الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فصل من دحل الحمام 3

أشرف العوضي

2012 / 5 / 26
الادب والفن



كان الواد حوده جالسا على البلاطة الكبيرة مستندا بظهره على جدار الخالة شفيقة وقد ارتدى بيجامته الكستور المخططة حين وقفننا صفا واحد نعطيه الطعام الذي استطعنا جلبه من بيوتنا .

وكعادتي كنت أخر من يعطيه وكنت اقلهم خوفا منه ليس لأني أشجعهم ولكن لان بيتنا كان اقرب البيوت إلى حيث نجلس دائما وحوده يعلم جيدا أن أي حركة غدر منه تجاهي سيعقبها استغاثة مدوية منى تخرج على إثرها أمي ومعها عمتي هانم والتي كان يخشاها إلى حد الرعب وذلك لفرط سلاطة لسانها ولفرط حبها لي .
صحيح أنني لم أعطه شيئا ذلك اليوم بعد ن أكلت في الطريق سندوتش التقلية الذي لفته لي أمي بإحكام بورقة جرنان قديمة حتى لا يتسخ جلبابي ومع ذلك لم يحاول ضربي أو إخافتي كما اعتاد دائما .

كان حوده يكبرنا بخمس سنوات كاملة ومع ذلك لا يلعب إلا معنا وكنت أنا وناجى ابن عم يونس الخياط ومجدي ابن عم حنا الموظف بالسكة الحديد في عمر واحد بل ونشبه بعضنا إلى حد كبير .

لم اعد أتذكر متى فرض علينا الواد حوده سطوته وكيف رضخنا له مع أن أهل شارعنا جميعا يشتكون من شقاوتنا بل ومن قلة أدبنا في أحيان كثيرة .
ولكن يبدو أن تلك الحكاية التي صبها في أذاننا ذات مغربية شتوية باردة في أنه مخاوي واحدة من بنات الجن الأخضر طلعت له حينما كان ذاهبا بمفرده ناحية المقابر وأنها عشقته ومستعدة لتنفيذ أي طلب يطلبه منها وأننا إذا لم نحضر له ما يكفيه من طعام وحلوى سيجعلها تسخطنا قططا أو كلاب جربانه ككلبة الواد برعي التي يحملها دائما ثم يلقى بها برفق في الترعة بعد أن يكون قد احكم حبل التيل حول رقبتها معتقدا انه ينظفها مع أنها تخرج من الترعة الضحلة في كل مرة أكثر اتساخا .

والحق أقول أن مجدي والذي كان أكثرنا هدوءا ووداعة هو من جعلنا نصدق حكاية حوده الغريبة هذه رغم عنادنا أنا وناجى ورفضنا تهديد وابتزاز حوده الذي استمر أسبوعا كاملا ولكن مجدي سامحه الله كان لا يجب المشاكل ويخشى توبيخ أمه الخالة مريم والتي كانت حريصة دائما على نظافته

وفى كل مرة كانت تراه يلعب معنا في التراب كانت تهدده بأنها لن تأخذه معها إلى المنصورة يوم الأحد حيث تعودت أن تذهب إلى الكنيسة الكبيرة والتي رايتها بدوري مرة واحدة حينما ذهبت مع آبي لشراء حذاء جديد قبل العيد بيومين ساعتها أخبرني آبي أن عم حنا والخالة مريم وصاحبي مجدي يأتون هنا كل يوم أحد ولم يكن عدم الذهاب إلى الكنيسة هو ما يخشاه مجدي بل كان حرمانه من زيارة خالة يونان والذي لم نره أبدا ولم نسمع عنه إلا من حكاياته التي يكاد يطير فيها من الفرح وهو يحدثنا بعد عودته من هناك كل أسبوع عن نيلي ابنة خالة تلك الفتاة الجميلة والتي دائما ما يحكى أنها ترتدي فستان أبيض وتضع في شعرها فيونكات وردية وتعلمه بعض الكلمات بالفرنسية حيث تدرس في مدرسة للراهبات في شارع السكة الجديدة بالقرب من الكنسية الكبيرة .

المهم رضخنا للابتزاز وبدأ حوده يعرف طعم سندوتشات الفينو المحشوة بالجبنة البيضاء من التي يأتي بها عم حنا من المنصورة والتي تختلف اختلافا كبيرا عن الجبنة القريش التي تملأ بيوتنا وقد زهقنا من طعمها الماسخ كذلك عرف حوده مذاق القرص بعجوة التي كانت أمي تجيد صنعها وعلى يد ناجى أكل العيش والطعمية السخنين والتي يحضرهما عم يونس معه حينما يذهب إلى المنصورة لشراء الخيط والقماش .
أما ما أذهلني حينها فكيف أن ناجى المعجون بمية عفاريت كما يصفه دائما أهل حتتنا يوافق على هذا الابتزاز وبالتالي جعلني أوافق بعدما بدأت بالفعل اصدق حكاية الجنية التي ستسخطني كلبا جربانا أو قطة عمشاء
0
وبعد أن تعودنا على ابتزاز حوده بدأ يصاحبنا ويلعب معنا بل ويحمينا أحيانا من عيال قدموا من شوارع أخرى رغم أن ناجى عاد إلى سابق عهده وبدأ يشكك بين الحين والأخر في حكاية الجنية التي يخاويها الواد حوده وأصبح يلقى علينا أسئلة لم نعرف لها إجابة مثل هل حوده وحده الذي بخاوي جنية أم بقية أهله ؟ وماذا يعمل أبوه ؟ فنحن فقط نرى أباه قادما من ناحية الشارع الكبير عصر كل يوم و دائما وأبدا يبدو متجهم الوجه حاملا عدة أكياس سوداء لا يلقى السلام على أحد وإذا حياه أحد








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -مستنقع- و-ظالم-.. ماذا قال ممثلون سوريون عن الوسط الفني؟ -


.. المخرج حسام سليمان: انتهينا من العمل على «عصابة الماكس» قبل




.. -من يتخلى عن الفن خائن-.. أسباب عدم اعتزال الفنان عبد الوهاب


.. سر شعبية أغنية مرسول الحب.. الفنان المغربي يوضح




.. -10 من 10-.. خبيرة المظهر منال بدوي تحكم على الفنان #محمد_ال