الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


علم الأديان المقارَن.. والدرس الديني

وديع العبيدي

2012 / 4 / 26
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


وديع العبيدي
علم الأديان المقارَن.. والدرس الديني
"عامل الناس كما تحبّ أن يعاملوك!."
وجود درس تحت عنوان (أديان مقارَنة) في كليات اللاهوت أو الكليات الدينية على العموم هو خطوة جيدة في باب الانفتاح الديني وانفتاح العقلية الدينية على الآخر- المختلف. ورغم كون مجال هذا الدرس محصورا في مجال الصراع السياسي أو "أهل الذمة" في البلاد العربية، فأن عنوان (ديانات) لا ينبغي حصره بديانة أو اثنتين، كالاسلام واليهودية أو المسيحية. وعند عدم وجود استاذ مؤهل في المادة يتم استعارة شيخ عالم أو استاذ متخصص من ملة الدين -الآخر- لملء الحصّة. فبعض كليات اللاهوت –في مصر مثلا- تستقدم عالم دين اسلامي لتعريف الطلبة بحيثيات الاسلام، وعالم دين يهودي لنفس الغرض. ولست متأكدا من قيام الأزهر أو سواه بهذا المجال للتعريف والانفتاح بين طلبة الأديان المختلفة.
لا شكّ في وجود أرضية مشتركة بين قواعد الأديان الثلاثة المتداخلة قليلا أو كثيرا، بالتناظر والاقتباس والتوارد والتناقض. فالايمان الغيبي وفكرة التوحيد مشتركة مبدئيا، لكن تعريف الايمان أو اسم الأله وطبيعة الذات الالهية (صفات الله وأسماؤه/ ألقابه) تختلف من دين لآخر. بمعنى أن الاختلاف في التفاصيل. الاختلاف ليس على مستوى العامة وانما بين الدارسين المتخصصين في الدين.
كما أن نظام العبادة الممثل في الصلاة والصوم والزكاة والصدقة والحج ومساعدة الفقراء واليتامى والمساكين وأهل السبيل مشتركة بين الأديان مع اختلاف التطبيق والممارسة ودرجة الأهمية من دين لآخر.
وباجتماع الجانب الخلقي في الفكر الديني فأن الالتزامات الخلقية وقيم المساعدة والتعاون والتسامح والعفو والحماية والوحدة في الملمّات والتكافل هي من العوامل المشتركة في أخلاقيات الأديان المتعددة. لكن تعبير المشترك لا ينبغي أن يفهم، ولا ينبغي له أن يكون متطابقا، بقدر كونه قاسما مشتركا مع حرية التعريف والتحديد والممارسة. ان أهمية التعددية تكمن في قيمة الحرية في الأديان، ومجال المرونة في الممارسة والتطبيق والتأويل.
فالاتفاق بين الأديان يكمن في المبادئ والأصول، ولكنه يختلف في التفاصيل والفروع. لكن الدراسة الدينية تختلف في الطبيعة والتوجه، عن توجهات التعليم والوعظ الديني للعامة. فالتوجيه الديني للعامة هو نسخة مشوّهة (سياسية) عن حقيقة الدراسة الدينية. وفي حين يستطيع رجال الدين الكبار (الدارسون) الالتقاء والتحاور، فأن الفئات الشعبية العامة من قاع المجتمع الديني يتحول الحوار بينهم إلى استخفاف وتناحر واتهامات وتكفير. والواقع ان تكفير أي جماعة دينية، يعني في المضمون والنتيجة تكفير الفكر الديني عامة، وباختلاف دياناته ومذاهبه، وذلك بموجب وحدة الأرضية واتفاق القواعد الدياناتية قاطبة.
*
الواقع.. رغم ذلك.. هو عكس التصوّرات المحتمَلة..
ان دراسات أحمد ديدات الانجيلية، تم توظيفها لاعلان الحرب على الآخر ومهاجمة حصونه الداخلية.. والتشهير به والاساءة إليه..
ودراسات زكريا بطرس الاسلامية تم توظيفها لاعلان الحرب على الآخر ومهاجمة حصونه ونصوصه الداخلية والتشهير به والاساءة إلى إليه..
ومثل هذا يقال في مناظرات أخرى دينية أو مذهبية.. كالسجال العقيم بين بعض الغلاة من الشيعة والسلفيّة، وهم انما.. أحدهم يصبّ الزيت على نفسه ويدعو الآخر ليولع فيه. وبتسفيه أحدهما للآخر، يتم القضاء على أساس الفكر الديني عموما، الذي يتناظران ويتقابلان فيه. فليس المذهب غير جزء من كلّ، ونقض الجزء يثلم قاعدة الدين وأصله.
ان السبب الرئيس لظاهرة التناهش والاصطراع بين الأديان أو داخل بعضها البعض هو غياب العقل، الذي منه التعقل والتواضع والعودة إلى الذات والانقطاع إلى تأمل الوجود وابتغاء وجهه تعالى.
*
هل يمكن الحكم بالفشل على درس الأديان المقارَنة في كليّات اللاهوت والجامعات الاسلامية؟..
النقد / أو الانتقادات الموجهة لهذا الفرع تتلخص في جملة نقاط..
- حقيقة الغرض من وراء درس الأديان المقارنة..
- الغطاء/ الستار السياسي من وراء ذلك لخدمة سياسة الدعوة والتبشير والتحزّب ضد الآخر.
- تحديد الأديان المقارَنة بالمسيحية والاسلام مع مجاملة اليهودية يشكل تغييبا وتجاهلا لديانات أخرى متعارفة في مجتمعاتنا كالمندائية والدرزية والأزدية والمجوسية والبهائية مما يتعمد تشويه الدرس المقارَن، وغاية تدعيم ثقافة الدارس أو الواعظ الديني وتلقيحها بالمناسب والمناظر في مجال الاختصاص وبشكل يخدم انفتاح الوعي الاجتماعي الشعبي ودور التوجيه الديني في صيانة الوحدة الوطنية وقاعدة الانتماء الانساني العام.
- الدراسات المقارَنة في الدين يفترض أن تقلل من غلواء المباهاة والافتخار الأجوف بالانتماء الديني أو الشخصي وتقود إلى مزيد من التواضع والتسامح والانفتاح الانساني أو الروحي. يقول النبي أرميا في هذا الصدد (9: 24)- "إذا أراد أحد أن يفتخر، فليفتخر بالربّ."!.
- الأديان عموما تتهرب من الانفتاح الداخلي مذهبيا على الاتجاهات والمذاهب الأخر داخل نفسها، كالأرثوذكسية والكثلكة والانجيلية والخمسينية والسبتية وشهود يهوه داخل المسيحية، أو السنة والشيعة والاسماعيلية والزيدية والامامية والوهابية والأحمدية وسواها داخل الاسلام. فالأديان تهرب للأمام عبر الغاء الآخر الطائفي في خطوة لالغاء الآخر الديني، وصولا إلى دولة الحزب (الديني) الشمولي الواحد، والذي يقف غير بلد عربي على عتباته (أو يخوض فيه كالعراق).
ان غياب أرضية البحث العلمي وقاعدة النوايا الحسنة المتقابلة، يقلل من أهمية درس الديانات المقارَنة وجدواه، وبالتالي يعدم أرضية قيامه.
*
علم الأديان المقارَن..
هو علم علماني يعنى بالبحث في الأديان المختلفة.. أصولها التاريخية وطبيعتها وتطورها الفكري والديني، مع ملخص مقارن في نقاط التقائها وافتراقها عن بعضها.
فالخلفية/ العقلية العلمانية لدارس هذا الاختصاص تساعده في البقاء على الحياد الموضوعي، دون ميل أو انجراف فكري أو عاطفي لجانب ضدّ آخر. فيما يفقد هذا الاختصاص فحواه عند غلاة الأديان الذين يتعرفون يفسرون الآخر حسب منظورهم الأيديولوجي مع سبق الاصرار.
علم الأديان المقارن في الدراسات الأكادمية غالبا ما يتحوّل إلى درس (صراع الأديان) لتحقيق نظام الدين الواحد باستخدام الجدل بدل العنف السياسي والعسكري. متغافلين عن الدور الايجابي الذي يمكن أن يلعبه الدين في تقريب الأفراد والجماعات وارساء قواعد السلام والتعاون والانسانية.
وفي العقود المنصرمة زاد عدد الدارسين في اختصاصات غير بريئة. ففي ظل الصراع مع اسرائيل اتجه البعض للتخصص في اللغة والأدب العبري ومنه الديانة اليهودية، وهو من تخصصات معهد الأمن القومي التابع لدائرة المخابرات. أحد حاملي هذا التخصص بدرجة دكتور أنتج عدة كتب ومساهمات اعلامية في اختصاصه، لم يغير موقفه المناوئ والمشوّه لكلّ ما هو يهودي، وبما يرشح لمزيد من الكراهية، وقد اتجه بعد سقوط دولة العسكر، للعب على الوتر الديني المناوئ.
كما شهدت سنوات العقد الآخير مزيدا من الاهتمام في صفوف المسلمين والمسيحيين لدراسة واكتشاف تفاصيل الدين الآخر. وتوجد اليوم أسماء متخصصة في نقد الآخر وتشريحه، بعيدا عن الموضوعية وروح البحث العلمي، طالما تعمدت الإساة وتقديم قراءة مشوهة لنصوص الآخر، أو تضخيم بعض الصور وتغييب سواها بما يخدم عامل الهدم.
أن أخطر مظاهر النقد الديني، تخلي بعض العلمانيين عن خصائص الحياد والموضوعية، وتحولهم إلى حزب ديني أو دين مناوئ يضاف إلى حلبة الأديان المتصارعة. ان احتقار العلماني أو اللاديني للديانات، يضعه في مصافها تماما من خلا ل ادعائه/ (ادعائها) امتلاكه الحقّ المطلق دون سواه.
ان نتيجة غياب الانفتاح والتواضع والتسامح والموضوعية والحياد، ناهيك عن الروح العلمية والوطنية والانسانية، هي إذكاء مزيد من الاصطراع المحلي لأسباب دينية وطائفية، مع ما لذلك من نتائج تدميرية، لا يمكن العودة عنها أو اصلاحها، بعد دخولها موضع التنفيذ.
ويبقى السؤال الثقافي والوطني هو..
ما هو الدرس الذي استخلصه العرب –من المحيط إلى الخليج-، بل -- من باكستان إلى الرباط-، من دروس الحرب الأهلية اللبنانية الطويلة؟.. لاشيء!
فقد انتشرت الطائفية الدينية وفكرة اللبننة السياسية خارج لبنان وكأنها حكمة ذهبية..
ما هو الدرس الذي استخلصه العراقيون والعرب من حربهم الطويلة في الثمانينيات؟.. لا شئ!
ما هو الدرس الذي.....
التدين والمذهبية والقبلية من مظاهر مجتمعات الشرق الأوسط منذ آلاف السنين.. وهي من نقاط السخونة والحساسية سريعة الانفجار، فكيف كان موقف المفكر والمثقف ورجل الدين ازاء ذلك..
مادة للاستهلاك أو الارتزاق.. تاركين الوطن يذهب إلى الجحيم.. وأبناءه يتوزعون على المنافي وبلاد الاغتراب!..
وفي هذه النقطة، انخرط أفراد من كافة الجماعات الدينية والعلمانية واللادينية على حدّ سواء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - لماذا؟
سنان أحمد حقّي ( 2012 / 4 / 27 - 11:56 )
ما أورده الكاتب الموقّر صحيح فنحن نلاحظ جدلا واسعا بين الفكر الديني ضد الفكرالعلماني وليس بين الأديان مع بعضها كما أن في الإسلام مواقف يبدو أنها تخفى عن البعض من منتهجي البحث المقارن هذا وهي أن الإسلام يٌلغي الأديان ويعترف بالرسالات السابقة فقط ويعتبرها تتسبب في ظلم الناس حيث قال الفارس الفاتح لكسرى عندما سأله : ما أخرجكم من البادية؟ أجاب الفارس المسلم : جئنا لنُخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة ربّ العباد ومن ظلم الأديان إلى عدالة الإسلام وهذا موقف أساسي في الإسلام ولهذا لا يقرّ السلمون الكهنوت ولا طبقة رجال الدين وأنا وإن كنت لا أدافع عن مشوّهي صورة الإسلام ومتّخذي التطرّف منهجاأبدا معاذ الله ألاّ إنني أتساءل لماذا يتّخذ بعضنا من نقد الأديان المقارن منهجا هذا الوقت الذي ليس فيه إلاّ تنافسا علمانيا مع الإسلام فقط ..لماذا؟


2 - Study religions
Engy Gaafar ( 2012 / 9 / 12 - 13:16 )
أنا مهتمة بدراسة علم الاديان ولكن هل يوجد بمصر جامعة تدرس هذا العلم بشكل محايد بعيدا عن الصراعات الدينية والسياسية؟؟؟؟
أتعجب كيف نحن المسلمين أول من بحثوا في هذا العلم ولا توجد بجامعتنا كليات لتدريس علم الاديان ، على العكس من جامعات أوروبا وأمريكا التى تدرس هذا العلم ولا تخلو جامعة من كلية مختصة بدراسة علم اللاهوت وعلم الاديان
أرجو إفادتى
شكرا

اخر الافلام

.. ا?غرب وا?طرف الخناقات بين ا?شهر الكوبلز على السوشيال ميديا


.. عاجل | غارات إسرائيلية جديدة بالقرب من مطار رفيق الحريري الد




.. نقل جريحتين من موقع الهجوم على المحطة المركزية في بئر السبع


.. سياق | الانقسام السياسي الإسرائيلي بعد حرب 7 أكتوبر




.. تونس.. بدء التصويت لاختيار رئيس الدولة