الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من سیکون (فیلي براندت ) العراق

سرفراز علي نقشبندي

2012 / 5 / 23
المجتمع المدني


فیلي براندت شخصیة سیاسیة ألمانیە ، کان رئیسا للحکومة الألمانیة في أحدی ‏الدورات بعد الحرب العالمیة الثانیة ، وهو المهندس لسیاسة الانفتاح وإقامة ‏العلاقات مع الدول المجاورة بعد أن کانت مقطوعة ،والتخلص من آثار النازیة ‏في جمیع مرافق الحیاة وإدانة المظالم التي أقامتها السلطة النازیة ضد ‏الإنسانية.‏
فیلي براند هو أول ألماني زار مقبرة ضحایا الهولوکوست في بولونیا و أنحنی ‏لتلک الأرواح التي زهقت من دون حق، وأصبحت تلک الانحناءة رمزا لعهد ‏جدید في ألمانیا وصفق العالم لجرأتە وإحساسە بالمسٶولیة الملقاة علی ‏عاتقە کرئیس حکومة ، وبذلک خلد نفسە في التأریخ وربح وطنە ، منذ ذاک ‏وکل الحکومات الألمانیة.المتتالیة تسیر علی نهجە.‏
تلک الخطوة الجریئة من براند أدارت السیاسة الألمانیة نحو المجتمع المدني ‏وبناء الدیمقراطیة ، فهو قد أعتذر عن جرائم هو لیس فاعلها ولا مشارکا فیها ‏‏!! ،لأنە طوال فترة النازیة کان مناضلا هاربا من السلطة النازیة ولم یشارک ‏في أي من تلک الجرائم ، بل عاد الی ألمانیا بعد إنتهاء الحرب.‏
لکن خطوتە التاريخية تلک لم تکن خطوة فرد إنما باسم ألمانیا لأنە یمثلها ‏ویعتبر نفسە مسٶولا عن کل ما جری في هذا البلد، ولا یخفی بأنە وضع ‏مصلحة ألمانیا وإعادتها للمجتمع الدولي وبناء اقتصادها في مقدمة الأهداف..‏
هذا ما کنا نأملە بعد سقوط النظام الصدامي ، حیث أعلنت العراق التزامها ‏ببنود حقوق الإنسان في المجتمع المدني الذي یکفل حقوق الشعب وفق ‏المواثیق الدولیة للحقوق المدنیة وبدستور حضاري و دیمقراطي.، والعمل علی ‏بناء البنیة التحتیة وإزالة آثار الغبن والإنتهاکات التي جرت بحق الشعب ‏أبان الحقبة الصدامیة.‏
إلا أن إنشغال السلطات العراقیة بأمور ضیقة من تناحرات حزبیة ومذهبیة ‏وعرقیة ، إضافة الی حب السلطة والتهافت علی المکتسبات الشخصیة وتفشي ‏االفساد في جمیع مرافق الحیاة أدی الی تقزیم الصرح العراقي الجدید وسط ‏المهاترات السیاسیة والأتهامات والتسابق غیر الشرعي للفوز بالسلطة ، مما ‏أدی الی ضیاع الفرص وصار الشعب ضحیة للإرهاب الذي يتغذى علی ‏التناقضات والفوضى القائمة.‏
هکذا وجدت نفسي أمام مقارنة لا بد منها ، لأني وأنا في المنفی کان السٶال ‏یراودني، کیف توصلت ألمانیا الخارجة عن حرب عالمیة خسرت فیها الأرواح ‏والممتلکات والبنیة التحتیة ، وتلتها انقسام المدن بین ألمانیا الشرقیة ‏التابعة للأتحاد االسوفیتي آنذاک والغربیة التي تتمثل في الحلفاء وکيفيه ‏تقسیم المدن بینهم وفق تواجدهم فیها بعد سقوط النازیة .‏
ومن ثم الحرب الباردة بین الاشتراکیة والرأسمالیة التي کانت تدور رحاها ‏علی أسوار برلین المقسمة بین الشرق والغرب،وکل قسم محکوم بنظام مختلف ‏و متناقض بل و معاد، وکان الاختلاف یشمل جمیع مرافق الحیاة من سیاسیة و ‏اجتماعیة و اقتصادية ومناهج تعليمية وعلاقات خارجیة، ثم جاءت مرحلة ‏سقوط جدار برلین وطفت التناقضات الاجتماعية والاقتصاديە.المزروعة في ‏المراحل السابقة.‏
کیف لهذە الدولة أن تصبح کما نراها ، دولة مستقرة و مدنیة و دیمقراطیة ‏باقتصاد قوي وقوانین تضمن حقوق الإنسان بعیدا عن النعرة العرقیة والدینیة ‏و اختلاف الآراء السیاسیة ، ویصبح لها ثقلا لا یستهان بە في الاتحاد الأوربي ‏والعالم .؟!‏
من السهولة أن یسرد المرء هذا التأریخ الشائک والمدمي ، ولکن بناء دولة ‏علی کل تلک الأنقاض و بهذە القوة، تحتاج إلي تخطیط متین وعقول مدبرة ‏ووطنیة بالدرجة الأولی ،وذو وعي ثقافي رفیع ، مستفیدة من التجارب السابقة ‏التي مر بها الوطن. وأول خطوة للبناء هي نسف الاتجاهات الشوفینیة ‏والدکتاتوریة والتفرد بالقرارات الذي کان سائدا في عهد النازیة التي کانت ‏متمثلة في شخصیة أدولف هتلر الذي قاد البلاد إلی کل تلک المآسي والمظالم ‏التاريخية التي حدثت في عهدە بدأ من محرقة االهولوکوست والإبادة ‏الجماعیة للیهود في ألمانیا و في کل الدول الأوربیة التي احتلتها النازیة ‏أثناء الحرب.‏
اوحین یمعن المرء في هذا التأریخ و تسلسل الأحداث الدائرة ، یری أن رأس ‏الرمح هم الساسة الألمان بعد الحرب، وطنیتهم ووعیهم الثقافي وتهجي فلسفة ‏السیاسة بعمق،کل هذا دعاهم لبناء وطنهم بأسس جدیدة ،وبمعاییر لا تشبە ‏سابقتها، وأول مرفق لتهیئة الجیل القادم هو التعلیم ، حیث تم فرز وحذف کل ‏فکرة أو إیماءة تقود لی النعرة الشوفینیة من عرق أودین أو مذهب في ‏المناهج الدراسیة ، وحلت محلها حقوق الفرد والتعایش الايجابي مع الآخرین ‏إضافة الی تعریف النازیة کقوة سلبیة وشرح الهولوکوست والإبادة الجماعیة ‏للیهود والمعوقین وغیرها من أسس الحقوق والواجبات، هذا إضافة الی إعادة ‏الحق والکرامة لکل الشرائح التي تم هدر حقها أولهم الیهود الألمان ، حیث ‏أعادوا بناء كنائسهم المهدمة وأستقبلوا الهاربین منهم وأعادوا تأهیلهم ‏وإرجاع ممتلکاتهم المحجوزة وفتح المدارس الخاصة بهم ، کذلک بالنسبة ‏للمعوقین و ذوي الأحتیاجات الخاصة بعد أن کانوا منبوذین في عهد النازیة ‏ومعرضین للقتل تخلصا منهم ، صار لهم حقوق وتم الاعتناء بهم بإقامة برامج ‏خاصة برعایتهم و معالجتهم بکل أنسانیة.‏
وهنا المقصود بهذا السرد هو وضع العراق ما بعد صدام والتخطیط لبناء وطن ‏خال من تلک المآسي التي قام بها النظام السابق ، وأول هذە المآسي القتل ‏الجماعي وتطبیق سیاسة الأنفال السیئة الصیت (الجینوساید) علی الکورد ‏وقصف حلبچە بالسلاح الکیمیاوي وترحیل الکورد الفیلیة الی ایران بعد أن ‏جردهم من ممتلکاتهم وحتی هویتهم کعراقیین وأختفاء المئات من شبابهم ‏بمصیر مجهول، کذلک فعل مع الشیعة وبقیة الأطیاف، إضافة الی سیاسة ‏التعریب وتهجیر الکرد من مناطقهم، کما لم یسلم منە أي معارض یقول لە لا..! ‏بعدها جاءت مسألة أحتلال الکویت ونهبها والمصیر المجهول للمئات منهم .‏
لنا أن نقول بأن العراق یحتاج الی شخصیة دینامیکیة ووطنیة مثل فیلي ‏براندت، بوعیە و ثقافتە العالیة وحبە لوطنە، لیخطو خطوات حضاریة و جریئة ‏لا مجال للنعرات الفردیة فیها.‏
ولکن مع الأسف فأن الحکومة العراقیة لحد هذە اللحظة لم تتبنی مشروعا ‏یهدف الی أستقرار العراق ناهیکم عن تقدمها و تقویة اقتصادها وأعادتها الی ‏المجتمع الدولي بوجە یفتخر بە أبناءە.‏
بل بالعکس بدلا من بتر النعرات الضیقة فقد قامت بتغذیتها وتعمیقها،مما یدل ‏بأن هناک خللا في تفکیر الساسة العراقیین إزاء الحکم والسلطة والحقوق!! ‏وفیهم من هو أبعد ما یکون عن حب الوطن والمصلحة العامة ،وبدلا من تعدیل ‏الأخطاء أضافوا حلیة جدیدة لتلک الأخطاء التي تسببت للعراق الکوارث و هدر ‏الدماء ، ومن جملة تلک الأخطاء هي مسألة کرکوک وتطبیق المادة ١٤٠ وحق ‏تقریر المصیر للکورد.‏
وما لي إلا أن أسأل الساسة العراقیین ، هل نقصت انحناءة فیلي براندت من ‏شخصيتە أم أنە صار أسما ملاصقا لتطور ألمانیا.؟
هنا السٶال موجە الی السید المالکي بأعتبارە رئیسا للحکومة بدورتین ‏متتالیة : لماذا لم تفعل مثل براندت ، تزور حلبچە لتقدم الاعتذار باسم ‏العراق للأبریاء المخنوقین بالغازات الکیمیاویة ، ولماذا لم تنحني أمام ‏المقابر الجماعیة للکرد والشیعة ، ولماذا لم تعتذر لکل الشعب العراقي علی ‏المآسي التي حلت علیة في النظام السابق، ولماذا لم تقبل ید الأمهات ‏اللواتي فقدن فلذات أکبادهن ، بغض النظر عن الانتماءات الحزبیة والعرقیة ‏والمذهبیة الضیقة ، لماذا لم تعلن عن حق الکرد في تقریر مصیرە، لماذا لم ‏تدع شعب کرکوک یختار مصیره دون مداخلات و ضغوطات ،لماذا لم تعید الحق ‏والکرامة والهویة لکل الکرد الفیلیة المرحلین قسرا عن وطنهم العراق،لماذا لم ‏تهتم بالوضع الصحي في الأهوار وتبني ما هدمە صدام ولماذا لم ترفق بحال ‏الفقراء في کربلاء ولماذا لم تحجب تدخلات الدول المجاورة في شٶون العراق ‏ولماذا لم تنصف معوقي الحرب بدون إسثناء وووو.. کان هذە من أولیات ‏الواجبات الوطنیة وأنت في سدة الحکم؟!!‏
هل فکرت بما کنت ستجنیە من مثل هذە السیاسة الرفیعة المستوی أقولها لک ‏، کان العالم کلە سیصفق لک ولکنت المنقذ الحقیقي للشعب العراقي ‏ولأختصرت الزمن وبنیت الوطن،لکان الکرد وکل الأقلیات سندا لک في عملیة ‏البناء و لخلدت أسمک في التأریخ .‏
‏ نعم لقد أنحنی فیلي براند للحق مرة واحدة ، وأنحنی لە التأریخ ملایین ‏المرات وصارت الانحناءة لقبا لە ،تفتخر بها ألمانیا،وأنت بدلا من الانحناء ‏للحق تفردت بالقرارات وأنکرت أبسط حقوق الشعب الکوردي ألا وهو حق تقریر ‏المصیر!!‏








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - حتى لو إنحنى
خسرو حميد عثمان ( 2012 / 5 / 24 - 05:55 )
هل تتوقعين فعلا لو فعل المالكي كل ما طلبتيه كانت النتيجة تختلف عن ما نراه اليوم! هل نسيت بأن الفرد العراقي يتصف بإزدواج عميق في شخصيتة. الأشكالية، في رأي، مرتبطة إرتباطا جوهريا بخلل بنيوي، بدأ منذ عهد بعيد، وإستفحلت بمرور الزمن، مما يستوجب إعادة دراسة التأريخ برمته بفكر ومنهج نقديان بهدف تهيئة كل ما يستوجب لخلق بيئة يعيش فيها الناس(الفرد) حياة كريمة متمتعا بكافة حقوقه، ولكن ألن تجعل الخطوط الحمراء ذلك مستحيلا. في المانيا يعتمد شريان الحياة وتطورها على فكر الأنسان ومجهوده أما في العراق يعتمد على مجموعة من الخرافات والأكاذيب يدعمها ويعطيها زخما ما كان راقدا في باطن الأرض منذ ملايين السنين، تجارة لا غير . مع خالص تحياتى

اخر الافلام

.. إخلاء مركز للمهاجرين في تونس ومظاهرة لترحيلهم ورفض توطينهم


.. الأمم المتحدة: دارفور معرضة لخطر المجاعة والموت




.. آلاف الإسرائيليين يتظاهرون للمطالبة بإبرام صفقة تبادل فورية


.. طلاب نيويورك يواصلون تحدي السلطات ويتظاهرون رفضا لحرب غزة




.. نقاش | اليمن يصعد عملياته للمرحلة الرابعة إسناداً لغزة ... و