الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سفير القتل الإلهي ودعموص الجنة

رأفت عبد الحميد فهمي

2012 / 5 / 10
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


هل يبلغ بنا الشطط والإبتداع إذا احتكمنا إلى أليات التحليل العقلي والمنطقي وهي تمحص نصوصا سماوية مقدسة قطعية الدلالة قطعية الثبوت هي نصوص يشي ظاهرها بإضفاء التسويغ الشرعي العادل على أن قتل الصغير حلال وغير مستحيل وغير مستهجن ولا مستقبح إذا أذن الله بتجويز فعل القتل العمد ( تفسير القرطبي ج6 ص 4060) مثلما قتل الخضر الغلام كما ورد في سورة الكهف بلا ذنب يأثم عليه وبلا جريمة بينة يشهد عليها أهل قريته فإذا قال تعالى في محكم كتابه العزيز: " ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق " ( الأنعام -151 ) هنا يباشر الله بنفسه شريعة القتل بالحق وقوله تعالى : " فلم تقتلوهم لكن الله قتلهم " ( الأنفال 17 ) ولأن الله فعال لما يريد ولا يسأل عما يفعل حيث جاء القتل كما قال المفسرون :هو قتل من باب دفع الضرر كقتل الحيات والسباع لا من باب القتل المترتب على التكليف . وهكذا تكون الرحمة قد بلغت ذروتها إذا أمر الله سبحانه و تعالى بتنفيذ عقوبة الإعدام في غلام صبي لم يجترح ذنبا يسوغ الإعدام ورغم كونه صبي لا يقتص منه لكن الأمر الإلهي جاء بضرورة قتل الغلام لأنه إذا قضى الله أمرا فلا معقب لآمره بلا فحص لقرائن الذنوب التي استوجبت حكم الإعدام فلا استئناف ولا نقض ولا مراجعة فهو حكم نهائي بات فالمهم هو درء المفسدة المنتظرة التي سوف تتفاقم كارثيتها في المستقبل الثاوي بين طيات الغيب الذي لا يعلمه إلا الله .

هكذا شاءت العدالة الإلهية أن يكون التخلص من الغلام بالقتل وليس بأي طريقة إلهية أخرى كالتي تم تسويغها مع الأمم السابقة فلا تفعيل لإليات الطوفان و الجراد والقمل والضفادع والدم والريح الصرصر العاتية ولا الصيحة ولا الإصابة بالأوبئة والأمراض ولا الإحراق ولا الغرق في اليم لذا كانت هناك البدائل عديدة لكن المشيئة الإلهية لم تختار أصابة الغلام بالمرض العضال أو أخذه أخذ عزيز مقتدر بل أختار الله أن يكلف عبدا صالحا أتاه الله رحمة وعلما : " فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما " ( الكهف -65) لتنفيذ عملية القتل هذا العلم الممنوح هو العلم اللدني لذا فلا حرج على الله أن يختار عبدا من عباده وينعم عليه بعلم خاص من وراء النبوة بأحكام غير ظاهرية لها علل باطنية اختص الله بها هذا الذي سماه رسول الله الخضر ...( تفسير الشعراوي لسورة الكهف المجلد 14 ص 8954 ) لذا صدر الحكم وتم تكليف عبدنا الصالح للقيام بالمطلوب ولنا أن نتتبع مسار التكليف فتكون التعليمات الإلهية واضحة لا إلتباس فيها كي تسهل على عبدنا الصالح اتمام وتنفيذ المأمورية على أحسن وجه من الدقة والإحكام والإتقان لذايجب تحديد المكان الذي سيتواجد فيه الغلام وليكن إحدى طرق القرية الهادئة الخاوية بعيدا عن مجمع البحرين فلن يتم منح عبدنا الصالح عنوان سكن العائلة فلن يقتل المغدور وسط عائلته أثناء النوم مثلما أمر رسول الله عمير بن عدي الخطمي لقتل عصماء بنت مروان والتي قال بعد قتلها وهي نائمة وسط أطفالها أن أمر قتلها لا ينتطح فيه عنزان ( سرايا رسول الله لأبي تراب الظاهري ص 49) لأنها قد سبت الرسول ببيتين من الشعر أي أنه ليس هناك حرج في قتلها ولأننا ازاء قتل غلام كان نكرة و ليست له أي خصوصية إجتماعية مميزة لذا يجب أن تشمل التعليمات الإلهية كافة البيانات الشافية و الوافية والتي سوف تحدد سمات وصفات ذلك الغلام من طول وعرض ولون و ملبس وهندام وربما كان يتمتع بعلامة فارقة في وجهه وسم بها منذ ولادته كي ما يستدل عبدنا الصالح عليه في سهولة ويسر ويميزه دون غيره من الغلمان فربما تشابهت الوجوه عليه كما يلزم تحديد زمن تواجد الغلام نهارا في المكان المحدد حتى اللحظة الموعودة للقتل فالقتل هنا مع سبق الإصرار والترصد لكن حيثيات التعليمات الإلهية قد أغفلت شيئين لهما من الأهمية القصوى لعبدنا الصالح وهو ما لم تفصح عنه الأيات البينات أولاهما ما هي أداة القتل التي ستساعده في إنجاز المطلوب فهل تركت الحرية لعبدنا الصالح في اختيار الأداة المناسبة فهناك العديد من وسائل القتل مثل الرمح أوالسيف أوالخنجر أوالسكين إذا فضل حز الرأس وضرب العنق أو فضل تسديد الطعنات النافذة في الظهر أو الصدر حتى يسقط الغلام مضرجا في دمائه ويتيقن عبدنا الصالح أن الغلام قد فارق الحياة فإذا لم تحدد التعليمات الإلهية أداة القتل فسوف يلجأ عبدنا الصالح إلى الإستعانة بيديه القويتين في شدخ رأسه بحجر صوان أو يلجأ إلى الضغط على الرقبة كي ما يختنق الغلام ويلفظ الروح ومن ثم يخر صريعا دون أي إراقة للدماء أما ثاني الأمور التي أغفلتها الأيات هي ما هو مصير جثة القتيل بعد انجاز المأمورية فهل ستترك في عراء الطريق تنهشها كلاب السكك أم ستترك نهبا لجوارح الطيور تقتات رمتها وربما تتكبد العائلة المنكوبة الكثير من المشاق في مصابها الأليم حتى تعثر على جثة طفلها ومن ثمة يتولون دفنها فيما بعد ومن المؤكد أن ظاهر السياق أن السلطات في القرية كانت تجهل أمر المسؤول عن القتل فلا علم لديها ولا دراية أن هناك سفيرا مبعوثا للقتل الإلهي يحمل من التكاليف السماوية والعلوم الباطنية ما يخول له القيام بالقتل في الخفاء لذا فلن تصل السلطات إلى معرفة الجاني فتضطر إلى احتساب الجريمة النكراء شكل من أشكال الإنتقام أما إذا أعيتها الحيل قيدتها ضد مجهول نظرا لأن عبدنا الصالح ورفيقه نبي الله موسى عليهما السلام قد أسرعا بالفراروالإبتعاد عن عيون الناس و غادرا مسرح الجريمة خشية خطر الإنكشاف والقبض عليهما ولنا أن نلحظ سلبية الشاهد الوحيد لعملية القتل والحاضر لكافة تفاصيلها ودقائقها لحظة بلحظة والتي أخذ يتابع قسوتها وبشاعتها بأم عينيه منذ بدءهجوم عبدنا الصالح على الغلام والإمساك به حتى الإجهاز عليه وقتله دون أن يحرك ساكنا ولو بالتدخل اللحظي و السريع التلقائي لمن يشاهد اعتداء بالقتل غير المبرر لكن نبينا الكريم المشهور عنه الحمية وسرعة الغضب وقف لا يلوي على شيئ غير أن يستنكف المشهد بعد تمامه والإنتهاء منه قائلا : "أقتلت نفسا زكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا " ( الكهف 74 ) فإذا هدده عبدنا الصالح بعدم الصبر بادر بالتراجع عن الإستنكار الممقوت وقال كمن لا يريد أن يحرم نفسه من لذة المشاهدة البشعة : " إن سألتك عن شيئ فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا " ( الكهف 76 ).قال المفسرون الأجلاء كان الله قد أباح للعبد الصالح الإجتهاد في قتل النفوس ( تفسير القرطبي ج6 ص 4075 ) هذا عن الجزء الجنائي من القضية لكن عبدنا الصالح قد تنصل من فعلته وقال :" وما فعلته عن أمري ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرا " (الكهف-82).إذن هو براء من سفك دماء الغلام المغدور فهو ليس إلا عبد صالح بالغ الطاعة والصدق والورع في تنفيذ أوامر الله مالك الملك ليس إلا.
أما إذا استعرضنا الأسباب الإلهية التي استند إليها عبدنا الصالح في تنفيذ عملية القتل والتي جاءت على لسانه هي : " وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين فخشينا أن يرهقهما طغيانا وكفرا فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا منه زكاه وأقرب رحما " ( الكهف 80 و81 ) فسوف نجد الإشكالية القانونية والشرعية إذاقبلنا الحكمة الإلهية في أقصى تجلياتها وهي تباشر مشيئتها في تطبيق الأحكام السماوية في أنقى صورها وفي أوضح دلالاتها عندما سوغت عقوبة القتل بهدف الخشية من أن الغلام سوف وسوف وسوف يفتن أبويه ويرهقهما طغيانا وكفرا وتلك عقوبة تتسم بالشذوذ وبمنافاتها للعدالة والدليل أنها لم تتخذ قاعدة في فقه القانون الجنائي أوعند تطبيق الحدود والعقوبات والتعاذير حيث نصطدم إزاء تلك الإشكالية بعلم الله الغيبي أن الغلام سيرهق أبويه الطغيان والكفر مستقبلا و لا نعلم ما هي حيثيات ذلك الطغيان المزمع إتيانه وكأن أبويه المؤمنين ولا ندري بأي عقيدة كان ايمانهما ليسا مبتلين كسائر المؤمنين الأخرين وأنهما مسؤلين عن عصيانهما وكفرهما فلا تزر وازرة وزر أخرى.
وأن ذلك من الظلم الفادح فكأن منشأ الإستيحاش هو أن يخلق الله نفسا شريرة مشحونة بزخم من المفاسد أسكنها الله فيه منذ كان الغلام نطفة أمشاج ثم علقة مخلقة ثم مضغة ثم عظاما ونفخ فيه الروح وصوره في رحم أمه حتى حملته وهنا على وهن ثم وضعته كي يتم الرضاع (الشر الميتافيزيقي ) وهو عالم أنه سيسبب لأبويه الضرر الساحق ثم يرسل إليه من يتربص به ليقتله بدلا من أن لا يخلقه من البداية وبدلا من الهداية والإنذار والتبشير والتبليغ وكأن الله اكتشف ماسوف يؤول إليه في المستقبل كأنه اللغم الذي أوشك على الإنفجارفأسرع بإبطال مفعوله الكارثي بأرسال قاتل ينجز المهمة ثم يمضي بلا أي وخز للضمير بل بقلب بارد يتابع التكليفات السماوية الثالثة ببناء الجدار فوق الكنز المدفون بكل شهامة ونبل . فهل من العدل والحكمة والمنطق والمعقولية أن يخالف الله مقتضى الإعتبارات الأخلاقية والعقلية والإنسانية بلا تقييد لقدرته المطلقة وتمشيا مع صريح الأية " وما أنا بظلام للعبيد "(سورة ق 29) قال الزمخشري : لو عذب الله من لا يستحق لكان ظلاما مفرطا في الظلم والظلم مستحيل على حكمته وغير مستحيل على قدرته (تفسير الكشاف للزمخشري ج4 ص268)هكذا يصدم النص عقولنا ويتحدى منطق التاريخ والضمير الإنساني كما قرر شيخنا الجليل الشعراوي أن قضاء الله جاء خيرا للغلام وخيرا للوالدين وجميلا أسدى إلى كليهما ومن الغباء إذا مات لدينا طفل صغير أن نحزن عليه وننعي طفولته التي ضاعت لأننا لا ندري أن من أخذ من أولادنا قبل البلوغ لا يحدد له مسكن في الجنة لأنها جميعا له يجري فيها كما يشاء لذلك يسمون دعاميص الجنة والدعموص هو الدخال في الأمور أي أنهم سياحون في الجنة "أخرجه مسلم في صحيحه( 2635) وأحمد في مسنده (2/510)تفسير الشعراوي المجلد 14 ص 8970 و8971) وقد نسي شيخنا الجليل أن يحدد دلالة ما حدث ويقول أن من قتل من أولادنا قبل البلوغ وليس أخذ والفارق بين القتل والأخذ كبير فالله يحيي ويميت ولم تذكر الأيات أن الله يحيي ويقتل غلاما سوف يرهق أبويه طغيانا وكفرا الطريف بعد سرد تلك المشاهد البشعة أن عبدنا الصالح قد طلب من الله أن يبدل الأبوين من هو أقرب رحما ثم أنتقلت الأيات إلى ذو القرنين تاركة لنا استنباط هل منح الأبوين البدل السليم الخالي من المفاسد الجمة أم لا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - هل هذه العدالة الإلهية ام انتقام بشرى !!
حكيم العارف ( 2012 / 5 / 11 - 04:49 )
هكذا شاءت العدالة الإلهية أن يكون التخلص من الغلام بالقتل وليس بأي طريقة إلهية أخرى كالتي تم تسويغها مع الأمم السابقة فلا تفعيل لإليات الطوفان و الجراد والقمل والضفادع والدم والريح الصرصر العاتية ولا الصيحة ولا الإصابة بالأوبئة والأمراض ولا الإحراق ولا الغرق في اليم لذا كانت هناك البدائل عديدة لكن المشيئة الإلهية لم تختار أصابة الغلام بالمرض العضال أو أخذه أخذ عزيز مقتدر بل أختار الله أن يكلف عبدا صالحا أتاه الله رحمة وعلما : - فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما - ( الكهف -65) لتنفيذ عملية القتل هذا العلم الممنوح هو العلم اللدني لذا فلا حرج على الله أن يختار عبدا من عباده وينعم عليه بعلم خاص من وراء النبوة بأحكام غير ظاهرية لها علل باطنية اختص الله بها هذا الذي سماه رسول الله الخضر ...( تفسير الشعراوي لسورة الكهف المجلد 14 ص 8954 )


2 - القتل التأديبي
مرزوق لطفي ( 2012 / 5 / 14 - 09:57 )
تثير فينا مقالتك عزيزي الكاتب الحيرة والتخبط حين نتأمل العدالة الإلهية وهي تنص بصريح الأيات واقعة القتل التي أخبرنا بها فهذة الحادثة دون غيرها تكشف عن الوجة الآخر للاهوت الديني سواء للنبي موسى أو نبينا محمد بن عبد الله عليهما السلام وهل استفاد النبي موسى من مشهد قتل الغلام كي يدرج هذا الفعل في الشريعة اليهودية ؟؟؟؟؟؟...مقالتك تجعلنا نبحث ونبحث وشكرا لك.

اخر الافلام

.. بعد أنباء سقوط طائرة الرئيس الإيراني.. المرشد الأعلى: لا تعط


.. عالم دين شيعي: حتى القانون الألهي لا يمكن أن يعتبره الجميع م




.. 202-Al-Baqarah


.. 204-Al-Baqarah




.. 206--Al-Baqarah