الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ترکيا و کرکوک... ماذا في اليد وماذا على الشجرة؟

نزار جاف

2005 / 1 / 27
القضية الكردية


منذ سقوط الدولة العثمانية عام 1924 وإنحسار النفوذ الترکي عن عموم البلدان الاسلامية التي کانت تخصع له ردحا طويلا من الزمان ، لم تشهد المنطقة برمتها تحرکا سياسيا محموما للساسة الاتراک کالذي جرى و يجري بعد حربي تحرير الکويت و تحرير العراق . هذه التحرکات على الرغم من أنها ترجع أساسا الى الاطماع الترکية القديمة في العراق ، لکن الذي أذکى جذوتها و نبه ساسة و جنرالات أنقرة الى أهميتها و خطورتها ، هو التيار الاسلامي الترکي الذي أنشأه " نجم الدين أربکان" ويجسده الان " حزب العدالة و التنمية " الذي يتزعمه " رجب طيب أردوغان" . هذا التيار الذي لم ينشأ إعتباطا أو من جراء " الحرص " الاسلامي للساسة الترک على مستقبل الدين الاسلامي ، بقدر ماکان سباحة ترکية ذکية مع تيار الاسلام السياسي الذي بدأ يسود المنطقة خصوصا بعد ظهور " المجاهدين" الاسلاميين في أفغانستان عقب الغزو السوفيتي لهذا البلد و کذلک الثورة الاسلامية في أيران التي أطاحت بشرطي المنطقة الشاه محمد رضا بهلوي . وقد کان أيجاد مثل هذا التيار السياسي في ترکيا بمثابة عملية توازن سياسي في المسار الترکي بإتجاه إسرائيل و العرب بشکل خاص ، فعقد التحالفات العسکرية و الامنية و السياسية بين تل أبيب ـ أنقرة على حدة ثم توسيعها لتشمل واشنطن أيضا لم يکن بذلک العمل الهين الذي من الممکن أن يتغاضى العرب عنه ، خصوصا و أن لترکيا حدود و هموم مشترکة مع أکثر من دولة عربية وإن التهافت الغير موزون و المحدد على إسرائيل هو بمثابة وضع الکرات الترکية جميعها في السلة العبرية ! ولذلک جاء إنشاء هذا الجناح الاسلامي في رحم السياسة الترکية کوليد بوسعه أن يعيد التوازن المطلوب للمرکب الترکي الذي جرفه التيار العلماني العاتي بعيدا عن الشطآن الاسلامية حتى باتت في بعض الاحيان بمثابة وجه غريب و غير مألوف على المنطقة . ولم تکن الصدفة هي التي أوصلت حزب الرفاه الاسلامي الى دست الحکم کما أن الجنرالات الکماليين لم يشعلوا الضوء الاخضر لهذا الحزب الاسلامي من دون هدف و إتفاق مسبق ، وإنما کان عمل ضروري و ملح إستوجبته الظروف الحساسة التي تمر بها المنطقة ولاسيما بعد الضوء الامريکي ـ البريطاني الاخضر للکورد بإنشاء برلمان و حکومة محلية خاصة بهم . ولقد کانت الجولات السياسية لرئيس الوزراء نجم الدين أربکان في العقد المنصرم إيذان ببداية سياسة التوازن الترکية بين العرب و حليفتها الاستراتيجية إسرائيل . والحق أن العرب لم يکونوا بالوضع الذي يسمح لهم لدراسة الوضع الترکي الجديد وأنما تقبلوه عن طيب خاطر وإعتبروه ضروريا للوقوف بوجه النفوذ الاسرائيلي المتعاظم في أنقرة ! وقد تأرجحت السياسة الترکية فيما يخص سوريا في دفعها الى عنق الزجاجة و إجبارها على التخلي عن حزب العمال الکوردستاني و إبعاد زعيمه عبدالله أوجلان الى خارج سوريا ليقع في النتيجة في قبضة الموساد و CIA حيث قدم کهدية على طبق من ذهب لترکيا للدور الذي أدته و تؤديه أنقرة خدمة للسياسة الغربية و الاسرائيلية في المنطقة و العالم و بين التعاون المشترک بإتجاه تحجيم دور الکورد المتنامي في کوردستان الجنوبية و العمل على ضمان عدم عبوره " فکريا و سياسيا" للمناطق الکوردية المتاخمة في ترکيا و سوريا و إيران . أما السياسة الترکية مع العراق فسارت قبل سقوط النظام السابق بإتجاه إبزازه و الاستفادة القصوى منه فيما يتعلق بالهم الکوردي من جهة و حلبه إقتصاديا من جهة أخرى . لکن الامر مع الکورد أنفسهم فقد إتخذ سياق التعامل معهم کأحزاب سياسية لأغراض أمنية و إقتصادية محدودة لکن الاتراک لم ينسوا في ذات الوقت أن يدعموا تنظيمات سياسية ترکمانية معينة لغرض جعلها طابورا خامسا لها في داخل الاقليم الکوردي ، وإستطاعت ترکيا أن تستغل النزاعات السياسية و الحزازات الحزبية بين الکورد و السعي لتقوية الاحزاب الترکمانية الموالية لها . وبعد سقوط حکم البعث وتوسيع رقعة النفوذ الکوردي ضمن المناطق ذات الاغلبية الکوردية تصدت ترکيا لهذا الامر من خلال تبنيها المباشر لمسألة کرکوک و جعلها من أولويات السياسة الترکية فيما يتعلق بالشأن العراقي ، وما تصريحات الساسة الترک المتکررة بشأن کرکوک و التي کان آخرها دعوة الامم المتحدة لتبني الامر ، إلا ترجمة فعلية للسياسة الترکية على أرض الواقع . إلا أن ترکيا المشطورة بين أوربا المسيحية و إسرائيل اليهودية من جانب و العرب و المسلمين من جانب آخر تطير خارج السرب مرة أخرى ، إذ أنها إرتکبت نفس الخطأ تأريخيا حين طالبت بولاية الموصل بإعتبارها ترکية ! ذلک الطلب الذي جابهه إخفاقا ذريعا سوف لن تحصد ترکيا نتائج أفضل منه فيما يتعلق بکرکوک وبالاخص إذا تدخلت الامم المتحدة و تم الرجوع الى المستندات و الوثائق القانونية فيما يتعلق بالکورد المرحلين من قبل النظام السابق عنوة عن کرکوک" وهو مطلب يقره القانون الدولي و تتفهمه أمريکا و دول أوربا" حينئذ ليس أمام أنقرة سوى طريق واحد و هو أن تحلم کل ليلة بکرکوک وقد ألحقت بترکيا !!

کاتب و صحفي کوردي
مقيم في المانيا








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ديلي ميل: تحقيق يكشف تورط خفر السواحل اليوناني بقتل عشرات ال


.. مؤسس نادي كرة قدم للمكفوفين في العراق يروي قصته بعدما فقد بص




.. عراقيون كلدان لاجئون في لبنان.. ما مصيرهم في ظل الظروف المعي


.. لدعم أوكرانيا وإعادة ذويهم.. عائلات الأسرى تتظاهر في كييف




.. كأس أمم أوروبا: لاجئون أوكرانيون يشجعون منتخب بلادهم في مبار