الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


محمد هديب يكتب عن «دحل الحمام».. فسيفساء رشيقة تسرد الحكايا بعين طفل

أشرف العوضي

2012 / 5 / 22
الادب والفن



حتى يحدث نوع من التطامن بين الكتاب وقارئه وصاحبه بدأ نص «دحل الحمام» للكاتب اشرف العوضي بإهداء إلى: محمد وريم.. زمنا من حياة ابيهما علهما يفقهانه ذات يوم. وهذا سيذهب بالنص إلى منحى سيري، يدفع إلى التساؤل: ما الذي يهدف اليه المؤلف إذا ما صدر نصه بهذه العتبة؟ في الغالب احتوت دفتا الكتاب صورا من الذاكرة البعيدة جدا وهي الصور الأوضح في النفس البشرية لأنها مرتبطة بمنطقة الطفولة البكر، وكان ارتباطها المركزي في النص بدءا من دحل الحمام، أي المنطقة الخفيضة المطمئنة التي يرتادها حمام، وطفل مفتوحة عيناه على اسئلة الوجود الأولية، ومفتوحتان على مشاهد متحركة في الحكايات وعلى لقطات ثابتة من الوجوه والأمكنة، ويسعى العوضي أحيانا إلى تسجيل بعض الصور والمشاهد التي ليس فيها تصعيد فني وانما تحال إلى رغبته بقول وتصوير كل ما وصفه ما طالته الكتابة فهي صور بحسب تقديمه توازي الحمامات التي أمسكها اما التي لم يمسكها فهي اكثر بكثير.

هذه نية سيرية، ولكن ماذا عن النية الروائية؟ حيث النص اريد له ان يكون رواية، ولا أميل للانشغال بهوية النص، فليس منا من يستطيع القبض على تعريف للرواية، ثم ان تعبير «القبض على» بوليسي قمعي اختزالي، مدرسي، في الوقت الذي يمكن للإبداع ان ينتمي كل يوم لمدرسة ليس لها صاحب سوى ما يؤسسه ويؤثثه من نصوص تسير في طريقها الجمالي دون أب شرعي ولكن آباء وأمهات يثوون في المنطقة البعيدة للفعل الابداعي ويحرضونه على ان يكون مستقلا إذا شاء وشاءت الموهبة.

كتابة انيسة وممتعة، ذات روح ريفية حميمية لضمت الحكايات بحس ناعم، من الطرافة حتى الأحزان العميقة، من فسحة الضحك على الكاريكاتيرات الطفولية حتى التأمل في ذهاب ظل شجرة حين تقطع وتقطع معها اواصر غنائية تربط الشجرة بالميلاد والحياة.

على الغلاف الأخير بقلم الناشر والروائي مكاوي سعيد جملة هامة تقول: نص روائي من قصص متشابكة، أو متتالية قصصية في شكل روائي جديد.. له ميراثه النصي عند عبد الحكيم قاسم وادوارد الخراط.

و«دحل الحمام» في هذا السياق عمل فسيفسائي، إذا اقتربت منه ستعثر على مفردة فنية مستقلة ومجردة وذات جمالية في اللون والتأويل بما يسمح ان تكون وحدها، ولكنك إذا ما ابتعدت عنها، سترى لوحة مكتملة، في سياق روائي يقترح طريقة في السرد تبتعد عن العمران الهندسي من القاعدة إلى القمة أو بالعكس، وإنما في هذه الحال تعثر على صور ومشاهد موزعة بعفوية طفولية، العفوية التي لا تهتم بالمقدمات والنتائج الروائية، بقدر ما تورط القارىء في لعبة البوح والاعتراف والاستخلاص، كما يفعل أي طفل لا يحكم سرده منطق الكبار المناطقة وانما مخاوفه وأحلامه وأخطاؤه وهو يتعرف على أسماء الأشياء، ويلثغ بها، وهو يعبر عما يشير اليه ولا يقدر عليه، وما يريده ويغامر فيه، قولا وفعلا، وما يفرض عليه اعتباطا ويدفعه دفعا إلى الانكسار وتصبح كل هذه مركوزة في منطقة الذاكرة، وتستمد فعل الكتابة من النقر الملح لما يسمى الحنين.

الولد الذي يرسله ابوه بائع الخضار ليسترد دينا من العم شلبي الجزار -ثمن ما ابتاعه من الفاكهة والخضار- تستولي عليه المخاوف من جزار يشاع أنه يذبح الصغار حين يعجز عن العثور على بقر، لكن الولد الذي يغريه ابوه بـ «بريزة» نظير هذه المهمة يذهب على وجل لينظر إلى باب العم شلبي الموارب فيجده في السرير مع زوجته عاريا ومع تنبيه الزوجة له ينطلق وابل من الشتائم، والولد يتقهقر مذعورا إلى البيت فيبلغ أباه فورا بأنه شاهد العم شلبي يجثم على زوجته ليذبحها حتى يبيعها في الدكان، ويضحك الأب حتى سعل ودمعت عيناه.

هذا المقطع هو ما تشبهه مقاطع النص، فهي قصص قصيرة أو قصيرة جدا، أو مشاهد تذهب إلى بوتقة تنمو طبيعيا، ولا يحفل الكاتب بأن القصص قد تصنف في مدرسة القصص قصيرها وقصيرها جدا، وانما يرى إلى العمل بجملته اقتراحا فنيا، يجعل المذهب الروائي على محك السؤال، فجميع الشخوص ينمون وزمنهم ينمو، وأمكنتهم تتحول وتسقط من تلقاء نفسها أو تهد على رؤوسهم، ليصبح الصراع لفائدة الصور والمصائر التي يعايشها الطفل بعينيه سواء رآه عيانا، أو وقر في قلبه من مرويات تمور وتحتل عينيه ويراها مرتين رأي الضمير العميق ورأيها على الورق مرة أخرى. أين الخيال في ذلك؟ ان الكتابة لا تكتب ما جرى حتى لو كان محضرا رسميا وإنما ما يجري في رؤوسنا، حيث تكون للصور ظلالها وانعكاساتها، التي تلاحقنا حتى لو سردناها نحن كل يوم، فـ «دحل الحمام» في هذا المقام يعيد انتاج ذاته كلما كان في الأرض وفي السماء حمام يحوم ويحط.

وبتفحص المقطع السابق يمكن القول ان الجو العام للنص تسيطر عليه قوى حكائية نسائية، يقمن بالسرد المتواصل للحفاظ على كينونة القرية، وعالم الطفل الخلفي يبدأ وينتهي مع ثلة من النساء، فيما سلطات الأب (والأعمام) ذات قداسة تظهر في كل المقاطع، و«يحتال» الكاتب بجعل المرأة ظلا مطمئنا بعيدا، وغير نشط، حتى ينوب عنها في السرد، لأن الحكايات اختصاص نسائي، وفي مناخ ريفي، وهنا تثبت المرأة وجودها، في اطلاق الخيال الأسطوري لتدحض وجودها الثانوي في سلطة المجتمع خلف الرجال، في الشارع، ومن ثم تستمد من الحكاية ما يعطي لمعنى «ربة البيت» عمقا رمزيا للربة، بعيدا عما يحيل اليه التوصيف من عادية وربما قدح في حين آخر. وفي ذات المقطع رغم غياب العنصر النسوي، لا يمكن تجاهله لدى قراءة الركن الأساسي الذي لعب لعبته في النص وهو الخيال الذي يطوره رأي على الأغلب نسوي يشيع ان لحم الجزار شلبي لا ينضج حتى لو اشعلت نخلة تحت القدر، وعلى هذا تبدو رحلة الطفل من الترعة إلى البيت ومن الحارة إلى البيت، وحين يعود من غربته في اجازة تكون العمة والجدة هما من يضيئان المشهد الأخير الذي يحكي قصة النخلة المهددة بالقطع، لأنها لم تعد تثمر بسبب الاهمال، ولأن الجيران يريدون بترها.. رغم امكانية احيائها بحسب المرأتين الحزينتين على مصير اطول شجرة في القرية، وليختم النص بموقف مفتوح على امكانية الحكي: كيف سنقطع هذه النخلة؟ السؤال ليس فنيا بالتأكيد بل جارحا.

النص الذي دفعته دار «الدار» في القاهرة مؤخرا، عطل من رشاقته الكم الكبير من الأخطاء المطبعية والاملائية والنحوية، بما يتجاوز حجم نص خفيف الكلفة لا يتجاوز الخمسين صفحة، فالكتاب الذي تبلغ صفحاته 106 يشتمل في الواقع على بياض كثير استلزمته الفنية التي لجأ اليها العوضي وهي لغة التقطيع والكتابة البرقية. ولا أعلم ما هي الانشغالات التي تمنع دار نشر من قراءة الكتب ضمن وظيفتها الأساسية: التحرير والتصحيح ثم الطباعة، حتى لو كان الكتاب سفرا ضخما!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. علي بن تميم: لجنة جائزة -البوكر- مستقلة...وللذكاء الاصطناعي


.. تسجيل سابق للأمير الشاعر بدر بن عبد المحسن يلقي فيه أبيات من




.. الفنانة غادة عبد الرازق العيدية وكحك العيد وحشونى وبحن لذكري


.. خلال مشهد من -نيللى وشريهان-.. ظهور خاص للفنانة هند صبرى واب




.. حزن على مواقع التواصل بعد رحيل الأمير الشاعر بدر بن عبدالمحس