الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إعلان تونس من أجل الفلسفة.....قبل الثورة وبعدها

فتحي المسكيني

2012 / 5 / 20
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع



إعلان تونس من أجل الفلسفة


نحن، المشاركين في فعاليات اليوم العالمي للفلسفة، يومي السبت والأحد 27 و28 نوفمبر 2010، تحت إشراف كرسي اليونسكو للفلسفة بجامعة تونس،

نلاحظ أنّ المسائل والقضايا التي تخوض فيها الفلسفة ويهتم بها الفلاسفة هي تلك التي تتعلق بمنزلة الإنسان ومُثُل الإنسانية وشروط الوجود الكريم للبشر وأشكال عيشهم سويّةً، من جهة ما هي مشاكل وأسئلة مطروحة بشكل كلّي، ومنظور إليها من ناحية القيم والمعايير الكونية أو القابلة للكونية،
ونعتقد أنّ الفكر الفلسفي يستطيع وينبغي له أن يساهم في استشكال موجب وعناية موصولة بمعاني الإنسانية وقيمها وأن يساعد على فهم أبعادها الكونية والإحاطة برهاناتها العملية،
ونعتبر أنّ البحث الفلسفي، الذي هو منذ أوّل أمره نشاط حرّ، لا يستثني أيّ فكرة أو رأي أو سلوك من دائرة النقاش، ولا يستعمل من الألفاظ والمفاهيم إلاّ ما مَحَضَه ووضّحه، ولا يصدر من الأحكام إلاّ ما تفحّصه صلاحيته، ولا يقدّم من الأدلّة إلاّ ما كان منه على بيّنة، ولا يناظر الآخرين إلاّ بقدر ما يأخذ عنهم ويُنصت لهم ويشاركهم في بلورة دائرة نظرية أو تأويلية بيذاتيّة، مفتوحة عفواً على الغير مهما كان جنسه أو نموذج العيش الذي ينافح عنه أو يصدر منه،- أنّ البحث الفلسفي نابع من استعداد مخصوص في طبيعة البشر، يحدوهم نحو التفكير بأنفسهم ومجاورة العقل البشري بعامة، كفسحة حرية ونحو من العاطفة الذكيّة، كونية ومشتركة بين بني الإنسان،
ونؤكّد على أنّ تدريس الفلسفة هو تدريب استثنائي على التفكير الشخصي وتربية ٌ على روحانية عليا، من شأنها أن تحمل العقول على التحرّر من الداخل، والنفوس على محبة العدل، والأرواح الحرة على الإبداع واختراع المصير، بحيث تكون قادرة من عند نفسها على اقتناء المعارف من مصادرها، واقتفاء المعاني في منابتها، والتطبّع بطباع الحقيقة من ممارسة التفلسف نفسه، بما هو درس الدروس جميعا، من حيث أنّه درس العقل البشري بهامة، ودرس الانتماء الفخور إلى النوع الإنساني، انتماءً علميًّا وأخلاقيا في آن، وبخاصة من جهة ما يساهم أيّما مساهمة في تكوين الوعي الحرّ والنشط، الذي يمتدّ حسّ المسؤولية لديه من الاعتراف بالغير والالتزام بعقد التفاهم معه وتقاسم الصحبة البشرية معه، أكان ذلك على صعيد المحسوس أم على صعيد المعقول، إلى حدّ المسؤولية عن مستقبل الحياة ومعنى الحياة على الأرض وتقاسم المصير بعامة،
وننبّه إلى أنّ التربية الفلسفية بإمكانها تعليم الناشئة والناسِ جميعا معنى الانتصار للعقل في صلب اليومي ودفاع الشخص الإنساني عن حقّه في الكرامة أو في ملكيّة جسده أو في حرمة عقله أو رأيه وتصوّره للحياة أو للخير على الأرض أو بين بني جنسه أو نموذج العيش الذي يقتبس منه نمط تذوّته وشكل هويّته، كما تعلّم الناس معنى التعرّف إلى ثقافة الآخر والقدرة على التثاقف معها دون انبتات ولا انغلاق، ومعنى مشاركة غيرنا من الأمم في الإنسانية وتأمين مستوى محمود من الضيافة الأخلاقية لهم،- فإنّما بذلك يمكن لمن تربّى على طباع الفيلسوف وملكات الروح الحرة أن يمجّ كلّ أشكال المغالطة وأن يأنف من صيد النفوس المريضة وأن يرفض أيّة إساءة إلى الحقيقة وأن يقطع دابر التعصّب إلى الأليف والمعهود ويستحي من إقصاء الغريب ويفزع من تكفير الذي يبادر إلى عويص المسائل برأيه وما عند نفسه من القريحة،
ونتصوّر أنّ تطوير الفكر الفلسفي، بحثاً في ممكن العقل وتدارساً لملكاته ومقاماته ومجاليه، من شأنه أن يعين على ترفيد معنى المواطنة النشطة وتوسيع الحياة المدنية الحرة وتثبيت ثقافة السلم العالمية من دون ما حاجة إلى إكراه منفّر للنفس أو وازع خارجي عن الضمير أو تدجين مخلّ بقداسة الإنسانية في شخصنا أو وصاية فجة على العقول، وذلك من حيث أنّ الفلسفة هي بكليّتها نقد لملكة الحكم البشرية، وتربية واسطة النطاق لغريزة الاجتماع الإنساني، وتدبير لأدب المدينة، وحثّ شديد على استعمال أنفسنا ورغباتنا وهوياتنا وأفكارنا وقدراتنا لصالح الخير المشترك الذي يجمعنا بمن يشاركوننا في المصر والمعمورة والعالم، وبخاصة على فتح ذواتنا فتحا حاسما ولا مشروطا على ما هو كوني فينا، والعمل على اختراع أكثر ما يمكن من الآداب الكونية الثاوية في كل لغة أو ثقافة أو رجاء أو عصر، واقتراحها اقتراحا حرّا على أحرار الأرض من حولنا وفي داخلنا،
ونشدّد على أنّه من الواجب على كلّ المشتغلين بالفلسفة أن يلتزموا بقيم الحرية الإنسانية، التزاما كلّيا، وألاّ يقبلوا من الأفكار إلاّ ما هو قابل للكونية والمقاسمة مع العقول الأخرى، مهما كانت مباينة لنا في الملة أو اللغة أو في القومية، وأن يتصرّفوا باعتبارهم رُسل العقل البشري في ثقافتهم، والمؤتمنين على كرامة الإنسانية في شخصهم وشخص غيرهم، من دون الانزلاق في أيّ استعمال بربريّ للعقل من شأنه أن يفضي إلى فرض أيّ تصوّر جاهز أو ماهويّ أو عقديّ أو قوميّ أو كلّياني على عقول الآخرين، بل على المتفلسفة أن يعملوا على تحرير الفلسفة من أيّ استخدام سيّء لها ضدّ أيّ نوع من الذات أو من الآخر، بل على الفلاسفة ترك الكوني يكون، في النفوس والعقول، بوصفه حقّا لا يقبل الاستلاب في الانتماء إلى النوع والتمتع بطبيعته،
لكلّ ذلك ومن أجل كلّ ذلك،
نعلن أنّ النشاط الفلسفي ينبغي أن يكون حرّا ومضمونا للجميع ومحميّا من العبث به من أيّ جهة كانت، وذلك في كل بلاد العالم، وأنّ تدريس الفلسفة يجب أن يستمرّ ويتوسّع وأن يُدرَج في المؤسسات التي لم تعرفه من قبل ولم تذق ثماره الفريدة، وأن تُسمّى الفلسفة باسمها وأن تُمارس صراحةً وألاّ يدرّسها إلاّ أهل الصناعة الذين أُعدّوا لها في صلب مؤسسات التعليم الرسمية. وندعو إلى تهيئة أجهزة وفضاءات مناسبة لتداول الكتاب الفلسفي وأن يُشجَّع على تأليفه وترجمته ونشره ومناقشته وتقويمه في نطاق استعمال عمومي وحر للعقل العالم، وذلك بالاعتماد على وسائل الاتصال جميعا. وأن يُفسَح المجال أمام النقاش العلني للقضايا الفلسفية والعمل على تشريك أكبر عدد ممكن من المهتمّين، صغارا وشيوخا، بشأن العقل البشري وغريزة الحرية الحرة بمستطاعها وطبيعتها ومكاسبها التاريخية والوجودية، بحيث تفلح الفلسفة في استعادة قدرتها القديمة على احتراف فن السؤال المدني عن القضايا المدنية من قِبل مواطنين أحرار ونشطاء، تحدوهم أكبر مسؤولية ممكنة بين بني الإنسان، المسؤولية أمام الإنسانية بعامة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غزة: انتعاش الآمال بالتوصل إلى هدنة في ظل حراك دبلوماسي مكثف


.. كتاب --من إسطنبول إلى حيفا -- : كيف غير خمسة إخوة وجه التاري




.. سوريا: بين صراع الفصائل المسلحة والتجاذبات الإقليمية.. ما مس


.. مراسلنا: قصف مدفعي إسرائيلي على بلدة علما الشعب جنوبي لبنان




.. القيادة الوسطى الأميركية: قواتنا اشتبكت ودمرت مسيرة تابعة لل