الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نقد مبدأ الحرية في التصور الفلسفي عند سبينوزا

محمد بقوح

2012 / 6 / 3
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


الحرية وهم في نظر سبينوزا. الله هو الكائن الحر الأوحد. الإنسان غير قادر على تحرير نفسه و ذاته. لأنه تحكمه النوازع و الأهواء. لا يمكن أن يكون الإنسان حرا. حتى و إن شعر بكونه حر. أو ادعى أنه يتصرف بحرية. إنه زعم و اعتقاد مغلوط لا غير. سهل أن يشعر الفرد بكونه حر. باعتبار أنه يتصرف كما يريد. أو يفعل ما يشاء. لكنه مجرد شعور داخلي و نفسي. هل الحرية كفعل و سلوك موجودة ؟ يعني هل الأمر هنا يتعلق بحرية الإنسان، أم بشوق و حنين دائم إليها ؟ لم يحصل أن كان الإنسان حرا في مسار تاريخ وجوده الطويل. منذ عاش في أدغال الطبيعة في الكهوف و المغاور. و مازال غير حر حتى عندما بات يعيش في المدنية المشبوهة. لكن ما موقع العقل ضمن معطيات و مواقف فلسفة سبينوزا هذه ؟
هل نفي الحرية هو نتيجة فعل عقلي أم العكس؟ يعني أن قدرات العقل البشري، هي الموصلة إلى اكتشاف مدى محدودية أفعاله و تصرفاته. يعني أن الفعل الحر، كما يرى سبينوزا ( ينبني على تفكير عقلي يقوم بإقصاء الجسد و رغباته). هنا يظهر عنصر جديد هو الجسد مع رغباته. لهذا يتصور سبينوزا أن الإنسان هو كائن راغب، و ليس بكائن عارف، كما تريد فلسفة ديكارت أن تقول. فالإنسان لا يمكن أبدا أن يكون حرا. لأن له جسد. أي محكوم بما هو طبيعي. أي بما هو أصيل في وجوده الأول. إذن لا جدوى من الحديث عن فعل الحرية، حين يتعلق الأمر بكائن هو الإنسان الأرضي على الأقل. لماذا ؟ لأن العقل البشري الذي هو جوهر الإنسان محكوم بشيء آخر اسمه الجسد و الطبيعة. و كلاهما ملزمان و متورطان بشيء مهم في فلسفة سبينوزا هو مفهوم الضرورة و الحتمية. فمهما ادعى الإنسان أنه حر. إلا أنه مشدود بالضرورة إلى رغبات جسده و ميولاته و أشيائه، التي لا تفارقه و تحيط به أينما حل و ارتحل. يمكن الحديث هنا عند سبينوزا عن حرية نسبية إذا صح التعبير. لأن الحرية بشكلها المطلق هو أمر مستحيل تحقيقه. و كل الذين يدعون أنهم أحرار. لأنهم يشعرون أنهم يفعلون ما يريدون. هم واهمون بالضرورة. لكن لماذا يتوهم هؤلاء أنهم أحرار و يتصرفون بحرية ؟ مع العلم أنهم ملزمون في الكثير من مواقفهم بالخضوع لنوازعهم الذاتية و الطبيعية ؟ يجيب سبينوزا : لأنهم غير مدركين و غير واعين تماما بالعلاقة الفعلية و الحقيقية بين العلة و المعلول. بمعنى وجود علاقة ارتباط إلى حد الذوبان، بين كل من العلة و المعلول. فالنفس غير مستقلة عن النظام الطبيعي و الفكري للإنسان. و عقل الإنسان بدوره متعلق بأشيائه، التي هي جزء من نظامه العام الطبيعي و الكوني. لهذا فعلاقة عقل الإنسان بجسده هي ذاتها علاقته بالطبيعة و الكون. إذن لا يمكن أن يكون الكائن البشري حرا بالشكل المطلق. أي أن يتصرف الإنسان و يفكر كما يشاء. بمعنى أن حريته مشروطة بما هو ذاتي و جسدي و طبيعي و كوني.. و قبل هذا و ذاك مشروطة بما هو مجتمعي. لكن سبينوزا يستحضر دوما في تصوره الفلسفي هذا الشرط الطبيعي الثابت، أكثر مما يركز على الشرط المجتمعي المتغير. يقول زيد عباس كريم في دراسة عن سبينوزا : ( ليست الحرية إذن إفلاتا خارج الطبيعة أو سلبا للجسد، و إنما هي على العكس من ذلك، تحقق لقدرات الفكر و الجسد المشتركة في هذه الطبيعة بالذات، و ذلك وفقا لقوانينها ).
لا يمكن إذن، أن يتحرر الإنسان من ذاته و طبيعته الطبيعية. لأنه لو تحقق ذلك المستحيل المستبعد، في يوم من الأيام النادرة، لكان هذا الإنسان قد تجاوز طبيعته الطبيعية افتراضا. و بالتالي أنذاك يمكننا أن نتحدث عن الإنسان الحر بالمعنى المطلق. كما تصوره بعض الفلاسفة الوجوديين و التجريبيين في العصر الحديث. من بينهم هوبز و سارتر.
لكن، و استثناءا.. ربما يمكن أن يتحقق عكس التصور السبينوزي عن الحرية، عند الإنسان الأعلى المتجاوِز، للإنسان العادي الأدنى. هو بالتأكيد إنسان نيتشه.. كما نظر له في العديد من كتبه الفلسفية الأخيرة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الانسان و رغباته
عبير ( 2012 / 7 / 17 - 09:34 )
موضوع جيد لكن اردت لو تحدثتم عن الوعي بالذات فهل الانسان لعبه رغباته هل تحقيق انيتي لا يتحقق الا بالغيريه هل الجسد عائق لبلوغ اليقين مثلما يري ديكارت ام ان له دور مهم في تحقيق الذاتيه و الوعي بها ارجووووووووووووو ان نتسع في الموضوع اكثر و ننقد ايضااا فلسفيات اخري او علي الاقل نحللها في هذه المواضيع و بارك الله فيكم علي المجهود الطيب


2 - أسئلة الفلسفة
محمد بقوح ( 2012 / 7 / 20 - 15:49 )
إن طرح السؤال عن المهم و غير المهم في الحقل الفلسفي يبدو لنا طرحا مغلوطا باعتبار أن التفكير الفلسفي منذ القدم لم يكن يفرق و يجزئ بين الموضوعات الفلسفية، و بالتالي فكل ما هو موجود في الوجود بتعبير هايدغر، قابل أن يستثمر كموضوع في البحث الفلسفي، و من تم فمسألة الوعي بالذات، كما طرحتموها في تساؤلكم أعلاه، لم تتضح أكثر سوى مع فلسفة هيغل، الذي يميز في طرحه الفلسفي، بين الوعي في الذات المرتبط بالكائنات الحية غير الإنسان و الأشياء، و الوعي بالذات الذي يعتبر أساس التفكير عند الإنسان
هكذا يبدو أن التناول الفلسفي حين يعتمد الرؤية التجزيئية و الانتقائية يسقط تلقائيا في التناول الفلسفي الميتافيزيقي، بغض النظر عن نوعية الموضوع المتناول. و بالتالي يكون الباحث نتيجة لذلك، قد استند منظورا منهجيا فلسفيا معينا، قد يكون هو واعيا بخلفيته المرجعية كفكر فلسفي تقليدي محافظ، أو غير واع بتلك الخلفية الفلسفية.. ليصبح بحثه ( الفلسفي ) بحثا ( ذاتيا )، فيه من الارتجال أكثر مما فيه من التحليل الفلسفي المطلوب
مودتي

اخر الافلام

.. ليس الحرب الحالية.. ما الخطر الذي يهدد وجود دولة إسرائيل؟ |


.. مجلس النواب العراقي يعقد جلسة برلمانية لاختيار رئيس للمجلس ب




.. هيئة البث الإسرائيلية: توقف مفاوضات صفقة التبادل مع حماس | #


.. الخارجية الروسية تحذر الغرب من -اللعب بالنار- بتزويد كييف بأ




.. هجوم بـ-جسم مجهول-.. سفينة تتعرض -لأضرار طفيفة- في البحر الأ