الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


النظريات والحقائق.. وفاق ام افتراق؟

نضال فاضل كاني

2012 / 5 / 24
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


مفهوم النظريات يتغلغل في عالم التفكير الانساني بطريقة ما، شاء الانسان ذلك أم أبى، فلا يوجد مجال يمكن للفكر ان يكون فيه موطأ قدم الا وتجد ان المتخصصين في ذلك المجال يؤطرون التفكير بنظرية ما.. فهناك مثلا: النظريات الادبية والاجتماعية والسياسية والقانونية والعلمية والفلسفية والتربوية والاخلاقية والاقتصادية وحتى النظريات الدينية..
وما هي النظرية؟ انها ببساطة عبارة عن مجموعة من المفاهيم والتعريفات والافتراضات التي تعطينا نظرة منظمة لظاهرة ما عن طريق تحديد العلاقات المختلفة بين المتغيرات الخاصة بتلك الظاهرة، بهدف تفسير تلك الظاهرة والتنبؤ بها مستقبلاً.
لو اخذنا مثلا نظرية التضامر، فسنجد ان لفظ التضامر هو مفهوم وضع ليفسر ظواهر معينة ويتوقع حدوثها. هنا يفترض بادئ ذي بدء فهم المفهوم اولا، أي فهم المقصود بالتضامر، ومن ثم فهم الظواهر بذلك المفهوم. ما يعني ان دور النظرية كدور الجسر بين الظاهرة وبين الفهم لتلك الظاهرة، ولكنه يبدو كجسر ذي مرحلتين، اذ ما ان تصل النظرية الفكر بفهم الحدث او تفسيره، حتى تحاول ان تنقله الى المستقبل لتجعله يرى او يتوقع ما سيحصل.
هذا ما تحاول النظريات القيام به، وهي تزداد قوة ومكانة كلما جاءت تفسيراتها وتوقعاتها مطابقة للواقع، كما حصل وأن توقعت فنظرية النسبية العامة مثلا وجود انحرافات دقيقة في مدار الكوكب عطارد لم تكن مرصودة بعد، وتم التحقق من ذلك فيما بعد مما أعطاها مصداقية أكبر، والعكس بالعكس كما يقال.
ولكن الى أي مدى يمكن الثقة بالنظريات والاعتماد عليها في فهم وتفسير الظواهر والتعامل معها ولازالت النظريات تحشد الاثباتات والبراهين حولها ثم ما هي الا فترة من الزمن حتى يأتي من النظريات ما يخالفها او حتى يناقضها؟
الى ذلك ينظر البعض للنظريات على انها شيء اساسي ورئيسي في الحياة الانسانية، اذ لولاها لما وطئت قدم الانسان سطح القمر او قعر البحر، بينما يقلل آخرون من شأن النظريات معتبرين اياها مجرد فروض تفسيرية تكاد تكون بمثابة من يقرأ الواقع في كتاب تأويل الرؤيا، فهي عندهم ليست الا حوما حول حمى الحقيقة.
يعتقد معظم الواعين بدور النظريات في المعرفة الانسانية، ان مثل النظريات كمثل أي شيء قابل للتطوير، فحتى لو كان الشيء قابلا لخاصية التطوير والتي تدل على اللااستقرار او اللاثبات فلا يفترض التوقف عن الاخذ بها، انتظار للوصول الى ما لا يتغير او لا يتبدل، فهذا من شأنه أن يوقف عقارب الزمن عند المنتظرين. فعلى سبيل المثال، نجد ان الاجهزة الإلكترونية كالتلفزيون مثلا قد مرّ بسلسلة تطورات من الوقت الذي ابتكر فيه الى يومنا هذا، وهو لا يزال في تطوير مستمر وبأصناف مختلفة، فقول القائل: "اني لا اقتني التلفزيون هذه السنة لأنه سيتغير بعد فترة"، يحرمه من فائدته وخواصه طوال فترة امتناعه. صحيح ان تقنية تتجدد، وان اللاحق فيه ما لم ليس في السابق ولكن هذا لا يتعارض مع اقتناء الموجود والسير من التجديد خطوة بخطوة.
ان دعاة الاخذ بالنظريات يرون ان التعامل معها يتطلب الوعي بصحتها النسبية لا المطلقة، وقبولها على هذا الاساس لا يتعارض مع البحث عن الحقائق الثابتة التي لا تتغير.
ان الفرق بين الحقائق والنظريات هو ان الحقيقة تتعلق بحدوث الشيء واما النظرية فتتعلق بمحاولة تفسير كيفية حدوث ذلك الشيء، فعلى سبيل المثال: ان الجاذبية الارضية حقيقة واقعة، لا يمكن انكارها، ولكن كيف تحصل تلك الجاذبية؟ هنا تأتي النظريات لتعطي التفسيرات، وكل تفسير يكتشف من خلال ما يتوفر للعالم من وسائل مساعدة تتمثل بتكنلوجيا عصره، ومع تطور هذه الوسائل التكنلوجية يجري تحديث النظريات او استبدالها. وهذا يدل على انتفاء التعارض بين النظرية والحقيقة كما انه لا ينفي الفائدة النسبية للنظرية والتي تكون عادة بنت زمانها.
واذا ما اردنا ان نصف العلاقة بين النظريات والحقائق، فإننا نعتقد بأنها علاقة تضامر عكوس، بمعنى ان النظريات لا يمكن الا ان توجد لتفسر الحقائق الثابتة، واما الحقائق فلا يمكن الا وان تسمح بوجود النظريات المتغيرة. انها الصلة بين الثابت والمتغير، صلة تضامرية يوجد كل جانب فيها من خلال ما لا يماثله.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أمام تصاعد الاصوات المنتقدة.. هل فقدت حماس شعبيتها داخل قطاع


.. ماهي دلالة كثرة نجوم الدوري السعودي في #يورو_2024 ؟| #هجمة_م




.. غياب مظاهر العيد في قطاع غزة بسبب استمرار الحرب| #مراسلو_سكا


.. الجزيرة ترصد موجة نزوح جديدة لسكان مواصي مدينة رفح جراء القص




.. مراسل الجزيرة يرصد أجواء العيد من شمال قطاع غزة