الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تغيير يوجب تغييرات

عبد المجيد حمدان

2012 / 4 / 25
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات




رافقت احتفالات المرأة بعيدها هذا العام ، ظاهرة غير سارة . ظاهرة أشارت إلى بروز عقبات نوعية جديدة ستعترض مسيرة نضال المرأة في الأعوام القادمة . فقد فاجأتنا التنظيمات النسائية لأحزاب التيارات الإسلامية ، الفائزة في انتخابات بلدان الثورات العربية ، بخروجها في الثامن من آذار ، منادية ليس فقط بإلغاء هذه المناسبة ، بدعوى أنها بدعة غربية مستوردة ، بل وبالمطالبة بإعادة المرأة إلى البيت ، باعتباره مكانها الطبيعي ، انسجاما وتطبيقا لما أسمينه بشرع الله . هذا لا يعني فقط محاولة لسلب المرأة كل مكتسبات نضالها ، التي تجمعت على مدار عقود نضالها الطويلة ، بل ويعني الارتداد بها أربعة عشر قرنا ويزيد إلى وراء . والأهم أنه إنذار بخطر يتربص ليس فقط بحق خروجها إلى عملها ، بل وبفرص تعليمها مستقبلا .
هذا الوضع المستجد يتطلب بداية رؤيته بجدية كاملة . ويتطلب ثانيا إعادة النظر في شكل ، أساليب ، وسائل وأدوات نضال المرأة ،وفي المقدمة كل تلك الأشكال البيروقراطية التي تهيمن على برامج ، عمل وإدارات منظماتها ومراكز فعلها . وإذا كان صحيحا الاعتماد على حقيقة أن التطور الجاري على صعيد العالم ، سيحسم الأمور في النهاية ، فإن الأصح يفرض عدم الركون إلى هذا العامل ، والاستمرار في الاعتماد على النشاطات القائمة على أساسه . بمعنى أن مواصلة الوقوف عند الأساليب السابقة ، كالتمترس خلف شعارات حقوق المرأة ، التي أقرتها المؤتمرات الدولية المختلفة ، لن يكون السلاح ذا الفعالية الملائمة في المرحلة القادمة ، ومن ثم لن يأتي بالثمار المرجوة .
قبل الثورات العربية اصطدم نضال المرأة العربية بقوى الدولة الكابحة لحريات شعبها ، لكنها دولة اعتبرت نفسها جزءا من منظومة الدول التي لا تعارض علنا مقررات المؤتمرات الدولية ، ولا تظهر نزعات للتصادم معها . وكان ذلك عامل ، رغم ضعفه يصب في خانة نضال المرأة . لكن هذا الوضع تغير بصورة جذرية ، بعد المكتسبات التي حققتها تيارات وأحزاب الإسلام السياسي ، في أكثر من بلد من بلدان الثورات العربية . قد لا تستطيع هذه القوى الخروج الآن ، بإعلان سحب الاعتراف بتوصيات ومقررات المؤتمرات الدولية ، باعتبارها متعارضة مع شرع الله ، لكنها تملك الأداة الأخطر ، وهي خروج جماهير نسائها الغفيرة ، مطالبة بذلك . وأكثر من ذلك لتطبيق شرع الله الذي لا يعترف بكل قائمة الحقوق التي ناضلت النساء من أجلها ، على مدار قرابة القرن حتى الآن . ومن لا زال متشككا في ذلك ، عليه أن يتوقف متفكرا في النقاش الذي يدور داخل حزب الحرية والعدالة المصري ، حول المناهج المدرسية وضرورة تعديلها ، لا لشيء إلا أنها تتحدث عن المساواة بين البنت والولد ، وهو ما يخالف شرع الله .
ونعود للتذكير بأن هذه القوى ترى في مقررات المؤتمرات الدولية ، سواء منها ما تعلق بحقوق المرأة ، ومطالباتها العادلة بالمساواة ، أو ما تعلق منها بالحريات والحقوق الإنسانية ، بدعا خارجة عن منطوق الدين ، توجب ليس المعارضة فقط ، وإنما المواجهة ، لما يوصف بوقاية مجتمعاتنا من آثامها . وهكذا ينتقل نضال المرأة من مواجهة مع دولة بيروقراطية ، تخشى إعلان معارضتها للمطالب ، إلى المواجهة مع دولة عقائدية ، ترى إعلان المعارضة ، وتفنيد المطالب ، من صلب مسؤوليتها . وفي الدولة السابقة ، وفي محاولة للتمويه على مواقفها ، دأبت قياداتها على دفع نسائهم لتصدر المشهد . ورغم ما في هذا الأمر من سلبية ، إلا أنه حمل بعض الإيجابية ، وبما سهل تخطي بعض العقبات ، وساعد على تحقيق بعض المكاسب . الاختلاف الآخر تمثل في أن القوى الدينية ، وحتى قبل إكمالها لعملية مسك السلطة ، دفعت بمنظماتها النسائية للمواجهة . هذا العنصر الجديد في المواجهة ، ليس فقط يدخل تغييرا كبيرا على المشهد ، وإنما يبدله تماما . بمعنى أن المعارك القادمة ستأخذ شكلا نسائيا كاملا ، يقف الرجال فيه على خلفية المسرح . وستكون مادته الصراع على الحقوق والواجبات التي أقرها الشرع . ولما كانت أية معركة تتطلب التسلح بسلاح يتناسب مع متطلباتها . ولما كانت قيادات الحركة النسائية قد اعتادت أشكالا من النضال ، غلب عليها الطابع البيروقراطي ، في الأعم الأغلب ، ولما كانت غير مهيأة لهذا الشكل من المواجهة ، المواجهة الفكرية والعقائدية ، فستكون هذه المواجهة ، ليس فقط بالغة الصعوبة ، ولكنها ستكون غير مضمونة النتائج أيضا .
وهذه المواجهة الموعودة ، بالتغيير الذي حدث ، كما أرى ، أكبر من طاقات المرأة وقدراتها ، بمنظماتها ، بمجالسها ، بهيئاتها ، بتنظيماتها في أحزابها وفصائلها ، خصوصا وأن البيروقراطية تغلب على عمل فروع هذه التنظيمات كلها . أكبر ليس بسبب دخول منظمات التيارات الإسلامية إلى الجبهة المضادة ، وتشكيلها طليعة المواجهة ، بل ولأن نظم الحكم ، بقواها وقدراتها المتنوعة ، انتقلت من المناصرة الشكلية ، أو من عدم المبالاة ، كما كانت في الماضي القريب ، إلى المواجهة الفاعلة ، ولو من خلال إسناد منظماتها النسائية المضادة . هذا يعني وجوب مشاركة القوى والأحزاب ، التي تنص برامجها على تبني قضايا المرأة ، بفعالية ، أو بتفعيل هذه البرامج ، في معارك المرأة ، بصورتها الجديدة .

أكثرية هذه القوى ، ومن يوصف باليسار منها على وجه الخصوص ، أفسحت لقضايا المرأة وحقوقها في المساواة ، ونضالها ، مساحات مرموقة ، أو مقبولة ، في برامجها . والمفترض أن عضو الحزب ، وهو من تقدم بطلب العضوية على أساس قبوله للبرنامج ، يلتزم ، ولا يقبل فقط ، بما جاء فيه عن المرأة وحقوقها ونضالها للمساواة . ومن المفترض أن يكون تحقيق ذلك جزء ا من برنامج عمله اليومي ، وهدفا يسعى ، ويناضل لتحقيقه ، كما هو الحال مع سائر الأهداف الأخرى ، المحشوة في البرامج . لكن الوقائع تقول لنا أن المفروض شيء ، والجاري شيء آخر .
فأن يوافق مناضل يساري على ، أو يقبل بِ ، تحجب زوجته أو ابنته ، فذلك لا يدلل على التزام بالحقوق ، أو احترام للحريات ، وفي المقدمة منها حريتهن في الاختيار كما يقال . وأن يوافق على ذلك مناضلون قياديون ، يتقدمون الصفوف في أحزابهم وفصائلهم ، مسألة تحتاج إلى وقفة مصارحة . هي قبل كل شيء مؤشر على حالة تراجع ، تستوجب ، حفاظا على مسألة تطابق الشكل مع المضمون ، مبادرة هذه الأحزاب و الفصائل ، إما لشطب باب حقوق المرأة من برامجها ، وإما العمل على تعديلها لتتلاءم مع القائم الفعلي ، في السلوك والعمل .
كلنا يعرف أن المرأة لا تختار لباسها بحريتها كما يُزعم . ولباس المرأة الحالي ليس نوعا من الموضة ، وصل السوق ، انتشر وقبلته المرأة ، لأنه يناسب ذوقها ، ويتلاءم مع طبيعة المجتمع . هذا لباس تم فرضه بالإكراه ، ومن تمانع في لبسه تتعرض لسلسلة طويلة من المضايقات ، تجد معها الخضوع وقبوله ، أرحم من الاستمرار في التمسك بحريتها في الاختيار . وللتذكير بجانب من مجريات الأمور نشير إلى التالي :
في أواخر سبعينات ، وأوائل ثمانينات القرن الماضي ، وقبل أن يتحول تنظيم الإخوان المسلمين إلى حماس ، وقبل دخولهم معترك النضال الوطني ، كرسوا كل نشاطهم على تحجيب المرأة ، وفيما وصفوه بحسر انتشار الرذيلة . وفي أحياء غزة بادروا إلى التعرض لها ، برشقها بالسوائل الحارقة ، فيما بادرت فصائل اليسار ، تقدمها حزب الشعب – الشيوعي آنذاك – للدفاع عنها . ووقعت صدامات بين الطرفين ، وصل جرحاها إلى مستشفيات الضفة ، والمقاصد الخيرية في القدس للعلاج . لكن هذا الحال تغير بعد قرار الإخوان بالتحول إلى حماس ، والدخول في المعركة الوطنية ضد الاحتلال . كانت مياه كثيرة قد مرت من تحت الجسر كما يقال . ومع أن حماس استثمرت حال الوحدة الوطنية الجديد ، لتصعيد معركتها بتحجيب النساء ، تراجع اليسار عن حال المواجهة السابقة . صحيح أن عودة قيادة المنظمة ، وقيام السلطة ، خفف من حدة الهجوم الحمساوي المادي على حرية المرأة آنذاك ، إلا أن المرحلة شهدت تصاعدا ، منسجما مع ما شاع في البلدان العربية المجاورة ، ومصر بصورة خاصة ، في وتائر الإرهاب الفكري الموجه ضد المرأة .
في حوار ، بمناسبة الثامن من آذار ، على فضائية مصرية ، شاركت فيه ممثلة لحزب الحرية والعدالة – الإخوان المسلمين – ، تحمل شهادة دكتوراه . في الحوار تفاخرت الدكتورة بمزايا الشرع الإسلامي ، ونظرت لمحاوراتها بازدراء ، وهي تعرض رؤية الشرع لعورة المرأة . تبجحت بأن عورة الأمة ، وهي المسلمة المؤمنة ، ولكن العبدة ، بين السرة والركبة ، مثل الرجل تماما . وقالت نظراتها المزدرية لمحاوراتها ، وهي تركز على لباسهن : أنا الحرة وأنتن مجرد إماء . ولم تسألها أي منهن عن ما يحمله هذا التصنيف الإسلامي من إنصاف لبني البشر من جهة ، ولا عن منظومة الأخلاق التي يصدعون رؤوسنا تباهيا بها ، وهي تقوم على هذا التمييز الفظ بين مسلمات مؤمنات ، أي من نفس النوع من بني البشر ، من جهة أخرى .
وإذن كان على اليسار أن يواصل معركته ضد هذا الإرهاب الفكري ، لكنه بكل أسف نكص على عقبيه . وعُزي هذا النكوص لما أصاب نظريته الثورية من عطب ، بعد سقوط وتفكك المنظومة الاشتراكية ، وهجر بعض هذه القوى للماركسية . وبان من مسلك قيادات ماركسية أن النكوص عن النظرية ، واكبه نكوص عن منظومة القيم الثورية ، وفي المقدمة منها حرية المرأة ومساواتها ، وقيام عقد الزوجية على مبدأ المشاركة ، بديلا للتبعية .
في البداية نُظر لاستجابة المرأة لحملات الإرهاب الفكري المركزة ، ونزولها على إرادة التحجيب ، وإذعان قوى اليسار لهذا الحال ، على أنه نوع من الاعتراف ، فالإذعان ، لسيطرة تيارات الإسلام السياسي على الشارع . وبدا انتقال لباس المرأة إلى التحجب ، ثم إلى التنقيب ، كمؤشر لا تخطئه العين ، على الهيمنة السياسية لفكر تيارات الإسلام السياسي على الشارع العربي ، وليس على شارع الأرض المحتلة وحده . وحين انتقل الحديث إلى ما يوصف بحالة الاستقطاب بين فتح وحماس ، جاء ذلك بمثابة البرهان على انسحاب قوى اليسار ، من معركة الدفاع عن الحريات ، وفي المقدمة منها حرية المرأة ومساواتها .
والآن لا أظن أن أحدا ، من الذين قبلوا بتحجيب بناتهم وزوجاتهم ، يجري حوارا مع أهل بيته ، يتصدى فيه لسيل الخرافات والأساطير الذي اجتاح ، ويستمر في اجتياح هذا البيت . ولا أظن أن أيا منهم يعنيه ما تحشره المدرسة من خرافات في رؤوس أطفالهم . ولا أظن أن أيا منهم لا يعرف أن المسألة تتعدى مسألة اختيار موضة للباس ، إلى مسألة تثبيت مبادئ انعدام المساواة وانتقاص الحقوق وسلب الحريات . لا أظن أن أيا منهم لا يعرف أن ذلك يحمل بوادر تعطيل نصف المجتمع ، ومن ثم دق كل المسامير في نعوش القضايا الوطنية ، والقضية الفلسطينية في المقدمة .
لكن المشكلة تتمثل الآن في أن المواجهة انتقلت من التشابك بالأيدي ، كما كان في السبعينات ، إلى الاشتباك بالأفكار . وفيها لا يكفي الاعتراف بحقيقة أن الفكر الديني قائم على التمييز ، وتكريس دونية المرأة ، وتحديد وظيفتها في الحياة بخدمة زوجها ، وتلبية كل طلباته ، مهما بلغ بها الشطط . لا يكفي الاعتراف بأن حقوقها التي يتباهى الأئمة والوعاظ بطرحها ، لا تزيد في قليل أو كثير ، عن حقوق أي حيوان أليف يعيش في نفس المنزل . ولا يكفي للمواجهة التسلح بما أقرته مختلف المؤتمرات والمواثيق الدولية من الحقوق . باتت الآن هناك ضرورة لمنازلة هذا الفكر في عقر داره ، واثبات انتهاء صلاحيته . لكن ذلك يحتاج إلى الحصول على المعرفة من ذات الحقل ، فهل يقف اليسار على قدميه كي يفعل ذلك ؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الاستاذ الفاضل عبد المجيد حمدان المحترم
عبد الرضا حمد جاسم ( 2012 / 4 / 26 - 08:08 )
تحيه وتقدير
الحال وصل الى نقطة الاعوده وهذا ياخذ مداه لعقود قادمه ستكون مليئة بالدماء فمن مسك الان معه فتوى بابادة الاخر المخالف ليضمن له احدى الحواري الجَنَّويَّه

الجريمه الكبرى التي اُرْتُكِبَتْ هو السماح لهم باحتلال الساحات بحجج مختلفه و على من ساهم في ذلك ان يستقبل الضرب على الراس وهو صاغر وعلى من فسح المجال لهم حتى بسكوته ان يبقى ساكت لان هذه الجريمه يمكن ان تعتبر جريمه ضد الانسانيه لا تسقط بالتقادم وعليه ان يدفع الثمن سواء كان واعي لفعله الاجرامي ام كان بدون وعي ركض خلف الجزيره وخباثتها
الحل هو اللجوء الى المحاكم الدوليه واعتبار تلك الامور من الجرائم ضد البشريه كما اعتبرتسلط الحكام و استبداهم جريمه ونحن نعرف ان كل الحكام كانوا بكل سهوله يخرجون الملايين تهتف لهم
هذا الحل الذي يقلل من التدمير و من انهار الدماء و يكبح التخلف
اكرر التحيه لكم


2 - الرفيق العزيز
محمود فنون ( 2012 / 5 / 1 - 08:14 )
ا يمكن القفز على اليسار ومقولة اليسار بخفة ولكن كذلك هي من طين يصعب الاتكاء عليها ان دعوة اليسار للتحرك في هذا الموضوع الخطير تتطلب ان يتحرك اليسار لكل المواضبع معا وان ينشط ويجب قبل ذلك ان يكون موجود ويخرج من شرنقة المساعدات والتميل اليميني انت تذكر منذ تهاية السبعينيات وطوال الثمانينات تحسن وضع المرأة الاجتماعي وتمكن العديدات من الخروج من البيت الى الفعل والنشاط ,وكانت الحركة النسوية كفاحية ونشطة.
لقد طرقت موضوعا هاما.

اخر الافلام

.. كاتبة العرض المسرحي أحلام الديراني


.. الباحثات في تونس ضعف الدعم وهجرة مقلقة




.. كونفرانس ريادة المرأة نقاشات وآراء لتطوير الشابات


.. إحدى المشاركات دلال سكاف




.. الصحفية والفنانة والمغنية أمل كَعـْوَش