الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ليس بالكره وحده يحيا الانسان

باسل سليم

2005 / 1 / 26
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


تمنيت لو أنني لم أدفع لكتابة هذه المقالة لأسباب كثيرة أهمها عدم اشعال احزان الناس وصب الزيت على النار كما يقولون . لكن ما يبرر المقال حجم الكره المحتقن في نفوس الكثير من الناس تجاه بعضهم البعض .
في التجمع لمقاطعة البضائع الاسرائيلية واجهني أحد الصهاينة بالقول بصوت عال : أنت تكره اليهود فما كان لي إلا أن أجيبه : على العكس تماما أنا احبهم .. والحقيقة أنني لا أجد أية مشكلة شخصية مع اليهود كيهود والدليل أن علاقتي مع بعض اليهود المناصرين للقضية الفلسطينية علاقة مودة وحوار وأرى في أفكار بعضهم راديكالية لم أفكر فيها تجاه " اسرائيل"، فالعداء الذي احمله ليس للاشخاص بذاتهم وانما للعنصرية والقتل والتمييز باسم الدين والوعد الالهي.
الحادثة الثانية التي أثارت انتباهي حجم النقاش الذي خضته مع الكثير من الناس دفاعا عن العراقيين كشعب ، فالعبارات التحريضية ضد العراقيين بوصفهم " أهل النفاق والشقاق " هي عبارات تحض على الكراهية وتحمل العراقيين ذنبا لا دخل لهم فيه ، كما أنها تضع الناس في سلة واحدة وتبرر الكراهية المبيتة المبنية على المصالح والتناقضات وهي عبارات تتغير حسب التاريخ والتوقيت .
من ذلك أيضا الكثير من الافكار المتعلقة بالفلسطينيين ووصفهم بالجبناء واتهامهم بالعمالة والهرب من وجه الاحتلال وأخيرا بالارهاب كما قرأت في احد المقالات في الحوار المتمدن التي تذكر في احدى فقراتها ان الفلسطينيين معتادون على قتل الابرياء !!! وهي أيضا عبارات تجمل الفلسطينيين في بوتقة واحدة وتحض على الكراهية والعنصرية .
هنالك أيضا أمثلة كثيرة يمكن أن نسوقها من واقع الخبرة اليومية ، فالعشائر وحتى العائلات المتصارعة تستغل نفس الصورة لمعاداة بعضها البعض واطلاق تعابير تقلل من قيمة الآخرين ، والطوائف الدينية من جهة أخرى لا تقصر في بعضها البعض من مثل وصف الزرقاوي للشيعة بالرافضة داعيا الى قتلهم جميعا .
ووسائل الاعلام على الرغم مما تدعيه من الموضوعية تعمل على تعزيز هذه الصور المتعلقة بالمجموعات الاخرى ، فيصبح الأفارقة بمجملهم جوعى ونرى أن كل المجتمع الامريكي مجتمع الرفاه والمال ، وتصبح صورة المجتمع الغربي على انه المجتمع الديمقراطي بينما تصبح كل الانظمة الاشتراكية قمعية .
كما أن العداء للآخرين يتم تبريره بطرق مختلفة ، فقد بررت البرجوازية استغلالها للشعوب الأخرى بالقول انها شعوب متوحشة وباسم الدين احيانا وباسم الحضارة أحيانا اخرى مخفية السبب الحقيقي للاستعمار وهو استغلال موارد تلك الشعوب وسرقة ثرواتها .
يبرر الرجال اضطهادهم للمرأة باطلاق اوصاف الدنو البيولوجي عليها، وباطلاق استدلالات خاطئة منطلقة من مقدمات صحيحة فاختلاف المرأة البيولوجي عن الرجل لا يعني تفوق احدهما بمجموع القدرات على احدهما الآخر انما يعني تمايزا في القدرات وتباينا بين الجنس الواحد يفوق التباين بين الجنسين .
لعب علم النفس الاجتماعي الغربي الدور الاكبر في فكفكة هذه الادراكات وتحليلها وتبيان اسبابها .
فالبشر بشكل عام يقومون بعمليات ادراك اجتماعية مشوهة بالسهولة التي يقومون بها بارتكاب عمليات ادراك مشوهة للعالم الواقعي المادي . والوهم الذي راج كثيرا في الدوائر العلمية من القدرة على ادراك الواقع يحتاج الى المزيد من الفحص والتفكير . فعملية الادراك الاجتماعي للآخر تتصف بالقدرة العجيبة للعقل البشري على ملأ الثغرات المعرفية المتعلقة بالآخر ، وغالبا ما يتم ملأ الفراغ المعرفي بمعلومات عارية من الصحة وهو ما يتمثل غالبا بالتعابير القطعية التي نطلقها على الاخرين ، فقولنا مثلا أن الشعب الامريكي شعب "غبي" أو "متحضر" هو في كلا الحكمين حكم قطعي غير معرفي وهو مؤسس على الجهل في اغلبه . من هنا تنشأ الصور النمطية المتعلقة بالآخرين وبالأدوار التي يقومون بها. فنحن ندرك الاخرين ضمن ادوار نتوقعها لهم ونضع حدودا واضحة لتلك الادوار ، فيتصورالبعض مثلا أن الشرطي لا يمكن أن يكون حنونا على أولاده ، أو أن من يقوم بالتعذيب هم أشرار بطبعهم وادلل على ذلك بالاحاديث التي قدمتها امهات بعض المتهمين الغربيين بالتعذيب في العراق وكانت الامهات يؤكدن على ان ابنائهن طيبون الى ما ذلك وهو أمر صحيح اذا ما اخذ في السياق الاجتماعي الذي يعيشون فيه فالادوار التي يقوم بها الانسان تتغير بتغير المكان والمكانة والمتطلبات .
الهدف من الحديث السابق التدليل على أن الذين يحملون الكثير من الكراهية تجاه المجموعات الاخرى يحتاجون الى مراجعة آرائهم نفسها وفحص ادراكاتهم ، وهي ادراكات غالبا ما تتشوه نتيجة الخوف وغياب الامن والاستقرار أو النمو في بيئات عنيفة غالبا ما تولد هذا القصور المعرفي تجاه الآخر ، واذا فحصنا هذه المخاوف نرى انها في جذورها تنم عن صراع مصالح بين المجموعات تعطي كل مجموعة لنفسها المبررات المعرفية لاضطهاد الاخر والغلو في هذا التوجه يعزز دائرة العنف غير المبرر والاعتباطي الغير هادف. إن المجتمع الذي يخلو من الاضطهاد الاقتصادي والسياسي والتباين المعرفي هو المجتمع الوحيد الذي يمكن أن يقود إلى السلام بين المجموعات البشرية والشعوب ، المجتمع الذي يعطي للفرد فرصة ادراك محيطه وفهم عالمه النفسي والاجتماعي هو وحده المجتمع القادر على تعزيز السلام والخير والمحبة .. أما مجتمع التباينات الطبقية ، والصراعات الطائفية والاثنية فهو لا يمكن إلا أن يعزز الكراهية بين المجموعات وبالتالي يجد لنفسه أسهل المبررات لتبرير الاستغلال الذي لا يعزز إلا الاستغلال في حلقة نهائية لا تنكسر .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حسام زملط لشبكتنا عن هجوم رفح: نتنياهو تعلّم أن بإمكانه تجاو


.. من غزة إلى رفح إلى دير البلح.. نازحون ينصبون خيامهم الممزقة




.. -الحمدلله عالسلامة-.. مواساة لمراسل الجزيرة أنس الشريف بعد ق


.. حرب غزة.. استقالة المسؤول عن رسم الشؤون الاستراتيجية في مجلس




.. دكتور كويتي يحكي عن منشورات للاحتلال يهدد عبرها بتوسيع العدو