الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فصل من رواية دحل الحمام

أشرف العوضي

2012 / 5 / 22
الادب والفن


فصل من رواية دحل الحمام
أشرف العوضي

كنت أحب صوته الحزين وهو يأمنا في الصلاة رغم انه دائما ما يذكرهم بأن الصبية في الخلف، كان خاشعا منيرا وخاصة بعد أن يفرغ من وضوئه، يبكى الناس بحرقة شديدة خلفه عندما يذكر جهنم وحارسها مالك، لم أره أبدا خارج المسجد لدرجة أنى اعتقدت انه يسكن فيه، وعندما ضبطه الرجال في وضع مشين مع زوجة المؤذن . أصابني دوار شديد.



(15)

لم يكن أحد من أهل الحارة يعيرها وزوجها انتباها، لأيام طويلة لا يطرق بابهم أحد، كانت حادة سليطة اللسان، وعندما اشترى عكاشة زوجها تليفزيون ابيض واسود من ليبيا التي كان يعمل فيها سائقا، اصبح بيتهم قبلة الكبار قبل الصغار، يهدى إليهم الطعام الساخن، ويقدم زوجها في ولائم الأفراح، وتحمل إليها جرار الماء النظيفة، حتى ذلك اليوم الذي قدم فيه الحاج خميس من الكويت ومعه تلفزيون ملون.



(16)

كانت الشمس في منتصف السماء حين دخل سعدون مقبرة جديدة لم يدفن فيها أحد اتقاء من هذا السعير المشتعل، بينما كانت جاموسته وحماره يدوران في الساقية لري قيراطه الوحيد الملاصق للجبانة بعد أن غمى عيونهما فاعتقدا أنه بجوارهما جالس، وحين أفاق من قيلولته داخل القبر الرطب، سمع وقع أقدام قادمة باتجاه قبره الاستراحة، أراد تبين الوقت حتى يفك جاموسته وحماره، وعندما جذب بيده الخشنة من داخل القبر جلباب العابر ليسأله الساعة كآم يا آخينا سقط الرجل بين يديه ميتا.


(17)

عندما ذكر فتح الله الغفير اسمه على ذلك الرهط من الشيوخ الجالسين أمام المسجد الكبير بعد صلاة العصر لم يتعرف عليه أحد منهم، أكد لهم أن الإشارة القادمة من المركز تؤكد أنه من قريتنا، لاكت النساء اسمه في ماكينة الطحين وعند بهية الخياطة وفى موردة السعدواية ولكن لا واحدة منهن تعرفت عليه ، اغلق المأمور الهاتف في وجه العمدة سلامه الذي حاول إخباره دون جدوى أن المذكور لا صلة له بقريتنا لا من قريب أو بعيد، وعندما اخترقت سيارة الموتى السوداء الطريق الزراعي المترب متجهة إلى جبانتنا احتار الرجال في أي مقبرة سيدفنوه.


(18)

لا أعلم لماذا اتجهت إلى مؤخرة سيارته البيضاء الطويلة لأسجل رقم لوحتها المعدني النظيف على غلاف كراسة الإملاء، بينما كان في المندرة الكبيرة يتحدث عن مشاريعه في جنوب الوادي وعن مزرعته التي يرمح فيه الخيل، كان سمينا يميل إلى حمرة مستفزة وفى بنصره الأيسر خاتم ذهبي متوحش، زفوه مساءا إلى أول فقيرة جميلة عثروا عليها، وعندما تبين لهم بعد فراره وسرقته للشبكة التي أهداها لعروسه أن بطاقته الشخصية التي عقدوا بها زواجه مزوره، احتاروا في كيفية العثور عليه حتى دفعت لهم كراسة الإملاء.



(19)

باع غويشة زوجته اليتيمة وساعته الجوفيال التي كان يتباهى بها على رفقائه في مقهى عكشه، وعندما سألوه عن السبب أخبرهم دون أن يفصح عن التفاصيل أن في رأسه مشروع مربح، تفاجئوا به يوم العيد واقفا بجلبابه الفاقعة ألوانه بجوار مرجيحة كبيرة منتظرا قدوم الصغار، وعندما اخبره فتح الله الغفير بأن يفك المرجيحة، لم يفهم علاقة اغتيال الرئيس أثناء العرض العسكري ومشروعه المربح.



(20)

حلمت به كثيرا، وافتقدته اكثر بعد موت أبي، فلم يكن مجرد خال، وحين عاد بعد غربة طويلة لم يعرفني، أخبرته أمي أنني ذلك الصغير الذي كان يلازمه كظله وأنني اقرب الناس شبها به، حدق في وقد ارتسمت على وجهه ابتسامة باهته، وعندما احتضنني شعرت ببرودة شديدة.
أشرف العوضي
مدير تحرير مجلة الدانة القطرية








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أمسيات شعرية- الشاعر فتحي النصري


.. فيلم السرب يقترب من حصد 7 ملايين جنيه خلال 3 أيام عرض




.. تقنيات الرواية- العتبات


.. نون النضال | جنان شحادة ودانا الشاعر وسنين أبو زيد | 2024-05




.. علي بن تميم: لجنة جائزة -البوكر- مستقلة...وللذكاء الاصطناعي