الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تأنيث الفقر

عائشة خليل

2012 / 5 / 13
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات


يرصد علماء الاجتماع الظواهر الاجتماعية المختلفة ويعملون على دراستها، لثبر أغوارها، ومعرفة أسبابها، واقتراح الحلول لها. وفي الغرب لاحظ هؤلاء ارتفاع معدلات الفقر بين النساء مقارنة بمعدلاته بين الرجال. وبدأوا في دراسة تلك الظاهرة فاكتشفوا أن النساء أكثر عرضة للفقر من الرجال في الظروف المماثلة بنسبة تربو على ٣٠٪. وقد أطلقوا على تلك الظاهرة "تأنيث الفقر" وهو تعبير يوحي بما يقوم به المجتمع عامدًا متعمدًا (وإن كان بلا وعي) من إلحاق الفقر بالنساء وخصهن به من دون الرجال. وسيتضح لنا من ثنايا هذا العرض أن التسمية لم تأت من فراغ بل هي "اسم على مسمى" كما في التعبير الشائع. و"تأنيث الفقر" هي ظاهرة تنسحب على جميع المجتمعات البشرية في كافة أرجاء المعمورة، بحيث جاز أن نطلق عليها تعبير: الفقر امرأة، ولذا فقد عملت المجتمعات على محاربتها والقضاء عليها من خلال برامج مثل "تمكين المرأة" التي ترى فيها بعض المجتمعات البطريركية تهديدًا لسيطرتها التاريخية على النساء، وتعمل على محاربتها بدون التأني لمعرفة ما دعت إليه من مسببات.
وبدراسة أسباب ظاهرة "تأنيث الفقر" أرجعها علماء الاجتماع إلى سببين رئيسيين: أولهما، اتساع الفجوة في الدخول بين الجنسين، وثانيهما: ارتفاع عدد الأسر التي ترأسها نساء. فالتمييز المهني حسب نوع الجنس (الجندر) يخلق التفاوت في الأجور بين الجنسين، وذلك لأن الإناث محصورات في مهن تدفع أقل من المهن التي يهيمن عليها الذكور. ولم يتمكن الدارسون من تفسير تدني الأجور في المهن التي تهيمن عليها الإناث من خلال المهارة، والخبرة، والتعليم، والتدريب اللازم للقيام بتلك المهن. فأكثر من ثلث جميع النساء العاملات في المجال العام يقمن بأداء الأعمال الكتابية. كما أن ثاني أكبر قطاع تشتغل فيه النساء هو قطاع الخدمات: مثل خدمات الرعاية الصحية، والخدمات الغذائية، والشخصية وخاصة الخدمة المنزلية، وهو في العادة قطاع ذو أجور متدنية. وهكذا تنحصر النساء فيما بات يعرف "بجيتو الياقات الوردية" من الأعمال ذات الأجور المتدنية، بينما ينفرد الرجال بالأعمال التقنية والمهنية والتي تدر أجورًا مرتفعة.
وقد عرضت الدراسات الاجتماعية ثلاثة تفسيرات لتركز النساء في المهن ذات الأجور المتدنية وهي: دور التنشئة الاجتماعية، والتمييز في مكان العمل، والالتزامات العائلية. وتلعب التنشئة الاجتماعية دورًا حاسمًا في عزل النساء عن سوق العمل من خلال تشجيع الشابات على الانخراط في "مهن لينة" تتناسب مع الأدوار التقليدية للمرأة. فتُدفع النساء للعمل في قطاع الخدمات حيث تقمن بأدوار الرعاية - والتي هي امتداد طبيعي لأدوار الرعاية المنزلية التي تقوم بها النساء - أو تزين لهن مهن مثل التدريس والتمريض. بالإضافة إلى ذلك تواجه المرأة التمييز في بعض القطاعات مثل قطاعات الإنشاء والهندسة، والذي ينتج عنه التفضيل الانتقائي للرجال عن النساء. ويقيد الدور التقليدي للمرأة في الأسر خيارات المرأة المهنية، ويؤدي إلى تركز النساء في مهن هي أكثر توافقًا مع متطلبات تربية الأطفال والالتزامات العائلية التي ألقى المجتمع بها على كاهلها.
ونتيجة للخيارات العملية أثناء حياتهن المهنية تعيش النساء في فقر نسبي مقارنة بالرجال في جميع مراحل حياتهن. حيث تتلقى النساء معاشات أقل كثيرًا مما يتلقاه الرجال، مما يؤثر على مستوى حياتهن في الكبر، والرعاية الصحية المتاحة لهن عندما يكن في أشد الحاجة إليها. حيث يتمكن الرجال بفضل الدعم الذي يتلقونه من النساء من تعزيز مساراتهم المهنية، فيمضون ساعات أطول في العمل، مما يمكنهم من ارتقاء السلم الوظيفي بسهولة ويسر، الأمر الذي ينعكس إيجابًا على دخولهم المالية، وقدرتهم على الادخار، وكذا معاشاتهم في الكبر.
وقد قارنت الدراسات أيضًا بين مستويات المعيشة والدخول للأسر التي يعولها الرجال، وبين الأسر التي تعولها النساء، ولوحظ التفاوت بينهما، فالآثار المالية السلبية للطلاق أكبر على النساء منها على الرجال. فعادة ما تمنح حضانة الأطفال للنساء عند الطلاق، ويتفاوت الإسهام المادي للأبوين لرعاية الأطفال تفاوتًا بينًا، حيث تتلقى المطلقة في الأغلب دعمًا ماليًا منخفضًا، وبشكل غير منتظم من والد أطفالها. ومن أجل دخول سوق العمل والمنافسة فيه بكفاءة تحتاج المرأة إلى رعاية نهارية للأطفال بأسعار معقولة، وهو ما لا يتوفر عادة. وينتج عن كل هذا تدني المستوى المعيشي للزوجة (السابقة) والأطفال، مقارنة بالمستوى المعيشي للزوج، حتى وإن انخرط في تكوين عائلة جديدة. ولذا فقد بدأت بعض البلدان في تنفيذ سياسات لتطبيق دعم الأطفال من أجل تشجيع الآباء على المشاركة في دعم أبنائهم، وبالتالي الحد من الفقر في الأسر التي ترأسها النساء. ومن تلك السياسات استقطاع مبلغ الدعم المحدد من قبل المحكمة لصالح الأم الحاضنة، بل إن بعض البلدان ترفض تجديد رخصة القيادة للأب المتهرب من دفع نفقة أطفاله.
وهكذا وجدت الدراسات أن "تأنيث الفقر" مشكلة حقيقية لها جذور ضاربة في أعماق الفكر البطريركي الذي يشجع النساء على الاعتماد ماليًا على الرجال، بدون النظر إلى العواقب الوخيمة لذلك مع تغير الظروف الموضوعية. وعملت الأمم على إيجاد حلول ناجعة لتلك الظاهرة المؤسفة والحد من انتشارها على مستوى العالم. ولذا فقد كثر الحديث في الآونة الأخيرة على ضرورة تمكين المرأة والحد من تهميشها، وذلك لأن تمكين المرأة ينعكس إيجابيًا على الأسر وبالتالي على المجتمع كافة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الهرب من الزواج.. ينتشر بقوة.. وقد يستدعي تدخل طبيب!


.. 16 امرأة يتهمن الساحر الشهير ديفيد كوبرفيلد باعتداءات جنسية




.. لا تشكو المهر وغلاء الأسعار قد تكون مصابا بفوبيا الزواج | #ا


.. مصر.. سائق يحاول اغتصاب فتاة في القاهرة • فرانس 24 / FRANCE




.. يارا لابيدوس: قصّة امرأة عبّرت الموسيقى عن حنينها وعن جذورها