الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رواية -دحل الحمام-: إبداع في تداخل أجناس السرد

أشرف العوضي

2012 / 5 / 24
الادب والفن



دخلت الرواية العربية منذ زمن في معمعة الخروج على شكلها التقليدي الذي جاء مع هبوب أول نسمات رياح الغرب على مجتمعاتنا.. وقد يكون هذا الخروج له ما يبرره خصوصا بعد ما حققه فن السرد من وجود، بل ومن منافسة أحيانا، للشعر الذي اعتبر منذ الأزل ديوانا للعرب وكذلك بعد حصد الروائي الكبير نجيب محفوظ لجائزة نوبل، وإن كان البعض قد ذهب إلى القول إن الأجدى والأحرى أن تكون نوبل العرب في الشعر.. وهومجرد رأي ضمن ذلك الجدل الذي تفجر في حقبة ما، بين أنصار الشعر، وأنصار الرواية، والذي دفع البعض إلى اعتبار هذا الزمن زمن رواية لا زمن شعر.. ومن الحقائق التي لا يمكن تجاوزها أن كتاب الرواية العربية قد أبدعوا وأبهروا، وذلك عندما نجحوا في التوفيق بين الكم والكيف في عطاءاتهم، وهو ما فشل فيه إخوتهم من الشعراء، ولعل هذا الكم الروائي العربي المعتبر، هو ما دفع كتابا من أمثال: ادوارد خراط، وعبد الحكيم قاسم، ومحمد الماغوط وغيرهم، إلى التفنن في تطوير السرد، والخروج به من نظام الرواية القديم بفصوله وتراتبيته المعهودة، هذا على مستوى الشكل، أما على مستوى اللغة، فقد لجأ كتاب الرواية الجدد إلى الجملة الشعرية، معلنين بذلك أنها لم تعد حكرا على فن الشعر.. ولا ملكا خاصا بالشعراء دون غيرهم .

إن هذه التوطئة، ليست من قبيل فضول الكلام، ولا من دواعي ملأ الفراغ، بل هي وسيلتنا لتقديم رواية "دحل الحمام" للكاتب المصري أشرف العوضي، الذي يقدم للقارئ من خلال هذا العمل، توثيقا أدبيا رائعا لأيام الطفولة الأولى في القرية المصرية، ويأخذه من يده في جولة ممتعة بين محلات القرية المختلفة، عبر تقارير متلاحقة عن سكانها، ومهنهم من الخياط إلى الجزار، مرورا بالحداد وغيرهم .
لقد استغنى الكاتب في روايته هذه، عن استخدام أدوات الربط اللغوية، وعن علاقة الأحداث ببعضها، من أجل خلق لحمة بين الفصول والشخوص، واكتفى بالحضور القوي للمكان والزمان كرابطين، فجاءت الرواية على شكل مجموعة من القصص القصيرة، تفضي الواحدة منها إلى الأخرى، في نسق سردي واحد .. لايخلو من عناصر التشويق التي تشد القارئ من أول صفحة وحتى آخر سطر.

تشتمل هذه الرواية على تاريخ من نوع خاص للقرية المصرية، ومراحل التحول والتطور التي مرت بها من دخول للكهرباء، ومن تعبيد للطرق التي تربطها بالعالم من حولها، وحتى من وافدين جدد نوما يحملون معهم من مستجد العادات والتقاليد ،والاختراعات التي كانت عجيبة في نظر ساكنة القرية.. ولا تخلو هذه المسحة الحميمة بدقائق تفاصيل أخبار القرية، سكانها وأماكنها، ومحلاتها، ومشاعر الناس فيها وهمومهم، من دفء عاطفي جياش، ومن حنين خفي مرير إلى تلك البساطة التي لا تمتلكها المدن الكبيرة ذات الرتابة الخانقة، والجفاء المتأنق بين أهلها الذين يستهلكهم الوقت والعمل والروتين بدون أن يشعروا بذلك .
وقد لا نخالف الصواب كثيرا، إذا ذهبنا إلى أن أهمية هذا العمل، تكمن في تأصيله للارتباط بالأرض إلى حد التماهي والحلول، حيث تدور كل الأحداث، وتتحرك كل الشخوص، وتتأزم العقد الدرامية أحيانا، وتنحل أحيانا أخرى، لكن في آخر المطاف لا يبقى سوى الرمزالذي يجسد بصدق العلاقة بالأرض.. فعندما تشيخ النخلة، وعندما يتوقف طلعها، تبدأ الأقاويل في وصفها بالخطيرة، والآيلة إلى السقوط .. في حين أنها لا تزيدها الشيخوخة إلا بعد الجذور في أعماق الأرض، ويودع الكاتب القارئ في حيرة، ليس لها آخر ولا أول حول مصير النخلة العجوز.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أمسيات شعرية- الشاعر فتحي النصري


.. فيلم السرب يقترب من حصد 7 ملايين جنيه خلال 3 أيام عرض




.. تقنيات الرواية- العتبات


.. نون النضال | جنان شحادة ودانا الشاعر وسنين أبو زيد | 2024-05




.. علي بن تميم: لجنة جائزة -البوكر- مستقلة...وللذكاء الاصطناعي