنهم ينحدرون في منزلق خطير ووعر تكون عاقبته غير محمودة بالنسبة لهؤلاء ولذلك فأن الجاهلية الحديثة اثبتت انها اخطر من تلك الجاهلية قبل الاسلام لترسخ العناد ومقاومة البراهين والسبل الواضحة والانكفاء تحت مظلة المتوارث وان كان لايلبي طموحات العقل المتفتح والنفس الصافية الباحثة عن حقيقتها وحقيقة الامر بجدية تؤدي اهدافها وحصولها على الاطمئنان العقائدي ، لذلك فأن هذا العناد هو احد المرتكزات المعول عليها في ادامة مديات زمن الجاهلية وتطورها بأشكال جديدة حسب الظرف والمكان وكأنها اوغلت عند بني المجتمع لتكون هي المبدأ الذي يديم ابقاء صيغة عدم التكامل عند من يبحث عن رؤى دقيقة وواضحة للفكرة الصادقة والتي بمقتضاها يتم الحصول على نتائج مبكرة في التصحيح نحو الاحسن .
2-الجهل في الحياة –ان المجتمع العربي بشكل عام والمجتمع العراقي بشكل خاص لديه معاناة في الحياة اليومية وتمنع تهيئة اجواء خاصة للتعايش السلمي ضمن اطر المنفعة الشخصية لأن الانقباضات في القيود المجتمعية متعصبة بشكل تسلطي لايسمح بوجود مصطلح التعامل مع الرأي والرأي الآخر في حالة تشاورية للأرتقاء بالمستوى المعيشي والاجتماعي والسياسي الى مراحل متقدمة ونضوج فكرة الحرية في احترام الشخصية رغم عدم صحة معتقدها انما تكون الاجواء تناحرية مبنية على مبدأ ابراز العضلات والغلبة للقوي والهيمنة على كل المقدرات الاقتصادية للمجتمع ، فالاجواء التي يعيشها الفرد مبنية على نفاقية بحد ذاتها هي سلاح ذو حدين يدمي بدن المجتمع ويقطع اوصاله وهذا نابع عن عدم التوازن في الاخلاق والعيش بوهم الجمع الاكبر من حطام الدنيا والكسب المادي على حساب الغير والجري خلف السيطرة على موارد الثروة الرئيسية للاعتقاد بأنها عصب الحياة في حالة جهل وكأنه الوحيد الذي يستحق ان يستحوذ على هذه الثروة ومما لاشك فيه ان هذا الانسان ساهيا انه في نهاية الرحلة سيكون منزله باطن الارض .
وهذا الصراع مستمر منذ بداية الخلق وليس حديثا وكلما ازداد حجم التطلعات كانت الامور تنحى منحنيات خطرة في تحويل هذه الامكانات الى صراعات دامية ، فالمحصلة من ازدواجية الجاهلية الحياتية والاسلامية تمخض عنها ولادة نفاقية من نوع جديد يكون فيها الغش والرياء والعوامل الاخلاقية الرديئة هي المتكون من هذا الناتج لذلك ثبت ان فئات كبيرة من المجتمع لاتستطيع التعايش مع مباديء الاسلام في اصوله وفروعه ومبتغاه في اشاعة العدل والسلام والمساواة ، ولا بأنسلاخ هذا المجتمع عن اسلاميته يستطيع ان يدير شؤون حياته اليومية وتقاسم الثروات على اساس نظام الرعاية الاجتماعية وان يتبنى مشروع الاكتفاء الذاتي لكل مواطن يعيش على ارض الوطن .
أما العلاج لهذه الحالة فليس بيد احد العصى السحرية التي بمجرد التمتمة يمكن ان تكون حالة اصلاحية انما يأتي العلاج على شكل جرعات متتابعة وعلى مسافات من الزمن يكون تفعيل عامل الوعي الهدف الاساس لبث روح التعايش السلمي والمساواة من جديد بين مكونات هذا المجتمع وفي نفس الوقت تحجيم دور بغاة الفساد واراقة الدماء والتسلط من خلال استئصال هذه الاجزاء الموبؤة من جسد الامة لكي نأمل ان تنهض من جديد في حالة تغيير نحو الارتقاء لمستوى الانسانية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الاسلام حقيقة واقعية ونظرة نسبية متفاوتة
السيد جبار المعموري الموسوي ( 2013 / 12 / 22 - 16:28 )
احسنتم بارك بالجهود المبذولة في إيصال الحقيقة

اخر الافلام

.. مسيحيو مصر يحتفلون بعيد القيامة في أجواء عائلية ودينية


.. نبض فرنسا: مسلمون يغادرون البلاد، ظاهرة عابرة أو واقع جديد؟




.. محاضر في الشؤؤون المسيحية: لا أحد يملك حصرية الفكرة


.. مؤسسة حياة كريمة تشارك الأقباط فرحتهم بعيد القيامة في الغربي




.. التحالف الوطني يشارك الأقباط احتفالاتهم بعيد القيامة في كنائ