الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الجيتو الاسلامى واشكالية الجبر والاختيار 2/2

هشام حتاته

2012 / 5 / 21
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


بدلا من الدعاء ( غير المستجاب .... !!! ) خمس مرات يوميا على المنابر وصب اللعنات على اليهود والغرب الصليبى لماذا لانسلك نفس الطريق الذى سلكوه ( وياسيدى بلاش حكاية الانحلال الخلقى ، خلينا زى الهند او اليابان التى تحتفظ بتقاليدها وثوابتها – حلوه ثوابتها دى - .. !! ) واذا كنت تريد ان تدخل الجنة ياسيدى الفاضل فما عليك الا اداء الخمسة فروض فقط لاغير وهى مضمونه فى هذه الحالة حسب الحديث المروى عن النبى محمد ، ولكن عدا ذلك خليك مع العلم والعقل ، تعلم من اليهود : كيف عاشوا فى الجيتو منعزلين وساخطين على العالم لمدة الفى عام ، وكيف خرجوا ، وكيف سادوا منطقة الشرق الاوسط واصبحت من اول خمس دول فى العالم فى صناعة السلاح وتصديره وصناعة البرمجيات وصناعة الماس وزراعة الصحراء وان كل جامعاتها من افضل مائة جامعة فى العالم ... الخ ( كانت جامعة القاهرة ضمن هذه القائمة يوما ما ولكنها الآن خرجت ولم يبقى لمصر التى لديها اكثر من خمسة عشر جامعة اى واحدة تصنف ضمن المائة المشار اليهم ).
واذا قلت ياسيدى ....ان هذا بفضل علاقتهم بامريكا فارد عليك : فعلا استطاعت دوله اسرائيل ان تكسب الاعلام الامريكى وتتغلغل فى الاقتصاد الامريكى وهذا نجاح للسياسة الخارجية الاسرائيلة وفشل للسياسة العربية ، ففى الوقت الذى كان فيه جمال عبدالناصر يجلس بالساعات مع مندوب المخابرات الامريكية فى مصر ( مايلز كوبلاند ) ، كانت اسرائيل تتعامل مع الراى العام من خلال الصحافة والاعلام ومع اعضاء الكونجرس وتحشد التأييد الشعبى والرسمى وايضا تحشد قوى الضغط اليهودية فى امريكا .
واذا قلت ياسيدى ان تفوقهم بسبب الدعم المادى الامريكى اقول لك ان ماتحصل عليه اسرائيل من معونه امريكية لاتزيد عن ثلاثة مليارات دولار فى حين تبلغ ميزانيتها اكثر من مائه وثلاثون مليار دولار سنويا ، فى حين ان ميزانية مصر لاتزيد عن نصف هذا المبلغ مع الفارق الشاسع بين عدد السكان
خسر عبدالناصر رهانه على رجل المخابرات لانه لم يعلم كيفية اتخاذ القرار فى الولايات المتحدة الامريكية ، وان السياسة الامريكية لاتخضع لرجال المخابرات وكسبت اسرائيل حلفا قويا يحافظ على مصالحها فى الشرق الاوسط ويتناغم مع منظومة الديمقراطية وحقوق الانسان الغربية ، ورغم قيام الدولة اليهودية على اساس دينى حسب الوعد التوراتى والذى لم ينفيه القرآن بل ان الايات رقم 246 – 251 من سورة البقرة تنتصر لداوود " طالوت " اليهودى على جالوت الفلسطينى ( فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللّهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاء ) الا ان نظام الحكم الديمقراطى - بين شعبها على الاقل – جعلها خلال خمسون عاما اقوى دول منطقة الشرق الاوسط .
- تعالوا نقص عليكم احسن القصص : قصة الجيتو الاسرائلى الذى اصبح اقوى دولة فى الشرق الاوسط
عام 70 ميلادية دمر الرومان هيكل اليهود في فلسطين ودمروا معابدهم ، ونزح اليهود جنوبا وشمالا وشرقا وغربا ، وعاشوا متلاصقين مع بعضهم ومنعزلين عما حولهم داخل حارات مازلت تعرف حتى الآن فى معظم المدن التى عاشوا فيها بـ (حارة اليهود – او ما اطلق عليه بـ " الجيتو " ) في انتظار النبي المنتظر الذي سيعيد لهم ملك العالم حسب الوعد الإلهي المكتوب من الله لشعبه المختار.ولعبت عقيدة الشعب المختار دورها فى هذا الانعزال منعا للاختلاط وتعاليا عما حولهم من البشر.
وطوال ألفي عام لم يأتي نبيهم المنتظر ، حتي ان السيد المسيح عندما جاء كنبى منهم لم يؤمنوا له لأنه لم يعدهم بملكوت الأرض ولكنه وعدهم بملكوت السماء .
ولكن ... ومع بدايات عصر التنوير فى اوروبا وترسيخ العلوم الانسانية فى الفلسفة والمنطق كان من الطبيعى ليهود اوروبا ان يتأثروا بموجة التنوير ، وان العالم لاتصنعه قدرة الهية ولكنه خاضع لقوانين هذه العلوم واهمها قانون السببية ( المقدمات والنتائج ) وان البدايات هى التى تؤدى الى النتائج فأن كانت عقلية وعلمية تؤدى الى نتائج ايجابية ، وان كانت خرافية واتكالية تؤدى الى نتائج سلبية .
وكان فك رموز حجر رشيد وقراءة الحضارة المصرية القديمة ، والكتابات المسمارية لحضارة الرافيدن بالغ الاثر فى اكتشاف تأثر التوراة بهذه الحضارات واستعارة اهم اساطيرها ، فلا آدم وحواء آباء البشر ، ولا تاريخ الانسان على الارض يبدأ منذ ستة آلاف عام فقط حسب تأريخ التوراة ، ولا طوفان نوح كان عام 2450 ق.م كما يقول تاريخ التواره ..... الخ ) ومن هنا بدأت مدارس نقد التوراة ليكون للدين بعده الروحى فقط حتى لايتصادم مع العلوم الانسانية الحديثة وان بقى الاصوليون اليهود ( فكل دين لايخلو من الاصوليين حراس العقيدة وحاملى الحقيقة المطلقة وحدهم )
ولكن .... وفي منتصف القرن التاسع عشر ظهر حاخامان مستنيرين دعوا اليهود إلى تمهيد الطريق للمسيح المنتظر بإقامة وطن قومي ، وظهر الفيلسوف الألماني اليهودي " موسى هس " بكتابه " روما والقدس " وقال أن المشكلة اليهودية تكمن في عدم وجود وطن قومي لليهود ( ويلاحظ ان الدعوة الاولى كانت من رجلى دين يهوديان اتسم تفيكيرهم بالاستنارة )
في عام 1896 قام الصحفي اليهودي المجري ثيودور هرتزل بنشر كتابه " دولة اليهود " ، وفى العام التالى نظم أول مؤتمر صهيوني في بازل في سويسرا حضره 200 مفوض، وصاغوا برنامج بازل والذي بقي البرنامج الرئيسى لقيام دولة اسرائيل ، واعترض الاصوليين اليهود بما لديهم من نصوص التوراة بأن مسيحهم المنتنظر سيقودهم الى ارض فلسطين ثم زعامة العالم ، فكان رد العلمانيين : نحن سنجهز المكان في فلسطين حتى يأتي مسيحنا فيجد له أرض يبدأ منها .
وقد كان .. وأصبحت إسرائيل من أقوى دول المنطقة ، ومازال الأصوليين فيها يبكون أمام حافظ المبكي ويجهزون الأرض للمسيح المنتظر ويحاولون العثور علي الهيكل السليماني .. فلا بأس ، ولكن اتركوا الدولة العلمانية فقد أصبحت من أقوى دول الشرق الأوسط ... فقد قامت بجهد البشر، ورغم هذا فمازال الاصوليين الدينيين اليهود حتى الآن يبكون امام حائط المبكى وينقبون الارض شبرا شبرا للوصول الى هيكل سليمان ويجهزون الارض لمسيحهم القادم ، فلا تعارض بين الحكم الديمقراطى والحلم الدينى .
ولكن ... فى عالمنا الاسلامى والعربى التعيس مازلنا نناقش حتى الآن هل الإنسان حر ومطلق الإرادة وأنه صانع الحضارة والتاريخ أم أنه مقيد بالإرادة الإلهية وفي أحسن الأحوال فهو سبب وعليه أن يأخذ بالأسباب المقدرة سلفا حتي يتم الفعل الإلهي .. آله من الآلات عليها أن تتحرك في الاتجاه المقرر لها سلفا حتى تتم المشيئة ، و ليس أمامنا في هذا السبب سوي ( هزي إليك يجزع النخلة يتساقط عليك رطب جنيا ) ، وما علينا سوي مجرد الهز حتى تتحقق المشيئة الالهية ويتساقط البلح . . هذا في أحسن الأحوال....!! ولا داعي لنقل الأعضاء فليموت المريض فإنه قدر الله ( هكذا قال الشيخ البدري في أحد البرامج التلفزيونية )
لو استمرت الاصولية اليهودية تعشعش فى عقول اليهود حتى الآن لبقوا فى الجييتو معزولين ومتخاصمين مع العالم .
لقد سوغ حاخامات اليهود ان كل المحن التى اصابت الشعب اليهودى كانت غضبا للرب لانهم يم يتبعوا شرائعة ،ولكن ....اسرائيل اليوم من اقوى دول المنطقة فهل تتبع شرائع موسى ام تتبع شرائع التنوير... ؟؟
الا ترى عزيزى القارئ اننا نعيش نفس المحنة التى عاشها اليهود طوال الفى عام ، واصبحنا نعيش فى الجيتو الاسلامى الذى عاشه اليهود من قبل ، وبدلا من الحارات التى عاش فيها اليهود اصبحت حارات المسلمين دولا بكاملها مغلقة على سكانها تعيش نفس الانعزالية الفكرية وتقتات على اجترار الماضى وتلعن وتكفر الآخر وتتعالى عليه وتنتظر المهدى المنتظر او المسيح العائد من السماء ليحرر القدس ويوحد بين المسلمين والمسيحيين ويقتل اليهود .... الخ
لن نتحرر ونخرج من الجيتو الاسلامى المغلق الا بالايمان العميق بالعلم والعقل وان الانسان هو صانع قدره وصانع تاريخه وصانع حضارته.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - عقليه العربان
على سالم ( 2012 / 5 / 21 - 03:31 )
استاذ هشام مرحبا بعد غيبه طويله ,مقالك رائع يتميز بتشخيص منطقى وواقعى لماساه اولاد عربان على مدار الف وربعمائه عام ,فى الحقيقه احس باحباط كبير تجاه العقليه العربيه واحيانا اشك ان عندهم جين يختلف عن كل جينات البشر ومن الصعب ترشيده واصلاح العطب فيه ,الاشكاليه فى اعتقادى فى النشاه الاسلاميه والتى تمنع المسلم من التفكير والتحليل المنطقى والاستنتاج والقاء الاسئله وقتل الابداع والخيال والابتكار لان هذا كفر والعياذ بالله ,.حفظ ايات القران بدون فهمها والتفقه فيها وعدم الجدال والفلسفه والتفكير بحجه الكفر هو سبب هذه الكوارث فى بلاد عربان ,لك شكرى


2 - لن يفرط الجيتو الإسلامي إلا هيفاء وهبي وعجرم
ليندا كبرييل ( 2012 / 5 / 21 - 14:45 )
هزي إليك يجزع النخلة يتساقط عليك رطب جنيا ) ، وما علينا سوي مجرد الهز حتى تتحقق المشيئة الالهية ويتساقط البلح .
نعم ما علينا سوى الهز ..ليس إلا
الهز ثقافة عربية بحتة
كل الشعب العربي ما شاء الله ومع تلات دقات على الخشب تراه كله يهز ، ومن أول نقرة على الدف ، شعب مطبل بالأول ومزمر بالآخر وإذا لاحظت تكاثف الحضور في ليالي الأنس ، ويقولون لك الشعب العربي يقترب من مستوى الفقر
ماذا يريد العرب ؟ أموال ؟ عينهم بالمال اليهودي ؟ يخذي العين عندهم من الأموال هؤلاء العرب ما لا تأكله النيران ، لم يعرفوا أن يشتروا بها محطة إذاعية ، أو يصدروا صحيفة عالمية ، لديهم من الأسلحة والجنود ما يرهب دول العالم ومع ذلك ما عرفوا كيف يستفيدون من ثرواتهم البشرية والمادية
العرب شعب لعوب ، أهوائي تنقصه الثقافة والعلم
نحن فقراء علمياً وتنويرياً
أين أنت يا أستاذ هشام ؟
سمحنا لك ببعض الراحة فاسترطبتها
هل الطقس في مصر يساعد على الاسترطاب الشديد؟
لا تتأخر علينا
مع التحية والاحترام


3 - عزيزى / على سالم
هشام حتاته ( 2012 / 5 / 21 - 22:18 )
اشكر لك مرورك وترقب مقالاتى واعتز دائما بزياراتك وتعليقاتك .
(الاشكاليه فى اعتقادى فى النشاه الاسلاميه والتى تمنع المسلم من التفكير والتحليل المنطقى والاستنتاج والقاء الاسئله وقتل الابداع والخيال والابتكار لان هذا كفر والعياذ بالله ,.حفظ ايات القران بدون فهمها والتفقه فيها وعدم الجدال والفلسفه والتفكير بحجه الكفر هو سبب هذه الكوارث فى بلاد عربان )
ماقلته ياعزيزى هو عين الحقيقة ، فبعد هزيمة المعتزلة - فرسان العقل الاسلامى ) - وضعت قاعدة اسلامية تقول : من تمنطق تزندق . ومن هنا كانت بداية الاشكالية .
اما جين التخلف الفكرى فهو حقيقة علمية ، حيث ان الافكار التى يكتسبها الانسان جيل وراء جيل تصبح بالضرورة احد الجينات الوراثية .
خالص شكرى مع تحياتى .


4 - العزيزة / ليندا كبرييل
هشام حتاته ( 2012 / 5 / 21 - 22:34 )
لمحة ذكية من كاتبة قديرة ... الربط بين هز النخل وهز الوسط
يقول ثراثنا التليد انه : فى عهد عثمان بن عفان عم الرخاء وبيعت الجارية بوزنها ذهبا ، وكان لى ان اتساءل من اين هذا الذهب ، وماهى وظيفة الجارية التى يدفع فيها هذا الذهب .
الذهب من جزية ذمى غلبان لايملك من ارادته شيئا امام السيد العربى ، والجارية اكيد بارعة فى هز الوسط وحسن التبعل للسيد البدوى .
اشكر لك تعليقك اللماح ، واشكر لك ايضا الترحيب بعودتى ، واوؤكد لك ياسيدتى اننى لم اكن فى فترة استرطاب ، ولكنى كنت اتابع المشهد السياسى المرتبك فى مصر حتى اقرأه جيدا ، وفى نفس الوقت كنت اضع الخطوط العريضة لدراسة سأنشرها قريبا على الحوار ومواقع اخرى بعنوان (رحلة المراة من التقدبيس الى التبخيس)
خالص تحياتى وتقديرى .

اخر الافلام

.. د. حسن حماد: التدين إذا ارتبط بالتعصب يصبح كارثيا | #حديث_ال


.. فوق السلطة 395 - دولة إسلامية تمنع الحجاب؟




.. صلاة الغائب على أرواح الشهداء بغزة في المسجد الأقصى


.. -فرنسا، نحبها ولكننا نغادرها- - لماذا يترك فرنسيون مسلمون مت




.. 143-An-Nisa