الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التبّرع بالأعضاء البشرية بين المتدينين و الملحدين/مترجم

مازن فيصل البلداوي

2012 / 5 / 21
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


التبرع بالأعضاء،باستطاعة اليهود ان يتعلموا شيئا من الملحدين
بقلم:ألياهو فيدرمان/ناشط مجتمعي و كاتب
صحيفة الهافنكتون بوست
25/2/2012
ترجمة:مازن فيصل البلداوي

كنت قد ذهبت قبل فترة قريبة الى قسم المركبات لأجل تجديد رخصة قيادة السيارة الخاصة بي،وجّهت سؤالا الى احدى المتواجدات هناك التي أصيبت بالدهشة عندما طلبت منها فيما اذا كنت استطيع تسجيل اسمها كاحد المتبرعين بالأعضاء،حيث قامت بتوضيح وجهة نظرها حول كيف ان التبرع بالأعضاء يعد عملا مخالفا لتعاليم الدين اليهودي.وكنت قد حسبت سلفا بأن طاقية رأسي اليهودية التي أعتمرها قد اعطتها انطباعا كافيا بأنني يهودي!الا انني لم اندهش لنتيجة هذا اللقاء،وكان الأمر كمثل اللقاءات الأخرى التي اجريتها مع بعض اصداقئي من اليهود الذين لن يكونوا من متبرعي ألأعضاء بعد وفاتهم لأنهم يعتقدون بأن هذا الأمر سيتعارض مع التزامهم الديني القاضي بضرورة ان يتم دفن الجسم سليما بعد وفاته.وحيث قامت صحيفة النيويورك تايمز في الأسبوع الماضي بعرض تقرير يتحدث عن المعارضة المتصاعدة للمرضى اليهود من الأصوليين لمسألة التبرع بالأعضاء الاّ انهم وفي ذات الوقت يرغبون بشكل شديد لتقبّل الأعضاء من أناس آخرين،وعلى هذا المسار(التبرع بالأعضاء) نجد بأن أسرائيل اليوم قد أصبحت البلد الأول الذي فعّل نظام الأفضلية حول موضوع التبرع بالأعضاء حيث ينص:
[اذا ما كان هناك تطابق في حالتي نقل اعضاء بين مريضين فأن الأفضلية ستكون للمريض الذي سبق له ان وقّع على بطاقة التبرع بالأعضاء كمشترك بالبرنامج او ان يكون احد افراد عائلته قد له سبق وان تبرع بأحد اعضائه لأشخاص آخرين].


وبحسب موقع (المتبرع بالأعضاء) فأنه يوجد حاليا في الولايات المتحدة الأميركية لوحدها 112,674 شخصا ينتظرون عضوا بشريا ليبقوا على قيد الحياة،وهنالك 18 شخص يموتون يوميا وهم ينتظرون لعضو بشري تبرع به شخص ما،خاصة اذا ما علمنا ان كل شخص متبرع يستطيع ان ينقذ حياة 8 أشخاص بتبرّعه! وهنا يأتي السؤال: لماذا لايرغب كل شخص ان يكون متبرعا بالأعضاء للأخرين؟؟ وبصورة اكثر تحديدا،لماذا يقلق العديد من اصدقائي اليهود المتدينين بأنهم سيدفنون وهم ناقصي الأعضاء؟ لماذا تريد أسرائيل ان تفعّل نظام الأفضلية من اجل تشجيع اليهود الأورثودوكس لغرض التبرع بالأعضاء؟، في الحقيقة فأنه من المفروض ان يشكّل اليهود الأرثودوكس طوابيرا ليقفوا بها من اجل التبرع بالأعضاء خاصة اذا ما رأينا ذلك التوجه يتضح(في الـ ميشنا*) حيث تقول كما جاء تحت احد عناوين القوانين الرئيسية الخاصة بالقتل وأنقاذ الحياة-وفي (شولتشان آروتش/ مشباط تشوشين 425-427 [ان انقاذ حياة يستحق الغاء التحفظات القائمة حول تدنيس الميت]،وكما يدلنا التوجه العام للقوانين التشريعية اليهودية القائلة أنه في حالة تضارب القوانين في حالة ما فأن القانون الذي يؤدي الى أنقاذ الحياة هو الذي يسري وتكون له الفاعلية الأولى على باقيى الأحكام والقوانين[1].

نجد ان جمعية (هالاتشيك للتبرع بالأعضاء-أتش أو دي/Halachic Organ Donor Society-HOD) )هي مؤسسة تعمل على تشجيع اليهود ليكونوا من المتبرعين بالأعضاء لصالح المحتاجين لها وهي تعمل وفقا للأحكام اليهودية،ويعد[الرّابي/الحاخام-ولد عام 1937 في مدينة القدس] أدين شتاينسالتز الذي اختارته مجلة(تايم) كأبرز الباحثين في التلمود خلال الألفية الثانية، حيث كرّس حياته لجعل التلمود مفهوما و معروفا لكل اليهود،يعد من ابرز داعمي هذه المؤسسة وكذلك يفعل العديد من الحاخامات الأخرين.
ووفقا لما صرح به روبي بيرمان مدير الجمعية أعلاه،فأنه يعزي سبب قلة عدة المتبرعين من اليهود المتدينين الى اعتقادهم و التزامهم بالشريعة اليهودية حيث تفضي نصوصها الى ضرورة دفن الجسد كاملا غير منقوص بعد الوفاة ومهما كلّف الأمر.
وفي الواقع فأنه ما عدا الحظر على(العلاقات الجنسية غير المشروعة،وعبادة الأوثان،والقتل) فأن الحكم الخاص بـ(انقاذ حياة-بيكواتش نيفش) يعتبر في المرتبة العليا لكل القوانين والأحكام حول المحظورات الأخرى في الشريعة اليهودية،ويعد أنقاذ الحياة لشخص ما بمثابة أنقاذ للكون بأسره،ومن هنا نستنتج بأن انقاذ حياة شخص ما تلغي جميع التحفظات الأخرى ولهذا يعتبر التبرع بالأعضاء كـ(ميتزفاMitzvah= (ميصوة بالعبري– وصية/الوصايا) )كما في الشريعة اليهودية.
ونذكر هنا حادثة لطيفة المعنى،حيث سأل احد الطلبة ذات مرّة حكيما دينيا عن ما الذي من الممكن ان يستفيده من شخص ملحد،فأجاب الحكيم قائلا:
اذا اتاك شخص ما طالبا المساعدة،فعليك ان لاتفترض قطعيا ان الرب سيساعده،و لا أنت كون ملحدا للحظة واحدة معتقدا انك الوحيد القادر على مساعدته.

وفي سياق موضوع التبرع بالأعضاء بعد الوفاة،فأنه بأمكان اصدقائي المتدينين ان يتعلموا درسا من اصدقائي الملحدين،لأن عليهم ان يدركوا بأنهم الوحيدين القادرين على أنقاذ أولاءك الذين يحتاجون الى عملية زراعة الأعضاء.
أن الهاجس المرافق لمسألة الحفاظ على الجسم كاملا غير منقوص عند الدفن،يرجع الى موضوع المومياء وتحنيط الجسد في الثقافة المصرية القديمة،وقد كانت اليهودية حينها تشكل معارضة لتلك الثقافة ،فقد كانت الأسس الفلسفية المصرية القديمة لعملية التحنيط تنطلق من مفهوم ان الجسد يجب ان يحظى بمرور لائق و مناسب الى عالم ما بعد الحياة،وهو بالضبط ما يتحجج به وبقوة أصدقائي المتدينين اليوم عندما يرفضوا ان يكونوا متبرعي أعضاء.لقد كانت اليهودية في مصر القديمة تشكل حالة معارضة لمفهوم تمجيد الجسم ولا تعتبره اكثر من كونه مركبة لسكن الروح.
يعتقد الملحدون بأنك عندما تموت فأن جسدك حينها لايعتبر اكثر من كونه جيفة،ان الأفكار الدائرة حول ما بعد الحياة والحصول على مراسيم دفن لائقة لاتعد أكثر من كونها أوهام و طقوس تساعدنا على استيعاب الرحيل بسبب الموت،لذا فأننا نرى بأن الملحد لاأساس له يستند عليه من اجل الأعتراض على مسألة التبرع بالأعضاء،فأذا كنت بموتك ستساعد شخصا ما....فلم لا؟! . في جانب آخر فان الشخص المتدين تراه مشحونا بالأسئلة حول فترة مابعد الحياة ومسألة الحفاظ على الجسم من أجل مراسيم دفن مناسبة.ولسوء الحظ فأنه سؤال يقود المرء للتردد في ان يكون متبرع للأعضاء.

أعتقد بأن كل الأديان و بموجب سياق هذا الأمر بأنها تستطيع بل ربما عليها ان تتعلم درسا من الملحدين،ان فكرة الملحدين تتمحور حول طرح فكرة ان أجسامنا الميتة ستتعرض للتحلل بكل الأحوال،اذا ما المانع من استخدامها من اجل شيء ايجابي؟؟،وفي نهاية المطاف فأني لاأعتقد ان هنالك شيءا اكثر ايجابية وتدينا من ان يكون موتك قادرا على انقاذ شخص ما زال على قيد الحياة.

خلاصة:
--------
لا أدري ماهي آراؤكم حول الموضوع ،فهو موضوع جدير بالأهتمام وان اعتمد ذلك على وجهات نظرنا المختلفة بهذا الشأن انطلاقا من معتقداتنا وتوجهاتنا الفلسفية او الدينية،الا ان المنطق يقول ان الجسم الأنساني لايصبح شيئا صالحا في مابعد الموت،و بالتالي فهو سيكون بعيدا كل البعد عن اي صورة من صور التواصل مع الأخرين،وهذا كما اعتقد فأن حتى المتدينين يؤمنون بهذه الحقيقة حتى ان لم يصرحوا بها،لكن فكرة ان يبقى(كبدك او رئتك او بنكرياسك او غيرها من اعضاء جسدك) على قيد الحياة!،وتخيل معي ان الأمر يذهب الى مديات ابعد من هذا فيما اذا لو استطاع هذا العضو ان يشكل سلسلة من التنقلات مستقبلا الى اجساد اخرى،خاصة فيما اذا تطورت الوسائل التكنولوجية او العلمية لتحافظ على هذا العضو وتجعله حيا يعيش في عدة اجساد لفترة طويلة! فما هو شعورك وشعور من يحبونك وهم يرون عيونك موضوع في رأس فلان من الناس؟ بالطبع سيشعرون بالفرح والفخر.

*****************************************
الميمون:
هو(ابو عمران)موسى بن ميمون بن عبيد الله القرطبي الأسرائيلي،ولد في قرطية عشية عيد الفصح عام 1135 م وتوفي في مصر في الـ 20 من(شهر تيفت-تسميته مأخوذة من شهر تيبت الأكادي-ويعد الشهر العاشر حسب التقويم العبري/الموافق 12 ديسمبر)عام 1204م،ويعد من ابرز الأحبار اليهود حيث عرف كونه فيلسوفا وباحثا وطبيبا خلال العصور الوسطى في المغرب و مصر،وعلى الرغم من ان كتاباته في مجال القوانين والأخلاق اليهودية جوبهت بمعارضة محترمة خلال حياته الا انه بعد وفاته أعتبر من الحاخانات الحكماء والفلاسفة الرئيسيين في التاريخ اليهودي،وتعد اعماله حجر زاوية اساسي في الدراسات اليهودية وما زال كتابه ذو الـ 14 جزءا وكثير من الأقسام الداخلية والمسمى (توراة ميشنا-او كما تدعى[سفر ياد ها هازاكا] او كتاب اليد القوية،الذي يعتبر كتاب الصياغة القانونية للتشريعات التلمودية وبضمنها بعض الأحكام التي لاتكون فاعلة الا في فترة وجود المعبد المقدس التي تدعى بـ(هالاخاه-في الحقيقة هي تعتبر التفاسير و الأفتاءات لبخاصة بالنصوص الشرعبة اليهودية التي يصوغها الحاخامون اليهود وخاصة الأرثودزكس ليجعلوها ملائمة ومعاصرة للحياة وفترتها الزمنية) يحمل السلطة الكنسية باعتباره تفسيرا للشريعة التلمودية، وكما يعرف موسى ايضا بالنسر الأعظم في الـ[يشيفا**] من اجل وضعه(بحسن نية) لمفاهيم التوراة(المنطوقة) وخاصة فيما يخص الأخلاق والتي يتم التعرف اليها بواسطة قراءة التفاسير الجديدة على يد الحاخام حاييم(هالييفي) سولوفيتشيك البيلاروسي(1853-1918) والمسمى ايضا حاييم النشط.ومن الجدير هنا ذكران على اليهودي الملتزم اتباع تعاليم الهالاخاه والتزامه بها اكثر من التزامه بالنص التوراتي المقدس.
http://encyclopedia.thefreedictionary.com/Mishneh+Torah

يشيفا**:
تلفظ بالعبرية-يشيفاه- وتلفظ باليديشية(احدى اللهجات التابعة للغة الألمانية)- يشيفه،وهي مدرسة تعليم أصول الهالاخاه(الشريعة اليهودية) وخصوصا التلمود،وتعليم طرق الأفتاء بموجب الشريعة اليهودية،وتمنع النساء من الدراسة في اليشيفات حسب المصادر اليهودية القديمة،الا ان تغيرا قد حصل في العصور الحاضرة و في المجتمعات الأرثودوكسية خاصة.وتذكر المصادر اليهودية ان هنالك مدارس قد انشئت في القرن الأول قبل الميلاد والقرنين الأولين بعده كانت تدعى بـ(بيت مدراش/دار دراسة) على غرار اليشيفات كان الحاخامون يقومون بتعليم أصول الديانة اليهودية للرجال خاصة بعد تدمير هيكل هيرودس عام 70 ميلادية.
http://en.wikipedia.org/wiki/Yeshiva

حكم انقاذ الحياة/التلمود[1]
http://www.daat.ac.il/daat/kitveyet/assia_english/benshlomo.htm
http://www.hamakor.org/beisdin/kipah.htm

رابط المقال الأصلي:
http://www.huffingtonpost.com/eliyahu-federman/organ-donation-atheism-and-judaism_b_1287269.html








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - خيارات التبرّع
رعد الحافظ ( 2012 / 5 / 21 - 20:15 )
طبعاً زمن ظهور الأديان لم يكن معروفاً ولا يخطر ببال البشر قضيّة التبّرع بالأعضاء لا قبل موت المتبرع ولا بعد موته
ومثلها قضايا عديدة كتحديد النسل وزرع الإنسجة والخلايا وتغيير الجنس ... الخ ما ظهر حديثاً
لذلك فالمشايخ ومن في حكمهم , سيكذبون لو قالوا هناك نص يمنع أو يُجيز التبرع بالأعضاء أو بالدم
ومنطقياً سوف نتوقع من جميع المتزمتين والمتطرفين الوقوف بحزم ضدّ أيّ جديد يطرأ أو أيّ إقتراح أو حلّ لمشكلة إنسانية
في حين المشايخ الأقل تشدّداً سوف يحاولون إيجاد نصوص تُشجع على تعاون البشر مثلاً
***
عندنا هنا موقع للتبرع / تستطيع أن تُغيّر وصيتكَ بعد فترة متى ما شعرت بالندم مثلاً
وتستطيع تحديد المستفيدين / أو جعلهِ عاماً
وكذلك تحديد غرض الإستفادة / كأن تستبعد قضايا التجميل للمحتاج وتقبل فقط التبرع لغرض إنقاذ حياة , وهناك خيارات كثيرة اُخرى
***
الآن نسمع عن فتاوي بعضها توافق على التبرع / بعد الموت فقط , ويقرنون التبرع خلال الحياة بأمكانية موت المتبرّع فيتحوّل عمله الى إنتحار / وهذا محرّم دينياً
بعض الفتاوي تُجيز التبرع بالدم للمسلم فقط وتحرمّهُ على غيره حتى لو طفل صغير
تحياتي لجهدك


2 - مهم
مازن فيصل البلداوي ( 2012 / 5 / 22 - 08:33 )
الأخ العزيز رعد الحافظ
شكرا لما دونته،وبودي ان يتم الحوار حول الموضوع،لأني اعتقده مهما جدا ويخلق نقطة تحول كبرى في المفاهيم السائدة،ولكي نتعرف على العوائق امام مثل هذه الخطوة من لدن المعترضين مثلا
تحياتي


3 - شكرا للعزيز مازن
جاسم الزيرجاوي-مهندس أستشاري ( 2012 / 5 / 22 - 13:59 )
شكرا للعزيز مازن
نشر ثقافة التبرع بالاعضاء عمل تنويري ....لكن تعال فهم اللذي لا يفهم
ممكن ان يرجمونا بالحجر اذا ذكرنا الموضوع علنا
تحياتي وشكرا لجهدك العلمي


4 - مفصل مهم
مازن فيصل البلداوي ( 2012 / 5 / 22 - 18:04 )
الاخ العزيز جاسم الزيرجاوي
شكرًا لك رأيك
انا اعتقد ان الامر يشكل نقطة انتقال مفصلية بمفهومها وتطبيقاتها،و سيكون فلترا بفتحات بالغة الصغر تمسك بحبات الرمل الثقيلة
تحياتي

اخر الافلام

.. - إذا طبعت السعودية علاقتها مع إسرائيل ستشجع 50 دولة إسلامية


.. أنصار الله: استهدفنا مع المقاومة الإسلامية بالعراق سفينتين ف




.. خشوع وايمان من جمال الصوت.. «صلاة الفجر» من المسجد النبوي ال


.. كيف نقارن بين الحضارات ؟




.. بعد أن كان مسؤولا عن منبرهم الإعلامي.. تحديات دفعت عبد الجلي