الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل يضمن الإقطاع السياسي مستقبل الأكراد!!

كريم عبد

2012 / 5 / 9
القضية الكردية


إقليم كردستان العراق:
هل يضمن الإقطاع السياسي مستقبل الأكراد!!

تكاد ظاهرة الإقطاع السياسي أن تصبح جزءاً من الماضي، لكنها ما تزال موجودة في بعض البلدان التي، لأسباب مختلفة، لم تدخلها الحضارة الحديثة وتفكّك بناها الاجتماعية لتعيد تركيبها ثقافياً وحقوقياً بما يتلائم مع متطلبات الحياة الحديثة. إقليم كردستان العراق واحد من تلك المناطق التي ما تزال تخضع لسلطة الإقطاع السياسي متمثلاً بحزبي (الاتحاد الوطني - طالباني) و (الديمقراطي الكردستاني - بارزاني)!
سلطات أقطاعية ترسّخت سياسياً عبر تبنيها لكفاح الشعب الكردي في ثوراته التحررية، لكنَّ هذا النمط من السلطات يأخذ أكثر مما يعطي، فقد تحّولت تضحيات الشعب الكردي رصيداً سياسياً لتكريس سلطة (القيادة التاريخية) لهذين الحزبين. لكن الإقطاع السياسي، مهما فعل، لن يستطيع التملّص من استحقاقات التطور التاريخي للمجتمع الكردي الذي أخذت بناه القديمة تتفكك بالتدريج لمصلحة مفهوم المواطنية وتكافؤ الفرص، وذلك عبر تطور الثقافة الحقوقية للمجتمع المدني والمؤسسات الرسمية سواءٌ بتأثير النضال الداخلي للمعارضة الديمقراطية، أو بتأثير الحياة الحديثة، إذ لا بدّ أن تحلَّ في النهاية حقوق المواطنين المدنية والسياسية محل ثقافة الهيمنة الاقطاعية و (سلطة الأغا).
وليس من باب التوقّع القول إن الإقطاع السياسي صائر إلى زوال، بل هي حقيقة موضوعية ستفرضها جملة التطورات المحيطة بالإقليم. وإزاء ذلك فالسؤال هو: إذا كان الإقطاع السياسي لا يملك ضمانة لمستقبله، فهل بوسعه حماية حقوق ومستقبل الشعب الكردي؟! طبعاً لا، لأن فاقد الشيء لا يُعطيه.
من هنا يصبح المستقبل حليف المعارضة الديمقراطية (حركة التغيير وسواها) إذا أدركت أهمية كفاحها المطلبي اليومي وربطته بمشروع تحديث المجتمع الكردي، حيث الطبقة الوسطى الصناعية والزراعية صاحبة المصلحة الحقيقية بتحديث الجهاز السياسي والإداري للإقليم وتطوير ثقافته الحقوقية. هذه هي نقطة الصراع الجوهرية بين القوى الصاعدة في المجتمع الكردي وبين سلطة الإقطاع السياسي.
إن الإقطاع السياسي حالَ وسيحول دون تحديث وتمدين للمجتمع الكردي، لكي يحول دون تطوّر طبقته الوسطى التي لا بدّ أن تصنع أداتها السياسية، أي حزبها السياسي الذي يمثل مصالحها داخل الدولة وخارجها. وهنا يكمن القاسم المشترك بين سلطة بغداد متمثلةً بالأحزاب الدينية، التي لا تقل تخلفاً في بنيتها الثقافية عن سلطة الإقطاع السياسي في الإقليم، حيث الطرفان يعتمدان على إعاقة الصناعة والزراعة المحلية والإكتفاء بالتجارة الخارجية، إذ استولت قيادات الأحزاب النافذة في بغداد وأربيل والسليمانية على عمليات الإستيراد وحوّلت العراق عموماً إلى بلد استهلاكي تُميّزه حالة لا سابق لها في تبديد عائدات البترول الهائلة!!
لقد همّشت حكومة الاقليم أية خطط ستراتيجية لتطوير الصناعة والزراعة المحلية التي بوسعها تحقيق الإكتفاء الذاتي للسّكان، لأن هذا المشروع يحتاج لقوانين ضريبية وهيئات رقابة ومحاسبة فعلية لطرق إنفاق المليارات القادمة من بغداد، كما يحتاج لتطوّير التعليم الجامعي، المهني والحقوقي، بما يخلق نخب مثقفة جديدة، حيث يحل المهندس والمحامي ورجل الأعمال محل شيخ العشيرة و(ثقافة الأغا).
ولذلك تبنت سلطة الإقليم، التي يتناوب عليها الحزبان المذكوران، مشروع تحويل كردستان العراق إلى منطقة سياحية، معتقدةً إن بوسعها تبني أساليب دولة الإمارات العربية المتحدة في التطور العمراني والاستثمارات السياحية والخدمية، دون الأخذ بنظر الاعتبار الفوارق النوعية التي تحول دون إمكانية استنساخ تجربة دبي أو أبو ظبي وتكرارها في الإقليم.
وإذا كانت دولة الإمارات قد تبنّت مشاريع استثمارية وسياحية أدّت إلى تعدد مصادر الدخل القومي، إذ وظّفت عائدات النفط لخدمة هذه المشاريع، وقد نجحت لاحقاً بجعل البترول يشكّل أقل من أربعين بالمئة من الدخل القومي، فكان هذا المشروع ملائماً لمجتمع قليل العدد يملك في نفس الوقت أراضي واسعة وموانئ ومناطق ساحلية جميلة، ومَنْ يدير المرافق السياحية والخدمية هم من مجتمع المهاجرين. لكن هذه الظروف لا تنطبق على إقليم كرستان حيث عدد السكّان كبير نسبياً، والمجتمع الكردي الزراعي الرعوي كان في أتون ثورة وطنية هدفها التحرر وتحقيق العدالة. ومفهوم العدالة في أي بلد لا بد أن يرتبط بالقيم والتقاليد المحلية، وثقافة الأكراد إسلامية محافظة وبالتالي فإن العدالة لا بد أن ترتبط بالنسبة للكردي بكرامته الشخصية متمثلةً بالمحافظة على تقاليده الاجتماعية التي إذا أُريد لها أن تتطور، فلا بد أن تتطور بالتدريج ولكن ليس بإحلال الثقافة السياحية والاستهلاكية محل ما عداها!
إن من غير المنطقي أن يواصل الإنسان حياة آبائه وأجداده ثائراً من أجل العدالة، وبعد سقوط نظام البعث يجد نفسه مُنظم حفلات ليلية أو حارس في باب فندق خمس نجوم، أو رجل أمن يلاحق أخوانه المحتجين المطالبين بحقوقهم. إن حالة كهذه لا يمكن أن تخلق مجتمعاً مستقراً، ناهيك عن ضمان مستقبله.
لقد أدى كل ذلك إلى حالات غير مسبوقة، فمع شيوع الفساد المالي والاداري وثراء المسؤولين الفاحش، ساهم الاقتصاد السياحي بتكريس ظواهر اقتصادية مشوّهة، حملت معها أزمة قيم ومفاهيم أدت الى إثارة اضطرابات اجتماعية مصحوبة بعنف دموي، وكان آخرها ما حدث في دهوك قبل شهور، بين مواطنين محافظين وبين بعض مراكز الترفيه السياحية، ناهيك عن بروز ظواهر مقّلقة في مختلف مناطق الإقليم، حيث يشير أحد البحوث إلى موت 360 أمرة سنوياً بين قتيلة ومنتحرة!
وكلما تصاعدت الأزمات الاجتماعية وانتهاكات حقوق الإنسان، تعمد سلطة الإقليم إلى تحريك ملف الدولة الكردية أو إثارة قضية كركوك بما يوتر الأجواء السياسية في عموم العراق حيث تستغله حكومة بغداد أيضاً، للتغطية على فضائح الفساد وانعدام الخدمات!
إن السؤال الذي يرافق هذه الصراعات والازامات يظل كما هو: إذا كان تحقيق العدالة هو جوهر الديمقراطية، فهل بوسع (الأغا) مغادرة كرسي السلطة والسماح للمعارضة الحلول محله إذا فازت بالانتخابات؟ وأيضاً: هل قاتل الشعب الكردي وضحى من أجل الحرية والعدالة أم من اجل هيمنة الإقطاع السياسي على الإقليم؟!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. طلاب جامعة كولومبيا.. سجل حافل بالنضال من أجل حقوق الإنسان


.. فلسطيني يصنع المنظفات يدويا لتلبية احتياجات سكان رفح والنازح




.. ??مراسلة الجزيرة: آلاف الإسرائيليين يتظاهرون أمام وزارة الدف


.. -لتضامنهم مع غزة-.. كتابة عبارات شكر لطلاب الجامعات الأميركي




.. برنامج الأغذية العالمي: الشاحنات التي تدخل غزة ليست كافية