الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حلم غير مشروع

محمد صالح

2012 / 5 / 7
الادب والفن


كان سني حينها 15 سنة، تفوقت على زملائي وأنهيت مرحلة التعليم الإعدادي بتفوق، وبدأت أفكر في ولوج مرحلة الثانوي، وكلي طموح وإصرار على تسلق جبل النجاح والوصول إلى قمته الشاهقة غير مكترث بصعوبة الطريق وخطورتها، بدأت أسئلة كبيرة تداعب عقلي الصغي الذي لم يصل مرحلة النضج بعد، أي مسار سأختار؟ هل أسلك مسلك الأداب؟ وأغوص في أعماق الروايات الخرافية وأتيه بين دروب الأبيات الشعرية، فأنا العاشق لقراءة الرويات والقصص، والهاوي لمداعبة القلم بأنملي الصغيرة لينسج خيوط حكايات تنبع من صلب الواقع لترقص في حانات وكبريهات الخيال. أم أسلك مسلك العلوم؟ فقد كنت مجنونا بالهندسة وبارعا في الحساب ومولعا بتركيب الأسلاك الكهربائية... سؤالان أرهقا عقلي الصغير خلال رحلة العودة إلى بيت، جعلا مخيلتي تنشط لتتنبأ بمستقبل لايزال بعيد المنال، تجاهلت الصعاب وسافرت بي عبر الزمن وجعلت مني كاتبا مشهورة تؤثت كتبه رفوف المكتبات الكبرى، يستضاف في الملتقيات الأدبية الوطنية والدولية، ويضرب به المثل في كل مكان وفي جميع قلاع الأدب الحصينة، من القصة إلى الرواية إلى شعر... قبل أن تقفز – مخيلتي – ودون سابق إنذار، إلى حلم سرمدي أخر لتجعل مني رجل علم شهور، ربما أصير مهندسا أتفنن في تشكيل رسوم العمارات الشاهقة أو ربما أصبح رجل فضاء أو دكتور أو ... أو... من يدري...؟؟؟ طموح كبير كان يداعب دواخل طفل صغير أنهى لتوه مرحلة الإعدادي، دخلت البيت لأجد أمي تخوض حربها المعتادة ضد أشغال البيت، ركضت نحوها وصرخت لقد فعلتها .. فعلتها...، تما كما صرخ أرخميدس .. أوريكا ... أوريكا...، لقد فعلتها يا أمي أنهيت الإعدادي بنجاح، فأخذتني بين أحضانها وضمتني بقوة وعيناها تتراقصان فرحا، ولم أتردد مرة أخرى في تفجير السؤالين المحيرين، ماذا يا أمي هل أسلك الأدب؟ لأصبح كاتبا أو أديبا.... أم أن ميدان العلوم أفضل؟؟ فأنا متفوق فيهما معا، نظرت إلي بنظرات غريبة، ثم ابتسمت، فوقفت وأدارت ظهرها وكأنها تقول لي،. أطرد أحلامك السرمدية هاته خارج ذهنك، فالواقع لا يقبل الحالمين...، فقالت، أجل أحلامك هذه إلى ما بعد العطلة الصيفية فغدا سنزور جدتك، فقزت فرحا نعم السفر .. السفر هيا إلى أعالي الجبال. مرة هذه الليلة في جو رائع تناولنا العشاء، ثم عانقت دفئ الفراش وبدأت في مداعبة مخيلتي من جديد إلى أن وضع النوم حدا لأحلام اليقضة، لينقلني إلى عالم أخر، عالم الكوابيس... كانت يشق طريقها وسط السهول الخضراء تارة، وبين شوامخ الجبال تارة أخرى، حافلة لونها بني داكن وخدوش كثيرة تملئ جسدها الحديدي تؤرخ لحقبة غابرة من الزمن، توحي بأنها جابت مختلف أرجاء هذا الوطن من شماله إلى جنوبه، من شرقه إلى غربه، صوت محركها القوي يحكي رويات عن حرب طرقات عديدة خاضت غمارها، وبعد مدة ليست بالقصيرة، بدأت مباني شاهقة الإرتفاع تلوح في الأفق...، تأكد لي أن الوجهة هي إحدى المدن الكبرى..، لكن أية مدينة ياترى؟ شئيا فشيئا بدأت معالم هذه المدينة تتضح..، زحمة كثيرة وسيارات من طراز رفيع تتجول في شوارع واسعة، فجأة لمحت صومعة تعلو كل المباني، إني أعرفها، نعم أعرفها سبق وأن رأيت صورتها في إحدى كتب التاريخ، قيل عنها أنها صومعة نصفها ذهب، نعم إنها صومعة حسان، إذن أنا في العاصمة، لكن ما علاقتي أنا بهذه المدينة؟ لم أزرها يوما !!! لما إخترقت ذهني لتكون مسرحا لحلمي، فجأءة توقفت الحافلة، فندفع إلى خارجها شاب في منتصف العشرينيات طويل القامة شعره أسود اللون جسده نحيف..، علامات المعانات بادية عليه..، يرتدي سترة سوداء اللون تزخرفها تجاعيد عديدة..، وكأنها عمرت طويلا وعاصرت حروبا ضارية..، من هذا يا ترى؟.. أيعقل أن يكون... أنا؟.. جال الشاب بنظره قبل أن يوجه عيناه إلى السماء ليسمح لأشعة الشمس الدافئة أن تداعب محياه، ثم أخرج من جيبه سجارة ذابلة لاعبها بأصابع فأشعلها لتحرق غابات جوانح...، يتناثر الدخان ليرسم صورا حوله..، وضع رأسه بين كتفيه ثم أطلق ساقيه في خطوات متسارعة، وبعد مدة بدأت جموع كثيرة من البشر تتراء في الأفق...، من هاؤلاء ياترى؟ واصل الشاب سيره، رافعا رأسه شامخا هذه المرة، إلى أن أستقر في وسط تلك الجموع، التي سرعان ما شكلت حوله حلقة..، ما هي إلا ثواني فشرع الشاب في مخاطبتهم: أيها الأطر، إننا اليوم وكعادتنا نلتقي في هذا المكان المشؤوم لنسترسل في خطواتنا النضالية، من أجل حقنا في التشغيل، لكن وكما هو معهود لا حياة لمن ننادي، فمن يقال عنهم ممثلوا الأمة، لا يترددون في أخذ قيلولتهم اليومية ذاخل وكرهم الموقر، غير مكترثين بمعاناتنا، لا يجيدون سوى إصدار قرارات ضرب وقمع المعطلين، لكن هيهات من أن ينال القمع من قناعتنا ...... قبل أن يكمل كلماته التي يواكبها تصفيق حار، وشعارات مدوية تصم اذان المارين، ومن لفت إنتباهم الوضع.... حتى بدأت سيارات الشرطة تتقاطر على المكان و أخذت عناصرها في التسلح بالهراوات المختلفة، والأوقية ..... وكانهم يسعدون لخوض غمار حرب شرسة، فما إن أصدرت لهم الأموار حتى بدأ الصرخ، وصيحات الألم... تملأ المكان، والجموع تركض والتهرول في كل الإتجاهات...، الكل لا يفكر إلا في النجاة بجلده، وفي أحد الزوايا كان هناك عدد من عناصر الشرطة تنهال بالضرب المبرح على أحدهم المعطلين الذي لم يسعفه الحظ في الإفلات أو أن جرأته الزائدة وعنفوان نفسه منعاه من الهرب ليجد نفس في مأزق، شرطيان يجران الشاب ويوقفانه على قدميه بصعوبة ويتوجهان به إلى سيارتهم، من هذا؟ أيعقل...؟ إنه نفس الشاب، إنه أنا...، فصرخ المنبه في وجهي معلنا عن إنتهاء الكابوس، لكن التساؤلات لازالت تعشعش في ذهن الطفل الصغير لماذا كنت هناك؟ وهل يعقل أن يتحطم طموحي على صخرة الواقع الصلبة؟ هل يمكن ان أقع في شباك البطالة؟....لأدرك خيرا سر تلك النظرات الغريبة، وردة الفعل المفاجأة التي صدرت عن أمي حين سألتها، أي المسلكين سأسلك؟؟.... وكانها كانت تود القول، لا تتعب نفسك ي التفكير، فكل الطرق تؤدي إلى روما.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حلقة TheStage عن -مختار المخاتير- الممثل ايلي صنيفر الجمعة 8


.. الزعيم عادل إمام: لا يجب أن ينفصل الممثل عن مشاكل المجتمع و




.. الوحيد اللى مثل مع أم كلثوم وليلى مراد وأسمهان.. مفاجآت في ح


.. لقاء مع الناقد السينمائي الكويتي عبد الستار ناجي حول الدورة




.. هشام حداد يستفز وسام صباغ.. وهل يسبق السوري اللبناني في التم