الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حول التمييز ضد المسلمين في اوروبا - رسالة مفتوحة إلى منظمة العفو الدولية

إلهام مانع
إستاذة العلوم السياسية بجامعة زيوريخ

2012 / 5 / 7
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


حول التمييز ضد المسلمين في أوروبا
رسالة إلى منظمة العفو الدولية؟

دعيني أولاً ابادر بالاعتذار لما سأقوله لك في هذه الرسالة، خاصة وأنه قد يأتي شديداً.
ابادر بالاعتذار لأني من أشد المؤيدين لعملك.
في الواقع أنا عضوة في فرعك السويسري.
تماماً كما أن جهودك والتقارير التي تنشريها دورياً دفاعاً عن حقوق الإنسان في صورها المتعددة كانت لنا، نحن العاملون في هذا المجال، ذخيرة، نستخدمها دوماً للتدليل على الانتهاكات المتكررة لحقوق الإنسان في بلداننا العربية.
رغم ذلك، اجدني مضطرة إلى القول إن تقريرك بعنوان "خيار واساءة: التمييز ضد المسلمين في اوروبا" الذي صدر في أبريل 2012، وتحدثت فيه عن التمييز الذي يلاقيه مسلمون في البلدان الأوروبية، هذا التقرير جاء مخيباً.
مخيباً، لأنه وإن كان قد تحرى التأكيد على التعددية القائمة ضمن الجاليات المسلمة، إلا انه جاء معبراً عن رؤية شريحة محددة ضمن هذه الجاليات، وتحديداً المحافظة والإسلامية السياسية فيها.
مخيباً، لأنه وإن كان يسعى إلى حماية أقلية دينية، فإنه فشل في توفير الحماية للأقلية داخل هذه الأقلية، أعني المرأة والطفل.
مخيباً، لأنه وإن كان قد اشار إلى أن هناك تمييزاً تتعرض له المرأة المسلمة داخل جاليتها، إلا أنه فشل أن يقف إلى جانب هذه المرأة في توصياته. صمت عن قضايا عنف وتمييز تتعرض له هذه المرأة. والصمت لا يعني سوى أنك اشحت بوجهك عما يحدث لهذه المرأة.
سأوضح لك ما أعنيه بهذه العناصر الثلاثة.
أولاً، اشار تقريرك إلى أن الجاليات المسلمة تتميز بالتعددية في رؤيتها للدين، وفي طبيعة علاقتها بالدين الإسلامي. وأن ممارسات معينة قد تكون تعبيراً عن قناعات دينية، ثقافية، او تقليدية محافظة. رغم ذلك، فإن جزءاً كبيراً من تقريرك ركز على ما أسماه بالتمييز الذي "تتعرض له التلميذات المسلمات في التعبير عن حريتهم الدينية". كنت تعنين بذلك الحظر المفروض على لبس الحجاب في المدارس.
سأكون واضحة في موقفي هنا. أنا من المؤيدات لحظر الحجاب في المدارس. اؤيد هذا الحظر لأنه حماية لهذه الطفلات والفتيات.
حمايتهن من ضغوط اجتماعية يتعرضن لها كي يلبسن الحجاب. وهناك امثلة عديدة على طالبات ذهبن إلى مديرة مدرستهن يسألنها ان تحميهن من الضغوط التي يتعرضن لها من زميلاتهن "المتدينات". وغيرهن يتعرضن للضغوط من الذكور في أسرهن. يهددونهن إما بالضرب أو بحرمانهن من الدراسة. ووالله اني لا أتحدث هنا من خيالي، بل أسرد عليك قصصاً من الواقع.
حمايتهن من فكر ديني محافظ يقول لهن إن من لا ترتدي الحجاب ستحرق حرقاً في نار جهنم. وإن الحجاب فرض على الفتاة، وإن من لا تفعل ذلك تصبح عاصية، يعلقها الله من شعرها في جهنم.
بالله عليك، عن أية حرية دينية نتحدث فيها هنا عندما تجد الطفلة نفسها مخيرة إما بين جهنم أو تغطية شعرها؟ هل هي حرة فعلاً في هذا الاختيار؟
من هذا المنطلق يأتي موقفي الداعم لحظر الحجاب في المدارس. كي نتحدث فعلاً عن حرية المرأة في الاختيار، يتوجب أن تكون هذه المرأة بالغة راشدة، اي في الثامنة عشرة من عمرها. اي بعد أن تنتهي من دراسة الثانوية العامة. وعندما تقرر وهي في هذا السن، أي بعد الثامنة عشرة، دون ضغوط أسرية أو مجتمعية، ارتداء الحجاب، فإن هذا يظل قرارها، الذي أحترمه رغم اختلافي معه.
ولذلك، أعود واقول لك، إن القسط الأوفر الذي خصصه تقريرك لموضوع الحجاب يبدو لي معبراً عن رؤية شريحة صغيرة من الجاليات المسلمة. كم منا يصر على طفلته ذات التاسعة من عمرها أن تلبس الحجاب؟ ثم ألا يحق لهذه الطفلات أن يعشن طفولتهن بدلاً من أن يتحولن بين ليلة وضحاها من طفلة إلى "عورة" تَجبُ تغطيتها؟
عن أية حرية تدافعين عنها هنا؟
ثانياً، جاء التقرير ساعياً إلى حماية اقلية دينية خاصة في ظل تصاعد مد التيار اليميني المتطرف في بعض البلدان الأوروبية. وهو أمر هام وضروري، خاصة وأن هذا التيار يؤسس لمواقفه من خلال فكر غوغائي عنصري، يقوم على التخويف من الأخر.
رغم ذلك، اظل مصرة أن هناك جوانب كان لابد لتقريرك الإشارة إليها عند الحديث عن واقع هذه الجاليات. كان لابد أن تدافعين عن حقوق الأقلية ضمن هذه الأقلية، وأعني تحديداً المرأة والطفل.
في سويسرا تمكن حزب الشعب السويسري اليميني في عام 2009 من تمرير استفتاء شعبي أدى إلى حظر بناء المآذن على المساجد.
لم يكن أحد منا يتوقع أن تنجح هذه المبادرة. فالشعب السويسري معروف بتسامحه. لكن ما حدث هو العكس.
وما حدث كان تعبيراً عن ردة فعل على قضايا اجتماعية مسكوت عليها.
لم يفعل الحزب أكثر من أن شن حملة انتخابية تحدث فيها عن قضايا الزواج القسري للفتيات، عن عمليات ختان الإناث، ثم عن العنف الذي تتعرض له المرأة لدى بعض شرائح الجاليات المسلمة. ثم وضع كل هذه القضايا في سلة واحدة وأسماها مآذنة! فصوّت الناخبون بنعم.
المشكلة أن الحزب لم يخترع أي من هذه القضايا، فهي موجودة. وهي موجودة لدى بعض الشرائح، ولا اقول الكل. لكن الحزب لم يكن يهدف من خلال الحديث عن هذه القضايا البحث عن حلول لها. لا. كان يريد فقط التشهير بديانة محددة كي يحصل على اصوات انتخابية.
أدرك أن دوافع هذه الانتهاكات قد تكون اجتماعية وثقافية أكثر منها دينية، بيد ان الصمت عن هذه القضايا يوفر بيئة خصبة لأحزاب اليمين المتطرف لاستغلالها سياسياً.
كنت لذلك أتوقع في توصياتك أن تشيري ولو من بعيد إلى وجود مشاكل مجتمعية تتعرض لها المرأة والطفل داخل بعض شرائح هذه الجاليات (اقول البعض ولا أقول الكل)، وأن على الدول الأوروبية أن تبحث عن حلول لها. لكن توقعي عاد من جديد على ادراجه خائبا.
ثالثاً، وأخيراً، وربما ألأهم في كل هذا، لم يتطرق التقرير إلى التمييز القانوني الذي تتعرض له المرأة في دولة كبريطانيا. بريطانيا هي من اكثر الدول ليبرالية في التعامل مع الأقليات الدينية، وهو أمر تُشكر عليه. لكن هذه الليبرالية تحولت إلى تمييز قانوني ضد المرأة عندما سمحت الدولة هناك بمحاكم إسلامية تطبق مبادئ الشريعة في قضايا الزواج والطلاق والإرث.
لم يتطرق التقرير لا من بعيد ولا قريب إلى هذه القضية التي أدت إلى انتهاك صارخ لحقوق هذه النساء، خاصة وأن احكام الفقة المطبقة في هذه المحاكم تعطي للرجل ولاية على المرأة، ولا تساوي بين الأخ وأخته في حقوق الأرث، كما انها تميز ضد المرأة في مسائل النفقة، والحضانة، والطلاق، وتبرر ضرب الرجل لزوجته بتبريرات دينية.
هل تريدين مثالاً؟ المحاكم الإسلامية تعطي للفتاة نصف ما يحصل عليه أخيها في الأرث. أما المحاكم البريطانية فتعطي للفتاة نفس حصة أخيها!
هل تريدين مثالاُ؟ أحد القرارات التي صدرت عن مجالس الشريعة (وهي تختلف عن هيئة المحاكم الإسلامية) اصرت على حرمان امرأة مسلمة متزوجة من غير مسلم من أطفالها إلى أن تتزوج من مسلم!!
هل تريدين مثالاً؟ قرار أخر لنفس المجالس أعتبر أن من واجب المرأة أن تلبي رغبات زوجها الجنسية، ارادت أم لم ترد. يعني غصباً عنها!!
هل تريدين مثالاً؟ عندما تلجأ إمرأة مسلمة إلى هذه الهيئات لأن زوجها يضربها، فإن ردة الفعل هي محاولة إقناعها بالعودة إلى زوجها، ذلك الذي يضربهاَ!!
لماذا صمت تقريرك عن هذا الانتهاكات التي تحدث؟ وهي معروفة وموثّقة!
لماذا لم يدافع عن حقوق هذه النساء؟
لماذا اختار ان يشيح بوجهه عن هذه القضية؟
بحثت عبثاً عن توصية إلى حكومة بريطانيا يطالبها بتطبيق قانون واحد على كل سكانها، ويعاملهم جميعاً على قدم المساواة، رجالاً كانوا أو نساءاً، مسلمين أو غير مسلمين.
بحثت عن هذه التوصية عبثاً.
ولذلك اسألك. ثم أعتب عليك، عتاب الصديقة المحبة.
فأنا وانا انتقدك في هذه السطور أظل مقتنعة برسالتك الداعية إلى حماية حقوق الإنسان. ومقتنعة بأهمية دورك كصوت للضمير الإنساني.
ولأنك تمثلين لي صوتاً صادقاً محايداً، كان من واجبي أن اطالبك بان لا تخوني مبادئك.
لا تخوني مبادئك.
ثم أتخذي موقفاً صارماً تجاه كل انتهاك يحدث، سواء ضد هذه الأقلية او داخلها.
إلهام مانع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - متي نتصف منظمة العفو الدولية والطفلة المسلمة
أحمد عثمان محمد ( 2012 / 5 / 8 - 03:09 )

مقال موضوعي جداً
المرآة المسلمة وذكذلك الطفلة المسلمة مظلومتان من قبل الرجل والمجتمع المسلم المهاجر إلي أوربا. طفلة في سنة أولي إبتدائي تحولت إلى عورة ومحجبة! أولياء أمور ضد حصص التربية البدنية والسباحة لبناتهم الشرطة الدينية - جمعية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر السعودية - في بعض العواصم الأوربية للتحرش على البنت المسلمة الغير محجبة أو إذا كانت برفقة شاب أوربي.
إزدواجية القوانين في بريطانيا عمل غير ديموقراطي وضد المساوة أمام القانون ونرفضه مجالس الشريعة لن تكون عادلة وناصرة للزوجة المسلمة الأمية وقليلة التعليم لأن هذه المجالس تنظر إلى المرأة المسلمة على أنها ناقصة عقل ودين
على هذه المنظمة أن تناصر الأقلية فيى الأقلية وأعني بها الطفلة والمرأة المسلمة في أوربا ضد الفكر السلفي الوهابي الذي تنشرة وللأسف الشديد مساجد المسلمين في أوربا
أضم صوتي إلى صوت كاتبة المقال للمطالبة بالدفاع عن حقوق الطفلة والمرأة المسلمة في أوربا.


2 - نعم لك يا سيدتي المحترمة :
نيسان سمو الهوزي ( 2012 / 5 / 8 - 09:49 )
السيدة الهام مانع :
نعم للأنامل التي خطت هذه المعزوفة : نعم اختي كل ما كتبتيه صحيح ولكنه القليل من الحقيقة المرة الظاهرة والمخفية اعظم .. نعم لا يعلمون الأسرار ولا الخبايا ولا يفكرون إلا بوضائفهم وليس ببعيد ان يُدفع لهم من اجل اصدار مثل هذه التقارير المخجلة والكاذبة في نفس الوقت .. ولكن كلمة حق منكِ ومن امثالك الكريمات يفضح دجل ونفاق وكذب كل المنضمات التي تعمل لحساب سياسي .. كان بودي ان اقول اكثر ولكن ضيق الوقت منعني من ذلك .. الطريق كله امامك فسيري والف شكر لك ..
الكاتب نيسان سمو


3 - اين العدل
يوسف حنا بطرس ( 2012 / 5 / 8 - 19:56 )
الجاليات المسلمه يا حضره الهام تعيش في الغرب افضل من بلدانهم وهم عاله على المجتمع الاوربي ناهيك عن الارهاب الذي يقومون به ضد هذه الشعوب
اما الاقليات في العالم الاسلامي وخاصه المسيحيين بالرغم من انهم سكان هذه البلدان الاصليين الا انهم يعتبرون مواطنبيين من الدرجه الثانيه


4 - التسامح مع المتسامح ، وعدم التسمح مع غير المت
طارق حجي ( 2012 / 5 / 9 - 00:57 )
أنا مع الأستاذ يوسف حنا بطرس فى كل ما قاله. نعم ، المسلمون فى أوروبا يعيشون فى مناخ عام يحترمهم (كبشر) ويوفر لهم من حقوق الإنسان أضعاف ما توفره لهم مجتمعاتهم التى تركوها (لأنها محض جحيم) وإنتقلوا لأوروبا (لأنها الأفضل لهم على كافة المستويات) . ومع ذلك يحاول بعضهم تخريب الجنة التى أتي اليها لأنها توفر له ما كان يفتقده فى مجتمعه الإسلامي الذى تركه ... وظروف حياة مسلمي أوروبا أفضل ألف مرة من ظروف حياة مسيحي المجتمعات الإسلامية. ويجب على المجتمعات الأوروبية (ومن حقها) ألآ تكون -متسمحة- إلا مع المتسمين بالسماحة الدينية والثقافية ... إذ أن التسامح مع غير المتسامح حماقة وتخريب لأكثر المجتمعات تحضرا وتقدما وتمدنا


5 - Douple standards
لارا ( 2012 / 5 / 9 - 08:11 )
ارى ان المسلمين في اوروبا يتمتعون بالقوانين تلك الدول الديمقراطية التي تمنحهم حرية التعبير والدين والخ وهذا حقهم كبشر لكن قبل ان يدافعوا عن حقوقهم في اوروبا عليهم التمعن في الشريعة الاسلامية والقوانين المستمدة من الشريعة في البلاد العربية التي تنقص من حقوف وحرية غير المسلمين فمثلا، حرية اعتناق دين اخر: لا يسمح للمسلم بتغيير دينه فشرعا يسفك دمه وقانونا يتم التحفظ على كل ممتلكاته وتطليقه من زوجته وحرمانه من اولاده وقد يتم ترحيله خارج البلاد. حرية التبشير، لا يسمح لغير المسلم بالتبشير بدينه الا لاتباع ذلك الدين اي المسيحي يبشر المسيحين فقط بينما العكس جائز. لا يسمح للمسيحي(الرجل) بان يتزوج من مسلمة الا اذا اعتنق الاسلام بينما يحق للمسلم ان يتزوج مسيحية دون تغيير دينه. اي حرية واي عدل واي ديمقراطية يتكلمون عنها. اعتقد من حق اوروبا ان تضع القوانين التي ترى فيها مصلحة مواطنيها وتخدم الصالح العام.

اخر الافلام

.. بالأرقام: عمليات المقاومة الإسلامية في لبنان بعد اغتيال الاح


.. عبد الجليل الشرنوبي: كلما ارتقيت درجة في سلم الإخوان، اكتشفت




.. 81-Ali-Imran


.. 82-Ali-Imran




.. 83-Ali-Imran