الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أصناف العقل الإنساني (1)

حسين محمود التلاوي
(Hussein Mahmoud Talawy)

2012 / 5 / 31
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


يعاني المجتمع الإنساني من مشكلة عميقة الجذور والتأثير؛ وهي مشكلة التواصل. أو بتعبير أكثر دقة، مشكلة صعوبة التواصل بين الناس. يقول الإنسان شيئا فيفهمه الآخرون على أنه شيء آخر، فيتخذون رد فعل معين استنادا إلى الفهم الخاطئ للرسالة. وهكذا، تمضي بنا الحياة بين سلسلة من حالات سوء التفاهم المتبادل، وما نقصده هنا هو سوء التفاهم غير المقصود، وليس المتعمد.
فرغم كل هذا التقدم والرقي في المجتمع الإنساني الكبير، استمرت مشكلة صعوبة التواصل عائقا رئيسيا أمام تطور العلاقات بين الأفراد، وبالتالي تطور البشرية جمعاء؛ إذ أن الإنسان كائن اجتماعي لا يتطور إلا في سياق مجتمع، والبشرية تمثل المجتمع الكبير، الذي يجمع تحت مظلته كل البشر على اختلاف انتماءاتهم السياسية والدينية والعرقية.
كيف نصل، إذن، إلى التواصل الجيد الفعال بين الأفراد؟ كيف نرمم الجسر الآيل إلى السقوط، والذي يربط بين الإنسانية جمعاء؟!
ربما يبدو المدخل غريبا للبعض، وربما يبدو مألوفا، لكنني أرى أن العقل هو البوابة الرئيسية التي يمكن من خلالها تحسين مستوى التواصل بين الأفراد، والوصول إلى الهدف الأسمى في الحياة الإنسانية وهو التفاهم؛ ذلك الهدف الذي إن تحقق، كسبت البشرية آلاف الحيوات، التي تزهق في الصراعات المشتعلة هنا وهناك بين هاتين العرقيتين، أو تلك المجموعتين الدينيتين.
ولكن ما السبيل لفهم العقل؟! يمكن فهم العقل من خلال وضعه كظاهرة قابلة للمتابعة والتحليل، واعتباره كائنا يتفاعل مع الكائنات الأخرى، وبالتالي يمكن إدراك طبيعته من خلال قراءة هذه التفاعلات، إلى جانب دراسته ككائن منفرد له استقلاليته وطبيعته.
وفي مقاربتنا هذه، قمنا برصد العديد من التصنيفات للعقل من زوايا مختلفة. وفي البداية، نذكر هنا تصنيفا للعقل من حيث تفاعله من عملية التفكير. وسوف يتبع هذا التصنيف تصنيفات أخرى من حيث علاقته بالعقول الأخرى، استنادا — أيضا — إلى وظيفته الأساسية وهي التفكير؛ إذ يبدو أن التفكير هو الوسيلة التي يؤدي بها العقل إلى الارتقاء أو التردي الذاتي والاجتماعي والإنساني. وفيما يلي أصناف العقل التي توصلنا إليها من زاوية تعامله مع ملكة التفكير.
1. العقل الدءوب: العقل الذي لا يهدأ في عملية التفكير، وينتقل من تحد إلى آخر بحثا عن الحقيقة معدلا من تفكيره بين الفنية والأخرى وفقا لما يتوافر لديه من معطيات.
... 2. العقل الخطاء: العقل الذي لا يخشى من ارتكاب الأخطاء في عملية التفكير، بل يفخر بارتكاب الخطأ وتصحيحه باعتباره طريقا للإصلاح. وهو في ذلك يشبه العقل الدءوب، وإن كان يتميز عليه بعدم الخشية من ارتكاب الخطأ.
3. العقل المستقيل: العقل الذي يستقيل من وظيفته الأساسية في التفكير، وينيب آخرين للتفكير بدلا منه، ممارسا بذلك فعل الإحالة على الآخرين، وهو الفعل الذي يمثل تكملةً لفعل الاستقالة. هذا العقل يستقيل من وظيفة التفكير، وهو يدرك أن العقل وظيفته التفكير.
4. العقل المعتمد: العقل الذي يعتمد على غيره في التفكير بشكل تشاركي، ولكن دون الإسهام بالقدر الأكبر في التفكير. هو يدرك قصوره في ممارسة التفكير، فيعتمد على الآخرين، مع الإبقاء على جذوة التفكير مشتعلة داخله.
5. العقل الغائب: العقل الذي لا يمارس وظيفة التفكير، لأنه لا يعلم أنها الوظائف الرئيسية له. هو لا يمارس التفكير، لأنه لا يعرف ماهية التفكير.
6. العقل المُقَيَّد: العقل الذي يفكر، ولكنه يقع في تفكيره تحت قيود ذاتية أو خارجية أو كليهما معا، تجعله عاجزا عن الانطلاق بأفكاره كما يشاء.
7. العقل الراغب: العقل الساعي إلى التفكير الحر غير المقيد، ولكنه يقابل قيودا عديدة ذاتية وخارجية يرغب في تجاوزها. وهنا يمكن تسميته أيضا بـ"العقل المجتهد"، الذي يفكر رغم القيود.
8. العقل المستكين: العقل الذي فكر لفترة من الوقت، ثم توصل إلى قناعات اطمأن لها، واستراح في ظلها، واستكان لها رافضا الاستمرار في التفكير لأنه بات لا معنى له في ظل وجود القناعات التي تم التوصل إليها سابقا.
9. العقل التائه: العقل الذي يعجز عن تحديد مسار لتفكيره لتعدد المسارات وغياب المحددات الفكرية التي تساعد على تحديد هذه المسارات أو توضيحها أمامه.
10. العقل المهزوم: العقل الذي مارس وظيفة التفكير لفترة من الوقت، وعجز عن صياغة إطار أو نظام فكري أو توجه، فتوقف عن التفكير مُقِرًّا بهزيمته.
11. العقل المستعيد: العقل الذي استعاد وظيفة التفكير بعد توقف بسبب الاستقالة أو الاستكانة أو الهزيمة أو الاعتماد على الآخرين.

كانت هذه أبرز أصناف العقل من حيث تعامله مع وظيفة التفكير. وقد أوردناها هنا آملين في أن نصوغ مقاربة كاملة للعقل في إطار ما أسميته "رسالة" أسوةً بعلماء العرب والمسلمين؛ أحاول فيها تناول الرؤى المختلفة للعقل وماهيته، والزاوية التي ارتكزت عليها الرؤية؛ فهناك، على سبيل المثال، الرؤية العضوية والرؤية الميتافيزيقية، وكذلك النظرة الإسلامية والنظرة المسيحية للعقل، مع التعليق على كل نظرة مستندين إلى أفكار أبرز المفكرين والفلاسفة في كل مجال.
وإلى جانب ذلك، نأمل أن نتمكن في هذه المقاربة من إلقاء الضوء على التفكير باعتباره الوظيفة الأولى، وربما الأخيرة، للعقل، وكذلك الرؤى المختلفة لهذه الوظيفة، وأبرز نقاط القوة والضعف في هذه الرؤى، وفي النهاية رؤيتنا المستخلصة لهذا الأمر. على أن يتلو ذلك التقسيمات المختلفة لأنماط العقل من حيث علاقته بعدة متغيرات، ومن بينها العقول الأخرى، وعملية التفكير، والأفكار نفسها، بحيث نصل في النهاية إلى خريطة كاملة للعقل وأصنافه، والسمات النفسية لكل صنف، بما يسهل علينا قراءة الآخرين عند التعامل معهم وبالتالي نصل إلى أفضل أسلوب للتفاعل بيننا وبينهم بما يحقق أعلى درجات التفاهم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - وأيضاً عقول أُخرى
نور ساطع ( 2012 / 6 / 2 - 06:59 )

نموذجاً

للعقلاء فقط

عقل متجمد لن يذوب

عقل متحجر يحتاج لمطرقة

عقل في علبة سردين لم تفتح بعد

عقل في صندوق مظلم ومقفول للابد

عقل في مصباح سحري لم يسحر بعد

والعاقل يفهم إذا عنده ذرة من العقل.. اصلاً

اخر الافلام

.. بشكل فوري.. الجيش الإسرائيلي يأمر بإخلاء أحياء بخان يونس ورف


.. الفلسطينية التي اعتدى عليها كلب الاحتلال تروي تفاصيل الجريمة




.. أخبار الصباح | بايدن ينتقد المحكمة العليا.. وأول تعليق من إي


.. -تايمز أوف إسرائيل- تستبعد إرسال الجيش الإسرائيلي للآلاف من




.. علاقة السمنة بانقطاع التنفس أثناء النوم