الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدين.. والحرية

وديع العبيدي

2012 / 5 / 2
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


الدين.. والحرية
"متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا."
"We born free"

الغالب أننا نعيش حالة تناقض فكري واجتماعي في موقفنا من الحرية. بكلّ ما لهذا المفهوم من جدّة واغترابية. فوعينا الباطن/ العرفي يدلنا على أننا جمعا –أو فرادى- عبيد بالمعنى الديني / الميتافيزيقي. . مسكونون بالخوف والرهبة والتوجس من شيء لا نراه ولا نسمعه ولا نلمسه، ولكنه قادر أن يرانا ويسمعنا ويلمسنا، بل وأكثر من كلّ هذا، يقدر أن يرى ويفحص قلوبنا ودخائلنا العصيّة على أنفسنا. ويساهم القرآن والتعليم الاسلامي بحثّ هذا النوع من الأفكار بشحنات كهرومغنتسية حول القدرات الخارقة للإله وقواتها المـتوفزة على أهبة الاستعداد لمهاجمتنا وتدميرنا في أي لحظة.
فالخوف.. ميكانزما الخوف الميتافيزيقي، تجعل الواحد منا في حالة من التوجّس والتطيّر الذي يقتضي مزيدا من التعالق الديني للحصول على تعويذة النجاة.
ولا شكّ أنّ كثيرا من الأطفال.. أي عندما كنا أطفالا حصلنا على نصائح ذهبية لترديد [البسملة] عندما نمشي في العتمة، أو في مكان موحش أو موقف رهيب أو امتحان مهم. فالبسملة تطرد الشرّ وكل روح شريرة.. التشفع بذكر اسم إله أو وليّ صالح، أو حمل رقية أو تعويذة أو قطعة خيط أخضر، أو وشم أو طلسم أو نص ديني كلها كفيلة بتأمين الحفظ والسلامة والنجاح.
ان أكبر طعنة يتمّ توجيهها إلى لاوعي الطفولة هي تلك الشوكة المغموسة بالعسل عندما يتكرّم بها أحدهم باسم العطف والرعاية: (لا تخفْ!)، مفتاح رئيس لنبش منظومة الخوف في دواخلنا، والتحوّل إلى مفتاح مسموم، يستمرّ في منظومة العقل الباطن لأبناء الشرق (لا تخاف!.. صير سبع!)، فيقضي عمره وهو في حالة هروب*.
الخوف.. وتعليم الخوف وشريعة الخوف، ليست مصادفة عابرة أو فكرة عفوية ناتجة من عاطفة ساذجة في شخصية الوالدين أو مسحة العطف المرائية. انها ملخص الحكمة الذهبية للاهوت الدين، لاهوت الخوف اللانهائي.
لاهوت الخوف الذي يتلقنه الطفل بلاوعيه البرئ، هو أكبر طعنة لقتل [الإله] الحقيقي، واستبداله بصورة مشوّهة لإله سادي شديد القسوة ولا يتفاهم، [إما أو].
إذا كذبت.. يقطع .. لسانك
إذا سرقت.. يقطع يدك..
إذا عصيت.. يلقيك في النار
إذا لم تصحُ باكرا وتصلي.. يسلط عليك شياطين الأنس والجن ويدمر عيشتك..
و..
فالشؤم والنكد واللعنة ولعبة الحظ .. كلها مفردات جاهزة ومقسومة من إله يرسل ملاكه في اليوم الأربعين لميلاد الطفل ليخطّ في جبينه ما له من حظ وعمر وقدر!..
الخوف هو أول عدوّ يغزو كيان الطفل ولاوعيه وهو عاجز عن حماية نفسه، أو تمييز الخير والشرّ أو ادراك شجرة المعرفة..
وهي الخطوة الأولى التي ينقاد المرء فيها في حال من عمى ليسجل نفسه في سفر العبودية!..
وحين يفقد حريته الفطرية تلك في سن مبكرة، لن يكون بوسعه استعادتها ثانية.. [شيء مثل العذرية!]..
(عبد).. لغة.. مشتقة من [عبودية/ استعباد]، وليس من [عبدَ يعبدُ عبادة!].
فالقول في (عبدالله/ عبد الرحمن/ عبد المولى) يتم جمعُها على [عبيد الله/ عبيد الرحمن/ عبيد المولى] وليس [عباد الله/ عباد الرحمن/ عباد المولى].. فهل [الله] [الإله] بحاجة إلى (عبيد).. هل هو [إله عبيد] أم [إله أحرار].. أن [إله عبيد] لهو أدنى مستوى من [إله أحرار].. طالما أنه في النظام الأرضي ينماز الحرّ والسيد عن العبد والخادم، كذلك يتميز إله عن إله. لكن المعنى الحقيقي للعبودية الدينية هو العبودية لرجل الدين والكاهن الذين يلعبون دور وكلاء السماء على الناس. فالدين، كنظام أرضي طبقي اقطاعي، هو الأسوأ في تاريخ الكرة الأرضية في تسويغ ونشر العبودية ونظام القنانة. وحيث توجد آثار العبودية والعبيد والسخرة*، فلا بدّ أن يكون سلطان رجال الدين هناك!. ونظم السخرة والمشاعية وأنواع الاستغلال والابتزاز والنهب والسرقة والاغتصاب الشرعية هي من توابعه على مدى التاريخ.
وأنقل هنا هذه الحواريّة بين يسوع المسيح واليهود:
"إن ثبتم في كلامي، فبالحقيقة تكونون تلاميذي. وتعرفون الحقّ والحقّ يحرّركم!
- نحن أولادُ ابراهيم، ولم نكن عبيدا لأحد قطّ! ، فكيف تقول أنت أننا نصير ُ أحرارا؟.
- الحقّ الحقّ أقول لكم، كلّ من يستمرّ في عمل الخطيّة، هو عبد للخطيّة. والعبد لا يبقى في البيت إلى الأبد. أما الابن فيبقى للأبد. فإن حرّركم الابن فبالحقيقة تكونون أحرارا."/ (يوحنا 8: 31- 36).
فمفردات المسيح والابن والحرية والتحرير والحق والحقيقة، في هذا المثال تناظر [تنقض] مفردات ابراهيم والعبد والناموس والعبودية والذل والضلال. وفي رسائله يذهب بولس الرسول إلى اعتبار [الناموس] نظيرا للعبوديّة، ولذا دعا يسوع للتحرر منها، أي التحرر من التقليد أو التعليم الطقوسي/ الأرضي والذي يتمثل في (الدين). فالفرد في الشريعة هو عبدٌ، وأمّا في المسيح فهو حرّ. ولذا وصف البعض لاهوت المسيح بلاهوت الحريّة، لاهوت الخلاص!.
*
تلعب التربية –كنظام تربوي- دور الفيصل في صياغة كينونة الفرد – لاوعي وقناعة وسلوكا- ، واستخدام تعبير [الكينونة] تعبير عن حجم الدمار الداخلي الذي يشكل قاعدة توجه كلّ عمليات نمو وصيرورة الفرد التي تنمو مثل منارة الحدباء، مهما استطالت بان ازورارها.
هل لطبيعة الفرد العربي علاقة بطبيعة الأرض الرملية أو الطينية المتموجة؟. أذكر من أيام رحلاتي من بغداد إلى البصرة ليلا، أنه عندما تتباطأ سرعة القطار كثيرا.. ويبدأ في الترنح يمنة وشمالا، أشعر بلزوجة طين المستنقع وهشاشته بحيث تغوص أحذيتنا عميقا دون أن نستطيع تخليص أرجلنا منها من غير ترك أحذيتنا المطاطية في الطين، لنحاول الهرب حفاة.. ماذا لو انقلبت عربة من عربات القطار الطويل أو فقدت توازنها في لحظة!.. بعض العيون تحاول دراسة توازن الثقل بين جانبي العربة..
من تلك الأرض الطينية.. اللزجة.. غير الصلبة وغير المتماسكة.. تم صناعة الأصل السومري والبابلي.. الذي استمر حتى اليوم فينا من خلال التواصل مع مائه وزرعه وهوائه..
"دلّلول.. عدوّك عليل وساكن الجول"!..
تلك التنويمة التي لا يكاد يسمعها عراقي ولا يذوب شوقا وحنينا، هي النشيد الوطني الذي شكل باكورة الخوف في ذواتنا..
"عدوّك عليل".. ما علاقة طفل رضيع بمفردة على وزن [عدوّ/ عداوة]؟. هذا هو مستوى الأم العراقية وهي ترضع الخوف والعداوة والكره طفلها مع الحليب. والمعروف أن صوت الأم له مفعول سحري وقدرة خارقة في تربية لا وعي الطفل حتى وهو في قاع الرحم -(إذ يسمع الجنين ويحسّ وينفعل بكل ما يصدر من أمّه ويجري فيها)- . فالحنان المتضمَّن في صوت الأم الغنائي، والانسجام التكاملي والتكافلي الطبيعي بين جسد الأم وجسد طفلها وبين نفسها ونفسه، يجعلها يتقبّل (دمار) ذاته على مذبح العاطفة. لكن الخطورة لا تتوقف عند مجرد غنائية صوت الأم، انما في توظيف تلك الغنائية منفذا للخرافة والاسطورة وكل خزعبلات الغيب والجهالة التي تتعشّق في تكوين المرء النفسي، ويبقى ينظر إليها بعين القداسة، دون تحسس غرزات أشواكها اللذيذة (نزعة المازوشية وجدليتها السادية في تركيبة الشخصية الاجتماعية "العراقية" كما تتضح في السلوك العام ولغة التواصل والاتصال!).
الشخصية العراقية هي دالة تراكمية كمّية تعود إلى آلاف السنين من التخلف والجهالة والخرافة التي لم يزدها تداول الدهور والدول والأنظمة والديانات والأفكار إلا تخلفا وتناقضا وفوضى، وبشكل أفرز جملة المتناقضات النفسية والفكرية المضطربة في الذات العراقية، والتي لم يؤشر الدكتور علي الوردي إلا جانبا واحدا منها هو [الازدواجية] دون مضي عميق في جذور هذه الازدواجية.
وهنا يقتضي القول أن [الاسلام] –على علاته- ليس مصدر التخلف والاشكالية الوحيد في مجتمعنا؛ بقدر ما تمتدّ أصول التخلف والخرافة والاضطراب بعيدا وعميقا لما قبله من عصور، وبالشكل الذي تكشف في صورة [عجز وراثي] وسَمَ كلّ مراحل الفكر الديني والسياسي والاجتماعي والثقافي التي سجلت حضورها على جسد هذا التراب!.
فالحديث عن الدين لا يستثني مرحلة تاريخية من – ما قبل- العهد السومري حتى اليوم وغد. ولنتساءل أو نبحث.. مليا بموضوعيّة واعتبار، ماذا أفدنا اليوم مما يدعى منجزا [سومريا- بابليا- اشوريا- كلدانيا- مندائيا- مجوسيا- عبرانيا- مسيحيا- اسلاميا- شيعيا- علمانيا] غير دوّامة عاجزة عن الفعل والتوقف*.
لقد قرضت كلّ من تلك الديانات استحقاقها الزمني التاريخي، فلم تترك لنا غير أسس الخرافة ومظاهرها العشوائية والسلبية [في حالات النواح تكشف المرأة عن شعرها وتمزق ثيابها وتنوح "ياهههههو"، وتتمرغ في التراب وتضرب بكفيها على رأسها بعنف، وهو ما يتكرر حتى اليوم في الندب الشيعي وتقريع الذات –ليس بسبب الحسبن- ولكن بسبب اليأس من الحياة وعدم فهم العالم!]. وحين الدعوة لتحرير الدين من القداسة ورموزه من المعصومية؛ تكون الأولويّة لتحرير التراث من القداسة والجمود، والبدء بمناقشتها في الواقع اليومي بمنظار العقل، دون خوف أو تملق أو تهاون. وما ينطبق على (الدين) ينطبق على كلّ مسميات [تاريخ مجيد] وامبراطورياته العسكرية وحكامه المستبدّين، الذي تمثل دولنا وحكامنا اليوم ثماره المنطقية العادية السيئة. فالعيب الحقيقي في ماضينا وإرثه، وعجزنا اليوم عن تجاوز الماضي، ممثلا في عبوديتنا المقدسة لكلّ ما هو سلفي/ تقليدي/ جامد، بلا تمييز!.
فالنظام التربوي بكلّ إرثه وتقاليده وموسيقاه بحاجة إلى مراجعة راديكالية ونبذ حاسم، للبدء في تحرير ذات المرء، بدء من مرحلته الجنينية، بتأسيسه على أسس صحيحة ونظيفة وراسخة. وأجد أهميّة استثنائية في الحقل التربوي التأسيسي هنا : "قبلما صوّرتك في البطن عرفتك. وقبلما خرجت من الرحم قدّستك. جعلتك نبيا للشعوب!" / (ارميا1: 5)
*
من الموضوعات الاشكالية في طابعها الديني والوجودي هي مسألة: هل الانسان مخيّر أم مسيّر؟!..
وكثيرة هي الدراسات التي تناولت الموضوع، كل بحسب منظورها الخاص، بل أن لكلّ شخص رأيه ودلوه الخاص في الأمر. وبوصفه إشكالية جدلية، لا يمكن اثباتها علميا، تبقى وتستمرّ في إطار الجدل. ورغم أن ظهورها احتدم في ظل الفكر الديني، فلم تكن غائبة عن مناقشات أرسطو وأفلاطون.
الجبرية والقدرية.. كانت واحدة من نقاط الخلاف العويصة بين المعتزلة والأشاعرة، والتي استمرت على مدى الزمن حتى ظهور المتوكل وتضييق أفق الفكر والحرية الدينية، واضعا نهاية للفكر المعتزلي وطروحاتهم الثورية التي شكلت أكبر استفزاز للمسلمين الأوائل.
محدودية أفق الخلاف أو الجدل، لا تعفي طابع المباشرة التي وسمت تلك المرحلة. فالأشاعرة لم يستطيعوا تعميق الوعي الاسلامي وتخليصه من الطابع السطحي لعقلية البداوة، أما جهد المعتزلة فقد كان سابقا لتلك المرحلة، ومحاولة لتلقيح شجرة ببراعم غريبة.
خلاف الأشاعرة والمعتزلة يجد له تناظرا سابقا في الفكر العبراني، بين جماعتي [الفرّيسيين والصّدوقيين]. فالفرّيسيّون بمنهجهم الحرفي الجامد كانوا أكثر اعتزازا قبليا (قوميا)، نسبة للصدوقيين الأكثر انفتاحا، في محاولتهم تلقيح الفكر العبراني بشذرات المنطق والفلسفة الاغريقية.
تمثل فكرة الكارما الهندية منظورا آخر لاشكالية المسيّر والمخيّر، باعتبارها المعالجة الأكثر عمقا ومساحة لفكرة الوجود وتداول (تعاقب) حياة الانسان.
ترى الكارما أن حياة الانسان محكومة بمشيئته الحياتية وما يعمله من خير أو شرّ، لنفسه أو للآخرين*. وهذه تحدد مصيره في الولادة التالية، [نحو الأحسن (أو) نحو الأسوأ]، بحسب ميزان أعماله. وتؤمن الكارما بأن الانسان يولد ويموت بالتعاقب حتى يصل إلى حالة التبرير [التطهير] الكامل، وبالتالي تعود روحه إلى مملكة الروح السماوية. وهذا يعني، عدم تدخل قوة (غيبية) في توجيه حياة الانسان، كما ذهبت لذلك الديانة العبرانية والاسلامية والتي يلخصها القول: "ان الله هو مصدر الخير والشرّ"، وترد في خطاب أيوب لزوجته : "أ ألخير نقبل من عند الله، والشرّ لا نقبل!"/ (أيوب 2: 10).
أما المسيحية فقدمت منظورا مختلفا لوجود الشرّ في العالم، معتبرة أن [العالم وضع في (يد) الشرّير]. وصورة الشيطان الانجيلية لا تختلف عن الحوارية المذكورة في القرآن بين [الشيطان وربّه]، حيث يحظى بمهلة حتى آخر الزمان. اساس الرؤية المسيحية للانسان انه حرّ، وله مطلق الحرية في اتخاذ قراراته. والدليل أن آدم كان يتمتع بحرية ذاتية في العصيان، وكذلك ابليس. ولو كانت المخلوقات محكوما عليها سلفا لكان شأنها شأن الاجرام والجمادات التي تدور في مدارات مرسومة لا تحيد عنها.
وعلى العموم، وبغض النظر عن التعليم الديني أو دور المجتمع والجماعة، يبقى الانسان حرّا في فكره وقراره ورغبته وسلوكه إذا شاء أ يستقل بذاته. وله الحرية في تسجيل نفسه عبدا تابعا لجماعة أو منظمة أو دين معين، وبالتالي ليس له أيّ عذر، أو ذريعة.
*
الحرية والعقل..
الحرية مسؤولية ووعي وابداع، أما العبودية فهي اتباع الغريزة وتبعية الجماعة وتواكلية هي أدنى للمشاعية والقبلية البدائية. الانسان الحرّ هو الذي يفكر، والذي يعتاد التفكير لا يستغني عن الحرية، والانسان الحرّ يحبّ أن تكون له إرادة مستقلة. وهكذا يجتمع العقل مع حرية التفكير مع حرية الارادة. وغير الحرّ يتبع من يتولى القيادة، ويأنس لكل موجة، ويسير في كل موكب. يقول المثل العراقي (بكلّ عزا لطام!). فالمهم هو العزاء واللطم، وليس الهوية والسبب. أما الغاية فهي اشباع الغريزة، والغاية تبرر الوسيلة. ومن الظواهر المشينة التي ميّزت عهد الغزو في العراق امتلاء البلاد بالمرتزقة والمقاتلين الأجراء من كلّ صوب. فحيث يشيع الجوع، يرخص سعر الانسان.
ثالوث العقل والإرادة والحرية، يقابل ثالوثا يمينيا يتمثل في الدين والاتباع والعبودية.
فالموقف السلبي للفكر الديني من العقل، ومن لبرالية التفكير، تنطوي على إدراكها مدى خطورة العقل والحرية التي سوف تنزع الجماهير من عقلية القطيع إلى المجتمع الحرّ والارادة المستقلة. فالمجتمع/ الدولة الدينية لا تشجع العلم والتعليم والثقافة، خارج منظورها الأيديولوجي الضيّق. ففي المجتمع السعودي يزدحم جدول الدروس بأكثر من حصة دينية، ناهيك عن أسلمة بقية الدروس عموما. وفي العام الماضي أقرت ايران درس الدين الاسلامي لكل الطلبة دون استثناء الأقليات الدينية غير الاسلامية، ودون اعتبار لمبدأ حرية المعتقد والعبادة المنصوص عليها في ميثاق حقوق الانسان ومعظم الدساتير المدنية. أما في العراق، حيث تمخر الفوضى شتى مجالات الحياة، فقد بلغ التسيّب من التعليم حدّا خطيرا، حيث لا تتجاوز نسبة أطفال المدارس فئة [6- 8] نسبة 7% من مجموع الأطفال والذين كانوا مشمولين بنظام التعليم الالزامي من قبل. أما مراحل الدراسة الأخرى حيث يستشري الفساد والتزوير والرشاوى، ناهيك عن النسب المتصاعدة لأصحاب الشهادات المزوّرة.
الدولة الدينية والأيديولوجيا الدينية حيث أمسكت بسلطة، لا تتورع عن استخدام وتسويغ وتطويع كلّ الوسائل التي تخدم بقاءها وهيمنتها على خناق البلاد. وإذا كان اسبينوزا قد اعتبر أن الحرية هي هدف الدولة؛ معتبرا ان الدولة بالنسبة للفرد بحسبه "هي كالعقل بالنسبة للعاطفة لدى الانسان"*.
ان الثورة الحقيقية للمجتمع الأوربي المعاصر تمثلت في مبدأ (الشعب مصدر السلطات!) واعتباره صاحب السلطة والمصلحة الحقيقية في انتخاب صورة الحكم وشكل الحكومة، فيما تستمر رؤية اسبينوزا في تنصيص ولاية الدولة/ الحكومة على المجتمع، وهو ما يلتقي مع رؤية الحكم العربي في اعتبار الشعب [قاصرا/ دون سنّ الرشد] ووظيفة الحاكم الراشد، الخليفة، أمير المؤمنين تقرير ما ينفع الناس وما لا ينفعهم. وجماعات (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) لا تعود للشخص وحريته في ذلك، وانما هي التي تتدخل في حياته وتحكم عليه فيما هو (معروف) أو (منكر).
الدولة هي منبع الاستبداد والطغيان وامتهان الانسان، في تاريخ الشرق. وشخصية الحاكم فوق الدولة والدستور والدين والمجتمع. والبناء اللغوي لتعبيره [الدولة رأس الفرد]، رغم جذرها الأرسطي الأغريقي، تذكر أيضا بمقولة انجيلية [المسيح رأس الرجل، والرجل رأس المرأة!].
أما الحرية التي أفهمها فهي حرية الفرد، وحرية الحقل وحرية الارادة، والدولة التي أتطلع إليها هي التي تكون مرآة لأفراد أحرار ووسيلة لخدمتهم وتطوير امكانياتهم المشتركة نحو الأفضل والأصلح.
الواقع أن أهمية فكرة اسبينوزا تكمن في اعتباره غاية الدولة تتمثل في تحرير الناس "من الخوف ليعملوا بأمن واطمئنان حتى تتحرر طاقاتهم(..) بحيث تتيح فرصة للنماء والتطور."*
ظاهرة العبودية والعبيد تنمي إلى المسيرة المنحرفة لتاريخ البشرية وانحراف الذات البشرية والذين اقترفوها عليهم الاعتذار عنها قبل أن تبدأ خطوة الانسان نحو الحرية.. العقل.. المسؤولية!.


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
• بالمقارنة مع حالة قايين وهو يستعطف الربّ: ".. من وجهك أختفي، وأكون تائها وهاربا في الأرض!"/ (تك 4: 14).
• تسوغ قوانين بريطانيا نظام السخرة في إجازة محلات التشارتي [Charty] المنتشرة في البلاد ويعمل فيها أشخاص بدون أجور، ما عدا أجور المواصلات وساندوتش في أحسن الأحوال، وكثير من أصحاب المحلات يحتال دونها. وللمحلات هذه دعم من الدولة، وأحيانا من مجلس الكنائس.
• "لقد ورث الانسان العربي (مسلما كان أم مسيحيا) الدين كميراثه لأملاك العائلة وشرفها، لأنّ آباءه كانوا على هذا الدين أو ذاك، ولقّنوه هذه المبادئ أو تلك. وبما أن الحنين للنشأة الأولى له تأثير نفسي عميق، يتصوّر كلّ فرد، أن ما نشأ عليه هو الأسمى والأكمل، فيزداد تشبثا بايمانه." / رويدة سالم- القطيع العربي وثور الدالية / مجلة الحوار المتمدن- ع3057- 8 يوليو 2010.
• "من عمل مدار ذرة خيراً يره، ومن عمل مقدار ذؤة شراً يره."/ في القرآن.
• اسبنوزا- بقلم جوزف أيوب- مجلة الحوار المتمدن- ع 3668- 15 مارس 2012
• م. ن.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - من افضل ما قراته اليوم استاذي العبيدي
رويدة سالم ( 2012 / 5 / 3 - 18:24 )
يبقى الاشكال استاذي كيف يمكن ان ننزع هذا الخوف المتأصل في مجتمعاتنا الشرقية لنقدر ان نبني انسانا حر الارادة والفعل متصالحا مع ذاته ومع الاخرين من ابناء الوطن؟
اليست الدولة في كل تشكلاتها المعاصرة هي دكتاتورية المؤسسة التي حلت بديلا عن ديكتاتورية الافراد وبالتالي هل يمكن ان نثق بانها قادرة على ضمان حرية الفعل والاراده لشعوبها؟
في هذا الواقع الشرق اوسطي عموما وفي وضعنا الراهن حيث نسير على خيط رفيع بين النار والدخان هل لنا أن نتتطلع الى دولة- تكون مرآة لأفراد أحرار ووسيلة لخدمتهم وتطوير امكانياتهم المشتركة نحو الأفضل والأصلح- مع العلم ان شعوبنا إما فاقدة للاب الحامي تبحث في الحكومات الوليدة بعد ما سيمى ثورات الربيع العربي عن خيال له مانحة بسخاء لهذه الحكومات سبل الاستبداد او -ثورية- مترصدة رافضة منددة لاعنة ساخطة لكن في نفس الوقت عاجزة عن تقديم البديل؟

دمت بكل ود واحترام سيدي الفاضل


2 - الفرد هو الحلّ
وديع العبيدي ( 2012 / 5 / 3 - 20:22 )
شكر وتقدير للاستاذة الفاضلة رويدة سالم على اطلالتك البهية في سماء هذا الموضوع
نزع الخوف بكل جذوره الجنينية والحياتية تعتمد إرادة الفرد الثورية المستقلة لأن الفرد هو الذي يخلق وينتج ويسود وعندما يتراجع عن ذلك يساد عليه كما يحصل الان في بلادنا
ولكن ثمة جانبا ورد في ثنايا الموضوع يتعلق بالنظام التربوي وثقافة الأمومة العراقية والتي تساهم بالقسط الأوفر في صياغة الطفل ولاوعيه
هناك دور كبير للمفكر والفيلسوف والباحث الاكادمي وصانع الثقافة والفن عموما، لأن هؤلاء هم الذين يصنعون الوطن وحضارته
أما الدولة والسياسي فلا ينبغي التعويل عليهما، والارث السياسي عربيا سيء ومسؤول عن تردي مجتمعاتنا
ولكن من أجل ذلك لا بد من الحرية.. ولا بد من إعادة رجال الدين داخل معابدهم، وتقرير العبادة أمرا شخصيا بين الفرد وربه، لا يتظاهر به على الملأ، ولا يستخدم ديانته وتدينه سوطا أو سيفا لتدمير البلاد والعباد، لأن الله غني عن العالمين
تحياتي المخلصة وكل الاحترام


3 - هل تسمح لي بمشاكستك قليلا استاذي وديع؟
رويدة سالم ( 2012 / 5 / 3 - 23:44 )
اتفق معك ان نزع الخوف يعتمد ارادة الفرد الثورية لكن هذا قابل للتحقيق فقط في مجتمعات منفتحة يعني بالتالي يمثل حلا طوباويا في مجتمعاتنا المصونة. اعطيك مثلا. هل تعرف الحزب الشيوعي الاسلامي في السودان؟ هل يقدر مثلا الاستاذ تاج السر بابو على القول ان حزبه ماركسي الفكر وشيوعي الغايات وان لا علاقة للاسلام به سوى الحماية من الارهاب خاصة بعد كل ما تعرض له الحزب من تكفير ودعوة لحله؟
هل يقدر الفرد الثوري في مجتمعاتنا على تغيير القطيع الذي يرى ان اي نقد لثوابته مهما تكن متهاوية ومخزية كرضاعة الكبير ومفاخذة الرضيعة عند الشيعة او الدعوات للجهاد بالسيف والكلمة لأعادة فتح الفاتيكان او بناء دورة مياه في كنيسة او اصلاح ما مسه الزمن من بنيانها تعد عن الدين عقابه النبذ او التصفية الجسدية؟
هل يقدر الملحد دون اي مساس بثوابت المجموعة ومع بالغ الاحترام لمعتقداتهم على القول انه مختلف وبالتالي كيف سيكون ثوريا وكيف سيقدر ان يصلح ذاته ثم من حوله؟
من يضع النظام التربوي الذي يصنع فكر المرأة التي ستصير اما؟
من يقدر ان يفكر بصوت مرتفع متوجها للعامة ونحن نرى ان التكفير لا يطال المفكرين والفلاسفة والباحثين فقط بل الفرق


4 - استاذي وديع .. تتمة
رويدة سالم ( 2012 / 5 / 3 - 23:45 )
والمذاهب الاسلامية المختلفة والتي لا تتفق مع اجندة الحاكم وسلاطينه؟
لنكن موضوعيين وننظر لساحتنا الفكرية. اليوم فازت -قائمات النهضة النقابية لتصحيح المسار- بالاغلبية وفشل اليسار الذي رغم كل عيوبه دافع دوما عن حقوق الاساتذة
ألا يمثل الاساتذة النخبة المثقفة في البلاد فماذا نرجو بعد ذلك وكيف سيكون فعل الفرد الثوري؟
لما تقول زميلة انها قرأت جبران خليل خبران ثم ترفع يديها الى السماء طالبة الغفران لأنه مسيحي ويقول آخر ان الموسيقى هي مزامير الشيطان ويردد آخرون ان الرسم حرام هل نعتبرهم حالات شاذة سيتعافى المجتمع من عفن عقولهم المريضة ام نقتنع ان دماء كثيرة يجب ان تسيل لتغسل الطرقات علّ الشعوب تفهم الى اين ياخذها السوط المعلق بالباب للسلطان والفقيه المبجل صاحب الهامر الفارهة والحسبات البنكية الضخمة والايماء والجواري والغلمان المكنونين في ابراج عالية تحرسها اسلاك كهربائية وضعها المهندس الغربي الكافر اللعين؟
اعتقد انه قبل اي امل في حرية اوديموقراطية يجب ان يسود الدين بكل بشاعته وينزف الكل حتى الحجارة الصماء كما حصل في اوروبا القرون الوسطى
آسفة استاذي لأني صدرت لك احباطي لكن اثق في رحابة صدرك
مودتي


5 - استاذتي الفاضلة رويدة سالم
وديع العبيدي ( 2012 / 5 / 4 - 11:53 )
في مستهل دراستك القيمة في الاسلاميات أشرت إلى واقع الفوضى الدموية التي اكتنفت العراق وتصدرتها غوغاء الدين كعامل أساس لتلك الدراسة، وهذا أحد أسباب اهتمامي وافتخاري بك وبتفاعلك الثوري الايجابي مع الواقع الراهن والمعاش. وقليلون هم الذين خطوا خطوتك،وما يزال كثير بل أغلبية من كتاب العراق والعرب يغازلون ليلاهم القديمة. الغرض من هذا ان واقع العراق قبل الخمسنيات من القرن الماضي وكل القرون السابقة كان يختلف عن اسلام اليوم. الاسلام الذي يشغل المشهد وبشكل متعمد ومقصود هو اسلام البترودولار والاسلام الأمريكي، وهذ هو السبب لماذا لم يظهر هؤلاء في وقت سابق. هل الاسلام هو نهب ونحر وقمع فقط، أم أن هناك غاية لفضح الاسلام من الداخل تمهيدا لخطوة راديكالية عالمية حاسمة.
مجتمع القطيع العربي والاسلامي ليس مجتمعا بطوليا، والمجتمع السكوني انثروبولجيا هو مجتمع جبان مسكون بالخوف،ودين الاسلام كافراز اجتماعي قائم على الخوف لذا استخدم آليات قوة عسكرية بدنية واشاع مفاهيم عدائية ازاء المختلف والمعارض
بالمقابل أي في الجانب العلماني أو الثقافي يفتقد العراق إلى مفكرين كبار وقادة فكر. وبلد صغير مثل لبنان أو سوريا/يتبع


6 - استاذتي الفاضلة رويدة سالم/ تتمة
وديع العبيدي ( 2012 / 5 / 4 - 12:15 )
مثل لبنان أو سوريا أنتج رموز وطروحات فكرية ونقدية أكثر من العراق. من أيام المتوكل لم يظهر نقد اسلامي خطير في العراق، ولنتساءل لماذا ظهر ابن رشد في الاندلس وليس في البصرة أو بغداد. فخلاء الساحة من المفكرين المؤسسين جعل العامة يتشبثون برجال الدين، والعراقي العادي أكثر من يسخر من رجل الدين ودعاواه ولكنه حائر بين الخوف والجوع، بين مؤسسة دينية انتهازية ودولة تسلطية وكلاهما يميني يستخدم القمع أداة لقيادة القطيع وضمان عدم خروجه على السلطان .
ثمة أركان أساسية هي بمثابة بنى قاعدية تحتية لحياة الانسان تتمثل في الأمن والحرية والقانون تحفظ لكل حدوده وحقوقه وهي كانت متحققة في الامبراطورية الرومانية،ولكنها مفقودة في بلادنا، ولذا يلجأ العراقي الى العشيرة والطائفة والحزب ومؤسسات الدولة لضمان حاجاته، ولكنه ليس مؤمنا بمبادئ أو أفكار تلك المؤسسات
كيف وصلت أوربا لما وصلت اليه،وكيف قاوم أنفار وأفراد سلطان البابا حتى انتصرت عليه والكنيسة الكاثوليكية اليوم تتبع العلم الحديث وتكيف طروحاتها معه وتستقبل العلماء والفلاسفة وحتى المثليين بالحوار
نحن بحاجة للتقدم للأمام وترسيخ أفكارنا النقدية/ينبع


7 - استاذتي الفاضلة رويدة سالم/ تتمة-3
وديع العبيدي ( 2012 / 5 / 4 - 12:24 )
وعودا إلى بدء.. الفرد هو أساس الجماعة، والجماعة هي مجموعة أفراد.. ومن هنا ايماني بالفرد القائد والمفكر والمبدع المجدد
الدين يجتر نفسه ويبتز الناس مقابل حبة المخدر
وعندما تنوجد نخبة فكرية رائدة فسوف يحسب لها السياسي ورجل الدين كل حساب، وسوف تتبع الجماهير القائد الاجتماعي المعبر عن همومها، بدل الخضوع لعصا الدين أو الدولة..
أشكرك أيتها الرائعة على حوارك وتبادل الأفكار والهواجس والأسئلة وهي كثيرة
وشكرا لمدينة الحوار والفكر المستنير


8 - لا بد من الكبت!
خالد المرسي ( 2012 / 5 / 8 - 01:36 )
لا بد ممن شيئ من كتم الحرية - طبيعيا وشرعيا - لكي نستفيد بقوانا، كما أن في الطبيعة والمادة توفر أشياء لصالح أشياء أخرى كتوفير المالي لصالح مشتريات أهم، وهكذا... فكذلك الدين يقيد تقييدات للانسان لكي يوفر قوته على أشياء أخرى - وهي الابداع المنضبط - وهذه قاعدة متفق عليها بين أغلب البشر ولذلك تجد الدكتور الكسندرو روشكا في كتاب الابداع العام والخاص يقول إن أالالتزام بالأخلاق ضروري للإبداع

اخر الافلام

.. -اليهود مش هينسوهم-..تفاصيل لأول مرة عن قادة حرب أكتوبر


.. تغطية خاصة | المقاومة الإسلامية.. الكلمة الفصل للميدان | 202




.. تغطية خاصة | المقاومة الإسلامية: تماسك في الميدان في مواجهة


.. تغطية خاصة | المقاومة الإسلامية في لبنان تستهدف مدينة صفد ال




.. تغطية خاصة | عمليات المقاومة الإسلامية ضد الاحتلال مستمرة |