الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المسألة التعليمية من منظور محمد عابد الجابري ( 2 )

محمد بقوح

2012 / 5 / 9
التربية والتعليم والبحث العلمي


يرى الأستاذ الجابري أن مسألة أزمة التعليم المغربية، التي فاقت حدتها كل التوقعات، و لم تنفع معها جميع الإصلاحات الشكلية، التي ذكرناها سابقا، لم تكن بالمرة أزمة بريئة، من حيث خلفياتها التوجيهية، و أبعادها السياسية و الأيديولوجية. لهذا يرى الجابري أن واقع التعليم المغربي الجامد و الراكض، في شموليته المركبة، و بملامحه العامة السلبية، هو واقع متخلف، ناتج عن وضع مترد اجتماعيا، و مختار سياسيا و استراتيجيا، باعتبار أن الحقل التعليمي، حسب قوى مغربية مهيمنة، لها وزنها التأثيري، داخل مراكز القرار السياسي المغربي، هو "قطاع غير منتج" و يكلف سياسة الدولة و لميزانيتها الشيء الكثير.

غير أن الجابري له رؤية مضادة تماما. بحيث يعتبر أن النظام التعليمي التربوي المغربي غير فعال، بالشكل الذي ينتظره المواطن و الشعب المغربيين، بسبب نهج الدولة المغربية، في التعامل مع قطاع التعليم بصفة خاصة، و مع جميع القطاعات العمومية و الإجتماعية بصفة عامة، سياسة تعليمية انتقائية مختارة متشددة، تخنق و تضيق و تشوّش على التعليم، و على الهيئة التعليمية و أبناء الطبقة الشعبية الفقيرة، بدل تحرير التعليم، و إصلاحه و تجديده، في أفق تغيير سياسة هذه المنظومة التربوية، تحقيقا لرغبة و توقعات و آمال الشعب المغربي، بكل ألوان شرائحه الاجتماعية. من هنا يؤكد الجابري أن التعليم المغربي، منذ تاريخ الاستقلال السياسي الرسمي سنة 1956، لم يتغير من حيث فعاليته التنموية، و أدائه المعرفي و العلمي، مرورا بمرحلة السبعينيات، التي كانت إلى حد ما، قوية و بمثابة الشعلة المضيئة.. في تاريخ التعليم المغربي، أظهر خلالها هذا الأخير نوعا من التطور النوعي، فيما يخص المستوى التعليمي، و الأدائي للمؤسسة التعليمية التربوية و التكوينية المغربية، الشيء الذي يفسر إجهاض هذه المحاولة التعليمية المتقدمة و المتنورة، التي كانت تطمح إلى النهوض الفعلي، بأوضاع التعليم المغربي، و بالتالي تمكنوا نتيجة لذلك من إقبار كل الآمال الشعبية، بالعمل على الدفع بالتعليم و بقيم الفكر و العلم إلى خندق عميق مظلم، اتسم بكل المواصفات التي نعته بها أستاذنا الجابري ( التيه، الفوضى، اللامسؤولية و الارتجال). أي إرجاع التعليم المغربي إلى فترة سابقة على ما قبل الحماية و الاستعمار. بمعنى أنه راهنت الدولة المغربية هنا على، كما قال الجابري( تكريس الأمية اختيارا لاتقاء بطالة الخريجين )، و هو الوضع و المأزق الذي تعيشه، و تواجهه حكومة بنكيران اليوم. لكن برؤية و سياسة مختلفتين.. لم تتضح أبعادهما بعد؟؟.

من طبيعة الحال، إن تعامل سلطة الإدارة المغربية مع الحقل التعليمي، بجميع مكوناته و أطرافه و المتدخلين فيه، بيد من حديد، خلال لحظة السبعينيات، كما أسلفنا، إثر الأحداث السياسية، و الإخفاقات و الصراعات التي عرفها المغرب سنة 1971 و 1972، كانت انعكاسات سلبية خطيرة على كافة مستويات منظومة التعلميم المغربي، بل امتدت تلك الانعكاسات السلبية إلى ما هو اجتماعي و قيمي و أسري و حضاري. بحيث كانت لهذه الإخفاقات السياسية، و الصراعات الأيديولوجية الجارية، بين القصر و قوى اليسار التقدمي المغربي، في ذلك التاريخ المشؤوم، دورا دراميا خطيرا، أثر بصفة سلبية على الحقل التعليمي و الفكري و الثقافي، لكن كان التعليم هو كبش الفداء، و بالتالي، فهو الذي قدم الثمن غاليا فيما بعد، أكثر من أي قطاع مغربي آخر، فكأنه تم اتهامه، و بالتالي معاقبته ضمنيا، من قبل الدولة المغربية، لأنه كان المسؤول عن الأوضاع الصراعية المتوترة، و الثورية المتمردة، التي ميزت البلاد أنذاك. لكن إلى أي حد كانت هذه النظرة السياسية و الإدارية صحيحة ؟ ألم يكن في هذه النظرة الكثير من التأويل و الإسقاط المجاني، و من تم أضاع المغرب أكثر من نصف قرن، من الوقت و الحركة المفرغة داخل نفس الحلقة، التي يجب أن تكون في أصلها حركة متقدمة إلى الأمام، طبيعية و منفتحة.. في اتجاه تطوير التعليم، و تحسين أدائه، من خلال العناية بهيئته، و بكل مكوناته، و هو المشروع الإصلاحي الكبير، أو لنقل الإرث المركب الضخم، من المشاكل و القضايا و الأسئلة، التي هي اليوم على طاولة وزارة حكومة العهد المغربي الجديد..

قال الأستاذ الجابري مقارنا بين واقع التعليم في بداية الاستقلال، و نهاية الأحداث السياسية التي عرفها المغرب، خلال فترة السبعينيات، في كتابه "أضواء على مشكل التعليم في المغرب" سنة 1974: ( و نحن اليوم حينما نواجه هذا المشكل – يقصد التعليم – و بعد ثمانية عشر عاما، من التيه في سراديب الفوضى و اللامسؤولية و الارتجال.. نجد أنفسنا في نفس الموقع، الذي كنا فيه عام 1956، و أمام نفس المشاكل و إزاء نفس المهام ). و في سنة 2003 ، في العدد 13 من كتيبه الصغير، الذي عنونه بمواقف، حيث دون سيرته الذاتية الفكرية.. يعود الجابري لطرح نفس المشكل – تخلف النظام التعليمي المغربي– متسائلا عن سر هذه المفارقة الغريبة، التي ميزت الحقل التربوي و التعليمي المغربي، حيث لم يتأثر بالتطورات الواضحة، و التغيرات السريعة، و التحولات الكبيرة، التي شهدها و لا يزال يشهدها، العالم من حوله..، و كأن عجلة التاريخ و الزمن المغربيين، قد توقفا منذ رحيل المستعمر الفرنسي. يقول الأستاذ الجابري بهذا الصدد: ( تلك هي العبارات التي افتتحنا بها خاتمة كتابنا " أضواء على مشكل التعليم في المغرب" منذ ثلاثين سنة. و لاشك أن القارئ يلاحظ معنا أنها عبارات تعبر، إن لم يكن بلفظها فبمضمونها، عن واقعنا اليوم. و لا نظن أن أحدا سيتهمنا بالمبالغة إن نحن صرخنا اليوم، و نحن في بداية عام 2003، الصرخة نفسها التي أطلقناها في أواخر عام 1973 ) .

فالمسألة التعليميةالمغربية إذن، كما تجلت ملامحها حسب موقف محمد عابد الجابري، هي بمثابة تصور فكري ذي طابع تركيبي معرفي، يصعب فهمه و تمثل أبعاده العميقة، في معزل عن المعالجة النسقية، و المقاربة الشمولية لكل فكر الجابري المنهجي و السياسي و الفلسفي. بمعنى أن دور المرجعية الفكرية و الفلسفية هنا، حاضر بشكل كبير فيما يخص دورها الجوهري، في لمّ و نسج خيوط موقف الجابري، من قضية أزمة التعليم المغربية، هو من المستويات المنهجية المهمة، التي يلزم كل باحث الانتباه إلى أهميتها التحليلية و التصورية المتعددة الأبعاد.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - موضوع جيد
سيمون خوري ( 2012 / 5 / 9 - 17:46 )
أخي محمد بقوح المحترم تحية لك مادة جيدة حول قضايا التعليم رغم أني لا معلومات لي حول المسألة التعليمية في المغرب . لكن أعرف أن هناك أزمة عامة في مناهجنا التعليمية في العالم العربي عامة مناهج ترتكز على مفاهيم بعضها عنصري لشديد الأسف عدا عن تخلفها الأكاديمية والتربوي . أخي محمد شكراً لجهدك


2 - كلمة تقدير
محمد بقوح ( 2012 / 5 / 10 - 00:14 )
أشكركم أخي الشاعر سيمون خوري
على اهتمامكم الجميل بما نكتب محاولين فيه طرح وجهات نظرنا في بعض قضايا الفكر في زمننا المغربي و العربي و الإنساني عامة. و هي على كل حال وجهات نظر قابلة للمناقشة
مع كامل تقديري و احترامي لكم

اخر الافلام

.. فراس ورند.. اختبار المعلومات عن علاقتهما، فمن يكسب؟ ????


.. 22 شهيدا في قصف حي سكني بمخيط مستشفى كمال عدوان بمخيم جباليا




.. كلية الآداب بجامعة كولومبيا تصوت على سحب الثقة من نعمت شفيق


.. قميص زوكربيرغ يدعو لتدمير قرطاج ويغضب التونسيين




.. -حنعمرها ولو بعد سنين-.. رسالة صمود من شاب فلسطيني بين ركام