الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اللا إنتماء في الشارع العراقي .

ناهده محمد علي

2012 / 5 / 17
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


حينما قررت العودة الى الوطن للعمل في مجال البحث العلمي ودخلت الى البلد الذي فارقته منذ سنوات طويلة بحثت في الوجوه التي أحببتها وفي الشوارع التي تحمل عبق أشجار الياس وعن النخيل المخضر دائماً وعن الكتب التي كنت أُنفق عليها مُرتبي فلم أجد سوى الحطام , حطام البيوت وحطام الشوارع وحطام الكتب وكأني نزلت الى كوكب آخر ينعدم فيه الماء ويسف أطفاله تراب الأرض ولا يشبعهم فهو مرشوش بدماء الآباء والأُمهات , قالوا لي إذهبي الى الأحياء الفقيرة وسترين العجب , أطفال مشوهون ولدوا بلا أعين أو بلا آذان أو بدون أطراف وشابات ولدن وهن مشوهات وكأنهن مخلوقات فضائية يخبئن وجوههن في عباءاتهن بحياء حزين .
وجدت اللا إنتماء في وجوه الشباب الذين إنتشر الشيب في مفارقهم , حاولت بدوري أن أنتمي لهذا المجتمع الغريب وبدأت للحصول على أوراق الإنتماء الجديد فوجدت أن القاسم المشترك بيني وبين المئات من المواطنين المنتظرين لإنتمائهم الجديد هو الإحساس بالإحباط .
حاولت أن أدخل الى رؤوس الأشخاص الذين أعرفهم لكنها كانت مغلقة بألف قفل ومليئة بمفاهيم غريبة عن الصح والخطأ وعن الحق والباطل وعن الظالم والمظلوم , ولقد وجدت بأن الكل ظالم والكل مظلوم والكل قد سُلب منه حق ما عزيز عليه والكل سلب من الآخرين وأحياناً من نفسه حق ما , وتعوَد الكل على ظلم الكل , وقد تشوهت المفاهيم النبيلة فأصبحت تولد الأفكار مشوهة في رؤوس الشباب وتدخل مخاضاً عسيراً ما بين الخوف من الليل والنهار , من الماء والعطش , من الخبز والجوع , من الحُب والكراهية , وما بين الجبن والشجاعة , وبين العلم والجهل المطبق .
لقد وجدت أن الكثير قد آمن بالفلسفة التي تقول ( بأني لا أرى ولا أنطق ولا أسمع ) , الكل يسبر خافظاً رأسه , الرجل يخاف أن يرفع رأسه فيفقد مصدر رزقه , والمرأة تخاف أن ترفع رأسها فيقال عنها زانية فتفقد رقبتها , والطفل يخاف أن يرفع رأسه فيرى خاطفاً يترصده . وبدل رائحة شجر الياس الزكية تنبعث رائحة الدخان من كل بيت مع أن الفصل كان صيفاً , كنت أسمع ليلاً صراخ إمرأة تُضرب وتستنجد وما من مُنجد ويبتسم الجميع بعدها صباحاً في وجوه بعضهم وكأن شيئاً لم يكن فقد تعود الجميع على إحساس الخوف .
عُرض عليّ طفل قريب قالوا : إنه يتخيل بأنه سيموت حالاً فيصاب بضيق النفس ولا ينفع معه قصص أُمه ولا أحضان جدته , قلت لهم : لن يتغير وضع هذا الطفل النفسي إلا إذا أعطيتموه الإحساس بالأمان على الأقل لمسافة عشرة كيلو متر من حوله , ضحكوا وقالوا هذا مستحيل .
أخيراً أحسست بأن يداي مكبلتان وإني لن أستطيع أن أفعل شيئاً هنا وإنما سيحصل هو أني سأفقد إنتمائي وأنا داخل بلدي بينما أشعر بالإنتماء اليه وأنا خارجه , كان هذا غريباً ومحزناً , وحينما وقفت على ضفاف دجلة مودعة نهري الخالد لم أجد أمواجه المتلاطمة ولا جبروته ورقته لأهل بلدي بل وجدت ضفافاً عطشى تنظر إليّ ولا تعرفني وأنظر إليها ولا أكاد أعرفها .









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ولي العهد السعودي بحث مع سوليفان الصيغة شبه النهائية لمشروعا


.. سوليفان يبحث في تل أبيب تطورات الحرب في غزة ومواقف حكومة نتن




.. تسيير سفن مساعدات من لارنكا إلى غزة بعد تدشين الرصيف الأميرك


.. تقدم- و -حركة تحرير السودان- توقعان إعلاناً يدعو لوقف الحرب




.. حدة الخلافات تتصاعد داخل حكومة الحرب الإسرائيلية وغانتس يهدد