الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشرخ

أشرف العوضي

2012 / 5 / 17
الادب والفن


الشرخ


حين استيقظ من نومه كعادته قبل السابعة بدقيقتين . للمرة الأولى لم يستطع أن يدرك هل هي السابعة صباحا أم السابعة مساءا؟ وإن كانت السابعة مساءا كما مال اعتقاده فإلي أين يذهب ؟ وهو من يشعر بالوحدة القاتلة التي بدورها تشعره ببرودة في أطرافه رغم صيف المدينة الخانق .
هل يذهب إليه ويحتمي به من شبح الجلوس وحيدا إلى اليوم التالي حتى يحين ذهابه إلى عمله في السابعة صباحا ؟ ولكنه يحس بشعور ما لا يعرف كنهه قد تولد بينهما في الفترة الأخيرة . عاد إلى تساؤله مرة أخرى فإن كانت السابعة صباحا فلابد أن يمارس طقسه اليومي بسرعة حتى لا يتعرض لتوبيخ ذلك الكائن الإداري الذي لا يهتم بشيء في حياته سوى بوجوب حضورهم قبل السابعة والنصف وما عدا ذلك فليذهبوا جمعيا إلى الجحيم .
اتجه إلى النافذة . سحب الستارة الثقيلة القاتمة اللون المشبعة بغبار من سكن قبله بعنف ملحوظ . مسح عينيه بكلوة يده اليسرى . دقق في شكل الدنيا خارج غرفته وبعد أن دقق اكثر لم يستطع أن يتبين هل هي السابعة صباحا أم هي السابعة مساءا ؟
كان الطقس في الخارج محايدا تماما فلا يوجد به شمس النهار الأولى ولا يوجد به ظلام المغرب الرمادي ! كان الضوء الخارجي في لحظة من لحظاته النادرة التي من الممكن أن تسمى بوقت اللاوقت أو الزمن المحايد .
تسآل بصوت مسموع لابد من طريقة ما لمعرفة في أي وقت أنا ومن ثم اعرف أين اذهب الآن وما الذي سأفعله ؟ . بدأ يتوتر وبدأت المسألة تأخذ شكل التحدي . فكر في أن يرتدى ملابسه كاملة وينزل إلى الشارع ومن حركة الناس وشكلهم سيتبين له بالقطع في أي السابعتين هو الآن . ولكنه عاد و استسخف فكرة أن يعود أدراجه مرة بعد أن يفاجأ بأنها السابعة مساء فيضطر إلى تغيير ملابسه وارتداء بدله الرياضة التي يحرص على ارتدائها مساءا .
فكر في أن يهاتف أحد من القلائل الذين يعرفهم في هذه المدينة الهادئة ولكنه خجل من نفسه ومن فكرته تلك فهل هناك عاقل يسال مثل ذلك السؤال .
ازدادت حيرته وتوتر اكثر من ذي قبل . اتجه إلى الحمام كان كل شئ في مكانه كما تركه بالأمس . ها هي فرشاة أسنانه وها هي صابونته ذات عطر الفل كما يفضل دائما .
وها هي مرآته الكبيرة التي يقف أمامها كلما دخل إلى الحمام ليعبث بذلك الورم الخفيف الذي ظهر اسفل عينه اليسرى منذ عشرة أيام ورغم ضآلته كان يشعره بألم بالغ كلمه مسه بإصبعه الصغير .
ولكن ما حدث وجعله يصيح مستجديا أي شخص يقطن في تلك البناية الكبيرة ذات الأربعة عشرة طابقا والتي تقع بدورها في وسط المدينة الهادئة هدوء الثعابين في بياتها الشتوي .
انه عندما هم بأن يرى ما وصل إليه ذلك الورم المؤلم والكائن اسفل عينه اليسرى فإذا به يرى شرخا كبيرا يشطره نصفين ويمتد من المنطقة التي ينتهي عندها شعر رأسه الغزير مارا في ما بين عينيه مخترقا وجهه الأبيض الكامل الاستدارة ممتدا عبر صدره البارز وبطنه الكثيرة الشحوم منتهيا على مشارف منطقته الأكثر خصوصية .
كان الشرخ واضحا ظاهرا كاشفا عما بداخله من أعضاء حية تنبض وتتحرك وكان الشرخ يتسع شيئا فشيئا كلما أمعن النظر إلى ما في أعماقه .لم يسمع صرخته أحد . أغمض عينيه محاولا إقناع نفسه انه نائم وان هذا الذي يرى ليس سوى كابوس ثقيل من جراء تلك الوجبة الثقيلة التي أكلها عنده ليلة البارحة فهو يدرك انهما ضعيفان أمام كبد الخراف المخلوط بالبهارات الشرقية الحارة وان الطعام الثقيل قبل النوم يؤدى إلى مثل تلك الكوابيس المزعجة . فتح صنبور المياه بيد مرتعشة . ملئ كفيه ماء حارا . غمر وجهه . صرخ متألما فقد تسللت قطرات الماء عبر الشرخ إلى أعضائه الداخلية ثم ما لبثت أن خرجت ممتزجة بدماء باهته
أيقن انه لا يهذي وانه فعلا مشروخ وان ذلك الشرخ اللعين من الممكن أن يؤدى إلى هلاكه فهو يتسع شيئا فشيئا كلما نظر إليه .
هدأ قليلا فكر ماذا يفعل وخصوصا انه لم يعرف من قبل رغم كثرة اطلاعه أن شخصا ما استيقظ من نومه فوجد شرخا كبيرا وقد شطره نصفين . ولكن هل نسى حكاية الوقت ؟ .
لم يعرف لماذا داهمه شعور ما بأنه محاصر ومعزول وان شخصا ما لمصلحة ما قد اغلق عليه كل منافذ الخروج .
اتجه مهرولا حيث الباب الكبير . فتحه بقوة . فاندفع تيار من الهواء الساخن مخترقا كيانه المشروخ فأحس بألم غريب اقرب ما يكون إلى وضع الكحول على جرح ملتهب .
كان الألم يسرى في كل ذرة من ذراته وكان الشرخ يتسع اكثر من ذي قبل . جرى إلى الهاتف ولكنه فجاء ة لم يتذكر أي من الأرقام التي كان يحفظ . بحث في مفكرته . فهاله ما يرى فكل الأرقام قد تحولت إلى أصفار متراصة ولم يبق إلا رقم واحد لم يتغير . رقم من كان يشاركه الطعام . وبسرعة ضغطت أصابعه بقسوة على الرقم فجاءه الصوت حادا خاليا من نبرته الحانية التي كان يعرف .
- هل تحققت من وجود الشرخ ؟ وهل تعلم الآن أهي السابعة صباحا أم الساعة مساءا ؟.
وعندما هم بالإجابة كان الصوت الحاد الخالي من نبرة الحنان التي كان يعرف يضعف ويبتعد ثم يتلاشى . صرخ بأقصى ما يستطيع . أجبني بربك ماذا يحدث لي؟ ولماذا تفعل بي ذلك ؟ ألم نكن لعشرين عاما متصلة كروح واحدة في جسدين ؟ ألم اكن لك أخا محبا عطوفا ؟ ألم تعلم جيدا أنى احبك اكثر من نفسي ؟ . فمن اجل ماذا صنعت بي ذلك الشرخ ؟
وهل سيظل ذك الشيء يسرى في جسدي يكشف ما بي وما بقلبي وما أخفى هل سأصبح عورة مكشوفة أمام الجميع ؟ ما أقسى ما أعاني .
لم يجبه أحد فصرخ مرة ثانية . ألم تدرك أن ذلك الشرخ اللعين سيمتد إليك أيضا ؟ من اجل ماذا سمحت له بان بشطرنا ؟ آلا يوجد وسيلة لعلاج ذلك الشرخ القاسي الفاضح ؟ .
حشر نفسه داخل معطف المطر الداكن اللون . غطى رأسه بكوفية من الصوف الأسود . لم يعد يظهر من الشرخ سوى بدايته عندما ينتهي شعره أعلى جبهته مخترقا وجهه الكامل الاستدارة . اتجه إلى الخارج . قاوم تيار الهواء الساخن المؤلم . نزل إلى الشارع . لم يعره أحد انتباها كما توقع . كان قد جهز نفسه للرد على أسئلة الناس الذين سيسألونه عن ذلك الشرخ الذي يشطره نصفين . وتوقع أيضا تجمع العشرات من مراسلي المحطات الفضائية والأرضية ووكالات الأنباء ومندوبي الصحف الذين سيهزهم خبر أن رجلا مشروخا يمشى في شوارع المدينة الهادئة هدوء الثعابين في بياتها الشتوي .
وعندما اقترب منه عجوز قد تجاوز الستين بقليل أيقن أن الرجل قد رأى الشرخ ومن ثم سيبدأ طوفان الأسئلة عن الأسباب التي أدت إلى حدوثه . وأيقن أن الرجل سيقارن ما بين ذلك الشرخ والشروخ التي رآها الناس في بناياتهم بعد زلزال الساعة الثالثة وعشر دقائق .
ولكن الرجل الذي كان قد تجاز الستين لم يحدثه عن شئ من هذا ولكنه سأله سؤالا واحدا .
- لماذا ترتدى كل هذه الملابس الشتوية في هذا اليوم الشديد الحرارة يا بنى؟









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -مستنقع- و-ظالم-.. ماذا قال ممثلون سوريون عن الوسط الفني؟ -


.. المخرج حسام سليمان: انتهينا من العمل على «عصابة الماكس» قبل




.. -من يتخلى عن الفن خائن-.. أسباب عدم اعتزال الفنان عبد الوهاب


.. سر شعبية أغنية مرسول الحب.. الفنان المغربي يوضح




.. -10 من 10-.. خبيرة المظهر منال بدوي تحكم على الفنان #محمد_ال