الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في بطلان طاعة الحاكم المتغلب

خضر محجز

2012 / 5 / 3
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


أولاً: رد شبهة:
أغرم أكثر علماء المسلمين بالقول بوجوب طاعة كل لص متغلب، تسمى باسم الحاكم، وحرموا الخروج عليه، بل اعتبروا كل ثائر عليه باغياً، يجب قتاله وراء الحاكم. ثم اخترعوا لعقابه ما يسمى بـ(حد الحرابة)، القاضي بالقتل، أو الصلب، أو قطع الأيدي والأرجل من خلاف، أو النفي من الأرض، متأولين في ذلك آية لا تفيد ذلك البتة، وهي قوله تعالى: ﴿إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً أن يُقتّلوا أو يُصلّبوا أو تُقطَع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو يُنفوا من الأرض﴾( ).
من هنا فليس غريباً أن نرى، في بداية كل ثورة عربية على حاكم فاسد، شيخاً من هنا أو من هناك، يفتي بحرمة الثورة، ووجوب طاعة الحاكم، كما فعل سلفيو مصر في بداية الثورة، خوفاً على أولياء نعمتهم في السعودية، أن يصلهم من الربيع العربي ما وصل مصر.
والحق أن لدى هؤلاء، من نصوص أنتجتها عهود الظلم، الكثير مما يستندون إليه. ولكي أجعل الحديث أكثر طرافة، أنقل لكم هذا النص من كتاب المغني ـ الذي هو أحد أعمدة المذهب الوهابي ـ في الدعوة إلى الاستكانة وقبول حكم القوة. قال ابن قدامة ما نصه:
"وجُملة الأمر، أن من اتفق المسلمون على إمامته، وبيعته، ثبتت إمامته ووجبت معونته... ولو خرج رجل عَلَى الإمام، فقهره وغلب الناس بسيفه، حتَّى أقروا له، وأذعنوا بطاعته وتابعوه، صار إماماً يحرم قتاله، والخروج عليه: فإن عبد الملك بن مروان خرج على ابن الزبير، فقتله واستولى على البلاد وأهلها، حتى بايعوه طوعاً وكرهاً، فصار إماماً يحرم الخروج عليه، وذلك لِمَا فِي الخروج عليه من شق عصا المسلمين، وإراقة دمائهم، وذهاب أموالِهم... فمن خرج على من ثبتت إمامته، بأحد هذه الوجوه، باغياً، وجب قتاله"( ).
من هنا يمكن فهم كيف انقلب وهابيو مصر على فتواهم الأولى، فقبلوا بنتائج الثورة، وسرقوها. لأنهم في ذلك يقلدون مروان بن الحكم، في انقلابه على ابن الزبير، ويعتبرون ذلك ديناً، يريدون أن يحكمونا، بمقتضاه، على طريقة السعودية. سبحانك هذا بهتان عظيم!.
لكن الحق هو غير ذلك بالمرة. إذ لا يجب أن نقبل أن يُصوّر لنا الإسلام ديناً يقبل بنتائج الانقلابات، لمجرد أن لصاً كـ(مروان بن الحكم) انقض على صحابي كـ(عبد الله بن الزبير)، فغلبه بالمكر والظلم. إذ لو كان ذلك كذلك، إذن لكان هذا ليس دين محمد، صلى الله عليه وسلم، الذي لا يزال يعلمنا رفض الظلم.
ولكي يتبين أن هناك في فهم الإسلام آراءً أكثر نوراً، وأقدر على أن تحررنا من حكم الفاسدين والخونة، فإنني أنقل لكم هذا النص البهي، للإمام الزمخشري، نستأنس به، في تبيان كيف فهم العلماء العاملون طريقة اختيار الأمير، وطاعة الصالح، ومحاربة الفاسد. قال في تفسير الكشاف، عند حديثه على قوله تعالى : ﴿لا ينال عهدي الظالمين﴾( )، ما يلي:
"أي: من كان ظالماً من ذريتك، لا يناله استخلافي وعهدي إليه بالإمامة؛ وإنما يناله من كان عادلاً بريئاً من الظلم. وقالوا: في هذا دليل على أن الفاسق لا يصلح للإمامة. وكيف يصلح لها من لا يجوز حكمه ولا شهادته، ولا تجب طاعته، ولا يُقبل خبره، ولا يُقدم للصلاة؟. وكان أبو حنيفة ـ رحمه الله ـ يفتي سراً بوجوب نصرة زيد بن علي ـ رضوان الله عليهما ـ وحمل المال إليه، والخروج معه على اللص المتغلب، المتسمي بالإمام والخليفة، كالدوانيقي( ) وأشباهه. وقالت له امرأة: أشرت على ابني بالخروج، مع إبراهيم ومحمد ابني عبد الله بن الحسن( ) حتى قُتل. فقال: ليتني مكان ابنك. وكان يقول في المنصور وأشياعه: لو أرادوا بناء مسجد، وأرادوني على عد آجرّه، لما فعلت. وعن ابن عيينة: لا يكون الظالم إماماً قط، وكيف يجوز نصب الظالم للإمامة، والإمام إنما هو لكف الظلمة؟. فإذا نُصب من كان ظالماً في نفسه، فقد جاء المثل السائر: من استرعى الذئب ظلم"( ).
ثانياً: القول في حديث طاعة الأمير:
لا شك أن السنة النبوية حثت على طاعة الأمير. لكن أي أمير؟. إنه بالقطع ليس الحاكم الظالم الفاسد، الذي لم تبايعه الأمة عن رضى. وأهم حديث يروونه، في هذا الصدد، هو حديث أبي هريرة، الذي سأنقله من كتب الحديث بمجموع رواياته وأسانيده، قبل أن أتعرض إلى نقده. وهذه هي مجموع رواياته بالأسانيد:
1ـ من جامع الأصول:
حديث رقم2043: (البخاري ومسلم والنسائي) أبو هريرة، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أطاعني فقد أطاعَ الله، ومَنْ عصاني فقد عَصى اللهَ، ومَنْ يُطعِ الأمِيرَ فَقَدْ أطَاعَني، ومَنْ يَعصِ الأمِيرَ فَقد عَصَانِي".
2ـ من صحيح البخاري:
أ: باب: قول الله تعالى: ﴿أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم﴾( ):
حديث رقم6718: حدثنا عبدان: أخبرنا عبد الله، عن يونس، عن الزُهري: أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن، أنه سمع أبا هريرة، رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن أطاع أميري فقد أطاعني، ومن عصى أميري فقد عصاني".
ب: باب: يُقاتل من وراء الإمام ويُتقى به:
2797ـ حدثنا أبو اليمان: أخبرنا شعيب: حدثنا أبو الزناد: أن الأعرج حدثه: أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه: أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "نحن الآخرون السابقون".
وبهذا الإسناد: "من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن يطع الأمير فقد أطاعني، ومن يعص الأمير فقد عصاني، وإنما الإمام جنة، يقاتل من ورائه ويتقى به، فإن أمر بتقوى الله وعدل فإن له بذلك أجرا، وإن قال بغيره فإن عليه منه".
3ـ صحيح مسلم. باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية، وتحريمها في المعصية:
31ـ(1834) حدثني زهير بن حرب وهارون بن عبد الله. قالا: حدثنا حجاج بن محمد. قال: قال ابن جريح: نزل: ﴿يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم﴾ في عبد الله بن حذافة بن قيس بن عدي السهمي: بعثه النبي، صلى الله عليه وسلم، في سرية. أخبرنيه يعلى ابن مسلم عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس.
32ـ(1835) حدثنا يحيى بن يحيى. أخبرنا المغيرة بن عبد الرحمن الحزامي عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن يطع الأمير فقد أطاعني، ومن يعص الأمير فقد عصاني".
(1835): وحدثنيه زهير بن حرب. حدثنا ابن عيينة عن أبي الزناد، بهذا الإسناد، ولم يذكر "ومن يعص الأمير فقد عصاني".
33ـ(1835): وحدثني حرملة بن يحيى، أخبرنا ابن وهب، أخبرني يونس عن ابن شهاب، أخبره قال: حدثنا أبو سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أنه قال: "من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن أطاع أميري فقد أطاعني، ومن عصى أميري فقد عصاني".
(1835): وحدثني محمد بن حاتم. حدثنا مكي بن إبراهيم. حدثنا ابن جريج عن زياد، عن ابن شهاب؛ أن أبا سلمة بن عبد الرحمن أخبره؛ أنه سمع أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. بمثله. سواء.
2م ـ(1835): وحدثني أبو كامل الجحدري، حدثنا أبو عوانة، عن يعلى بن عطاء، عن أبي علقمة، قال: حدثني أبو هريرة، من فيه إلى فيَّ، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم. ح وحدثني عبيد الله بن معاذ، حدثنا أبي. ح وحدثنا محمد بن بشار، حدثنا محمد بن جعفر، قالا: حدثنا شعبة عن يعلى بن عطاء، سمع أبا علقمة، سمع أبا هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم. نحو حديثهم.
3 م ـ(1835): وحدثنا محمد بن رافع. حدثنا عبد الرزاق. حدثنا معمر عن همام بن منبه، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم. بمثل حديثهم.
34 - (1835) وحدثني أبو الطاهر. أخبرنا ابن وهب عن حيوة؛ أن أبا يونس، مولى أبي هريرة حدثه. قال: سمعت أبا هريرة يقول عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. بذلك. وقال (من أطاع الأمير) ولم يقل (أميري). وكذلك في حديث همام عن أبي هريرة.
4ـ النسائي. باب الترغيب في طاعة الإمام:
أخبرنا يوسف بن سعيد قال: حدثنا حجاج عن ابن جريج، أن زياد بن سعد أخبره، أن ابن شهاب أخبره، أن أبا سلمة أخبره، أنه سمع أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن أطاع أميري فقد أطاعني، ومن عصى أميري فقد عصاني".
ثالثاً: نقد الإسناد:
1ـ لم يرو هذا الحديث إلا أبو هريرة. فهو حديث آحاد، نقبله حكماً ولا نعتقده عقيدة.
2ـ أخطأ ابن الأثير ـ صاحب كتاب (جامع الأصول) ـ حين اعتبر الحديث بلفظة (الأمير) متفقاً عليه، كما أشار إلى ذلك واهماً، في النص الذي نقلناه عنه في البداية.
3ـ لأن الرواية المتفق عليها بين الشيخين ـ إنما وردت بلفظة (أميري) ـ هي المتفق عليها، ووافقها النسائي كذلك.
4ـ الرواية بلفظة (الأمير) بالإطلاق، ليست متفقاً عليها، في هذا النص، بل هي مما انفرد به مسلم، فلم يروها البخاري، إلا في نص آخر وفي معرض طاعة الأمير في الحرب. الحديث رقم (2797).
5ـ إن إسناد الرواية المتفق عليها ـ بلفظة (أميري) ورد بأصح ما يمكن أن يكون إسناداً، فهي من رواية يونس عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن. فهي حجة على ما سواها.
رابعاً: نقد المتن:
1ـ سنتسامح في انفراد أبي هريرة بهذه الرواية.
2ـ ومع ذلك فسنقول: بأن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، لم يكن له أن يأمرنا بطاعة كل أمير ـ هكذا على الإطلاق ـ بل قيد وجوب طاعته بالمعروف، أي بما لا يخالف الشرع. وهذا ما يقتضيه لفظ (أميري) الذي نرجح أنه ما قاله الرسول، صلى الله عليه وسلم. فالياء هي هنا ياء النسبة: أي الأمير الذي أوليه عليكم، لا الأمير الذي يتغلب عليكم بسيفه، ويقهركم بظلمه. فمعلوم لدينا ـ من نصوص سابقة ـ أننا لو دخلنا النار، طاعة للأمير، لما خرجنا منها. ولا شك أن طاعة كل لص متغلب، هي من أشد موجبات دخول النار في الآخرة. وهل هناك من أفسد علينا ديننا ودنيانا أكثر من ظلم هؤلاء اللصوص المتغلبين!.
3ـ من هنا، فإن لفظ (الأمير) ـ الوارد في بعض الروايات التي صح سندها ـ لا يمكن القول بأنه زيادة من ثقة، كما قد يميل إلى ذلك بعض من يتمسكون بتصحيح الروايات المتعارضة، بل هو واحد من أربعة:
• إما أنه وهم من واهم.
• أو هو غرض من مغترض.
• أو هو مما روي بالمعنى، فظن الراوي أن لا فرق، مع أنه يوجد فرق.
• أو هو يعني طاعة القائد في الحرب.
خامساً: النتيجة:
نحن نرد لفظة (الأمير) ونثبت لفظة (أميري) فلا يعود هناك شحناء. وبذا يسقط الاستدلال بالحديث على وجوب طاعة أي أمير. بل يجب دفع الظلم ما أمكن، وبكل قوة متاحة، كما فعل الأئمة من أهل البيت وغيرهم، الذين ما زالوا يدافعون عن الأمة، ويدفعون حياتهم ثمناً لذلك، في كل عهد، ولا يستمعون لكل هؤلاء الذين أخافهم وهج السيف، أو أغرتهم مآدب السلطة. ولو قبلنا بما يقوله منطق الخنوع هذا، لكن يجب اعتبار كل الثوار العظام ـ كالحسين، وابن الزبير وسعيد بن جبير والنفس الزكية وزيد بن علي وأمثاله ـ بغاة، ولكان يجب اعتبار كل من الحجاج وابن زياد ويزيد بن الوليد ويزيد بن معاوية والسفاح والمنصور وأمثالهم أئمة هدى!.. وليكن قدوتنا في ذلك الإمام الأعظم، أبو حنيفة ـ عليه رحمة الله ـ الذي قضى حياته في سجن المنصور، وهو يرفض أن يتولى القضاء. لقد أراد ذلك اللص أن يعاقبه على فتاويه آنفة الذكر، فخيره بين أن يتحول إلى خادم عنده، أو يموت، فقبل بالموت، واكتسبنا به إماماً يقف أمام كل أئمة الضلالة، المنتسبين زوراً إلى أهل السنة.
والله يقول الحق وهو يهدي السبيل








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الناخبون في تشاد يدلون بأصواتهم لاختيار رئيس للبلاد


.. مقتل 4 جنود إسرائيليين بقصف لحماس والجيش الإسرائيلي يبدأ قصف




.. الانتخابات الأوروبية: أكثر من نصف الفرنسيين غير مهتمين بها!!


.. تمهيدا لاجتياحها،الجيش الإسرائيلي يقصف رفح.. تفاصيل -عملية ا




.. تهديد الحوثي يطول «المتوسط».. خبراء يشرحون آلية التنفيذ والت