الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مجلة «الحاصد»:مدرسة أنور شاؤول الصحفية والأدبية

مازن لطيف علي

2012 / 5 / 27
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


أدت الصحافةُ، والصحفيونَ اليهود في عراق ثلاثينيات القرن العشرين، دورًا بارزًا في توعيةِ الجماهير العراقية على خلفية أنَ روادَها كانوا يُتقنون لغاتٍ مختلفةً، وقد اطلعوا على التيارات الفكرية في أوروبا، وحاولوا حَسبَ قول الدكتور سامي موريه أن يُحدِثوا انقلابًا ثقافيًا في آسن الموروث من الحِقبةِ العثمانية، وأن يصلحوا أحوال المجتمع العراقي، ويفهموا بوعي عاداته وأخلاقه وتقاليده، وحذروا من الضار منها، كي يتبوأ العراق مكانته اللائقة به كدولة مستقلة ذات مستوى ثقافي لا يقل عن مصر مثلا، التي ابتدأت برعيل الرواد من جرّاء مشروع محمد علي التنويري، بل وكان لهم تطلع لبلوغ المستوى الحضاري في دول أوروبا، ولم يكن ذلك حينئذ ببعيد المنال البتة. كان الصحفيون اليهود يدبجون الافتتاحيات بتوقيع مستعار كي لا يُثيروا لغطا أوحساسية، لكن محتوى ما كانوا يكتبونه مترعًا بالهم العراقي، وعاكسًا لعقلية ناضجة؛ تدير تلك الصحف والمجلات.
وقد أسهمت الصحافة في العراق بإبراز الجانب الثقافي والاجتماعي ليهود العراق منذ صدور أول صحيفة «هادوبير» عام 1863، أي ستة أعوام قبل ظهور جريدة «زوراء» على يد مدحت باشا عام 1869، وترأس تحرير الصحف اسماء يهودية لمعت في الذاكرة العراقية حتى توقف ذلك الدفق في ثلاثينيات القرن العشرين لأسباب تتعلق بالتوترات في الوضع العالمي التي تصاعدت منذ أزمة (1929-1933).
من ضمن المجلات الريادية التي تستحق الذكر مجلة «الحاصد» لدورها الريادي في الصحافة والثقافة العراقية.
حصاد الحاصد الأدبي

قدم الطالب في المرحلة الثانية في كلية الحقوق أنور شاؤول طلب تأسيس مجلة «الحاصد» الى مديرية المطبوعات بتاريخ 28/10/1928 لإصدار مجلة أدبية اجتماعية أسبوعية. وقد صدر عددها الأول يوم الخميس 14/2/1929 وانتظمت في صدورها الى يوم 6 حزيران (يونيو) 1929 حين قررت مديرية المطبوعات في وزارة الداخلية إيقافها، وذلك لنشرها مقالات تثير أبناء الطائفة اليهودية في العراق. وفي 7/7/1930 صدرت المجلة من جديد بشرط أن تبتعد عن مس الشخصيات السياسية والاختلافات الدينية والمذهبية.
صدر العدد الأول من السنة الثانية في 24/7/1930، واحتجبت المجلة عن الصدور مدة سنتين بعد أن نوهت الى ذلك في العدد 34 الصادر في 2 حزيران (يونيو) 1933.
عام 1936 قدم أنور شاؤول طلبًا الى وزارة الداخلية أن تكون المجلة سياسية أدبية، وقد وافقت وزارة الداخلية على هذا الطلب.
صدرت الحاصد، في بدايتها، بشكل جريدة أسبوعية من القطع المتوسط، وفي السنة الثانية صدرت بشكل مجلة؛ كانت تحرر من قبل صحفيين مرموقين لهم مهنية عالية.
يذكر عبد الرزاق الحسني في كتابه «تاريخ الصحافة العراقية / ص 117» أنه صدر من الحاصد، في سنتها الأولى، 16 عددا وعُطلت اداريا في 24 تموز (يوليو) 1930، ثم استأنفت الصدور حتى توقفها في 31 آذار (مارس) 1938 وانها توقفت بمحضِ ارادتِها.
كان يُكتبُ على الصفحة الأولى من المجلة- لحاصد- صحيفةٌ ادبيةٌ أسبوعيةٌ- صاحبُها ومحررُها أنور شاؤول- إدارتُها: في الشارع العام- بغداد
نشرت المجلة إعلانات كثيرة ماتزالُ الذاكرةُ العراقية تتذكرُها؛ من سيكارة الطيارة، والسينمات العراقية. كان يطلق على انور شاؤول بـ«صاحب الحاصد» وعند ذكرِ الحاصد يخطرُ على البال أنور شاؤول وبالعكس. كان شاؤول يُشجعُ الأدباء على النشر في مجلته بمنحِهم جوائز مختلفة. وقد نشرت الحاصد أدبَ القصة، وترجمت أروع القُصص العالمية بلغاتٍ مختلفة.
نشرت الحاصد، أيضًا، العديد من الموضوعات، البحوث والشعر والقصائد والقصص المترجمة ومقالاتٍ ثقافيةٍ وأدبية لكتابٍ مشهورين منهم: بلزاك، وهيغو، وجورجي، دوديه، وأناتول فرانس، وترجمت أعمالاً مهمةً من الأدب الإنكليزي والروسي والأميركي والإيطالي والفرنسي. وكان أبرزُ المترجمين فيها، أنور شاؤول، وشاؤول حداد، ونعيم طويق. ومن أهمِ كُتاب الحاصد: معروف الرصافي، وشالوم درويش، وألبرت إلياس، وجميل صدقي الزهاوي، وعزرا حداد، ومراد ميخائيل، وصدقي محلب، وأستر ابراهيم، ويوسف مكمل، ومحمود أحمد السيد، وعبد المجيد لطفي، ومحمد رضا الشبيبي... وآخرون كانوا يَنشرون بأسماءٍ مستعارةٍ؛ منهم الكاتب سليم توفيق الذي كان يوقع باسم «راديوس».
كانت تربط صاحب مجلة الحاصد علاقة وطيدة مع الشاعر الزهاوي وعند وفاته خصصَت المجلة عدداً خاصاً له.

الوقوف عند حدّ الصمت

يذكرُ المرحوم نعيم طويق في كتابه «ذكرياتٌ وخواطر» أنه: بصدور مجلة الحاصد على هذا النحو تكون قد ظهرت للمرة الأولى في العراق مجلة تُحررُها أقلام عراقية؛ ابتداءً من الافتتاحية الى آخر موضوع فيها. وكانت افتتاحياتُها عادةً بقلم صاحب الحاصد نفسِه، وكانت جريئةً غاية الجرأة، وهي برغم تركيزِها في حيزٍ ضيقٍ لم يكن يتجاوز، عادةً، الصفحة الأولى منها، كانت تتناول، البحث والمعالجة، أوضاعًا ومشاكل وقضايا في غاية الأهمية للشعب والبلاد، وغالبًا ما كانت تتجاوز الحدود الأدبية المرسومة لها. وبذلك كان صاحب الحاصد سبّاقاً للبرهنة، منذ أوائل الثلاثينيات، على إيمانه العميق بأنه ليس هناك «أدبٌ للأدب» أو «فنٌ للفن» بل هناك أدب لخدمة الشعب وتثقيفِه.
كتب شاوؤل في افتتاحياته الكثير من القضايا للدفاع عن المظلومين والفقراء وهاجم النازية.
بعد توقف الحاصد عن الصدور في عددها الأخير في 13 آذار (مارس) 1938 وكان العدد 48 من السنة السابعة، كتب شاؤول مقالا بعنوان «الحاصد يحتجبُ بعد مشاق سبع سنوات» قائلا: «بهذا العدد تختم السنة السابعة من سنيّ صحيفتِنا، وإنه ليؤسفَنا كثيرًا أن نعلم قراءنا أن الحاصد سوف لا تصدر بعد اليوم، وأن من المشاق التي تكبدها طيلة السنوات تقف عند هذا الحد».
وقد كتبت مجلة «الهاتف» التي كان يديرها الأديب الكبير جعفر الخليلي مقالاً في وداع المجلة جاء فيه: «وأخيرًا احتجبت «الحاصد» الأغر، وانسحب صاحبُها من ميدان الصحافة ناصع الجبين، موفور الكرامة، كما ينسحب الجندي من ميدان الحرب، بعد ان يَرمي آخر نبلةٍ من كنانته في سبيل الواجب».
من خلال اطلاعِنا على المجلة وجدت أن مجلة الحاصد جمعت ونشرت لأغلب أدباء وشعراء يهود العراق وحاولت لم شملهم، لأن أغلبهم كان ينشر في صحف مختلفة. وأدت الحاصد دورًا كبيرًا في تأسيس وانتشار القصة العراقية، لأن صاحبها من أشهر ومن اوائل كتاب القصة العراقية. ومن مجلتهِ برز الكثير من القصاصين والشعراء والأدباء والصحفيين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تركيا تدرس سحب قواتها من سوريا


.. أوضاع إنسانية صعبة في قطاع غزة وسط استمرار عمليات النزوح




.. انتقادات من الجمهوريين في الكونغرس لإدانة ترامب في قضية - أم


.. كتائب القسام تنشر صورة جندي إسرائيلي قتل في كمين جباليا




.. دريد محاسنة: قناة السويس تمثل الخط الرئيسي للامتداد والتزويد