الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإعلام والوصاية الدينية

أحمد عصيد

2012 / 5 / 2
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


النقاش الذي يعرفه المغرب حاليا حول دفاتر تحملات القنوات التلفزية، هو نقاش مهم وصحي، لأنه يسمح بمعرفة حدود التدخل الحكومي و مجال العمل الإحترافي، ودور الإيديولوجيا وتأثير التوجهات السياسية للأحزاب الحاكمةن وخاصة منها الحزب الإسلامي الذي يشارك في الحكومة لأول مرة.
وقد انقسم الناس في مناقشة هذا الموضوع إلى معسكرين مختلفين، الأول ضدّ مافيات "المخزن" الإعلامي، والثاني ضدّ وصاية الإسلاميين على الإعلام الوطني، والمشكلة أن التيارين معا مغرقان في الخطأ لأن كلا منهما لا يرى إلا نصف الحقيقة، حيث يضطر إلى التحالف مع الشيطان ("المخزن" أو الإسلاميين) للدفاع عن أحد قطبي المعادلة التي ليست في حقيقتها ديمقراطية.
لا شك أنّ كل مواطن مؤمن بضرورة التغيير، لا يملك إلا أن يكون ضدّ لوبيات الفساد والإستبداد في الدولة ، ولكنه أيضا لا يمكن أن يقبل مناورات الإسلاميين لمصادرة الحريات وحقوق المواطنة، أو استعمال الدين للحجر على العقول أو إعادة تشكيل الرأي العام لصالح الإسلاميين عبرالقنوات الرسمية، فـ"التغيير" ليس هو التشبث بالسلطة المطلقة لـ"المخزن"، ولا هو الوقوع في كماشة الإسلاميين، بل هو وضع الضمانات والأسس القانونية للعدل والحرية والمساواة التامة بين الجميع بدون "ولكن .."، والإحتكام بعد ذلك إلى صناديق الإقتراع .
إن المخزن والإسلاميين يمثلان معا تهديدا للمشروع الديمقراطي، لأن أحدهما أنتج الآخر وفرخه ووفر له الأعشاش اللازمة لمُدد طويلة، كما أن التواطؤ المعلن والخفي بين الطرفين أدى في النهاية إلى وضعية صعبة، أنتجت ممانعة ضدّ الوعي الديمقراطي في عمق المجتمع نفسه، وهي وضعية لن تفضي إلا إلى الإنتقال من استبداد إلى آخر مثيل له أو أسوأ.
كان "المخزن" رمزا للإستبداد الذي يرزح تحت نيره الجميع، علمانيين وإسلاميين، وكان الطرفان معا يتوقان إلى الإنعتاق والتحرّر، مع فارق جوهري سرعان ما ظهر خلال النقاش العمومي بالتدريج إلى أن أصبح واضحا منذ مدّة، وهو أن الطرفين وإن كانا متضرّرين من الإستبداد السلطوي لـ"المخزن"، إلا أنهما لا يعتمدان نفس المفهوم للحرية.
كان العلمانيون يرون أن الإختلاف والتعدّدية هما طبيعة المجتمع، وأن الحرية للجميع في إطار المساواة والإحترام المتبادل، بينما كان الإسلاميون يرون أن الحرية إنما هي من حقهم وحدهم من أجل "إقامة الدين" في الدولة، وأن حرية غيرهم "استفزاز لمشاعر المسلمين" ومروق وزيغ وخروج عن "ثوابت الجماعة" و"تقاليدها الأصيلة"، ولهذا اضطر بعض العلمانيين، خوفا من المجهول، إلى النزول في محطة الإصلاح تحت مظلة السلطة، وعدم إكمال المشوار نحو التغيير الشامل الذي ينذر بالأسوأ، بينما اختار بعضهم الآخر الطريق الصعب، مواجهة الطرفين والتذكير بمبادئ الديمقراطية الحقّ بآلياتها وقيمها ومبادئها المتعارف عليها عالميا، والتي تضمن للأغلبية حقها في تولي وإدارة الشأن العام، مثلما تحمي حقوق الأقلية وحرياتها الأساسية.
كان استبداد "المخزن" ذا وجهين وعلى صورتين: يحتكر السلطة والمال ويفرض قيم الطاعة والولاء، و لكنه يترك للناس متنفسا لكي لا ينفجروا في وجهه، وكان المتنفس هوامش من الحرية في التعبير والتنظيم والإبداع الفني والأدبي، لكن بخطوط حمراء يعرفها زبانيته ويراقبونها، ولهذا كانت دولة المخزن مزدوجة الهوية والهوى، بواجهة حداثية ترضي العلمانيين وتمنحهم بعض الأمل، وواجهة دينية تقليدانية تخدّر الإسلاميين ولو إلى حين، لهذا كان اللعب على الحبلين لعبة المخزن المفضلة والمسلية.
أما استبداد الإسلاميين فهو يبدو بوجه كالح، لأنه يعمد إلى مصادرة تلك الهوامش بالذات، فالمستهدف الرئيسي لدى المتشدّدين هو الحريات بكل أنواعها، من حرية المعتقد مرورا بحرية التعبير وانتهاء بحرية الإبداع الفني والجمالي والأدبي، ولأن المرجعية الدولية لحقوق الإنسان تظلّ ملاذا لكل مظلوم عبر العالم، فإن الإسلاميين ـ مثل "المخزن" تماما ـ يتشبثون بـ"الخصوصية الدينية للمغرب" من أجل مصادرة الحريات والتحفظ على حقوق المواطنة الأساسية، وقد بلغوا في ذلك حدّ التنويه بالسلطات الأمنية عند اضطهادها للطرف الآخر، مثلما وقع لمسيحيين مغاربة، بينما ترافع علمانيون في أكثر من مناسبة ضد السلطة ومن أجل تحرير إسلاميين وسلفيين معتقلين.
كانت السلطة تستعمل "الخصوصية" في بعض الحالات الخاصة، ومن أجل التمترس ضدّ التحولات المجتمعية وحماية مراكز النفوذ، بينما يعتمد الإسلاميون مفهوما لـ"الخصوصية" بدون تحفظ وبلا حدود، والهدف واضح لا لبس فيه، العودة بالمغاربة إلى الدولة الدينية، دولة التقليد ووصاية الفقيه، في عصر أصبح للحضارة فيه عنوانان بارزان: الثورة العلمية التكنولوجية، وحقوق الإنسان الكونية، وهما أمران ليس للإسلاميين فيهما إسهام مشرّف.
هل للمغاربة أن يختاروا بين كوليرا "المخزن" و طاعون الوهابية ؟ بالطبع لا! فالخيار الحقيقي هو الإستمرار في النضال ضدّ الفيروسين الخطيرين معا، وهو نضال قد يكون بإمكانيات بسيطة، ضدّ معسكرين مسلحين بوسائل جهنمية من مال وعتاد، و لكن الإنتصار في النهاية هو للإرادة الخيّرة، الإنسانية المنزع والتوجّه، والهزيمة لأعداء الإنسان، فالتاريخ لا يعود أبدا إلى الوراء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الامازيغية المخزنية
عبد الله اغونان ( 2012 / 5 / 2 - 19:23 )
بفضل المخزن والفصل19 القديم تمت صفقة بين المخزن واللوبي الامازيغي من الاعتراف بحروف تيفيناغ وانشاء العهد الملكي للثقافة الامازيغية وتدريس الامازيعية بالمدارس
وانشاء قناة تلفزيونية امازيغية ثم دسترة اللغات الامازيغية كل هذا بفضل المخزن الذي يتظاهر بعض الامازيغ انهم ضده وخاصة اثر اكتساح الاسلاميين للاصوات كخيار شعبي
ولو دانوا يدرسون السياسة لعرفوا ان التيار عام في كل العالم العربي فهل في ليبيا وتونس ومصر....الخ مخازن
ارتباط بعض النشطاء الامازيغيين منذ القديم باليسار صنفهم ضمن خصوم التيار الاسلامي
ولو عقلو ا لعرفو ان في كل الاحزاب والجماعات امازيع ليعادون الامازيغية ولمنهم ضد العنصرية
مثلا موقف وزير الاتصال الخلفي بالعكس ينتصر الى الهوية العامة ومنها الامازيغية لكن ارتباط جماعات امازيغية بالفرنكفونية جعلهم لايرون من يعمل للمصلحة العامة
ووقفوا بجانب الريع الاعلامي الذي يستاثر بالملايير دون محاسبة
هل في مجتمع مغربي اسلامي لابد من اعتماد قناة عامة تمول من الشعب المغربي لابد ان تعتمد على اعلانات القمار ولابد من اهدار المال العام في برامج تافهة او حامضة كما يصفهاا المغاربة؟


2 - إغونان و هوس التعليق !!
أمناي أمازيغ ( 2012 / 5 / 2 - 22:51 )
ما بك والأمازيغية وأنت الأمازيغي المغرر به ؟!!

أنصحك أن تذهب لطبيب نفساني ليبث في عقدتك الأكروباتية مع الأمازيغية ،، فأنت غير سوي !!

قرأت المقال لأجد تعليقك لا علاقة له بما جاء في جوهره وموضوعه ، فهل أخطأت التعليق يا سيد إغونان أم هي إرادة لتسجيل الحضور فقط ؟!!

تحيات للكاتب أحمد عصيد


3 - امناي, والحجر على الراي
عبد الله اغونان ( 2012 / 5 / 2 - 23:22 )
لاني امازيغي حر واكره التطرف والعنصرية والفرقة والفتنة لذلك ابدي رايا مطلوب مناقشته
انا العب دور الطبيب النفسي لفرملة دعاة الكراهية والفرقة
فافهم


4 - الما والشطابة للحكومة الملتحية
محمد بودواهي ( 2012 / 5 / 3 - 15:40 )
على من تنفث أكاديبك المغرضة وتغليطاتك المفضوحة يا أغونان ؟؟؟
المغاربة يعرفون جيدا من هم القريبون من المخزن ومن يناضلون ضده
الحركة الأمازيغية يعرفها الخاص والعام أنها ضد المخزن وأنها تناضل من أجل مغرب حر وكريم ينعم فيه المغاربة بالديموقراطية والعدالة الاجتماعية والعيش الكريم مثلها مثل المغاربة الأحرار في حركة 20 فبراير واليسار الجدري ....
أما العدالة والتنمية التي تنتمي لها فالمغاربة أصبحوا يعرفون أنها ليست إلا حزب ممسوخ يركب الدين لأغراض خسيسة و أداة بيد المخزن يمسح بها عورته ويمرر بها مشاريعه السياسية والاقتصادية اللاشعبية واللاديموقراطية خدمة للإمبريالية ومِؤسساتها المالية الناهبة لخيرات الشعوب المستظعفة ...
خلال ثلاثة شهور فقط انكشفت عورة الحكومة الملتحية للعدالة والتنمية وانفضح أمرها وتوجهها المخزني المتعفن فما عليها إلا الرحيل الدي أصبح مطلبا شعبيا واسعا ...فهل تستجيب حكومة العار لمطالب المغاربة التي صدحت بها حناجر كل النقابات والأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية والنسائية بدون استثناء في فاتح ماي ...؟؟
لا أعتقد أنها قادرة على فعل دلك لأنها ببسا


5 - الى امناي وبودواهي
ميس اومازيغ ( 2012 / 5 / 3 - 17:54 )
ⴰ ⵉⵎⴰⵣⵉⵖⴻⵏ ⵀⴰⵜⵉⵏ ⵉⵖⵏⵛⴰ ⵏ ⵓ ⵔⵢⴰⵣⴰ ⵓⵔⵉⵍⵉ ⴰⵙⴰⴼⴰⵔ
يا ئيما زغن ان ما اصاب صاحبنا لا يرجى له منه شفاء ان التعليم في الصغر كالنقش على الحجر فهل ينسى عقلاؤنا فعل المدارس العتيقة في عقول ابناء جلدتنا؟ لقد الف التمايل يسرة ويمنة على الحصير وبيده اللوح الخشبي الذي لا يفهم ما يكتب عليه من طلاسم الا صاحب هذه الطلاسم اما التبع فلم يستخلصوا منه الا طرق النصب والأحتيال .هل جائكم حديث اخراج الكنز بالطريقة المغربية؟ اعتقد ان اءغونان يعرف ذلك بل قد يكون مختصا في طريقة اخراجه.فكيف يا ترى لن يعادي تامازيغت واءيمازيغن ما داموا عنوانا للحرية والكرامة والديموقراطية والتسامح؟ لقد اراد ان يشارك جماعته الملتحية المتصنعة للجدية والوقار عملية اخراج الكنز بطريقتهم الخاصة غير انه لسوء حضهم انهم نسوا اننا نعيش في القرن 21 ولن يكون كنزهم الا خيم الحلزون الفارغة.
ⵉⵉⵉ ⵎⴰⴰⴰⴰⴰⴰ ⵣⵉⵉⵉⵉ ⵖⵓⵉ


6 - الشعب بين فيروسين
الراهم ( 2012 / 5 / 17 - 12:15 )
لقد وفق داداتنح امقران عصيد في صياغة المعادلة السياسية التي تتحكم في رقاب المغاربة امازيغهم ومستعربهم
المخزن والمتاسلمون وكيف يعملان في عقول البسطاء
الكوليرا والطاعون وكيف يعملان في جسد المصاب بداء تاسلميت وتمخزنيت
لا حل الا باستاصالهما
الخائفون من التعددية والاختلاف لابد يوما ان يهزموا

اخر الافلام

.. عبد الباسط حمودة: ثورة 30 يونيو هدية من الله للخلاص من كابوس


.. اليهود المتشددون يشعلون إسرائيل ونتنياهو يهرب للجبهة الشمالي




.. بعد قرار المحكمة العليا تجنيد الحريديم .. يهودي متشدد: إذا س


.. غانتس يشيد بقرار المحكمة العليا بتجنيد طلاب المدارس الدينية




.. 131-An-Nisa