الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدين والعقل

وديع العبيدي

2012 / 4 / 25
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


وديع العبيدي
الدين والعقل
"لتكن لك الشجاعة، لاستخدام عقلك!"- كانت
"الإله مات، ودفنوه في المعبد!"*- نيتشه

من خلال مراقبة سلسلة التدرّج الحيواني، و تتبع نمو الطفل، يلحظ أن الحواس هي أوّل وسيلة تربط بين الكائن ومحيطه.
وتمثل غريزة استشعار الخوف، فيصل بقاء الكائن على قيد الحياة. وهذه الغريزة أولى وأجدر من فكرة الصراع والبقاء للأقوى أو الأصلح التي ظهرت في وقت متأخر.
الحيوان يهرب عند رؤية كائن غريب أو رهيب، والكلب يبدأ بالعواء عند رؤية الغريب، والطفل يبكي حين تبعد عنه أمّه، أو حين يرى شيئا يتهدده. وقد قسم علم النفس الحديث فترة الطفولة الأولى إلى ثلاث مراحل داخلية [هي: الفموية، الشرجية، اليدوية]، استنادا إلى نمو وتطور وعيه الغريزي بوجوده ومحيطه.
أما دورة حياة الانسان فتنقسم إلى ثلاث مراحل [طفولة، مراهقة، بلوغ]، وهناك من يقسمها إلى أربع مراحل، إذ يضيف إليها مرحلة [الشيخوخة والهرم].
لكن درجة تطوّر حواس الفرد الغريزية ليست واحدة لدى الجميع، حيث تدخل في التأثير فيه عوامل خارجية بيولوجية وعوامل بيئية اجتماعية، تفرز ظاهرة التفاوت بين الأفراد، وتميز شخصية الفرد عن سواه حتى داخل الأسرة.
أما علم السلوك، وهو علم ظاهراتي، فيدرس شخصية الفرد بحسب سلوكه الجسدي، وذلك بمراقبة اهتمامه الرئيس أو وضع يده، في الأحوال العادية، أو عند انفعاله. وعادة يوصف الشخص الذي يستخدم منطقة الفم [الفم، الشفاه، الأسنان، اللسان، الصوت] بأنه شخص عاطفي أو مزاجي. فكثرة الكلام أو الأكل أو التدخين، وحركات الفم من مطّ وعض أو تصويت تشي عن خصائص نفسية الشخص ومفاتيح شخصيته. بعض المدخنين يضطرون لاستخدام العلكة حين لا يتاح لهم التدخين، وذلك للاستمرار في استخدام فمه متعذرا بـ (العادة/ التعويد).
واقع الأمر أن طبيعة وطريقة علاقته بالفم، هي طريقته المعتادة الوحيدة التي تمنحه الشعور بالأمان [الوجودي] والاجتماعي، وتمتصّ اضطرابه الداخلي النفسي. والمرأة تلجأ غالبا للعلكة لتخفي اضطرابها، أو عندما تكون بانتظار مقابلة مهمة أو حدث غامض. فيما يلجأ الرجل للتدخين، وقليلون يقضون وقتهم في تناول الأطعمة والحلويات للتخلص من القلق.
كلّ هذه الممارسات تتعلق بالفم باعتباره الأداة والبوابة الرئيسة في العلاقة مع الخارج/ المحيط.
عادة استخدام [الفم] هي استمرار غير طبيعي لمرحلة [الفموية] الأولية في حياة الطفل، الممثلة بالرضاعة واكتساب المعرفة من خلال الفم أو الشفاه أو الاسنان أو اللسان.
هناك من الناس من لا يستطيع التوقف عن استخدام يده أو طقطقة أصابعه، أو تحريكها في مناطق مختلفة من جسمه، أو تجسس/ تحسس الأثاث المحيط به بواسطة الأصابع. ويدخل في هذا المجال استخدام السبحة أو السيجارة أو القلم، وسواه. ان استخدام اليد (قد تستبدل بالرجل عند البعض) قد يعتبره البعض مرحلة أكثر نضجا وتطورا في اكتساب المعرفة، باعتبار يد الانسان هي صاحبة المنجز التكنولوجي عبر التاريخ، لكن منظور علم النفس يهتمّ بكونه مرحلة طفولية منصرمة، واستمرارها لما بعد الطفولة والمراهقة والبلوغ دالة تشوّه تربوي اجتماعي.
من الناحية الاجتماعية، جماعة [الفموية] هم ناس عاطفيون يحتاجون على الدوام إلى عطف ورعاية، وهم ضعاف الشخصية وينهارون بسرعة عند المواقف غير العادية. بينما جماعة [اليدوية] هم حرفيون ماهرون وصنائعيون مبدعون ويحبّون العمل بلا ملل، بل يوجدون لأنفسهم عملا ينشغلون به ويفيدون به المجتمع. ويصعب على أتباع هذا النوع الجلوس الطويل ولا يحبّون وقت الفراغ. وإذا ذهب أحدهم في زيارة أو ضيافة، تجده يسأل عن كلّ شيء، أو يراقب أجهزة المنزل وزواياه، ويهبّ فجأة لتصليح الستارة أو حنفية الماء أو جزء من أثاث معطوب أو غير مركب جيدا. وأحيانا يقدم اقتراحات ونصائح مجانية حول اصلاح العطل أو تعديل استخدام الحاجة.
*
ان استخدام الحواس مرحلة أولية لا غنى عن العقل من أجل تطويرها وتجاوزها إلى مرحلة أكثر رقيا وتطورا. وقد استغرقت بعض المجتمعات البدائية –مثل الأفراد- مراحل زمنية طويلة قبل الانتقال للتطور العلمي. وما تزال ثمة مجتمعات قديمة تعتاش على التكرار والتقليد والتبعية.
ان اهتمام الأديان عموما بمنظومة الغرائز، يرجع إلى ارتباط جذور الأديان بعهد المرحلة الغرائزية، مرحلة اكتشاف الطبيعة وظواهرها من خلال الحواس (الخارجية). المعطى الآخر لهذه المرحلة هو ظهور [الخوف] كقيمة استثنائية في المعتقدات الدينية، وهي ما زالت حتى اليوم، مبرر التبعية القطيعية للدين، والحاجة للحماية وطرد الخوف من خلال التمائم والرموز والصلوات والطقوس الدينية.
الدين نبع من أرضية الغريزة، والتعامل السطحي/ الظاهراتي مع الحياة والطبيعة، فكان بناء المحتوى العقائدي حافلا باهتمامات الطعام والشراب والثياب والجنس والحياة الجماعية (الشركة) والاجتماعات الدينية الدورية، أو الصلوات الجماعية، العادية أو في ظروف الأزمات والتحديات. وفي العام الماضي* اجتمع أتباع الطوائف المسيحية المختلفة في مكان واحد [دير سمعان الخراز في القاهرة/مصر] للصلاة والترنيم، في أعقاب اضطراب الوضع الأمني وتزايد التهديدات ضدّهم في غياب القانون. بل أن ظاهرة الاجتماعات والتجمّعات المليونية التي شهدتها مصر منذ بدء 2011، ليست بعيدة عن حالة الاستنفار الغريزي الذي يكتنف القطيع في لحظة الخطر أو مواجهة المجهول. وتكرار الظاهرة في بلاد أخرى مجاورة، حيث تسود أنظمة سياسية مهزوزة متشابهة، غير بعيد عن حالة استشعار القلق والخوف من المستقبل.
في تلك الحالة النفسية المضطربة التي تتعرض فيها المنظومة القيمية والفكرية إلى حالة من التشويش والاضطراب، تجعل البعض أكثر ميلا للاحتمالات السيئة والخطرة، كالسجن والموت، جراء استمرار الشدّ النفسي المتواصل بدون الاطمئنان إلى أمل. وفي عرفنا الاجتماعي/ السياسي القديم، ثمة مقولة فحواها (السجن مصنع رجال!)، ذلك أن معاناة حالة السجن، حيث يجد السجين نفسه بلا حول ولا قوة ولا قانون يحميه، في مواجهة سلطة شمولية لا قيمة للمرء في نظرها ولا تخاف أو تستحي كما يقال. هذه الحالة من الحيف والغبن، تقنع الشخص بالعجز عن المواجهة أولا، وهي حالة اليأس التام، عندها يفقد كلّ شيء أهميته لديه، ويعتبر نفسه (لا شيء)، وقد قال يسوع المسيح عندما كان معلّقا على الصليب، (أنا دودة، لا إنسان!). جراء الألم والاحتقار الذي كان يعانيه. واعتبر بولس الرسول نفسه (نفاية) في مواجهة الآلام والمضايقات التي كان يتلقاها من الناس ومن السلطات الرومانية. وقد يصل البعض إلى حافة الانتحار في هذه المرحلة، والانتحار -هنا- ليس قرارا بطوليا سياسيا بقدر ما هو تعبير عن الرفض وامتلاء الحسّ بمشاعر الاشمئزاز والاحتقار.
وهذا هو الجانب الآخر والأخطر في منظومة الدين الغريزي، أي جاهزية الموت. ويستخدم الفكر الديني مسميات ومبررات ملطفة ومشجعة لتمرير فكرة الموت/ قتل الذات في إذهان القطيع الديني، مثل [شهادة، شهيد، استشهاد، جنّة، ملائكة، حوريات].
لقد تساءل كثيرون خلال العقد المنصرم وهم يراقبون بانشداه، كيف ينتحر بعض الشباب بتفخيخ أجسادهم أو استخدام أدوات قاتلة لايقاع ضرر فردي أو جماعي نتيجة مبرر ديني.
الطيار الأمريكي الذي أسقط القنبلة الذرية على هيروشيما لم يسقط نفسه مع طائرته لتنفيذ الجريمة، لكن منفذي تدمير الأبراج، قتلوا أنفسهم مع الضحايا، وهو ما يجري في عمليات [التفخيخ] في تجمعات الأسواق والاحتفالات والمدارس، حيث تختلط جثة القاتل مع ضحاياه.
قتل الذات، بل أي عملية عنف هي قرار غريزي يائس، يستفيد من غياب العقل (المؤقت) لتنفيذ الجرم. ويتحمل المعتقد الديني والمشرفون مسؤولية الدم والضرر القانوني لذلك. ان جملة هذه الأسباب هي التي تجعل رجال الدين محدودي الدراسة أو الفهم، يهتمون بالغريزة والحواس الخارجية، ولا يشكل العقل والتعليم والفكر والثقافة والفلسفة قيمة لديهم. وقد يكونون غير ذلك، ولكن قناعاتهم الاجتماعية تبرر لهم الارتزاق بالدين. وقد يحمل رجل الدين درجة عليا من مدارس دينية خاصة، ولكن بمقدار تلك الدرجة، هو يستنكر دور العقل والعلم والثقافة. لأنه في اللحظة التي يستخدم فيها الخرافة لتفسير ظاهرة كونية أو طبيعية، يتحول إلى مجرد مشعوذ جاهل خارج عن دائرة العقل والحضارة.
*
المطالبة بمجتمع ديني متطور، أو منسجم في المجموعة الانسانية، تقتضي تجاوز المعتقدات الغريزية القائمة على الخوف والاستعداء والرفض. ومراقبة الواقع البشري ومآله في العقود القليلة السالفة، يقتضي خطوة جريئة باتجاه عقلنة الدين وتهذيب المعتقد وتشذيبه من الخرافة والدجل والارتزاق.
لقد استغرقت الميثولوجيا والاسطورة آلاف السنين من عمر البشرية، قبل ظهور الديانات السائدة اليوم تحت مصطلح الكتابية. واليوم بعد انقضاء آلاف السنين من سيادة الأديان الكتابية المستعدية على الانسان والعقل بالخرافة وادعاء الحق المطلق، وإزاء ما تحقق من تطور علمي وعقلي في مجالات الحياة الطبيعية المختلفة وأبحاث الفضاء والزمن الخارجي، زاد من فضائحية الفكر الديني ومعتقداته الغريزية، مما يستدعي انتقال البشرية إلى مرحلة العقل، وتهذيب الغرائز ورقي النظرة إليها وطرق استخدامها.
وقد سبق أن حاولت بعض الأديان تلقيح نصوصها بفتات من المنجز العقلي والعلمي دون أن يؤثر على جوهرها سيما في جانب المنطق، وقد حان الوقت لاتخاذ الخطوة الأكثر حسما وراديكالية. أما استمرار الحال على نفس المنوال، فهو جناية على التاريخ والمستقبل وأبناء الغد.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
• فكرة (تابوت العهد) الذي وضع موسى فيه (لوحي الوصايا الأثني عشر) اللذين تسلّمها من الإله على جبل حوريب. ووضع (تابوت العهد) في مكان يدعى (قدس الأقداس) في خيمة العبادة/ تحولت لاحقا إلى الهيكل على يد سليمان، ولا يدخله غير الكاهن الأعظم، هو تفسير مناسب لفكرة الفيلسوف نيتشه. ويستخدم الهولندي إرازمس (1466- 1536) تعبيرا مشابها" أنا لا أدينكم لتوقير رماد بولس الرسول، ولكن إذا أهملتم صورته الحيّة التي تتكلم في رسائله، فأن تكريمكم لا يتفق مع العقل، فأنتم تهتمون اهتماما عظيما ببقايا من جسده موضوعة في صندوق، موضوع في ضريح.!" وهناك تأويلات أخرى.
• في الشيخوخة تتراجع قدرات الشخص الفيزيائية والنفسية وتضعف ذاكرته ويكون عاجزا عن ادارة حياته وفي حاجة إلى رعاية نفسية على غرار الطفل.
• كان اجتماع الصلاة الكبير في 11/11/2011.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - رائع
سالم العلي ( 2012 / 4 / 25 - 18:10 )
احسنت تحليل في العمق


2 - الاديان ليست من عند الله
مروان سعيد ( 2012 / 4 / 25 - 20:42 )
الاستاذ وديع العبيدي المحترم
لقد بدات مقالق بشكل رائع وتحليل منطقي وعلمي ولكن يوجد بعض المغالطات بسبب خلفيتك ولم ترجع الى الانجيل لاانه قيل عن السيد المسيح كدودة بالتنبئاة القديمة واليك النص بمزمور لداؤود رقم 22
اما انا فدودة لا انسان.عار عند البشر ومحتقر الشعب. 7 كل الذين يرونني يستهزئون بي.يفغرون الشفاه وينغضون الراس قائلين 8 اتكل على الرب فلينجه.لينقذه لانه سر بي وبهذا المزمور يقول 16 لانه قد احاطت بي كلاب.جماعة من الاشرار اكتنفتني.ثقبوا يدي ورجلي. 17 احصي كل عظامي.وهم ينظرون ويتفرسون في. 18 يقسمون ثيابي بينهم وعلى لباسي يقترعون
وبالنسبة الرماد لبولس الرسول هذه اول مرة اسمعها وبولس يقول عن نفسه انا عبد المسيح
بالنسبة الى الفردوس نحن المسيحين لانطمع بالفردوس اولا بل برؤية الرب
ونحن لا نخاف الله بل نريد شركة حقيقية معه ونخاف من زعله ونحن لا نخاف الموت لااننا نعرف الى اين سنذهب
وشكرا على مجهودكوللحوار المتمدن


3 - ما العقل؟ ومامجاله؟
عبد الله اغونان ( 2012 / 4 / 25 - 21:41 )
هذا هو السؤال, مالعقل؟ دعنا من التعريفات اللغوية والفلسفية
نريد تعريفا علميا او على الاقل موضوعيا, كيف يعرف العقل نفسه نهاك عقول تتعدد بتعدد العقلاء .ارسطو وافلاطون عاقلان وفلسفتهما متناقضة
العقل الانساني في مجاله الحسي المادي لاخلاف فيه .لكن عندما يتدخل هذا العقل في غير مجاله يختلف فالعلوم المادية تطورت وفيها اتفاق بينما العلوم الغير المادية المسماة انسانية ماتزال في حيص بيص. فعلم النفس مثلا مازال يراوح مكانه وقد تعوضه العادات او حتى الشعوذة لان نفس هذا ليست نفس الاخر
في الدين مثلا نستعمل العقل في الشرائع لكن في العقائد نعتمد الوحي كما نصت على ذلك الاية السابعة من سورة ال عمران هو الدي انزل عليك الكتاب منه ابات محكمات هن ام الكتاب واخرمتشابهات فاما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ماتشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تاويله ومايعلم تاويله الا الله والراسخون في العلم يقولون امنا به كل من عند ربنا وما يذكر الا الوا الالباب


4 - ؟
خالد المرسي ( 2012 / 4 / 26 - 02:12 )
أستاذ وديع،
اله نيتشا اله باطل
الاهنا حي لا يموت
نريد التفريق بين - الدين الحق- والدين الباطل

اخر الافلام

.. ا?غرب وا?طرف الخناقات بين ا?شهر الكوبلز على السوشيال ميديا


.. عاجل | غارات إسرائيلية جديدة بالقرب من مطار رفيق الحريري الد




.. نقل جريحتين من موقع الهجوم على المحطة المركزية في بئر السبع


.. سياق | الانقسام السياسي الإسرائيلي بعد حرب 7 أكتوبر




.. تونس.. بدء التصويت لاختيار رئيس الدولة