الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
قراءة مختلفة في الحراك الشعبي العربي: مناقشة في مفاهيم المرحلة
مسعد عربيد
2012 / 6 / 5مواضيع وابحاث سياسية
مقدمة
كثيرة هي الدوافع لمعالجة قضايا هذه المرحلة الساخنة والمثيرة للجدل. ولكن أحد الدوافع المباشرة كانت معاينتي التي تولدت من التجرية السورية على مدى العام المنصرم، وكيف تكونت الإختلافات في الرأي والموقف حول ما يجري في سوريا. ولا أقصد هنا الإختلافات في تفاصيل الحدث السوري، بقدر تحليل ما يُسمى ب"الأزمة السورية" والحراك الشعبي فيها وسبر خبايا ما يحاك ضد ذلك الجزء الغالي من الوطن العربي.
ليست سوريا موضوع هذه المحاضرة، إلا انه لم يكن من العسير إلتقاط مفارقة مؤلمة مفادها ان الإختلافات والتمايزات في الموقف من سوريا، على تلوناتها وتعدد منابعها، وبما تعكسه من فروقٍ سحيقة في الموقف، تعبر عن ثغرات عميقة في الوعي القومي العربي ومقدار رسوخه من جهة، أو تزعزعه وتخلخله من جهة اخرى.
أما في حالة المغترب العربي في أميركا، فبوسعنا أن نزيد على ذلك طبقاتٍ سميكة من تشوه الوعي، وإنقلاب الكثيرين منّا على الذات والوجدان، والإنسحاب من الهوية والإنتماء الوطني، بل إنحياز بعضنا الى تأييد وتبرير التدخل الأجنبي في سوريا وما يعنيه من دمار، في حين نرى في المقابل أن فئات عريضة من الشعب الأميركي وقواه السياسية قد أدركت مخاطر هذا التدخل ووقفت ضده. ولا غرابة أن أكثرهم من اليسار ولكن ليس كل أنواع اليسار.
* * *
لا يستطيع المرء، في قراءة المشهد الراهن، إلا ان يرتد الى لحظات مفصلية من حقبة الخمسينيات والستينيات والسبعينيات من القرن المنصرم ليلحظ المفارقة الهائلة بين الحقبتين. وما أقصده هو إلتماس الملامح والسمات العامة لكل من هاتين المرحلتين دون الغوص في الجزئيات والتفاصيل.
كنا في ستينيات القرن الماضي نتكىء في تحديد الموقف السياسي على نهج تحليليٍ محدد ذي ركائز واضحة: كنا نحدد طبيعة المرحلة وسماتها الرئيسية، طبيعة التناقضات والصراعات المحتدمة فيها، والقوى المكونة لمعسكر الاعداء والأصدقاء. وكنا قد تعلمنا من ماو تسى تونغ كيف نفهم التناقضات ونميز بين الرئيسية فيها والأخرى الثانوية، وبالتالي نحدد المعارك الرئيسية والثانوية بما يفضي بنا الى التمييز بين المهام الملحة والمؤجلة، أي تلك العاجلة والأخرى المرجأة الى مدى قصير أو بعيد.
أما الآن، وفي مستهل العقد الثاني من الألفية الجديدة؛ أي بعد سقوط مرحلة كاملة من تاريخ نهوضنا القومي والتقدمي وإنهيار القطبية الإشتراكية المتصدية للرأسمالية، وإحكام القطبية الرأسمالية الواحدة الخناق حول رقابنا، فقد أصبحنا نصف هذا النهج وتلك اللغة بالمتخشبة والصنمية والستالينية.
كانت هذه المقدمة ضرورية قبل الولوج الى موضوع ندوتنا في هذه الأمسية. فبعد عام على الحراك العربي، آن الأوان لكي نطرح السؤال التالي: اذا كانت قرائتنا في الستينيات صنمية، فماذا عن قرائتنا في المرحلة الراهنة؟
* * *
إسمحوا لي في البداية أن أوجز الفكرة المركزية لنقاشنا في محورين أساسين:
1) ان غياب الوعي القومي العربي ـ الوعي بالهوية الوطنية والقومية والإنتماء الوطني والقومي بل والأممي ـ والثغرات الكبيرة التي أصابته من حيث تغييبه وتشويهه وتخريبه، شكل الجذر الأساسي للمأزق الذي نعيشه اليوم وهو في تقديري يُعتبر مدخل لقوى الثورة المضادة لإمتطاء الإنتفاضات العربية وسرقتها والتلاعب بها في خدمة مصالحها. وليس في هذا تنكر للعوامل المتعددة، الداخلية منها والخارجية، بقدر ما هو التركيز على معالجة المأزق الذاتي الذي نعيشه.
2) ليس صحيحاً أن سبب تصاعد تيارات الدين السياسي (الإسلام السياسي) ومختلف التيارات الدينية والسلفية يكمن في تعاظم "قوة" هذه التيارات والحركات، (اي قوتها التنظيمية والسياسية والشعبية)، ومقدار الدعم والتمويل الخارجي (العربي ـ الخليجي، الإقليمي والغربي) فحسب، بل ان صعود هذه التيارات هو الحصاد الفكري والسياسي لتراجع وغياب المشروع النهضوي القومي وإنهيار الوعي والتجويع الفكري وإذلال العقل العربي وإهانة الكرامة الوطنية والقومية.
هذا هو باختصار شديد ما سأحاول أيصاله اليكم وآمل ان اوفق في هذا المسعى.
* * *
صحيح أن الأوضاع والقضايا التي نواجهها قد تعددت وتعقدت، إلا أننا لا نغامر إذا قلنا أن هذه كلها تعود في الجوهر، بشكل أو بآخر، بهذا المستوى أو ذاك، الى غياب الوعي أو ضحالته كسبب جذري واساسي لفشلنا كحركات وأحزاب وقوى سياسية واجتماعية وثقافية وعحزنا عن ان نطوّر الوعي الكفيل بإنجاز مشروع النهوض العربي: تحقيق النهضة لشعوبنا ومجتمعاتنا وهو ما واظبنا على تسميته خلال العقود الأخيرة بالمشروع النهضوي القومي العربي.
وفي هذا الصدد، لا بد أن نشير الى ملاحظتين هامتين في الخطاب السياسي العربي خلال فترة ما قبل وأثناء الإنتفاضات العربية الراهنة:
◙ الخلط بين الوعي النظري/الفكري وبين الإيديولوجيا بما هي الوعي الخاطىء والزائف. ويعود هذا الخلل، والذي أضحى تقليداُ خطيراً، الى الحقبة الناصرية حين أسس له عبد الناصر عبر رفضه للأحزاب، مما أدى به إلى دفع ثمن ذلك من تجربة الناصرية في الوطن العربي بمجمله.
◙ المفاخرة في بداية الانتفاضات العربية بأن الحراك ليس حزبياً ولا ايديولوجياً الأمر الذي سهل وعجل في سرقة هذا الحراك بسهولة كبيرة .
من هنا، فان البحث في أسباب المأزق الذي يحيق بنا وسبل الخروج منه وتصورات الحلول والبدائل، لا بد ان ينطلق من الأسئلة التالية:
ـ ماذا حلّ بالوعي الوطني والقومي العربي وكيف وصل الى هذه الحالة من التردي؟
ـ لماذا فشلنا في تطوير وعي شعبي قادر على الإضطلاع بمهام المرحلة، بل تركنا الساحة لتملأها حركات الدين السياسي من أخوان وسلفيين وتكفيريين ووهابيين؟
ـ كيف يمكننا أن ننمي ونطور هذا الوعي ليكون على مستوى مهام ومسؤوليات المرحلة بحيث يصونها من السقوط والهزيمة؟
* * *
سمات المشهد الراهن
هناك العديد من المظاهر في المشهد العربي اليوم والتي ترتبط بشكل مباشر او غير مباشر بمسألة الوعي الشعبي وتكوينه وتغييبه. وقبل الدخول في موضوعنا، فسوف أستعرض بعض عناوين هذه المرحلة وسماتها.
1) فقدان البوصلة وسقوط مفاهيم الصراع: إن الصراع الدائر في بلادنا يحتدم بين مشروعين متناحرين لا مكان لحل توافقي بينهما وهما: (1) مشروعنا النهضوي العربي والذي يتمثل في إنهاء حالة التجزئة وتحقيق وحدة الشعوب العربية، والتنمية الاقتصادية والاجتماعية لهذه الشعوب، و(2) المشروع المعادي، الراسمالي الامبريالي الغربي. ومن تجليات فقدان هذه البوصلة:
ـ تغييب القضايا القومية وعلى رأسها قضية فلسطين المركزية وتحرير الاراضي العربية المحتلة.
ـ تحويل التناقض الرئيسي الى ثانوي والعكس (انظر العلاقة وتناقض مصالحنا مع إيران كمثال).
ـ إنحسار القومية العربية وتعزيز التجزئة والقُطرية والطائفية والمذهبية.
ـ تعميق التخلف وإستعصاء التنمية وسقوطنا تحت الهيمنة الغربية.
ـ إسقاط المكونات الرئيسية لمعسكر الأعداء والذي حددناه في ستينيات القرن الماضي والذي تمثل بالمثلث غير المقدس، الإستعمار والرجعية العربية والكيان الصهيوني، مما ادى الى:
أـ طمس الراسمالية الغربية كعدو رئيسي.
ب ـ تغييب الأنظمة العربية العميلة كطرف أساسي في معسكر الأعداء مما اوصلنا الى ما نحن عليه من سطوة هذه الأنظمة التي أخذت تصول وتجول في ارجاء الوطن.
ت ـ تغييب التناقض مع العدو الصهيوني وتطبيع العلاقه معه: سياسياً وإقتصادياً وإعلامياً وثقافياً.
2) الثورة المضادة: لقد ملأ الحراك الشعبي العربي الدنيا منذ ديسمبر 2010، وهو حراك شعبي بامتياز بكل ما أتى به من شعارات واهداف وبطولات. ولكن هذا الحراك ينطوي أيضاً على الكثير من الهواجس والمخاوف: الخشية من إمتطاء الثورة لحسابات إنتهازية ومعادية لمصالح الشعب وحرفها عن مسيرتها، والقلق من قوى الثورة المضادة المتربصة دوماً والمتمثلة بمعسكر كبير من الاعداء الداخليين والخارجيين.
3) الفكر هو الحلقة الرئيسية الناقصة: لم تأتي هذه الإنتفاضات على ارضية فكرية وتنويرية شكلت المخاض الطبيعي للحركة التغييرية كما شهد التاريخ في ثورات الشعوب الكبرى في العصر الحديث: ثورات التنوير الأوروبي (تحرير العقل من سلطة رجل الدين وإستبداد الحاكم) والثورات الاشتراكية، أي انها لم ترتكز على منطلقات فكرية أو عقَيدية. ويتجلى هذا في: غياب الدور الريادي للفكر والثقافة وتراجع دور المثقف. ففي حين يتوجب على المثقف ان يترك مسافة نقدية بينه وبين الشارع، ولقد رأينا كيف تنجر النخبة المثقفة وراء الشارع وشعاراته عكس ما هو مطلوب ومتوقع منها باستثمار طاقة الشارع وتنظيمه وقيادته.
4) الضعف الذاتي وإستدعاء الآخر:
ـ تعويض العجز الذاتي (الداخلي) باستدعاء الأجنبي (الخارجي)، بالرغم من ان التجربة مع الغربي الأجنبي وعواقبها معروفة لكل عربي تاريخياً وإدراكياً.
ـ إستدعاء حتى العدو من أجل تحقيق ما يسمونه تغييراً حتى على حساب إحتلال البلاد وتدميرها.
ـ أما مع الإصدقاء والحلفاء(روسيا والصين وإيران وبريكس..)، فاننا نشهد الأمر ذاته: الإتكالية والإعتماد على الآخر.
5) تفشي الثقافة القٌطرية وغياب التوعية القومية: انظروا الى "خطاب" المواطن العربي وهنا أيضاَ في المغترب: هذا القُطر ضد ذاك، هذا الحزب ضد ذاك، هذه الطائفة ضد تلك. في حين شحت الثقافة القومية العربية (على سبيل المثال حملة التوعية الوطنية والقومية التي قام بها الإعلام السوري خلال إحيائه ذكرى الجلاء لهذا العام، والتوعية بالنضال ضد الاستعمار الفرنسي والكشف عن صفحات البطولة والكفاح لتحرير الوطن).
6) الاعلام بين دوره... ودوره الجديد
ـ انكشاف الدور الجديد في الحرب الاعلامية في خدمة انظمة السعودية وقطر ومشايخ الخليج.
ـ إختلاق الأخبار وصناعتها في الاستوديوهات وفبركتها وتضخيمها.
ـ التآمر المكشوف على البلدان العربية.
ـ خلق جو إنفتاحي تطبيعي مع اسرائيل خصوصا في اوساط الشباب (قرأت أن 95% من مشاهدي إحدى الفضائيات يوافقون على التدخل القسري ضد الدول العربية وأن 10% يرحبون باقامة علاقة دبلوماسية مع الكيان الصهيوني).
ـ إستدخال الحراك الارهابي والثقافة السلفية الظلامية واخبارهما الى عمق الاعلام العربي "الجديد" وفضائياته ليتحولان الى جزء من المشاهد اليومية العادية والطبيعية بالنسبة للمشاهد .
ـ قيام ثلة من الإعلاميين والصحفيين والكُتاب والمثقفين العرب وبعض مؤسساتهم بخدمة المشروع الأميركي ـ الاسرائيلي في بلادنا .
7) الأوهام وخلط بين المفاهيم
ـ الخلط بين الوطن والنظام؟
ـ الخلط بين الرئيس والنظام.
ـ تماهي الوطن والشعب في صورة الرئيس أو الحاكم.
ـ إختزال النظام في الرئيس كممثل له وتغييب النظام كبنية اجتماعية اقتصادية سياسية امنية عسكرية.
8) الإنفصام غير الطبيعي بين الوجدان الوطني والقومي وحب الوطن والغيره عليه من جهة، وبين الموقف السياسي والتحليل السياسي مهما كان، وخصوصا لدى المغترب العربي، من جهة اخرى. (على سبيل المثال نجد أن كثيرين ممن يقفون ضد سوريا ويطالبون بالتدخل الخارجي بأي ثمن، لا تعنيهم النتائج الكارثية لهذا التدخل... وإلا فما معنى ما قاله لي مغترب فلسطيني بالحرف الواحد: "ما عندي مشكلة في التدخل في سوريا، المهم يروح بشّار".)
هل يكفي التفسير الذي يقول ان الكثيرين ممن يطالبون بالتدخل في سوريا ينطلقون من دوافع وأحقاد شخصية أو بسبب السجن او الإعتقال؟ هل تكفي هذه لتدمير الوطن؟
9) الخلط بين المؤامرة وأزمة النظام العربي: وقد إتخذ هذا الخلط مستويين:
أ) الأول: ان كثيرين إختزلوا الحراك الشعبي (وخصوصاً في الحالة السورية بما اسموه أزمة)، اختزلوه بمجرد وجود «مؤامرة» خارجية وأيادي خارجية.
لا خلاف في أن المؤامرة موجود بل هي مؤامرة كونية وشرسه وتنوي المضي الى النهاية لتحرق الإخضر واليابس وتدمر البلد، ولكن هناك ايضاً مطالب شعبية حقيقية وأصيلة ومشروعة لا يجوز التعامي عنها تحت غطاء المؤامرة.
وتنبع أهمية الوضوح في هذا الشأن والإقرار بوجود المؤامرة، من جهة، وشرعية المطالب الشعبية، من جهة أخرى، في الكشف عن حقيقة أن التغيير ضرورة تاريخية نابعة من حاجات الواقع الموضوعي وأن حركة الشعب والتاريخ لن تتوقف إلى أن تحقق أهدافها في التغيير الجذري الشامل، وبهذا المعنى فان هذا الفهم يشكل الضمانة لإستمرار الدفاع عن الوطن وحمايته من التدخل الإستعماري الخارجي وفي الآن ذاته إستمرار النضال من اجل الإصلاح والديمقراطية على اساس الحوار السياسي الوطني.
ب) والثاني، هو الخلط بين الخطة والمؤامرة وما أقصده أن الخطة أوسع وما المؤامرة سوى مشهد واحد منها، أو لحظة قد تطول وقد تقصر في الخطة الأكبر. وأن الخطة الأكبر تكمن في تحقيق الهدف الرئيسي للإمبريالية وهو الحصول على أعلى قدر ممكن من الأرباح والتراكم الرأسمالي وبأية وسيلة.
10) علاقة الوطني بالقومي والأممي: لا يمكن فهم ما يدور في بلادنا (مصر وفلسطين وسوريا مثالاً) دون فهم أزمة الراسمالية العالمية وبحثها المحموم عن مخرج لأزمتها، وهو مخرج يتمثل في مشروع نهب لموارد وثروات الشعوب. من هنا فان مستقبل الوطن العربي مرتبط بمستقبل العالم، ومن هنا ايضاً يكون صمود شعوبنا هو خلاص للبشرية.
11) القفز عن التمايزات بين التجارب العربية المختلفة: من السذاجة والجهل بالتاريخ الاعتقاد بان كل الانظمة متساوية وانها ستسقط بنفس الطريقة، بالتالي فان التعامل معها يكون بنفس الطريقة. (انظر تميز الاوضاع في تونس ومصر... البحرين والسعودية.... اليمن.)
12) تميز الحالة السورية: لنأخذ الصمود السوري كمثال، ليس على المستوى العربي القومي فحسب، بل لنتأمل دلالاته على المستوى الأممي:
ــ يقف الصمود السوري في وجه الحرب المسعورة ضد هذا البلد متميزاً واعداً بدور تاريخي مفصلي لسوريا تكون فيه المرشح لبلورة منظومة اقليمية ودولية جديدة.
ــ لا يجوز التقليل من هذا الدور في تحليل الوضع الراهن وإستشراف المستقبل: مستقبل سوريا والوطن العربي والمنطقة حولها بشكل عام، ومستقبل العالم الذي لم يعد الغرب الراسمالي قادراً على التحكم بقراره.
ألا نلاحظ تشابهاً بين اليوم ومنتصف خمسينيات القرن الماضي لحظة قيام فكرة عدم الإنحياز وباندونج وانطلاقة حركات التحرر العالمية في العالم الثالث! في تلك الآونة كانت مصر الفتيل والبؤرة، واليوم نرى ملامح تشير الى إحتمال أن تحتل سوريا هذه المكانة وتصبح مرشحة للعب الدور الذي لعبته مصر في خمسينيات وستينيات القرن الماضي.
قد يكون هذا التحليل على قدر كبير من التفاؤل وهو كذلك ولكنه ليس مغالياً بل يستند الى واقع موضوعي تنطق به الكثير من الوقائع على الأرض. ومَنْ قال ان التاريخ سيتوقف، أو كما يدّعون انه توقف عند الغرب؟ بل مَنْ قال اننا اقل إستحقاقية من شعوب الارض لنقوم بهذا الدور التاريخي؟ ألم نكن منذ فجر التاريخ بؤرته المركزية؟
13) دور المال والنفط: لم ترى تجارب الشعوب وعبر سنوات النضال من أجل التغيير الإجتماعي، أن إرتهن هذا النضال بالمال والتمويل أو بالنفط او بالاجنبي واستدعاء تدخله كما هو حاصل الآن، ولا شراء الاعلام ورشوة المثقفين والكتاب وشراء السلاح والارهابيين وحتى شراء الدول ومواقفها.
14) تعاظم دور القوى الإقليمية في رسم مصيرنا ومستقبلنا (تركيا وايران..).
سنتابع في الجزء القادم مناقشة مأزقنا من منظور تدهور الوعي العربي وإشكالياته.
* * *
المأزق:
ثغرات الوعي
بدايةً ينبغي ان نقف عند مفهومين رئيسيين لنحاول الإتفاق على تعريف مقبول لهما في سياق بحثنا هذا:
الوعي: هو القوة المعرفية والإدراكية الرئيسية الدافعة للجماهير والطبقات الشعبية والتي تشكل الرافعة لتحقيق مطالبها ومصالحها. وفي سياق المشروع النهضوي العربي الذي نحن بصدده فلا مناص لهذا الوعي من أن يكون وعياً شعبياً عربياً قومياً نقدياً وثورياً.
بناءاً عليه، باستطاعتنا ان نجزم ان ما نقصده بالوعي وبحسب هذا المفهوم يقع في القلب من الحراك العربي الراهن. وعلى نحو مماثل يمكننا القول إن غياب هذا الوعي أو قصوره هو السبب في ما أخفقت فيه الإنتفاضات العربية. وقد يصح القول هنا أن الحراك العفوي هو في ذاته حالة الوعي وأن سرقة ثماره ونتائجه تؤكد أن هذا الوعي لم يرتق إلى القدرة على الإضطلاع بهمام المرحلة وتعقيداتها وتحدياتها.
المأزق: مأزقنا في فضائه الأوسع هو الإنسداد التاريخي والسياسي والإجتماعي الذي وصلنا اليه في مشروعنا النهضوي والذي يهدف الى الاحتفاظ بحريتنا وسيادتنا وإستقلالنا الوطني من جهة، وتحقيق وحدة الشعوب العربية من جهة ثانية، كشرط لحماية ثرواتنا ومواردنا ووقف النهب الراسمالي لها وتسخيرها لإنجاز التنمية الاقتصادية والاجتماعية والانسانية لشعوبنا.
أما المأزق الذي نعيشه في المرحلة الراهنة فيتمثل في إخفاق الإنتفاضات العربية في الوصول الى أهدافها. فعلى الرغم من زخم الحراك الشعبي وتضحياته خلال السنة الماضية، إلا انه لم يتخذ مساراً تصاعدياً في كل الأوقات او الحالات، بل تعرض للهبوط والسقوط وعاني الكثير من محاولات سرقة إنجازاته وإمتطائه من قبل الحركات الإنتهازية ، كما مرّ بالكثير من الكر والفر والإرتداد عن أهدافه.
لهذا، فان الأوضاع التي تمر بها شعوبنا تستدعي وقفةً تأمليةً ونقديةً وعودة الى الجذور والأسباب في نجاحات وإخفاقات هذا الحراك.
السياق التاريخي للوعي القومي العربي
محطات سريعة
جاءت النهضة العربية في الربع الأخير من القرن التاسع عشر رداً على الأوضاع التي سادت المجتمعات العربية آنذاك في ظل الاحتلال العثماني والذي أبقى على وعمّق حالة التخلف الإقتصادي والإجتماعي والسياسي، وتفكيك مجتمعاتنا وإستمرار الهيمنة العسكرية على بلادنا. لعل أخطر ما في التجربة العثمانية في وطننا هي أنه كان استعماراً بكل امتلاء الكلمة، ولكنه كان خطيراً في إحاطة نفسه بالثقافة الدينية الإسلامية التي تبرره وتكفِّر مَنْ ينتقده ويرفضه، الأمر الذي حرك بقاياه وذيوله اليوم لإستعادته! (أنظر تركيا وتآمرها المكشوف والوقح ضد سوريا.)
لقد تأثرت الجذور الفكرية والثقافية لهذه الحركات وطلائعها الفكرية والثقافية والسياسية بالتيارات الاجتماعية والسياسية والفكرية في اوروبا الغربية في الحقبة ذاتها من القرن التاسع عشر. وبعد هدوء جبهات الحرب الامبريالية الاولى 1914 ـ 1918، تنامت حركة النهضة العرببة وتصاعدت على أثر الغزوة الإمبريالية الغربية لبلادنا على أرضية إتفاقية سايكس ـ بيكو المبرمة في ايار من عام 1916، وعقب إنهيار الامبراطورية العثمانية وإنصراف تركيا الى بناء كيانها "الجديد" على هدى توجهات وسياسات كمال أتاتورك.
على أرضية هذه الخلفية التاريخية وإحراز الإستقلال من الإستعمار الغربي، تطورت حركة التحرر العربية في خمسينيات وستينيات وسبعينيات في القرن الماضي لتتزامن مع تطورين أممين هامين:
1) نشوء القطب الإشتراكي المعارض للمعسكر الرأسمالي الغربي بعد إنتصار الإتحاد السوفيتي على النازية وتشكّل منظومة البلدان الإشتراكية في اوروبا الشرقية والصين الشعبية وكوبا لاحقاً.
2) تصاعد موجة حركات التحرر الوطنية في بلدان العالم الثالث في آسيا وافريقيا واميركا اللاتينية.
غياب الوعي العربي
بعد هزيمة حزيران 1967 وسقوط الأنظمة العربية القومية والتقدمية وإنهيار الحالة الحزبية العربية (الناصرية، القوميين العرب، الشيوعيين، البعث رغم بقاء الحزب في الحكم في سوربا والعراق)، إنفتح الباب على مصراعيه أما تطورين كبيرين:
1) تخريب الوعي القومي والنقدي والثوري بل وتغييبه لتحل محله المفاهيم الغيبية والظلامية؛
2) غزو ثقافي رأسمالي تم التخطيط والإعداد له منذ عقود ولكنه تصاعد بشكل مذهل بعد سقوط الاتحاد السوفيتي والقطب الاشتراكي وإنفراد الرأسمالية الغربية بقطبية وحيدة هيمنت على العالم. وقد شوه هذا الغزو طبيعة الصراع في بلادنا وحقيقة أهداف وغايات النضال العربي وحرفنا عن معاركنا الرئيسية وأشغلنا باخرى جانبية، تحت غطاء كذبة "العولمة الثقافية" والدعوة الى الإنفتاح على الديمقراطية والحداثة وغيرها من الشعارات الزائفة.
فتح هذان التطوران الباب أمام تفكيك مجتمعاتنا مما أدّى الى تأجيج وتغذية التيارات والصراعات الدينية والطائفية والفئوية والمذهبية في البلد الواحد وداخل المجتمع الواحد.
* * *
مدخل الى إشكالية الوعي العربي
أسئلة
إذا ما كان للأفكار ان تصبح "قوة مادية" فيما لو تسلحت بها الجماهير وفق مقولة ماركس التي إستشرفها منذ ما يناهز قرناً ونصف، فانه لا بد لهذه الأفكار ان تنبع من واقع الجماهير وأن تكون في تناغم مع مصالحها أي ان تكون نتاجاً لوعي شعبي نقدي أصيل وأن تعبر عن المصالح الحقيقية للجماهير.
وعليه يكون السؤال: هل استطاع أصحاب المشروع التغييري في وطننا أن ينتجوا وعياً جذرياَ جديداً من داخل واقع الجماهير العربية نابعاً من تراثها وقيمها أم انهم عمدوا الى إستنطاق أفكار اوروبية جاءت من سياق تاريخي وإجتماعي مختلف ونبعت من واقعٍ مغاير؟
هنا نستطيع ان نمسك بطرف الخيط الذي يدفعنا للإجابة على هذا السؤال ـ المعضلة والذي يفرّخ بدوره كثيراً من الأسئلة:
ـ لماذا لم تتحرك الشعوب العربية لأمد طويل رغم طول معاناتها وقسوة الظلم والإستغلال اللذان ألما بها؟
ـ وحتى عندما ملأت الجماهير ساحة التحرير وتدفقت الى الشوارع بالملايين، لماذا لم تملك لا رؤية ولا برنامج ولا قيادة: برنامج يلتقط مصالح الطبقات الشعبية، وقيادة تمثل القوى الاجتماعية من التنظيم السياسي / الحزبي ونقابات ومنظمات جماهيرية.
ـ لماذا تعالت الشعارات البرّاقة ثم سرعان ما تغير بعضها وتبدل بعضها الآخر ليعكس حالة الضياع والحيرة وفقدان البوصلة السياسية التي نشهدها اليوم؟
ـ لماذا وكيف تم إمتطاء الانتفاضات الشعبية وتضحيات الجماهير وسرقتها من قِبَل قوى الثورة المضادة على تنوعها، كي تسخرها في خدمة مصالحها السياسية والاقتصادية والطبقية. (مثال: قوى الدين السياسي ووصولهم الى مواقع السلطة).
ـ بعبارة اخرى، لو كانت الجماهير مسلحة بالوعي والبرنامج والقيادة، هل كان لقوى الثورة المضادة ان تسرقها وتسخرها لخدمة مصالحها؟
ـ اذا كانت الأمور بنتائجها كما يقولون، فعلينا أن نسأل السؤال الاساسي: أين تأخذنا هذه الهبات الشعبية بالرغم من الإقرار بما أحدثته من تغييرات لا رجعة فيها، هل تأخنا الى الأمام أو الى الوراء؟
ـ كيف وصلنا الى "ثورة" تشدنا الى الوراء وتعود بمجتمعاتنا الى عهود الظلام؟ وكيف أمتلأت دنيانا وفضائياتنا بفتاوي عتاة التخلف؟
ـ كيف إستفقنا ذات صباح لنجد انه لا خلاف لنا مع "اسرائيل" ولا تراجع عن كامب دافيد؟
ـ كيف إستمرئنا مقولة انه لا ضير من التدخل الخارجي في أوطاننا، فتركناهم يحرقون ليبيا، ثم نراهم اليوم يطلبون المصير ذاته لسوريا؟
ـ كيف تكون قوى "الثورة" خائنة ومرتبطة بالغرب (ليبيا)؟ وكيف تكون قوى المعارضة (سوريا) مرتمية في احضان الغرب وسفلة السعودية وقطر والخليج، أي كيف تكون شريكة وضليعة في تدمير الوطن؟
ـ والأدهى، كيف صَدّقنا هذه اللعبة؟ ولماذا لم تثر كل هذه الكوارث إعتراضنا (بإستثناء القلة)؟
ـ أليس في هذا الف دليل على خللٍ وثغراتٍ عميقة في الوعي والفهم؟ ولماذ نستغرب بعد هذا كله تصاعد بل هيمنة التيارات الدينية والسلفية على الشارع والسلطة ومجلس الشعب والإعلام والفكر والثقافة؟
***
ليس بمقدور فردٍ الإجابة على هذه الأسئلة لوحده، بل هي تحتاج الى مجهود جمعي وشامل. وفي عودة الى مسألة غياب الوعي القومي العربي وأسبابه، فسوف احاول معالجتها من خلال محاور ثلاثة:
1) فشل الحركات العلمانية العربية.
2) فشل الحركات القومية والتقدمية والشيوعية والاشتراكية العربية.
3) وأن أحد الأسباب الرئيسية لهذا الفشل يكمن في (1) خلل فهم هذه الحركات لمسألة التراث العربي ـ الإسلامي و(2) طريقة تعاطيها معه، مما أدى الى عزلتهم عن الجماهير العربية وتقلص قاعدتهم الشعبية، والذي قدم بدوره الساحة خالية لقوى الدين السياسي كي تسرح وتمرح منذ سبعينيات القرن الماضي ولتصل الى وصلت اليه اليوم من سيطرة شبه تامة على الشارع العربي ووعيه وحراكه.
ولكن لا بد قبل ذلك من مدخل موجز يكشف العلاقة بين التراث والوعي الشعبي.
جدلية التراث والوعي
ليس صحيحاً ان الفكر الديني (الإسلامي في حالتنا) كان على الدوام فكراً متطرفاً او سلفياً، كما توحي الأوضاع الراهنة في بلادنا وكما يروج الغرب الرأسمالي ويريدنا ان نصدق. ففي هذا قفز عن حقبات مفصلية من التاريخ العربي والإنساني. إذ ليس هناك شك في أن الدين، بما فيه الإسلام، شكّل حالة تمردية وتغييرية وربما ثورية في مراحله المبكرة وفي سياق الأوضاع الإجتماعية والإقتصادية والسياسية التي كانت سائدة بين العرب آنذاك. ولو كان الرسول العربي محمد متطرفاً وأصولياً لإنقرضت دعوته في حينها، ولما شهدنا تلك الحضارة العظيمة. فالتاريخ لا يعيش مع ما يناقض حركته.
لقد شهد تاريخنا فصولاً مضئية لا يجوز إغفالها: ألم يأتي القرامطة والمعتزلة وإخوان الصفا وغيرهم من علماء وفلاسفة وحركات فكرية ونقدية رداً على إستتباع الدين والمؤسسة الدينية للسلطة السياسية؟ ألم يدعوا هؤلاء الى إصلاح الدين وإعمال العقل كي يتوافق مع النقل وإستبعاد كل ما يتنافى مع العقل من نصوص او تأويلها، وتطوير التفسير والإجتهاد الى مجاراة العقل والمنطق والعلم والواقع القائم.
لقد قدمت لنا هذه الحركات، وهو أهم ما خلفته من إرث، فهماً إقتصاديا للصراعات الإجتماعية وهو القادر على تفسير أسباب المظاهر الإجتماعية والإنسانية من فقر وبؤس وإستغلال والعودة بجذورها الى ظروف موضوعية، إقتصادية ـ طبقية ـ إجتماعية، كما انها شرحت لنا ان الصراع الإجتماعي يتمحور حول المصالح الإقتصادية حيث يكون حسم الجوانب الأخرى لهذا الصراع أي الجوانب الإجتماعية والسياسية والثقافية. وتأسيساً على هذا الفهم، صاغت هذه الحركات رؤيتها وبرامجها العملية في النضال من أجل التغيير.
أما مصير هذه الحركات فكلنا يعرفه، إذ هيمن أصحاب السلطة ورفضوا أي جديد وقالوا إن كل جديد بدعة وإن إستقلالية العقل كفر. وهنا تكمن هزيمة العقل في الاسلام وفي تاريخنا والتي ما زلنا نعيش آثارها الوخيمة منذ الف سنة. وهنا إنتصرت الذهنية السلفية التي آذنت بالانسداد الاجتماعي والسياسي والتاريخي لمجتمعاتنا.
* * *
قدمت هذه اللمحة التراثية لتأكيد أمرين هامين لم نوليهما العناية الكافية بالرغم من ان تجاربنا السياسية والحزبية والعلمانية تنطق بهما:
1) ليس كافياً أن نفسر الذهنية السلفية أو التطرف الديني على انها مجرد توظيف سياسي للدين، ثم ننطلق من هذه الحجة لتفسير ودحض ما تقوم به الحركات الدينية او المؤسسات الدينية وعلاقتها بالسياسة والدولة وغيرها من القوى الاجتماعية والسياسية.
في تقديري ان هذا ليس كافياً لتوعية أغلبية الناس العاديين والجماهير المسلمة والمؤمنة وتثقيفهم بالدور السياسي والاجتماعي الذي يلعبه الدين والمؤسسة الدينية وتحالفها مع المؤسسة السياسية كأداة في أيدي تلك المؤسسة والطبقة الحاكمة من أجل تعميق الظلم والإستغلال.
2) بل أرى انه من الضروري تقديم تعريف وتوعية شاملة بالجوانب الثورية والتقدمية للتراث العربي ـ الإسلامي وإلقاء الأضواء على نضالات وإنجازات الحركات والتيارات والنزعات الثورية والتغييرية عبر مراحل تاريخنا وتراثنا المختلفة.
وإسمحوا لي هنا أن أستطرد الى مسألة على جانبٍ كبير من الأهمية: لا بد انكم لاحظتم المحاولات المتعددة والمتكررة لإلغاء وطمس الطابع العربي لهذا التراث وإنكار دور العرب فيه من خلال تسمية بالاسلامي دون العربي او وضع مفردة الاسلامي قبل العربي. والحق انه تراث عربي ـ إسلامي بشهاد التاريخ عبر كافة حقباته ووقائعه منذ قيام النبي العربي بنشر الدعوة الإسلامية في أرض العرب وصولاً الى المساهمات الكبيرة التي قدمها العرب لهذا التراث وللتراث الإنساني بشكل عام.
التراث وتكوين الوعي
لماذا يهمنا التراث العربي ـ الإسلامي وما هي أهمية التعامل معه؟
وما علاقة التراث بتكوين الوعي أو تشكيل وعيٍ عربيٍ جديد، نقدي ثوري قادر على إنجاز التغيير المنشود؟
الجواب في الحقيقة بسيط بقدر ما هو بليغ:
أ) لأن الإسلام يشكّل العقيدة الدينية للطبقات الشعبية في الوطن العربي أي الأغلبية السكانية في بلادنا، ولأن تراثنا يشكّل موروثها ووعائها الثقافي والحضاري وهو المدخل الطبيعي والحقيقي للعلاقة مع الجماهير الشعبية.
ب) وتأسيساً على هذه الحقائق، نستطيع أن نبني ونطوّر وعياً جماهيرياً نابعاً من قيم الطبقات الشعبية العريضة وتراثها وواقعها المادي الموضوعي، ومعبراً عن مصالحها. بعبارة اخرى وعياً قادراً على إحداث النقلة وأن يشكل الرافعة الاجتماعية ـ السياسية في عملية التغيير وإنجاز أهدافه.
من هنا نخلص الى أن دراسة التراث من هذا المنظور، ليست مجرد "ردة فعل" على التيارات والحركات السلفية والتكفيرية، بل مهمة وضرورة موضوعية وتاريخية تأتي في الأساس تعبيراً عن إضطلاع القوى التغييرية بمسؤولياتها التاريخية في تقديم التراث لجماهير الشعب من أجل التأسيس لفهم موضوعي وتحليل عملي مرتبط بالواقع، ولكي تتضمن إيصال هذا الفهم للجماهير وصياغة برنامجها النضالي الذي لا يمكن ان يكتمل دون وعي نقدي يشكّل الضمانة لنجاحات وإنجازات المشروع والقدرة على مواجهة تحدياته واستمراريته.
* * *
كيف تعاملنا مع مسالة التراث؟
ينطوي هذا السؤال على شقين:
أ) كيف تعاملت القوى النهضوية (التقدمية والقومية والاشتراكية والعلمانية وكافة القوى التي تتبنى مشروعاً قومياً نهضوياً) مع مسألة التراث؟
ب) هذا من ناحية. ومن الناحية الثانية، كيف تعاملت هذه القوى النهضوية مع قوى الدين السياسي في الصراع السياسي والإجتماعي المحتدم منذ عقود، بالطبع لا نقصد التعامل من منظور العقيدة الإيمانية للفرد بل من منظور الفكر والصراع السياسي بينهما، أي بين الحركات القومية والنهضوية من جهة، وحركات الدين السياسي، من جهة اخرى؟
لو راجعنا معالجة القوى العربية القومية والعلمانية لهذه المسألة عبر القرن الماضي وخاصة نصفه الثاني، فانه سرعان ما يتبين لنا أن هذه القوى لم تمنح هذه المسألة العناية الكافية وتجاوزتها لعقود طويلة، مما أدى الى وقوع التراث (وفهمه وتفسيره وتوعية الجماهير به) رهينة للنظرات الغيبية، وهو ما عزز بدوره حضور وتأثير العناصر السلفية والتكفيرية بين الحركات الاسلامية، فكان الثمن هذا التصحر الفكري الذي اصاب جماهيرنا وأدى الى إخلاء الساحة لقوى الدين السياسي وإنفرادها بجماهير الشعب وخاصة الفقيرة منها والمهمشة والمظلومة.
أولاً: أسباب فشل العلمانية العربية
تتعدد تعريفات العلمانية ويكثر فيها الجدل، إلا ان ما نقصده بالعلمانية في سياق هذا البحث هو باختصار ووضوح فصل الدين عن الدولة والحفاظ على المعتقدات الدينية الإيمانية قراراً وخياراً للفرد وعلاقته بالله او بالخالق.
لم تلعب العلمانية العربية، إن كان لنا ان نستخدم هكذا مصطلح مجازاً، دورها المتوخى في تأسيس وعي نقدي لدى الجماهير العربية، بل كثيراً ما إختارت المهمة السهلة اي النقل عن اوروبا والعلمانية الاوروبية وهو ما لا يتوافق مع واقع بلادنا وتراثنا وسياقنا الاجتماعي والتاريخي. ربما لا تكمن المشكلة في أخذ المضمون العلمي والإجتماعي للمصطلح، بل ان المشكلة في أن برادايم العلمانية الناشىء في مجتمعات صناعية متطورة ليس من السهل تطبيقه في مجتمعات غير صناعة وبطريركية. ولا شك أن العمل الحزبي بما يتضمنه من وعي (وتوعية) ثوري حزبي او تطور ثقافي قد يساهم في التعويض، ولكن اذا غاب العاملان، المضمون العملي والإجتماعي للعلمانية، فهناك تكون المشكلة. (انظر تجربة الحزب القومي السوري الإجتماعي).
1) لقد فشلت العلمانية في تقديم التراث الى الجماهير العربية من منظور نقدي، وفي إرساء مفاهيم جديدة في التعامل مع مسألة التراث وأقصد هنا بالتحديد ترسيخ وعي حقيقي بالتراث وجوانبه الثورية والتقدمية والإطلال على نضالات الشعوب في وطننا وفي العالم أجمع.
وفي هذا الصدد، تجدر الإشارة الى أن هذه الحركات قصرت تقديم المعرفة على مسائل العلمانية وتوفير حيز الجدل بقضاياها، مما أدى الى غياب أو تغييب هذه المعرفة، فكان هذا الغياب واحداً من الأسباب المسؤولة، بالإضافة الى عوامل أخرى، عن الفراغ الذي جاءت التيارات الدينية المتشددة لتملأه.
2) كما فشلت العلمانية في ترسيخ فهم متأصل بمسألة الصراع الوطني والاجتماعي والطبقي، فهم يوضح العلاقات الجدلية بين مكونات وأشكال النضال ويؤكد أن هذا النضال، بكافة أشكاله ومستوياته، هو المشترك الانساني بين الشعوب من أجل خير الانسانية ومستقبلها الأفضل.
لهذين السببين الرئيسيين لم تطور العلمانية العربية مفاهيم تقوم على توجهات تقدمية وتغييرية وثورية تكون جزءاً من المشروع التحرري العربي. لو تم التأسيس لهذه المفاهيم، لكان من شأنها تشد الوعي الشعبي الى الأسباب الجذرية للصراع سواء كان وطنياً تحررياً من قوى الإستعمار الغربي، أم إجتماعياً وطبقياً ضد قوى الظم والإستغلال، ولكان كفيلاً بفهم أطراف الصراع ومكوناته، أي معسكري الأعداء والأصدقاء.
3) لم تطرح الحركات العلمانية العربية (ومعها كافة الاحزاب التقدمية والقومية والاشتراكية) البديل أي لم تطرح تصوراً لأدوات التغيير وألياته. صحيح أنها طالبت بالعلمانية والدولة العلمانية، ولكنها لم تلق الوسيلة لتحقيقها.
4) لا شك أن ربط العلمانية بالإلحاد من قبل القوى المغرضة التي لفقت مثل هذه الأكاذيب والتلفيقات، تسبب في أضرارٍ جسيمة بالعلاقة مع الجماهير الشعبية وخسارة دعم جزءٍ كبير منها، وهو ما خدم في التحليل النهائي مخططات وغايات الرأسمالية والإمبريالية في بلادنا.
لهذه الأسباب مجتمعة، أخفقت الحركات العلمانية في بناء وعي الجماهير وما زالت هذه الهوة تتعمق وتتعاظم وتزداد خطورة. وهذا يعني انها فشلت في تلبية ضرورة تاريخية وشرط أساسي لتحقيق التغيير، كما يعني أيضاَ أنها فشلت في الرد عليها ومقاومة تأثيرات التيارات السلفية والتكفيرية والمفاهيم التي تروج لها هذه التيارات.
ولكي تكتمل الصورة، لا بد لنا ان نؤكد الحقيقة المرّة، وهي انه في مقابل عجز الخطاب العلماني العربي (القومي، الشيوعي، الليبرالي...)، نرى أن قوى الدين السياسي ألقت بكل ثقلها في الشارع العربي المتدين ورسخت، منذ ثورة الخميني وقبلها، ردة سلفية دينية لم تترك جانباً من جوانب الحياة الشخصية والجمعية والاجتماعية إلا وتدخلت فيها. ولا نحتاج لأكثر من تفحص صفحات الإعلام والانترنت والفضائيات لنرى السيطرة الكاملة على مدار الساعة للبرامج الدينية والفتاوى وغيرها من أصناف الغيبيات والخزعبلات.
* * *
ثانياَ: فشل الحزبية العربية
لقد أخفقت الحزبية العربية، على اختلافها تنظيماتها ورؤاها وبرامجها، في تحقيق أهدافها المعلنة، وبهذا المعنى فهي مسؤولة عن إنهيار المشروع النهضوي العربي، وإن لم تكن المسؤولة الوحيدة. وبالحزبية العربية أقصد فصائلها الرئيسية التي شغلت ساحة النضال في الوطن العربي وأهمها: الحركات القومية (الناصرية، البعث، القوميون العرب، القومي السوري الاجتماعي) والشيوعية والاشتراكية العربية. وقد تجلي هذا الإخفاق في الظواهر التالية:
● تلقت الناصرية ضربات متتالية منذ هزيمة حزيران 1967 ووفاة عبد الناصر في أيلول 1970 وقدوم المرحلة الساداتية.
● صحيح ان حزب البعث في شعاره المعروف "وحدة حرية إشتراكية" قد أمسك برؤية ثاقبة لمهام المرحلة التي وُلد فيها، وصحيح انه حكم العراق منذ 1968 وحتى احتلاله عام 2003، وانه ما زال يحكم سوريا منذ عام 1963، إلا انه كغيرة من الأحزاب العربية لم يجد الوسيلة ولا الآليات لتطبيق وتحقيق هذه الأهداف.
● أما حركة القوميين العرب فقد تخلت عملياً عن مشروعها القومي على الساحة العربية عندما حلت تنظيمها في اواخر عام 1967 وأسست الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في الساحة الفلسطينية وغيرها من التنظيمات في الاقطار العربية الأخرى. وقد تُركت هذه التنظيمات لأمرها في أقطارها دون قيادة قومية أو مشروع قومي.
أما أسباب إخفاق الحزبية العربية فتتعدد ويطول فيها الجدل، وسوف أعرج فيما يلي على أهمها:
1) التأثيرات الكارثية العميقة للتجزئة وقيام الدولة القُطرية التي حسمت موقفها في معسكر العدو، الغرب الراسمالي الامبريالي الذي خلقها وما زال يزودها بمقومات البقاء والحياة (انظر دور السعودية وقطر والخليج منذ احتلال العراق وصولا الى المؤامرة ضد سوريا).
2) تبعية الأنظمة العربية للغرب الراسمالي والتحالف معه في التآمر الخارجي والإستهداف الغربي لبلادنا.
3) الإحتراب بين الفصائل والأحزاب القومية مما تسبب في أضرار كثيرة.
ليس المقصود من سرد هذه الإخفاقات التقليل من دور التنظيم السياسي والحزب والبرنامج والقيادة، والإيحاء للقارئ أو إيصاله الى القناعة بان دورها غير هام كما ذهب الكثيرون من المثقفين والمفكرين والكتّاب خلال الحراك العربي فتفاخروا بان هذه الإنتفاضات الشعبية كانت أصيلة وعفوية حيث أنها تميزت بغياب الإطارات الحزبية وبرفضها للأحزاب والتنظيمات السياسية، بل ان بعض هؤلاء المثقفين ذهب الى حد تفسير هذه الإنتفاضات بانها جاءت رداً على فشل الأحزاب. ولا أخال أن هذه المقولات بريئة أو بعيدة عن الثورة المضادة التي عملت، من بين ما عملت عليه، على حرمان الجماهير من تراثها النضالي، مع إقرارنا بأخطائه وعلاّته وإخفاقاته، والإفادة من هذه التجارب والتضحيات العظيمة. فأية أمة تتنكر لتراثها وتجاربها!
كل هذا في تقديري صبّ في خدمة الدين السياسي، فظل الأقوى والأكثر تنظيما حضوراً في الشارع، وبالتالي الأكثر إشتباكاً بالواقع والتأثير فيه.
نخلص من تحليل مواقف الحركات العلمانية والنهضوية العربية، وهنا بيت القصيد، بان الفراغ الذي تركته هذه القوى في الشارع العربي لم يكن نتيجة للإنحسار السياسي والاجتماعي لهذه القوى فحسب، بل نتيجة لإنحرافٍ في نهجها وتحليلها وقصورٍ في فهمها وتقاعسٍ في التأسيس لوعي نقدي ثوري لدى الجماهير العربية.
* * *
بعد شرح أسباب فشل الحركات القومية والعلمانية العربية، ننتقل الى قوى الدين السياسي وهيمنتها على مقاليد الأمور بعد إنتفاضات الشعوب العربية وخصوصا في تونس ومصر وليبيا وها هي تحاول القيام بالمثل في سوريا. وسوف نتناول هذه الحركات في محورين:
ـ الأول، نستعرض فيه بعض عناصر ومكونات الذهنية الدينية؛
ـ والثاني، نسلط فيه الضوء على ركائز الدين السياسي والسمات العامة لحركات الإسلام السياسي.
اولاً: مكونات العقل الديني/السلفي
ملاحظات عامة
ليس الدين او الإسلام هو موضوعنا اليوم، ولكننا نطرق الدين في سياق هذا البحث من حيث توظيفاته في السياسة والمجتمع وإستخدامه كآلية لتحقيق غايات سياسية واجتماعية.
وعليه، دعونا في البدء نفرّق بين مسألتين منفصلتين:
اولاً، التفريق بين الإسلام كتدين وعقيدة إيمانية وعلاقة الفرد بالله، من جهة، والدين والإسلام عموماُ كمفهوم إجتماعي وسياسي أي الدين في وظائفه الإجتماعية والسياسية، من جهة أخرى.
ثانياً، التفريق بين الإسلام من جهة، وتفسيرات الفقهاء له، من جهة أخرى.
هناك خلط دفين وخبيث ومتعمد في ثقافتنا وخطابنا وعقولنا في هذه المسائل، وهنا يكمن احد الاسباب الرئيسية لتخوف الناس من نقد رجال الدين والمؤسسة الدينية، إضافة الى سببين آخرين:
أ) ان الفقهاء ورجال المؤسسة الدينية يستطيعون في كل الأوقات تكفيرمَنْ يختلف معهم والدعوة الى قتله.
ب) ان هناك ملايين الناس الجاهلة أو المُجهلة او كلاهما التي تصدقهم دون مسائلة ودون إعمال العقل والمنطق.
لهذين السببين، إضافة الى الخوف والترهيب والقمع والتكفير والتجهيل، لا يستطيع أحد أن ينتقد الذهنية الدينية ولا أن يواجه المشكلة الطائفية والمذهبية التي تنخر الجسد العربي وتهدد مجتمعاتنا بتفكيكلها وزعزعة تماسكها.
أما مخاطر هذه الذهنية فتتمثل بايجاز شديد فيما يلي:
1) تزعم الذهنية الدينية أنها تقف على فقه معصوم لا يخطأ ولا يتبدل ولا يتغير مهما تغيرت الأوضاع والظروف. وهذا في ترجمته العملية يعني شلل المرحلة وإحتقانها.
2) يلغي النص الديني العقل الذي يستسلم له ويخلق من حوله حالة من الخوف والرعب والتحاشي، ويولد فينا حيرة تبقينا سجناء المعنى الحرفي لهذا النص أو عرضة للتفسير والتأويل وفق رغبة ومصالح الفقهاء.
3) لا تتوقف فتاوي الفقهاء عند إغتيال الفكر والعقل والنقد فحسب، بل تتجاوزه الى تكفير الآخر وإلغائه وتُحلَّ دمه مما يؤدي الى تأجيج التناحرات الطائفية والمذهبية. كيف لا وقد ملأ الفقهاء أمثال القرضاوي وغيره فضائنا الروحي والثقافي والسياسي الإعلامي وأضحى مشهداً يومياً في حياتنا. وحيث أن بيئتنا العربية تتسم بتعددية الإثنيات والقوميات والأديان والطوائف، فانه من شأن هذه التعددية، في ظل تسلط الذهنية السلفية التي تلغي الآخر وتكفره، أن تضاعف المخاطر من حيث أنها تؤسس للتعصب الطائفي كعقيدة راسخة على الصعيدين الشعبي والرسمي.
4) كل هذه العوامل مجتمعة، وغيرها الكثير مما لا يسعنا الآن ان نغوص به، تفضي الى حالة الإنسداد التي نعيشها اليوم، وهو إنسداد على عدة مستويات:
أ ـ الإنسداد الفكري واللاهوتي بين النص الديني والذهنية الدينية من جهة، وحرية الفكر والنقد وإعمال العقل والمنطق من جهة أخرى.
ب ـ أما العقل السلفي فيأخذنا من الإنسداد الفقهي الى الإنسداد الإجتماعي والتاريخي. (انظر تونس ومصر وليبيا ).
5) أما الأمر الذي يدعو الى المزيد من القلق فهو ان "وعي" عامة الناس أو على الأقل الأغلبية منها لا يختلف عن هذه التيارات ولا يبدى أي معارضة لها.
كل هذه الإشكاليات تطرح السؤال التالي ولعله أخطر أسئلة المرحلة وأكثرها تعقيداً: كيف نتعامل مع هذا؟ وكيف نعالج أمراُ تكرس في العقل الجمعي منذ أكثر من الف سنة؟
الدين السياسي
السمات العامة لحركات الدين السياسي
1) الرؤية القُطْرية: حيث تقوم الرؤية السياسية لهذه الحركات على مفاهيم تجزئة الوطن العربي وترسيخ الدولة القُطرية كياناً وأنظمة وثقافة.
2) معاداة القومية العربية فكرةً ومشروعاً: فقد عارضت هذه الحركات، عبر العقود الثمانية الأخيرة منذ تأسيس أقدم تنظيماتها، حركة الاخوان المسلمين عام 1928، الوحدة والقومية العربية وتآمروا عليها وتحالفوا مع قوى الإستعمار ضدها خلال كافة مراحل عملها السياسي.
3) ان هدف هذه الحركات ومشروعها إسلامي عالمي وليس عربياً قومياً نهضوياً.
4) قد يختلف الإخوان (أو ما يسميه الغرب الإسلام المعتدل) والسلفيون في شؤون الدين والفقه والدين ولكن ليس بينهم خلافاً جوهرياَ في تعاطيهم مع السياسة، فكلاهما يوظف الدين من أجل الوصول الى السلطة السياسية.
5) تشكل الحركات الاسلامية وخصوصا الإخوان القوة الأكثر حضوراً وتماسكاً من حيث التنظيم السياسي والقدرة على التنسيق والتواصل مع الشارع العربي والتأثير عليه.
6) علاقة الغرب بالاسلاميين: تتسم العلاقة بين الحركات الاسلامية السياسية، قوى الدين السياسي والتطرف الديني والأصولية، وبين الغرب الرأسمالي بالتناغم والتناقض في آن وهو أمر يتطلب بعض التوضيح:
ـ في الظاهر يشن الغرب حربه على الإسلام والتطرف والأصولية على كافة لمستويات؛
ـ وفي الباطن يرى الغرب في هذه القوى مصلحة ومطلباً إستراتيجياً إمبريالياً، وهو يغذيها ويسلحها سواء على نحو مباشر او عن طريق عملائه المحليين من الأنظمة العربية العميلة والمرتبطة به، كما انه يعزز الإسلاميين كبديل للانظمة العربية العميلة.
بعبارة أخرى، وبالرغم من التناقض الظاهري بين الغرب والإسلام السياسي، فان التحليل الموضوعي من منظور تلاقي وخدمة الأهداف السياسية لكل من الطرفين، يؤكد أن التناغم قائم بينهما. وهذا لا يعني ان تلاقي المصالح وتناغمها يكون دوماً وبالضرورة بوتيرة واحدة أو في كافة الحالات وفي مختلف مراحل النضال السياسي (مصر مثالاً).
خاتمة
في الختام نلخص المعضلة الرئيسية والتي تكثف المأزق الراهن كما يلي:
اذا كان الإسلام هو العقيدة الدينية لأكثرية شعوبنا، واذا كان الدين السياسي (الإسلام السياسي) يدّعي تمثيل العقيدة السياسية الاجتماعية لهذه الجماهير، واذا كانت الحركات القومية والعلمانية العربية قد فشلت، وإن كان الفصل بين الدين والدولة امرٌ بعيد المنال في المدى المنظور، فما هي تصورات الحل؟
الحل أو ربما الجزء المركزي منه يكون في مشروع بناء وتطوير وعي شعبي عربي قومي نقدي وثوري. ولهذا نقول أن المعركة الكبيرة لم تبداً بعد، لاننا لم نخض حتى الآن المعركة الحقيقية: معركة الوعي... وعي الشعوب. عندها سيكون لنا النصر... لان ثورة بدون وعي وبدون برنامج اجتماعي وسياسي وإقتصادي هي ثورة في مهب الريح، وسوف تبقى في خطر.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
التعليقات
1 - هل نستطيع ولوج الإصلاح السياسي والاجتماعي وتو
mohammed mogahed
(
2012 / 6 / 6 - 01:46
)
لقد همش الإصلاح وينظر إليه أنه معيقا للإيدلوجية الثورية التي تعتبر أنها أرقى من الإصلاح والديمقراطية لذلك فهذا العصر الثوري بالضرورة سيبقى ملازما الى تفكر الغالبية بانتقال فعلي الى حياة مفتوحة وحديثة ، فهذا العصر بكثير من أطيافه السياسية هو من نادى فور الحكم على حسني مبارك بأن تقام محاكم ثورية بديلا عن المحاكم المدنية وكان بالإمكان النضال لاستصدار الحكم المتناسب وطبيعة ما قام به مبارك وتطوير هذه المحاكم للتناسب أكثر والحالة المدنية الحديثة نعم إنه عصر الإيديولوجيا الكاسح
.. يامين لامال يتصدر قائمة 11 لاعبا الأكثر ارتفاعا في 2024
.. عملية تجميل لأنف الرئيسة دينا بولوارتي تثير جدلا يصل لمطالبا
.. تقرير: روسيا تسحب أسطولها من ميناء طرطوس في سوريا
.. روسيا تتهم أوكرانيا.. هل قدمت الدعم للتنظيمات المسلحة في سور
.. جدل في إسرائيل بعد انتقاد المتحدث باسم الجيش قانونا صدق عليه