الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مرة أخرى: نصب الحمار في السليمانية

بهروز الجاف
أكاديمي وكاتب

(Bahrouz Al-jaff)

2012 / 5 / 26
القضية الكردية


لم يكن اقامة نصب للحمار في مدينة السليمانية في كردستان العراق أول احتفاء بهذا المخلوق الأليف، ولم يكن جعله (أفنديا) بلف رقبته بربطة عنق وتحميله قلما ولاعتلاءه ناصية على مقربة من نُصُب لأبرع الأدباء والشعراء الكرد اول ادعاء بذكاءه، بل ولم يكن الاعتداء عليه وكسر ربطة عنقه أول استهجان لتكريمه. لقد افادنا التاريخ باخبار اتخاذ بعض الحيوانات، وخصوصا الوحوش الضارية والطيور الجارحة منها، رموزا لامبراطوريات ودول للدلالة على القوة والبطش قبل عهد الحداثة، فيما تحول بعضها بعد الحداثة الى الديكة والفيلة والطواويس والكناغر و...والحمير. ولو ان للحمار عندنا في كردستان مكانته نظرا لاستخدامه في مهنة الكرد الرئيسية عبر التأريخ، وهي الرعي، بالأضافة الى كونه وسيلة الحمل الرئيسية في الترحال والفلاحة وفي الحياة المدنية ايضا على عكس من لم تستفد منه من الدول وأحتفت به أيضا، فان الحمار ليس بتلك الأخلاق التي لانرى منها سوى (صبره) على تحمل أثقالنا نحن، فلقبناه ب (ذي الأذنين الطويلتين) تكريما له وكنيناه ب (أبي صابر) على الرغم من عناده وعصيانه وحتى اعتداءه على صاحبه برفسه حين الغضب. وكما يعد الانسان الحيوان الأكثر ضراوة بين المفترسات من الضواري لأمتهانه الصيد وأكله اللحوم وفتكه بحيوانات ونباتات الطبيعة، بل وتسخيرها له مستفيدا من عقله في ترويضها وتربيتها وأنتهاء بتحويرها وراثيا، فان الحمار يملك من الخصال البذيئة مالا يملكه أي من الحيوانات الآكلة للحوم والنباتات على السواء، الا الانسان. ففي حين تعيش بعض الحيوانات ازواجا في بيوت خاصة بها وتتزاوج لكي تلد أو تبيض فان بعضها الآخر لايعيش كأزواج ولكن يتبع اخلاقا رفيعة في تناسله، فجماع الأناث يكون لمرة واحدة بكل ود ومحبة قبل حملها ولايجرؤ ذكر على اقترابها أثناء فترة الحمل وبعد الولادة لحين نفور الأبناء من امهم وابتداء دورة تناسل جديدة. أما الحمير فلا ود ولا محبة لها ولا حتى موسما للتناسل، فما أن يرى الذكر أنثى، حتى ولو كانت معشرا، يقفز على ظهرها ومؤذيا اياها بالركل والعض وهي مرعوبة، كما ان ذكر الحمار هو الحيوان الوحيد الذي يمارس المثلية، اما صفة الصبر فهي رديف الغباوة من وجهة نظر الانسان له فشتموا الغبي منهم بنعته حمارا. ولعل نعت الخونة من الكرد المتآمرين مع العدو على بني جلدتهم ب (الجحوش) وهي الحمير، والذي أصبح مصطلحا سياسيا في قاموس السياسة الكردستانية، هو الدليل على مكانة هذا الحيوان الأخلاقية عند الكرد. ان الميزة الحسنة في شعب كردستان هي التأقلم واستيعاب الجديد من الأفكار من دون المساس بالثقافة الكردية الراسخة واللغة, ولكن ذلك الاستيعاب أخذ من بعض المثقفين الكرد فيهم العزة بالتقليد، فشطحوا فيما توهموا انهم بالغيه. فحين كتب الموسوعي الكبير (مسعود محمد) كتابه (الى العظيم غورباتشوف) كان قد بجل فيه خطوات البريسترويكا من وجهة نظر كردستانية بحيث رأى مشاكل الاتحاد السوفيتي من خلال مسيرة الحزب الشيوعي العراقي والوضع السياسي في كردستان، بل ورأى من حسنات البريسترويكا تفكيك الاتحاد السوفيتي و نشوء دول جديدة ربما فكّر بأن كردستان ستكون احداها! وكان ذلك في عام 1988، في وقت كان فيه شعب كردستان يذبح بالجملة ويتعرض للابادة على يد نظام صدام حسين. وهنالك اليوم مسثقفين أكرادا معاصرين يرون الحل في كردستان على الطريقة السويدية والهولندية والالمانية، هكذا بكل بساطة، بدون العودة الى الثقافة والارث الحضاري المحليين، وعليه فقد رأى البعض بأننا نشاطر الحزب الديمقراطي الامريكي تفكيرهم السياسي بتشكيلهم لحزب بأسم الحمير! ونسوا حتى بأنه لو اريد منهم تغيير اسم حزبهم الى (حزب الجحوش) لانتفضوا غاضبين لنعتهم بالخونه, وهم أعرف بأن الحمير هي الجحوش بعينها ولكن شتان مابين من جعل الخائن جحشا ومن جعل الحمار مثقفا. وقد نرى في جانب آخر مناقض بأن البعض قد رأى الحل في نموذج جنوب السودان، والبعض الآخر في تيمور الشرقية والبعض في نموذج الشمال القبرصي! لابل وقالوا بأن تركيا هي راعية الاستقلال في كردستان الجنوبية!، نعم هذه هي المفارقات في زمن التحول ويبدو أنه لاضير في الجر من اليمين الى اليسار ومن الصديق الى العدو ومن السباع الى الحمير مادام الخوض في كل شئ ممكنا. ان المعنى المستقى من اقامة نصب لحمار مثقف في السليمانية هو تعميم الخاص من الأفكار وهو شئ ليس بالحسن اذا ما تلا ذلك تعميمات أخرى لأفكار مستثقفين ملأوا الساحة الثقافية والسياسية في كردستان وأصبحوا بضاعة لهذا الطرف أو ذاك من خلال قلم وضيع وربطة عنق طال لسانهم بطولها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الحمـــار رمز الديمقراطيــة
كنعــان شـــماس ( 2012 / 5 / 26 - 13:00 )
تحية للنحات الذي عمل نصب الحمار المثقف وما لفت نظري اشارتكم الى اعتداء حصل على هذا النصب الفريد ولم تفصل فيه ؟ الحمار رمز التواضع ايضا ولنا في السيد المسيح مثالا عندما ركب على حمار وليس على فرس او حصان رمز العتــو والقوة . مقال جميل يا اخ بهروز


2 - الى الأخ كنعان
بهروز الجاف ( 2012 / 5 / 26 - 20:05 )
أخي كنعان، اشكرك على متابعاتك، أنا هنا لست بصدد القاء الثناء أو الذم لا على النحات ولا على من اعتدى على النصب وانما هي حالة طرأت عن نمط التفكير الذي أفرزته المرحلة تجعلني اتوخى شئ من الموضوعية في التماس القرائن في قراءتها، أما رأيي الشخصي في الاعتداء على النصب فهو اعتداء بكل مايحمل من معنى.

اخر الافلام

.. بريطانيا تحطم الرقم القياسي في عدد المهاجرين غير النظاميين م


.. #أخبار_الصباح | مبادرة لتوزيع الخبز مجانا على النازحين في رف




.. تونس.. مؤتمر لمنظمات مدنية في الذكرى 47 لتأسيس رابطة حقوق ال


.. اعتقالات واغتيالات واعتداءات جنسية.. صحفيو السودان بين -الجي




.. المئات يتظاهرون في إسرائيل للمطالبة بإقالة نتنياهو ويؤكدون: