الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحرية بين النظرية و التطبيق ( القسم الثاني )

سلمان مجيد

2012 / 5 / 16
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


لقد انتهينا بالقسم الاول من هذا الموضوع ، عن مدى تحقق تلك الومضات الفكرية التي حاولت ان تنظر لمفهوم الحرية باعتبارها ضرورة من ضرورات الحياة ، وهنا اود تكرار السؤال ، هل تحققت تلك الومضات الفكرية على ارض الواقع ؟ وهل تمتع البشر بالحرية التي يصبوا اليها ، ليس البشر فقط بل كل كائن حي ؟ الجواب على ذلك سيكون بشقين : الاول / يتمثل بالمنجزات النظرية التي يمكن التعرف عليها من خلال المجزات القانونية و الحقوقية ، ومن ابرزها ما ورد في الفقرة (ج) من المادة (76) من الفصل (12) من ميثاق الامم المتحدة و النظام الاساسي لمحكمة العدل الدولية ، فما ورد في هذه الفقرة : (( التشجيع على احترام حقوق الانسان و الحريات الاساسية للجميع بلا تميز بسبب الجنس او اللغة او الدين ولا تفريق بين الرجال و النساء ، و التشجيع على ادراك ما بين شعوب العالم من تقيد بعضهم بالبعض ))(11) ، اضافة الى دور الحكومات و الانظمة السياسية من خلال ما تم تضمينه في الدساتير و القوانين الاساسية للدول و التي احتوت على كثير من البنود التي تراعي فيها ذات المبادئ التي اقرتها الشرائع الدولية في احترام الحريات وحقوق الالانسان ، وتدعيما لمهمة رعاية هذه المبادئ تشكلت في معظم بلدان العالم منظمات المجتمع المدني التي غطت ـ بموجب مبادئها ـ احتاجات البشر من رعاية في مجال حق الحياة والعمل و التنقل و الراي .... الخ ، ولكن اين هذا كله من الشق الثاني من الاجابة عن ذلك الساؤل المتعلق بتحقق انجاز الحرية للبشر ، اعني بذلك : هل تحقق امل الشعوب في نيل حريتها في جميع جوانب تلك الحرية ؟ الجواب : من يدعي هذا او ذاك او مابينهما ، ومهما تكن الاجابة فان واقع الحال هو الذي يفعل فعله مهما كانت الدوافع الانسانية التي تتمتع بالمشروعية باحترام البشر ، وان هذا ( الامر الواقع ) يتجسد بعوامل و مؤثرات عديدة ، منها :
1 ـ طبيعة الانظمة السياسية .
2 ـ طبيعة المجتمع ( الفئات المسيطرة على حركة المجتمع )
3 ـ النزعات الفردية و المتمثلة ، ب : ا ـ الدوافع الطبيعية .
ب ـ الدوافع الاجتماعية .
ج ـ الدوافع الاقتصادية .
د ـ الدوافع العقائدية .
وقبل ان اتطرق الى موجز لكل من العوامل و المؤثرات تلك لابد من الاشارة الى ذلك المحرك الذي قد يقف في وجه تلك العوامل و المؤثرات التي تعمل على لجم الانطلاق نحو طمئنة تلك الحاجات الخاصة و العامة ، الا وهو مايعرف بالارادة الحرة التي (( تعني قدرة الانسان على التقرير و الاختيار و انتخاب الامكانية من عدة امكانيات موجودة و ممكنة ، وهذا يعني قدرة الانسان على اختيار و تعين حياته الخاصة و رسمها كما يريد ))(12) و ان تلك القدرة تزداد كلما ازداد ادراك القوانين الموضوعية التي تفضي الى زيادة نشاط و حرية و وعي ذلك الانسان .(13)
اعود الى تلك العوامل و المؤثرات التي تعمل على انطلاق الحرية الى ابعد مدى او الحد منها او حتى الغائها . اولا / طبيعة النظام السياسي ــ براي ــ انه من اخطر تلك العوامل و المؤثرات التي تلعب ذلك الدور المشار اليه اعلاه و ذلك لسبب بسيط جدا ، الا وهو امتلاك النظام السياسي ــ اي نظام ــ بكل مفاتيح و ادوات حركة المجتمع ، كان ذلك في جانبه المادي الاقتصادي او الاجتماعي الثقافي او الفكري وحتى العقائدي ، و تلك المفاتيح و الادوات تتمثل بسلطة القمع التي تتيح للسلطة من خلال القوانين الوضعية او الغيبية المستمدة من طبيعة النظام ، ولو استعرضنا انواع تلك الانظمة على مدى التاريخ نرى ان الذي لم يتغير ، بالرغم من عديد هذه الانظمة هو ( سلطة القمع ) تحت ذرائع عديدة منها و اهمها ــ حسب ادعاء كل تلك الانظمة ــ هو تحقيق مصلحة المجتمع ، وهذا الادعاء و ان كان صحيحا ، يحتاج الى تدقيق و تحقق مصداقيته من خلال معرفة الامتيازات المادية ـ الاقتصادية و المعنوية التي يتمتع بها من يتصدى لادارة ذلك النظام و مقايستها مع ما يتمتع به سواد المجتمع ــ تحت سلطة ذلك النظام ــ من حقوق مادية ـ اقتصادية او معنوية ، عند ذلك يتبين لنا حجم الحرية المتاحة لكل من سلطة النظام و افراد المجتمع .
ثانيا / طبيعة المجتمع ( الفئات المسيطرة على حركة المجتمع ) : يتعلق هذا العامل بالبنية او التركيب الاجتماعي الذي يتوضح من خلاله الفئات و الطبقات الاجتماعية و مدى حجم كل طبقة او فئة بالنسبة للفئات او الطبقات الاخرى و تمتع كل من هذه الطبقات بالامتيازات التي تتيح لها الهيمنة على التحكم بالنظام السياسي ، الذي يقرر بموجب تلك الامتيازات طبيعة و حجم الحرية التي يتحصل عليها او يمنحها بموجب القوانين ، حتى ولو كان ذلك من الناحية الشكلية .
ثالثا / النزعات الفردية : تعتبر النزعات و الدوافع الفردية من بين تلك العوامل المؤثرة في حركة ( الحرية )اندفاعا او تراجعا ــ حسب الطبيعة السايكولوجية لذلك الفرد ــ ولكن عموم افراد المجتمع لايتمتعون بتلك ( الكارزما ) التي يتمتع بها العباقرة الذين تمكنهم تلك ( الكارزما ) في لعب دور في حركة الحرية خاصة او في حركة المجتمع عامة ، كان ذلك على المستوى الفردي او الاجتماعي ، و التاريخ الانساني يعج بالنماذج ( الكارزمية ) التي غيرت مجرى التاريخ ، ومعظم هؤلاء لا زالت زوايا التاريخ تردد صدى افعالهم ، ولاشك بان ( الحرية ) كانت من اهم هواجسهم واهدافهم لاغراض شتى قد يكون تحرير الارض و التحرر من نظام العبودية و ( جان دارك ) مثال على ذلك ، مع ان هذه الحالة هي تعبير عن الحرية الاجتماعية كضرورة ، الاانها تعبر عن دوافع فردية ( خاصة ) كان ذلك بالنسبة ل ( جان دارك ) او لغيرها الكثير ، وقد تكون الدوافع الفردية للحصول على الحرية لدوافع طبيعية ( بايولوجية ) ولكن بحدود قواعد العيش الجمعي و حتى لاينزلق المجتمع الى النزعة الحيوانية الصرفة ــ التي لو تمت ــ ستقضي بالمجتمع الى الفناء ، اذن لابد للمجتمع ان يحقق الموازنة بين تلك الدوافع الطبيعية و خاصة الغريزية منها و بين ضرورة البقاء ، و الدليل على تحقق تلك الموازنة هو بقاء الرجل الى جانب المراة يرعاها منذ فجر التاريخ و ليومنا هذا في اكثر فترات ضعفها الجسدي المتمثل ( بالحمل و الوضع ) ، مع انتفاء الدافع الغريزي لدى المراة في هذه الحالة على اقل تقدير ، بموجب ذلك لم تمر على البشرية مرحلة المشاعية الجنسية كما يدعي ( البعض ) محاولين الربط بينها وبين المشاعية الاقتصادية ، وان كان هناك نوع من هذه المشاعية ( الجنسية ) فهي لاتخرج عن كونها نوع من الاغتصاب السالب للحرية والذي هو تعبير عن الظلم في منع البشر من التمتع بالحرية التي منحها ( الله ) الى خلقه ( بفتح الخاء ) ، والعصور الاقتصادية في اوربا تشهد على ذلك ، فهي اقطاعية للارض ومن يعيش عليها .
اما الدوافع الاجتماعية و الاقتصادية كتعبير عن الوافع الفردية و اثرها في اطلاق او تحجيم الحرية لاتخرج عن طبيعة النظام السياسي و الاقتصادي و الفئات و الطبقات الاجتماعية السيطرة على حركة المجتمع والمشار اليها اعلاه .
واخيرا ما اود الاشارة اليه هو ( حرية المعتقد ) و المعتقد و اثره على الحرية ، كانت فردية او اجتماعية ، وهو الامر الذي اوحى لي لكتابة هذا الموضوع ، وعندما اشير الى المعتقد اعني به كل ما يعتقد به الانسان من دين او مذهب او فكرة سياسية كانت او اجتماعية ،فما دام ان التمتع بحرية هذا المعتقد تتوقف عند حدود حرية المعتقد الاخر ، فليس لهذا ( الاخر ) الحق باقتحام حدود ذاك المعتقد ، لذلك اسال و خاصة ( بعض الاخوة من كتاب الحوار المتمدن ) هل يحق لاح دان يتجاوز على حرية المعتقد و خاصة ( الديني او المذهبي ) لمئات الملاين من البشر ، الم يكن ذلك ظلما ، والظلم من الظلمات .
اين الخلل / ان الخلل في هذا الامر هو النظرة الجزئية لمنظومة المعتقد ، فالبعض ينظر الى المعتقد ــ وخاصة الديني منه ــ من زاوية واحدة ــ وقد تكون تلك الزاوية ميتة ــ ليعممها على كل منظومة المعتقد ، وهذه هي المعظلة التي نعيشها في المرحلة الفكرية المعاصرة التي تتصف بالاضطراب و عدم وضوح الرؤية التي من مظاهرها ( الالحاد )الذي له الاثر الواضح على المجتمع ، حيث ان (( علماء الاجتماع قد وصلوا الى حقائق عن طريق ابحاثهم و دراساتهم ، وقرروا ان الالحاد كارثة تصاب بها بعض الامم ........ وان الالحاد حيث يتفرع يؤدي الى اضمحلال الاخلاق وفقدان الحرية و انهيار الحياة الاجتماعية من الوجهتين الخاصة والعامة ))(14)
المصادر /
11 ـ ميثاق الامم المتحدة و النظام الاساسي لمحكمة العدل الدولية .
12 ـ ويكيبيديا / الموسوعة الحرة
13 ـ الموسوعة الفلسفية / ترجمة ــ سمير كرم / دار الطليعة للطباعة و النشر ـ بيروت
14 ـ بين الدين و العلم / عبد الرزاق نوفل / مكتبة وهبة








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صنّاع الشهرة - عالم المؤثرين المطورين بالذكاء الاصطناعي يطار


.. أضاءت سماء الليل.. شاهد رد فعل السكان لحظة تحليق شظية مذنب ف




.. إيران تشييع رئيسي على وقع خطوات لملء الشغور الرئاسي | #رادا


.. المستشفى الإماراتي العائم في العريش يجري عمليات جراحية بالغة




.. ما فرص التطبيع الإسرائيلي السعودي في ظل الحرب الدائرة في غزة