الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اللغة والزمن..

وديع العبيدي

2012 / 6 / 5
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


الزمن هو حاصل ضرب كتلة الجسم في حركته.
والعلاقة عكسية بين الكتلة والسرعة، فكلما تناقص أو تزايد أحدهما، انعكس على الآخر، وعلى النتيجة.
هذا يعني أن وصول أحدهما لدرجة الصفر (السكون) سوف يلغي الآخر. فالشيء غير الموجود –بدون كيان مادي-، ليس له حركة. والشيء الساكن – ليس له حركة- ، ليس له وجود (مادي)!.
وبحسب استنتاج ألبرت آنشتاين [1879- 1955] فأن المرموز الديني -الأله- ليس له وجود (مادي/ منظور) لأنه لا يتحرك ، فالحركة من خصائص المادة. لقد كان أنشتاين باحثا ومفكرا ماديا، وقد عمل بفكره على دفع عجلة البشرية والحضارة خطوات للأمام. لقد فتح الباب أمام العقل لاختراق الزمن. وبفضله صار الزمن مادة للبحث. ولكن طروحاته العلمية لم تتقاطع مع (الفكر الديني). فهذا الأخير يقرّ منذ القديم بما يترتب على نظرية أنشتاين..
- الأله هو فوق المادة وليس له جسم أو خواص مادية / (مخفي/ غير منظور أو مدرك بالحواس).
- الأله هو فوق الزمن وليس له عمر محدد.
وكما استخدم الفلاسفة مصطلح – الهيولى/ لانهاية-، استخدم الفكر الديني مصطلح – الأبدية/ الخلود-.
فالكون (Cosmos) – وهو اشتقاق لغوي من : كان يكون كن فهو كائن- يشتمل على كائنات مادية في حالة حركة مستمرة، واجتماع [الحركة + الكتلة] يجعل لها كيانا منظورا بواسطة الحواس البشرية. وقد رصد العلماء تناقصا تدريجيا في معدل السرعة الكونية، بما يوازي مفهوم (الزخم) الفيزياوي. ومن آثاره أن (الكواكب) وهي أجرام مادية منطفئة كانت نجوما متوهجة في أزمان سحيقة، و يعتقد اليوم أن ظاهرة الثقوب السوداء هي عبارة عن أجرام منحلّة. ويمكن الاستنتاج منه، أن مزيدا من النجوم والاجرام في طريقها للانطفاء والتحلل، مع تقادم حركة الزمن.
حتى هذه النقطة يبقى فهم (ماهية) الوجود ملتبسا، بانتظار أنشتاين آخر. فالقول بأن اجتماع المادة والحركة ينتج (الزمن)، يجعل من الممكن القول: بأن الزمن يساوي حاصل ضرب الكتلة بالزمن!.. ولكن من هو الأساس في الوجود؛ هو هي الكتلة، أم الحركة، أم الزمن؟؟!!..
ولما كانت كلّ من الكتلة والحركة لا وجود لأحداهما بدون تحقق الأخرى، فأن وجودهما المشترك يمكن اختصاره بكلمة (الزمن). وإذا كان الأمر كذلك، فما هو الأصل: الكون أم الزمن؟..
هل الحياة كائنة في الكون أم في الزمن؟..
إذا كان الزمن هو الأصل والأساس في وجودنا، فهو أساس منجزنا المعارفي والحضاري كذلك. ان دورة الحياة تدور خلال الزمن. والطفل المولود هو في حالة نمو وتغير مستمر منذ لحظة تشكله (المادي) وولادته!. وكذلك كلّ العمليات المادية والمعطيات النفسية والحسيّة والفكرية والاجتماعية وما إليها، كلّها في حالة حركة ونمو وتقادم، بدأت من نقطة، وتنتهي إلى نقطة وتتلاشى.
فمفهوم الدورة- دوران هي خاصة أخرى من خصائص الحياة والوجود؛ أي من خصائص الزمن. وقد أدرك السومريون والفرس والأغريق فكرة الزمن والدورة الزمنية، وتم تضمينه في معتقداتهم.
مركزية مفهوم الحركة الكونية، يقتضي الالتفات إلى جملة مفاهيم لغوية ما زالت مستمرة من مراحل سابقة للتطور العلمي البحثي، على شاكلة: جمود، انغلاق، ثبات، خلود، مجد. فليس ثمة وجود أو ظاهرة تحظى بشيء من ذلك، ضمن حركة (الشطف) الزمني الدائبة والمتغيرة باستمرار. وهنا يأتي السؤال عن مصير اللغة: المفاهيم، الدلالات، والقواعد.
الانسان كائن من الكائنات الطبيعية الموجودة في الكون، يخضع لقوانينها وينفعل بتغيراتها. ولكنه ينماز عنها بكونه يوجد في كون آخر مصطنع، تابع لعقله الخاص، يصطلح عليه باللغة. فكما أن الكون هو من أنتاج [العقل الأكبر] المخفي وراء الطبيعة، فأن (عالم الثقافة) هو من أنتاج [العقل الأصغر] الممثل بالانسان. وبديهي، أن كل هذه الأفكار والتصورات ما كان لها أن توجد لولا اكتشاف اللغة. وما كان للغة أن توجد وتتبلور وتتأسس وتعمل بدون جدارة العقل البشري. وإذا كان الزمن هو مفتاح الكون، فاللغة هنا هي مفتاح العقل!. اللغة في مقابل الزمن.
ولتأسيس بنيوية الكون الثقافي يمكن القول أن:
[اللغة] هي حاصل اقتران [المفردة/ الفكرة] مع [حركة التداول/ الاستعمال].
فالمفردة – لغة أو ثقافة- هي كائن له حياة وعمر محدد، تعيش وتموت، عبر مسافة أو مرحلة زمنية معينة. وحياة المفردة هو تداولها، - والذي يناظر مفهوم الحركة بالنسبة للمادة-، وعندما تتراجع المفردة –لفظة أو فكرة- من التداول، تكون قد شاخت أو تناقصت أهليتها، وفي طريقها للموت. وفي تاريخ اللغة والثقافة، كم لا يحصى من اللغات والألفاظ والأفكار والمعتقدات الميتة – أي التي سقطت من التداول الاجتماعي. بل أن حركة الحياة اليومية في حراك مستمر من الألفاظ والأفكار المتساقطة، والألفاظ والأفكار المتوالدة، مما يمكن لكل شخص الانتباه إليها ورصدها.
وهنا يظهر سؤال آخر، حول مدى أهمية الانسجام، بين الكون الخارجي والكون الداخلي، الطبيعة والثقافة؟..
لقد اختار البعض أن يعيشوا في الطبيعة على حساب العقل..
واختار البعض الآخر أن يعيشوا في العقل على حساب الطبيعة..
الطبيعة هي منظومة العلاقات الرتيبة، وبفهم معدلاتها ضمن الانسان البدائي لنفسه درجة من الطمأنينة والحياة السكونية المتراجعة.. وتتمثل اليوم بأغلبية العوام (majority)...
أما الفئة الأخرى، وهم الخاصة أو النخبة والأقلية (elites)، فتعنى بالتطوير المستمر لعالمها الثقافي والفكري وأدواته اللغوية بما يدفع عجلة الحياة أمام سباق الزمن، بدل السقوط بين عجلاته. ويلحظ اليوم، كما في الماضي، ان مجتمعات وثقافات ولغات غير قليلة تتراجع وتنحط وتتساقط بين الأرجل، فيما تتقدم مجتمعات وثقافات ولغات أخرى.
نحن ما زلنا نعيش في أشعار الأقدمين، ونفتخر بحماستهم ونتبارى بألاعيبهم اللغوية، ونعلم أطفالنا أن يقلدوا سير رموز تاريخية عاشت وماتت قبل ظهور الكهرباء وتكنولوجيا الاتصالات، ونسنمد قيمنا الثقافية والاخلاقية من بيئات اجتماعية ليس بوسع أيّ منا احتمال العيش فيها في الواقع. بل ما زال البعض يلطم وينوح على موتى من عشرات القرون، كأنه يوم أمس. نحن – ما زلنا- عاجزين عن انتاج قيم جديدة، أو استخدام عقولنا بطريقة مختلفة لابداع انماط جديدة تصلح لمضاهاة الحياة الحديثة. اننا نقتل الزمن ونريد منه أن يمنحنا المستقبل.
قراء المتنبي [915- 965م] يستعيدون عصره وعقليته إذ يرددون.. "لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى.. حتى يسالَ على جوانبه الدمُ". أما القارئ الانجليزي.. حفيد شيكسبير [1564- 1616]، فهو لا يمجده ويصنمه وانما يعيد قراءته وترجمته بعقلية جديدة ووجهات نظر جديدة، فيجعل شيكسبير معاصرا له. مخرجوا شيكسبير يعيدون انتاجه من منظور عصري يناسب بلدانهم، بينما قراء المتنبي يقسرون صياغة الحاضر بمنظور ماضوي.
ويبقى أن الغرب، وهو أقلية نخبوية خاصة، تتصدر الحضارة والمدنية والاجتماع البشري والسياسي، حجمه أقل من ربع البشرية بالنسبة السكانية، وعمر تاريخه لا يصل إلى ربع تواريخ حضارات الشرق القديم.
لكن الغرب في تاريخه القصير نسبيا، مرّ بمراحل تاريخية متعددة، وشهد قيام وسقوط حضارات وامبرارطوريات ودول متمايزة، وأنتج خلالها خلاصة الحضارة والمنجز الفكري الذي أنتج ملامح الحياة المدنية والانسانية المعاصرة. فيما شكلت امبراطوريات الشرق ومعتقداتها سلسلة قائمة على التكرار والتراجع الحضاري. والفارق بينهعما هو احترام عنصر الزمن كقيمة فاعلة متحركة في الغرب، طالما حاول الشرق تجميد عنصر الزمن داخل توابيت التاريخ والمجد المجمد.
لقد تعلّم الغرب من الشرق كثيرا، وعرف كيف يستفيد ويفيد جيدا..
فهل يتعلم الشرق (العربي) من الغرب شيئا قليلا للمستقبل!!..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رئيس الوزراء أتال يقدم استقالته للرئيس ماكرون الذي يطلب منه


.. مدير الشاباك الإسرائيلي يتوجه لمصر لمواصلة المحادثات بشأن وق




.. قتلى وجرحى بقصف إسرائيلي على جنوبي غزة وسط توغل بري وإطلاق ل


.. قراءة عسكرية.. فصائل المقاومة تكثف قصفها لمحور نتساريم.. ما




.. هآرتس: الجيش الإسرائيلي أمر بتفعيل بروتوكول -هانيبال- خلال ه