الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفيزون في جامعة النجاح

عبد الغني سلامه
كاتب وباحث فلسطيني

(Abdel Ghani Salameh)

2012 / 5 / 11
المجتمع المدني


تناقلت صفحات عديدة عبر موقع الفيس بوك خبرا مفاده أن جامعة النجاح الوطنية في نابلس قامت بمنع الطالبات من ارتداء ما يسمى "الفيزون" داخل الحرم الجامعي. وبما أني من المهتمين بأخبار جامعة النجاح، والمتابعين للنجاحات العلمية والأكاديمية المتواصلة التي تحرزها على أكثر من صعيد؛ فقد تعجبت من الخبر، ولم أصدّقه، لقناعتي أن رئاسة الجامعة ليس لديها الوقت للانشغال بمثل هذه الأمور التافهة، في الوقت الذي تواصل فيه تقدمها وشق طريقها لأخذ مكانة أفضل في مجال البحث العلمي، لتحقيق طموحها في أن تصنف ضمن المراتب المتقدمة بين جامعات العالم المرموقة.

لذلك بدأت بالبحث والتأكد من صدقية الخبر، وقد أسعدني أن السيد خالد مفلح مدير العلاقات العامة في الجامعة قد نفى هذا الخبر في لقاء مع PNN، مؤكدا أن الجامعة لا علم لها بهذا الموضوع، وأنها لا تُصدر مثل هكذا قوانين. ومع استمرار البحث وجدت أن نفس الخبر وبنفس الصياغة يجري تداوله على مواقع أخرى لجامعات مختلفة، مثل: الجامعة الهاشمية في الأردن تمنع الفيزون، جامعة اليرموك تمنع الفيزون، وهكذا .. حتى أن نفس العبارات كانت تتكرر مثل: حريتك تنتهي عندما تبدأ حرية الآخرين، وأن المجتمع لن يصمت إذا صمت الأهل، وأن قرار المنع جاء من باب احترام التقاليد الإسلامية .. ما يدل بوضوح على أن جهة معينة هي من تقف وراء نقل هذه الشائعة.

ربما يكون تناقل الخبر بين الشباب على سبيل الممازحة، أو نوع من المناكفات الطلابية، وفي عصر الفيس بوك لا يحتاج أي خبر للكثير من الوقت حتى ينتشر. ولكن المهم في الموضوع من يقف وراء صناعة الخبر، ومن يسعى لتعميمه بين الجامعات كما لو أنه حقيقة واقعة، وما هي غايته من ذلك ؟

ليس من الصعوبة أبدا الإجابة على هذه الأسئلة، فمن الواضح أن نشطاء ينتمون لجماعات إسلامية هم المسئولون عن كل ذلك، ومن الواضح أن هدفهم من ترويج الخبر الإيحاء بأن الجامعات تُجمع على محاربة الفيزون، وتتفق فيما بينها على تقدير خطورته كما لو أنه آفة العصر. وأن هؤلاء النشطاء يسعون للتخلص من ظاهرة الفيزون في الجامعات، هذا على الأقل في المرحلة الحالية، أي حسب الظروف والمعطيات المتاحة، حتى باستخدام الكذب وترويج الشائعات (الكثير من الطالبات سيصدّقن الخبر، وسيلتزمن بمضمونه كما لو أنه تعليمات رسمية). وإذا ما تحسن الوضع أكثر، وتعززت قوتهم فسيواصلون مسلسل المنع ليطال أشياء كثيرة وربما كثيرة جدا، موجودة على قائمة المحظورات والمحرمات التي ينتظرون تهيؤ اللحظة المناسبة لفرضها على المجتمع.

علماً بأن أغلبية طالبات جامعة النجاح محجبات، وحتى غير المحجبات فإن لباسهن محترم كباقي نساء مجتمعنا، ولكن على ما يبدو أن هؤلاء الشبان كانوا ينظرون لزميلاتهم نظرة غير بريئة،كانت تثير فيهم غرائزهم الجنسية !! وهذا يدل أيضا على أن جُلّ اهتمام هؤلاء النشطاء هو كل ما يتصل بالتضييق على المرأة، ومحاصرتها، وإحكام السيطرة عليها، من خلال سلسلة من الفتاوى التي تنطلق من هوس جنسي غير عادي، نابع عن كبت جنسي وتصحّر روحي وانغلاق فكري.

من الملاحظ أن هؤلاء يمنحون أنفسهم سلطة على الفرد أعلى من سلطته على نفسه، وأعلى من سلطة الأهل على أبنائهم، وأعلى من سلطة القانون على المجتمع؛ فيتدخلون في خيارات الإنسان الشخصية، وفي لباسه ومسلكه بما يتناسب مع أفكارهم وأيديولوجيتهم المتزمتة، والتي لم يقر بها ديننا السمح المنفتح على الإنسانية، والمتصالح مع فطرة الإنسان المحب للجمال والحرية والحياة.

ملابس الطالبات ليست هي القضية الجوهرية، ولا هي المشكلة الأساسية في الجامعات العربية. المشكلة أن جامعاتنا لا تقدم شيئا للحضارة الإنسانية، ولا تسهم في حل مشاكل العالم المتزايدة، وليس لها أي نتاج ثقافي أو أدبي يعتد به، وهي في التصنيفات العالمية بالكاد تدخل وتحتل آخر القائمة.

الأجدى بطلبة الجامعات والقائمين عليها أن يكون تركيزهم منصبا على تطوير وتحسين مستوى جامعاتهم، وكيفية الارتقاء بها، والإجابة على الأسئلة المفزعة: لما تخلو قائمة أفضل ألف جامعة في العالم من أي جامعة عربية ؟! ولماذا لا تُحسن جامعاتنا سوى تخريج طوابير للبطالة ؟ ولماذا لا يمتلك الطلبة مهارات البحث العلمي والتفكير الإبداعي ؟ فلا نرى أيٍ منهم في الكهوف والحقول والغابات والمختبرات وعلى قمم الجبال وفي أعماق المياه؛ يقومون بأبحاثهم العلمية كما تفعل جامعات العالم المحترمة !! وكل ما يعرفه هؤلاء الطلبة هو النسخ والنقل والكتابة التنظيرية !! بل كيف يتخرج طلبة جامعيون وثقافتهم العامة غاية في الضحالة والسطحية، بل حتى في تخصصاتهم الأكاديمية !!؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الاستاذ عبد الغني سلامه المحترم
عبد الرضا حمد جاسم ( 2012 / 5 / 12 - 13:23 )
تحيه وتقدير
احسنت اخي فيما قدمت وانتهيت

واتمنى كما تتمنى ان يرتقي التعليم الى ما ينفع الطالب والمجتمع والانسانيه
دمتم اخي وصديقي الغالي بخير وعافيه


2 - العلاج واجب على الدولة لكل المهووسين جنسيا
محمد الشعري ( 2012 / 5 / 12 - 17:19 )
يجب أن تعالج الدولة كافة المهووسين جنسيا أشمل معالجة جذرية ممكنة. و لا بد لهذا الغرض من إنشاء العديد من الهيئات الحكومية و غير الحكومية المتخصصة في رصد و تحليل هذه الظاهرة
الوبائية و الوقاية ضدها على كافة الأصعدة و في جميع المجالات. تتمثل خطورة هذا الوباء الذهني في أن قد جعل الشعوب أو الفئات المصابة به موضع سخرية و محل إستهزاء الشعوب و الفئات الأخرى. لا يجوز أن يظل أي مجتمع متخبطا في الجنون و مشغولا بالسفاسف. فللجامعات مهام و وظائف أهم و أنفع من مراقبة أشكال اللباس و خصوصيات نسائية يخجل الرجل العاقل أن يجعلها شأنا عاما أو أن يبدي فيها رأيا أو حكما. أعتقد أن ذلك الهوس ليس جنسيا بالمعنى الدقيق للكلمة. يبدو أنه الهوس الشرجي الذي يتصف به الشاذون جنسيا و الذي أنتج التمييز ضد النساء طيلة العصور الغابرة الموبوءة بالفصل بين الجنسين. أعتقد أحيانا كثيرة أنه يجب إستخدم كل الوسائل و الأساليب دون أي إستثناء و بكل حدة و شدة لإستئصال جذور الهوس الجنسي و لتطهير المجتمع من أسبابه المباشرة و غير المباشرة. إنه عار على الشعوب و الدول، و ليس فقط على أفراد. ا


3 - ما هي المشكلة؟
لمى ( 2012 / 5 / 24 - 15:13 )
قلا أن نبدأ بالحلول يجب أن نتعرف على المشكلة
كما قلت في مقالتك الجامعات لهل هدف أسمى من التدخل في اللبس
ويجب على طلبة الجامعات أن يكون لهم هدف أسمى من الالتحاق الاعمى للموضة
ليس عيب أن نلبس على الموضة ولكنه عيب عندما يسيطر على كل تفكيرنا فبدل من القلق على الدراسة والامتحانات القلق في ماذا سنرتدي في الجامعة
ونظر الطالبات الى بعضهم وماذا ترتدي فلانة وماذا ترتدي علانة وهذه البنت حلو لبسها وتلك البنت مو حلو لبسها
لكل شيء لبسه ولكل مكان لبسه
لا نذهب للجامعة كي نعرض الازياء
وان كان موضوع الفيزون لا يضايق أحد فلا أحد سيتكلم فيه لكن لماذا يعلقون عليه الشباب؟ لأنه يلفت النظر؟ لكل مكان لباسه

اخر الافلام

.. موريتانيا.. تقرير أميركي يشيد بجهود البلاد في محاربة الاتجار


.. اللاجئون السوريون -يواجهون- أردوغان! | #التاسعة




.. الاعتداءات على اللاجئين السوريين في قيصري بتركيا .. لماذا ال


.. الاعتداءات على اللاجئين السوريين في قيصري بتركيا .. لماذا ال




.. الحكم بالإعدام على الناشطة الإيرانية شريفة محمدي بتهمة الخيا